الْمُبَشِّرَاتُ وَرُؤْيَةُ النبِيِّ في المنَام

الحمدُ للهِ مُكَوِّنِ الأَكْوانِ الْمَوْجُودِ أَزَلاً وَأَبَدًا بِلا كَيْفٍ ولا مَكَانٍ الذِي بَعَثَ نَبِيَّهُ مُحمَّدًا شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وسِرَاجًا مُنِيرًا وَأَمَرَهُ أَنْ يُبَشِّرَ المؤمنينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيرًا وَأَيَّدَ نبيَّهُ بِالمعجِزَاتِ القَاطِعَاتِ الدَّالَّةِ علَى نُبُوَّتِهِ وجعَلَهُ خَاتمًا للأَنبياءِ فَانْقَطَعَتْ بِهِ النبوَّةُ وبَقِيَتِ الْمُبَشِّرات. والصلاةُ والسلامُ على رَسولِ اللهِ مَنْ بَشَّرَ المؤمنينَ بِالجنَّاتِ وأخبَرَهُمْ بالبَشائِرِ وَالآياتِ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصيكُمْ وأُوصِي نَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ الّذِي وَعَدَ المؤمنِينَ فقالَ ﴿إِنَّ ٱلأَبرَارَ لَفِي نَعِيم ١٣﴾[1].

إخوةَ الإِيمان، لَقَدْ صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ وَبِالحقِّ أَنْطَقَ نَبِيَّهُ وَعَبْدَهُ.

فَكُلُّ مَا أَتَى بِهِ الرَّسولُ           فَحَقُّهُ التَّسْلِيمُ وَالقَبُولُ

وَمِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ بِمَا جاءَ بِهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُونَ تَوَّاقًا لِدُخولِ الجنّةِ خَائِفًا مِنْ عَذابِ اللهِ فَيَدْفَعُهُ الشَّوقُ والخوفُ والقَلَقُ للاستِعْدَادِ لِيَومِ المعادِ وَلِلرَّحيلِ عَنِ الدنيا لِلآخِرَةِ بِخَيْرِ الزَّادِ. وَقَدْ بَشَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أُناسًا بالعُمُومِ كمَا في قولِه “مَنْ قَالَ إذَا أَصْبَحَ رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا وَبِمحمَّدٍ نبيًّا فأنَا الزَّعيمُ لآخُذَنَّ بِيَدِهِ حتَّى أُدْخِلَهُ الجنَّةَ” فيا فَوْزَ مَنْ دَاوَمَ علَى قولِ هذهِ الكَلِمَةِ بعدَ الصُّبحِ كُلَّ يَومٍ.

كَمَا بَشَّرَ بعضَ الناسِ بِخُصوصِهِمْ فَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أبَا بَكْرٍ في الجنَّةِ وأَنَّ عُمَرَ في الجنةِ وأنَّ عثمانَ في الجنَّةِ وأنَّ عليًّا فِي الجنَّةِ وأنَّ طَلْحَةَ في الجنَّةِ وأَنَّ الزُّبَيْرَ في الجنةِ وأَنَّ سَعْدًا فِي الجنَّةِ وأنَّ سَعِيدًا في الجنةِ وأنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ في الجنةِ وأنَّ أبا عبيدَةَ في الجنة.

فَإِنْ قالَ قائِلٌ أُولئكَ قَومٌ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ ورَضُوا عنهُ وَلَقُوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وسَمِعُوا كلامَهُ وبشَّرَهُم بلِسانِه فَسَعِدُوا بِمَا بَشَّرَهُم بهِ فهَلْ مِنْ بُشْرَى لنَا وبينَنا وبينَ الرَّسولِ مِئاتُ السِّنين؟

فالجوابُ أيُّها الأَحِبَّةُ ما قالَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذِي لا يَنْطِقُ عنِ الهوَى “ذَهَبَتِ النبوَّةُ وبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ قِيلَ وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ يَا رسولَ اللهِ ؟ قالَ الرُّؤيَا الصَّالِحَةُ يَراهَا المؤمِنُ أَوْ تُرَى لَهُ”.

وَمِنْ هذهِ المبشِّراتِ بَلْ مِنْ أَعْظَمِها معشَرَ الحُضورِ أَنَّ مَنْ رَأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنامِ كانَ هذَا بشارَةً لَهُ بِالوَفاةِ علَى الإِيمانِ، فالرسولُ صلى الله عليه وسلم بَشَّرَ مَنْ رَءَاهُ فِي المنامِ بدُخولِ الجنةِ فقالَ “مَنْ رَءَانِي في المنامِ فَسَيَرانِي فِي اليَقَظَة” رواهُ البخاريُّ.

