Category Archives: خطب الجمعة

تنْزِيهُ اللهِ عنِ الجِسمِ وسائرِ معانِى الخَلق

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِه اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وَحَبِيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مُحمَّدٍ وعلَى ءالِه وصحابتِه الطيبينَ الطاهرين.

أما بعدُ عبادَ اللهِ، فإني أُوصيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ العَليِّ القديرِ والثَّباتِ على عقيدةِ الأنبياءِ ونَهْجِ سيّدِ الأنبياءِ ودَرْبِ إمامِ الأولياءِ والأَصْفِياءِ، فَهُوَ الحبِيبُ وَهُوَ القُدْوَةُ وهو القائلُ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ في حديثِه الشَّريفِ وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ اهـ[1]

فقد خَصَّ النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم نَفْسَهُ بِالتَّرَقِّي فِي هَذَا العِلْمِ أَيِ العِلْمِ بِاللهِ تعالى وصِفاتِهِ لأنهُ أَجَلُّ العُلومِ وأَعْلاها وأوجَبُها وأَوْلاها، فَعِلْمُ التوحيدِ لَهُ شَرَفٌ علَى غَيرِهِ مِنَ العُلُومِ لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِأَشْرَفِ المعلوماتِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمعرفَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ علَى مَا يَليقُ بهِ فالتوحيدُ عندَ أَهلِ السُّنّةِ هو نَفْىُ التَّشبيهِ والتَّعطيلِ كَمَا ذَكَرَ ابنُ حجرٍ العَسْقَلانِىُّ في شرحِهِ على صَحيحِ البُخَارِىِّ فهوَ مَبْنِىٌّ علَى إِثباتِ مَا يَجِبُ للهِ مِنَ الصِّفاتِ كَالعِلْمِ وَالقُدْرَةِ والإِرادَةِ مَعَ نَفْىِ التَّشبيهِ أَى مَعَ تَنْزِيهِ اللهِ عَنْ مُشَابَهَةِ المخلوقِينَ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنَ القُرءَانِ الكَريمِ كَقَوْلِهِ تعالَى ﴿لَيسَ كَمِثلِهِۦ شَيء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ١١﴾[2] وقولِهِ تعالَى ﴿وَلَم يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُ ٤﴾[3] وقولِهِ تعالَى ﴿وَلِلَّهِ ٱلمَثَلُ ٱلأَعلَىٰ وَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ ٦٠﴾[4] وقولِهِ تعالَى ﴿فَلَا تَضرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعلَمُ وَأَنتُم لَا تَعلَمُونَ ٧٤﴾[5] أمَّا الآيةُ ﴿لَيسَ كَمِثلِهِۦ شَيء﴾ فَهِىَ أَصْرَحُ ءَايَةٍ وَرَدَتْ فِي التَّنْزِيهِ لأنهُ يُفهَمُ مِنْهَا التنْزيهُ الكُلِّىُّ وتَفْسيرُها أَنَّ اللهَ لا يُشبهُهُ شىءٌ بِأَىِّ وجهٍ مِنَ الوُجوهِ، فَفِى الآيةِ نَفْىُ مَا لا يليقُ باللهِ عَنِ اللهِ كالعَجزِ والجهلِ وَالحدِّ واللونِ وَالأَعضاءِ والشَّكلِ والصورةِ والهيئةِ والتَّركيبِ. وأَمَّا قولُهُ تعالَى ﴿وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ١١﴾ فَفِيهِ إِثْبَاتُ مَا يليقُ بِاللهِ، فَالسَّمْعُ صِفَةٌ لائِقَةٌ بِاللهِ وَالبَصَرُ كذلكَ وَإِنَّمَا قَدَّمَ اللهُ تعالَى في هذهِ الآيَةِ التَّنْزِيهَ حتَّى لا يُتَوَهَّمَ أَنَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ كَسَمْعِ وبَصَرِ غَيرِه فاللهُ تعالَى يَرَى مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلى شُعاعِ ضوءٍ أَوْ حَدَقَةٍ عينٍ وَيَسْمَعُ مِنْ غَيرِ حَاجَةٍ إلَى أُذُنٍ وَصِمَاخٍ أَوْ ءَالَةٍ أُخْرَى لأنَّ اللهَ ليسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ لَيسَ جِسْمًا وَلا يُشْبِهُ الأَجْسَامَ.

