معرفة أحكام الصيام

اعْلَمُوا أَيُّهَا الأَحِبَّةُ أَنَّ فَرْضِيَّةَ صِيَامِ رَمَضَانَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَيْ يَشْتَرِكُ في مَعْرِفَةِ ذلكَ العَالِمُ وَالعَامِّيُّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَذَلكَ ثَابِتٌ في كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِجْماعِ الأُمَّةِ قالَ تعالَى في سُورَةِ البَقَرَةِ {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ}[1]. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَقُولُ بُنِيَ الإِسْلَامُ علَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَإِقَامِ الصلاةِ وإِيتاءِ الزكاةِ وَحَجِّ البَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ اهـ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ صَوْمِ رَمَضَانَ فَقَدْ كَذّبَ الدِّينَ وَفَارَقَ الْمِلَّةَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ أَوْ مِثْلَهُ كَأَنْ نَشَأَ في بِلَادٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَسْمَعْ بِوُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ.

إِنَّ الصَّوْمَ طَاعَةٌ عَظِيمَةٌ وَفَرِيضَةٌ جَلِيلَةٌ. وَحَيْثُ إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي شَىْءٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا أَحَلَّ اللهُ مِنْهُ وَمَا حَرَّمَ فَيُنَاسِبُ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْ بَعْضِ أَحْكَامِ الصَّوْمِ لِيَكُونَ الصَّائِمُ علَى عِلْمٍ بِمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ مُهِمَّاتِ هَذِهِ العِبَادَةِ الكَرِيمَةِ …

الإيمان بالله ورسوله أفضل الأعمال

أما بعدُ عِبَادَ اللهِ يقولُ ربُّنا عَزَّ وجلَّ في كِتابِهِ العَزيزِ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١١٩﴾ فأُوصِي نفسِي وَإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فَاتَّقوهُ امْتَثِلُوا أَوامِرَهُ وَاجْتَنِبُوا نَوَاهِيَهُ واعْلَمُوا إخوَةَ الإيمانِ أَنَّ أساسَ التَّقْوَى هُوَ العِلْمُ بِاللهِ سبحانَهُ وتعالَى والإيمانُ بهِ ومعرفةُ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم على ما يَلِيقُ به فإِنَّ ذَلكَ هُوَ أَوَّلُ الواجِباتِ وأَصْلُها وأَهَمُّها وأفضَلُها، فقد روى البُخاريُّ في صَحيحِهِ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ اهـ فأفضَلُ الأعمالِ على الإِطلاقِ هو الإِيمانُ باللهِ ورسولِهِ وهوَ الأصلُ الذِي لا تَصِحُّ الأعمالُ بِدونِه. …

كيف يثبت رمضان

وقد أَوْضَحَ صلى الله عليه وسلمَ السَّبِيلَ، وَبَيَّنَ الأَحْكامَ، وَأَرْشَدَنَا إلَى مَا فِيهِ السَّلَامَةُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنِ الْتَزَمَ نَهْجَهُ وَشَرْعَهُ فَازَ، وَمَنْ خَالَفَهُ هَلَكَ، وكانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا جَاءَ بهِ رسولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم مُبَلِّغًا عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وجلَّ فَرْضِيةُ صِيامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فقد قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ في سورةِ البَقَرَةِ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣﴾.

وَلِمَعْرِفَةِ ابْتِدَاءِ وَانْتِهَاءِ الشهرِ الْمُبَارَكِ طَرِيقَةٌ وَأَحْكَامٌ، بَيَّنَهَا النبيُّ الأَكْرَمُ صلى الله عليه وسلم بِوَحْيٍ مِنَ اللهِ تعالَى، وَأَخَذَهَا عَنْهُ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ، ثُمَّ أخذَهَا عَنْهُمُ التَّابِعُونَ، ثم مَنْ بَعْدَهُمْ، وَمَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ مُنْذُ قُرونٍ طَوِيلَةٍ يَعْمَلُونَ بِهَا إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَهَذِهِ الطَّريقَةُ مَبْنِيَّةٌ علَى مُرَاقَبَةِ الْهِلَالِ بِالْعَيْنِ في الْمُدُنِ وَالْقُرَى وَالبُلْدَانِ، يَعْرِفُ ذلكَ كُلُّ مَنْ عَاشَ في بِلادِ الْمُسْلِمِينَ وَشَهِدَ عادَاتِهِمْ مِنَ الْخُرُوجِ لِمُرَاقَبَةِ الْهِلَالِ، وَتَجَمُّعِ الناسِ في الْمَواضِعِ التي تَتَّضِحُ فِيهَا الرُّؤْيَةُ، وَمِنُ ثمَّ إطلاقُ الْمَدَافِعِ، أَوْ إِيقَادُ النارِ على رُءُوسِ الْجِبَالِ عِنْدَ ثُبُوتِ الرُّؤْيةِ إِيذَانًا بِثُبُوتِ الشَّهْرِ الشَّريفِ، أَوِ العِيدِ السَّعِيدِ. …

ليلة النصف من شعبان

فَلْيَغْتَنِمِ الواحدُ منَّا ليلةَ النصفِ مِنْ شَعْبَانَ بإِحْيائِها بأنواعِ العِباداتِ وصيامِ نهارِها لعَلَّ اللهَ يُعتِقُه منَ النارِ. وقَدْ جَعَلَ اللهُ تعالَى مَواسِمَ في حياةِ المؤمنينَ مَنِ اغْتَنَمَها كانَتْ لَهُ ذُخْرًا وَمَنْ أَهْمَلَ اغْتِنَامَها فَوَّتَ علَى نَفْسِه خَيْرًا كثيرًا، وَمِنْ هذِهِ المواسِمِ لَيْلَةُ القَدْرِ ويومُ عرفةَ وشهرُ رمضانَ، وغيرُ ذلكَ مما جاءَ بهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُبَلِّغًا عن رَبِّهِ عزَّ وجَلَّ، فالمؤمنُ الكامِلُ سَاعٍ لِلْخَيْرِ حَيْثُمَا تَيَسَّرَ لَهُ ونَفَّاعٌ حيثُ كانَ لأنهُ أَيْقَنَ أَنَّ اللهَ تعالَى جعَلَ الآخرةَ مُنْتَهَى الأَمْرِ ولم يَجعلِ الدنيا مُنتهى الأمرِ، فراحَ يُنافِسُ لِنَيْلِ تلكَ الدارِ العظيمةِ التي قالَ اللهُ تعالى فيها في سورةِ القَصَصِ ﴿تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَاداۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ٨٣﴾. فَجَدِيرٌ بِالعَاقِلِ أَنْ يَغْتَنِمَ فُرَصَ العُمُرِ التِي دَلَّ علَيْهَا مُعَلِّمُ الخيرِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وحيثُ رُوِيَ عنهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ الحَثُّ على اغتِنامِ ليلةِ النِّصْفِ مِنْ شعبانَ وصَوْمِ نهارِها ورَوَى ابنُ ماجه وغيرُه في سننِه عن أبي موسى الأشعريِّ رضي اللهُ عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ إِنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ في لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعبانَ فيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ اهـ والمشاحنُ هو الذي بينَه وبينَ أَخيهِ المسلمِ عَداوةٌ لِأَجْلِ الدُّنيا فإنَّه ينبغِي أن لا يضيعَ المسلمُ هذهِ الفُرْصَةَ لِنَيْلِ الثَّوابِ والمغْفِرَةِ مِنَ اللهِ تعالى وأَنْ يَغْتَنِمَها بالصِّيامِ والقِيامِ لا بِاتِّباعِ الشَّهْوَةِ والنَّوْمِ. …