وليسَ المرادُ بذلكَ أَنْ يَرَاهُ فِي الآخِرَةِ فَإِنَّ المؤمنَ الذِي رءاهُ في المنَامِ والذِي لَمْ يَرَهُ في المنامِ يَرَاهُ في الآخِرَةِ فَلا يَكونُ هناكَ مزيةٌ لِمَنْ رَأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في الدنيا في الْمَنامِ، إِنَّما معنَى الحدِيثِ أَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يراهُ فِي اليَقَظَةِ قبلَ الموتِ وَلَيْسَ مَعْنَى ذلكَ أَنَّ النبِيَّ يَحْضُرُ عندَهُ إنَّمَا يَرَى النبيَّ وهو في قَبْرِه صلى الله عليه وسلم بقُدرةِ اللهِ تعالى القادِرِ على كلِّ شَىءٍ فإنَّ اللهَ تعالَى قادِرٌ على أَنْ يَجْعلَ ما بَيْنَ الرَّائِي وبينَ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم كالزُّجاجِ فيَرَاهُ وهُوَ في قَبرِه الشريفِ كأَنَّهُ أَمامَهُ وفي ذلكَ بُشْرَى عَظِيمَةٌ لِلرَّائِي.

إخوةَ الإِيمانِ، لَقَدْ وَرَدَ بِالإِسنادِ المتَّصِلِ أَنَّ رَجُلاً كَانَ في عَصرِ السَّلفِ أي بعدَ نَحوِ مائةٍ وخَمسينَ سَنَةً مِنْ وَفاةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ويُسَمَّى الحسَنَ بنَ حَيّ هذَا كانَ مِنَ العُلَماءِ العَامِلينَ مِنْ أَهلِ الحديثِ الأَتقياءِ ولَهُ أخٌ مِثْلُهُ، هذَا الحسنُ بنُ حَيّ لَمَّا كانَ علَى فِراشِ الموتِ سَمِعَهُ أَخُوهُ يَقْرَأُ قولَهُ تعالَى ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّ‍نَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاءِ وَٱلصَّٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَٰئِكَ رَفِيقا ٦٩﴾[2] فلمَّا سَمِعَهُ يَتْلُو الآيَةَ قالَ لَهُ “يَا أَخِي تَقْرَأُ هذَا مِنْ بابِ التِّلاوَةِ أَمْ مَاذَا؟ قالَ بَلْ أَرَى رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ لِي وَيَبُشِّرُنِي بِالجنَّةِ وأَرَى الملائِكَةَ وأَرَى الحورَ العِين”.

أحبابَنا الكِرام، فَإِنْ قالَ قائِلٌ وكيفَ لِي أَنْ أَعْرِفَ أَنَّ الذِي رَأَيْتُهُ في المنَامِ هو سيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم؟ فالجوابُ أَنّهُ يَقَعُ في قَلْبِكَ وَتَطْمَئِنُّ نَفْسُكَ أَنَّ هذَا هو رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَم.

وَإِنْ قالَ مَا أَوْصَافُهُ الخِلْقِيَّةُ حتَّى أَعْرِفَهُ بِهَا ؟ فالجوابُ أنهُ صلى الله عليه وسلم كامِلٌ في ذَاتِه مُكَمَّلٌ في أَوصافِهِ جَميلُ الصُّورةِ، مَرْبوعُ القَامَةِ ليسَ بالطويلِ الذَّاهبِ ولا بِالقَصيرِ، عَظيمُ الرأسِ، بعيدُ ما بينَ الْمَنْكِبَيْنِ، سَوَاءُ البَطْنِ والصَّدرِ، مُشْرِقُ الوَجْهِ، كأَنَّهُ البَدْرُ ليلةَ التَّمامِ، أَجْلَى الجبهَةِ، قَمَرِيُّ الجبينِ وَاسِعُه، كَحِيلُ الطَّرْفِ، أَهْدَبُ العَيْنَيْنِ، حَاجِبَاهُ يَكادَانِ أَنْ يَتَّصِلا مِنْ غَيرِ اتِّصَال، أبيضُ اللونِ مُشْرَبٌ بِالْحُمْرَة، وَاسِعُ الفَمِ، جَمِيلُ الابتِسَامِ، مُفَلَّجُ الأَسْنَانِ أي أَسنانُه لا يَركَبُ بَعضُهَا بَعْضًا بَل بَيْنَ السِّنِّ والسِّنِّ فُرْجَةٌ، كَثيفُ اللحيةِ أَسْوَدُ الشَّعرِ لَيْسَ فيهِ شَيْبٌ إِلا بِضْعَ شَعَرات. قالتِ السيدةُ عائشَةُ في وَصْفِهِ