Continue reading تنْزِيهُ اللهِ عنِ الجِسمِ وسائرِ معانِى الخَلق

النهيُ عَنِ التَّسَرُّعِ في التَّكْفِيرِ

الحمدُ للهِ الذِي خَلَقَ الإِنسانَ فَسَوّاهُ فعدَلَه، فِي أيِّ صورةٍ مَا شاءَ رَكّبَه، وأَنْعَمَ عليهِ بِنِعَمٍ سَابِغَاتٍ وَلَوْ شَاءَ مَنَعَه، وشَقَّ لهُ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ وَجَعَلَ لَهُ لِسَانًا فَأَنْطَقَه، وخَلقَ لَهُ عَقْلًا وَكَلَّفَه. وَصَلّى اللهُ علَى سيدِنا محمدٍ صفوةِ خلقِهِ وعلَى ءَالِهِ البَرَرَةِ وأَصْحَابِه الخِيَرَة، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا مثيلَ ولا ضدَّ ولا ندَّ له، وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفِيُّه وحبيبُه، صلواتُ رَبِي وسَلامُه عليهِ وعلَى كُلِّ رسولٍ أَرْسَلَهُ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَليِّ العَظِيمِ بأَدَاءِ مَا أوجبَ وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عنهُ فإنَّ نِعَمَ اللهِ تعالَى علينَا كثيرةٌ لا نُحْصِيها وَهُوَ تعالَى مَالِكُنَا وَمَالِكُ مَا أَنْعَمَ بهِ علينَا وَقَدْ أوجبَ اللهُ علينَا شُكْرَ هذهِ النِعَمِ وذلكَ بأنْ لا نَسْتَعْمِلَهَا في ما لَمْ يَأْذَنِ اللهُ بِهِ، أي أَنْ لا نستعمِلَها في ما حرَّمَهُ علينا، فَاتَّقِ اللهَ أَخِي المسلم وَلا تَعْصِ اللهَ بِما أَنعمَ بهِ عليكَ وَمَلَّكَكَ إِيّاهُ فَإِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَهُ فَقَدْ عَصَيْتَ مَنْ تَجِبُ عليكَ طَاعَتُهُ وظَلَمْتَ نَفْسَكَ، واللهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِين.

Continue reading النهيُ عَنِ التَّسَرُّعِ في التَّكْفِيرِ

من أخلاق الرسولِ صلى الله عليه وسلم كظمُ الغَيظِ وصِلَةُ الرَّحم

الحمدُ للهِ الّذِي رَفَعَ من أرادَ بهِ خيرًا بِالعلمِ والإيمانِ وخَذَلَ الْمُعْرِضِينَ عنِ الهُدَى وَعَرَّضَهُمْ لِكُلِّ هلاكٍ وهوانٍ. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، الكريمُ الْمَنّانُ، سبحانَهُ لا يَجْرِي عليهِ زَمَانٌ، ولا يَحْوِيهِ مَكانٌ، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُه الَّذِي كَمَّلَ اللهُ لهُ الفضائلَ والحُسْنَ والإحسانَ، فصلَّى اللهُ وسلَّمَ على سيِّدِنا محمَّدٍ مدَى الأَزْمَانِ، وعلَى ءالِه وأصحابِه الطَّيبينَ والتّابِعينَ لَهُمْ بِإِحسانٍ.

أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العزيزِ الغَفَّار وَالسَّيْرِ علَى نَهجِ النّبيِّ المختَارِ والثَّبَاتِ علَى شرعِه إلَى الْمَمَاتِ والعَمَلِ بِعَمَلِ الأَبْرَار.

قالَ اللهُ تعالَى في حَقِّ سيّدِنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلّم ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم ٤﴾[1] وَروَى البخاريُّ مِنْ حديثِ عائشةَ في وَصفِ الرّسولِ الأعظَمِ صلَّى اللهُ عليه وسلّم “كانَ خُلُقُهُ القُرءَان” فمَنْ أرَادَ أَنْ يَعْرِفَ خُلُقَ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلَّمَ فَلْيَقْرَإِ القُرءَانَ وليَفْهَمْهُ فَكُلُّ خَصْلَةِ خَيْرٍ أَمَرَ اللهُ في القُرْءَانِ بِالتَّخَلُّقِ بِها فَهِيَ مِنْ خُلُقِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم.

مِنَ الأخلاقِ التي جاءَ بها القرءانُ الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عنِ المنكَرِ والصَّبرُ على الأَذى وكَفُّ الأَذَى عَنِ الغَير.

وروَى البخاريُّ مِنْ حَديثِ أَنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ في صفةِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلّم “كانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خَلْقًا وَخُلُقًا” اﻫ.