وأَجملُ منكَ لَم تَرَ قَطُّ عَينٌ       وأجْملُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّساءُ

خُلِقْتَ مُبَرَّءًا مِنْ كُلِّ عَيْبٍ       كَأنكَ قَد خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ

فَمَنْ رَءَاهُ في المنامِ عَلَى صُورتِهِ التِي هيَ صُورَتُه فَقَدْ ثَبَتَتْ لَهُ البُشْرَى الوارِدَةُ في الحدِيثِ وَمَنْ رَءَاهُ علَى غَيرِ هذهِ الصورةِ ولكن وَقعَ في قلبِه في المنامِ أَنَّهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأغلَبُ العُلَمَاءِ علَى أَنَّ البُشْرَى ثَبَتَتْ لَهُ أَيْضًا.

اللهمَّ ارْزُقْنَا رُؤْيَتَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في المنامِ علَى صُورَتِهِ التِي هِيَ صُورَتُه وارزُقْنَا رُؤْيَتَهُ يَقَظَةً قبلَ الموتِ بِمَنِّكَ وكَرَمِكَ يا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.

هذا وأستغفرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ذِي الصِّفاتِ العَلِيَّةِ وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ علَى محمدٍ نَبِيِّ الهدَى الموصوفِ بالأَفْضَلِيَّةِ عبادَ اللهِ اتَّقُوا اللهَ الذِي بَعَثَ محمدًا رَحْمَةً لِلعالَمِينَ وجعَلَ رُؤْيَتَهُ في المنَامِ بُشْرى لِلرَّائِين.

يا أَحبابَ رَسولِ اللهِ، قدْ يَسألُ مُحِبٌّ مُتَلَهِّفٌ تَوَّاقٌ لِرُؤْيَةِ المصطَفَى في المنامِ مَا السَّبيلُ إلَى رُؤْيَتِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم؟

والجوابُ أَنَّ مِنْ أَسبابِ الرُّؤيا الصالحةِ أَنْ يَشْتَغِلَ المرءُ بِالذِّكرِ حتَّى النَّوم وأن ينامَ علَى طَهارَةٍ كامِلَةٍ مُسْتَقْبِلًا القِبلَةَ وأَنْ يُعَلِّقَ قَلْبَهُ بِرَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم وأن يُكْثِرَ مِنَ الصلاةِ علَى رسولِ اللهِ لَيْلاً وَنَهَارًا. وَمِنَ الصِّيَغِ الْمُجَرَّبَةِ في ذلكَ مَا رَوَاهُ أبو داودَ عنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الأَوْفَى إذَا صَلَّى علينا أَهلِ البَيْتِ فَلْيَقَل اللهمَّ صلِّ علَى مُحمَّدٍ النبِيِّ وأَزْوَاجِهِ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنينَ وَذُرِّيَّتِهِ وأَهلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ علَى ءَالِ إِبراهيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ”.

فَرَدِّدُوا أَيُّها الأَحِبَّةُ هذهِ الصِّيغَةَ مائَةَ مرَّةٍ أو أكثَرَ في كلِّ يَوْمٍ عَسَى أَنْ تَحْظَوْا بِرُؤْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم فَكَمْ مِنْ شَخْصٍ فَعَلَ هذَا فَنَالَ هذِهِ النِّعمَةَ العَظِيمَةَ.

اللهم ارزُقْنَا رُؤْيَتَهُ علَى صُورتِه الحَقِيقِيَّةِ وَارْزُقْنَا زِيَارَتَهُ وَشَفَاعَتَهُ، اللهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمَّ بِجاهِ نَبِيِّكَ محمَّدٍ ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ وأَدْخِلْنَا الجنَّةَ مَعَ الأَبْرَارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّار اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا.

عبادَ الله، إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة المطففين.

[2] سورة النساء.