وأَخرَجَ أبو بكرٍ اللآل في كتابِه “مكارمُ الأَخلاقِ” أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قالَ “كُنتُ بينَ شَرِّ جَارَيْنِ عُقْبَةَ بنِ أبِي مُعَيْطٍ وأبِي لَهَبٍ كانَا يَرْمِيَانِ بِمَا يخرُجُ منَ النَّاسِ على بابِي” اﻫ أَيْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلّم كانَ يتحمَّلُ أذاهُما معَ أنَّهُ كانَ أشجعَ خَلْقِ اللهِ علَى الإطلاقِ وقد أُوتِيَ مِنَ القوّةِ البدنيّةِ قُوَّةَ أربعينَ رَجُلًا ومعَ ذلكَ كانَ العَفْوُ خُلُقَهُ والصَّبْرُ شِيمتَه وتَحَمُّلُ الأَذَى مِنَ الغَيْرِ حالَهُ وَدَأْبَهُ وقد قالَ الحبِيبُ المصطَفَى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ “مَا شىءٌ أَثْقَلُ في مِيزانِ الْمُؤْمِنِ يومَ القِيامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ فَإِنَّ اللهَ تعالى يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ” اﻫ قال الترمذيُّ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

وحُسْنُ الخُلُقِ إخوَةَ الإيمانِ عِبارَةٌ عَنْ تَحمُّلِ أَذَى الغَيرِ وكفِّ الأذَى عَنِ الغَيرِ وبَذْلِ المعروفِ.

Continue reading من أخلاق الرسولِ صلى الله عليه وسلم كظمُ الغَيظِ وصِلَةُ الرَّحم

الْمُبَشِّرَاتُ وَرُؤْيَةُ النبِيِّ في المنَام

الحمدُ للهِ مُكَوِّنِ الأَكْوانِ الْمَوْجُودِ أَزَلاً وَأَبَدًا بِلا كَيْفٍ ولا مَكَانٍ الذِي بَعَثَ نَبِيَّهُ مُحمَّدًا شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وسِرَاجًا مُنِيرًا وَأَمَرَهُ أَنْ يُبَشِّرَ المؤمنينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيرًا وَأَيَّدَ نبيَّهُ بِالمعجِزَاتِ القَاطِعَاتِ الدَّالَّةِ علَى نُبُوَّتِهِ وجعَلَهُ خَاتمًا للأَنبياءِ فَانْقَطَعَتْ بِهِ النبوَّةُ وبَقِيَتِ الْمُبَشِّرات. والصلاةُ والسلامُ على رَسولِ اللهِ مَنْ بَشَّرَ المؤمنينَ بِالجنَّاتِ وأخبَرَهُمْ بالبَشائِرِ وَالآياتِ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصيكُمْ وأُوصِي نَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ الّذِي وَعَدَ المؤمنِينَ فقالَ ﴿إِنَّ ٱلأَبرَارَ لَفِي نَعِيم ١٣﴾[1].

إخوةَ الإِيمان، لَقَدْ صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ وَبِالحقِّ أَنْطَقَ نَبِيَّهُ وَعَبْدَهُ.

فَكُلُّ مَا أَتَى بِهِ الرَّسولُ           فَحَقُّهُ التَّسْلِيمُ وَالقَبُولُ

وَمِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ بِمَا جاءَ بِهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُونَ تَوَّاقًا لِدُخولِ الجنّةِ خَائِفًا مِنْ عَذابِ اللهِ فَيَدْفَعُهُ الشَّوقُ والخوفُ والقَلَقُ للاستِعْدَادِ لِيَومِ المعادِ وَلِلرَّحيلِ عَنِ الدنيا لِلآخِرَةِ بِخَيْرِ الزَّادِ. وَقَدْ بَشَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أُناسًا بالعُمُومِ كمَا في قولِه “مَنْ قَالَ إذَا أَصْبَحَ رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا وَبِمحمَّدٍ نبيًّا فأنَا الزَّعيمُ لآخُذَنَّ بِيَدِهِ حتَّى أُدْخِلَهُ الجنَّةَ” فيا فَوْزَ مَنْ دَاوَمَ علَى قولِ هذهِ الكَلِمَةِ بعدَ الصُّبحِ كُلَّ يَومٍ.

كَمَا بَشَّرَ بعضَ الناسِ بِخُصوصِهِمْ فَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أبَا بَكْرٍ في الجنَّةِ وأَنَّ عُمَرَ في الجنةِ وأنَّ عثمانَ في الجنَّةِ وأنَّ عليًّا فِي الجنَّةِ وأنَّ طَلْحَةَ في الجنَّةِ وأَنَّ الزُّبَيْرَ في الجنةِ وأَنَّ سَعْدًا فِي الجنَّةِ وأنَّ سَعِيدًا في الجنةِ وأنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ في الجنةِ وأنَّ أبا عبيدَةَ في الجنة.

فَإِنْ قالَ قائِلٌ أُولئكَ قَومٌ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ ورَضُوا عنهُ وَلَقُوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وسَمِعُوا كلامَهُ وبشَّرَهُم بلِسانِه فَسَعِدُوا بِمَا بَشَّرَهُم بهِ فهَلْ مِنْ بُشْرَى لنَا وبينَنا وبينَ الرَّسولِ مِئاتُ السِّنين؟

Continue reading الْمُبَشِّرَاتُ وَرُؤْيَةُ النبِيِّ في المنَام