تنْزِيهُ اللهِ عنِ الجِسمِ وسائرِ معانِى الخَلق

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِه اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وَحَبِيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مُحمَّدٍ وعلَى ءالِه وصحابتِه الطيبينَ الطاهرين.

أما بعدُ عبادَ اللهِ، فإني أُوصيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ العَليِّ القديرِ والثَّباتِ على عقيدةِ الأنبياءِ ونَهْجِ سيّدِ الأنبياءِ ودَرْبِ إمامِ الأولياءِ والأَصْفِياءِ، فَهُوَ الحبِيبُ وَهُوَ القُدْوَةُ وهو القائلُ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ في حديثِه الشَّريفِ وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ اهـ[1]

فقد خَصَّ النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم نَفْسَهُ بِالتَّرَقِّي فِي هَذَا العِلْمِ أَيِ العِلْمِ بِاللهِ تعالى وصِفاتِهِ لأنهُ أَجَلُّ العُلومِ وأَعْلاها وأوجَبُها وأَوْلاها، فَعِلْمُ التوحيدِ لَهُ شَرَفٌ علَى غَيرِهِ مِنَ العُلُومِ لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِأَشْرَفِ المعلوماتِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمعرفَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ علَى مَا يَليقُ بهِ فالتوحيدُ عندَ أَهلِ السُّنّةِ هو نَفْىُ التَّشبيهِ والتَّعطيلِ كَمَا ذَكَرَ ابنُ حجرٍ العَسْقَلانِىُّ في شرحِهِ على صَحيحِ البُخَارِىِّ فهوَ مَبْنِىٌّ علَى إِثباتِ مَا يَجِبُ للهِ مِنَ الصِّفاتِ كَالعِلْمِ وَالقُدْرَةِ والإِرادَةِ مَعَ نَفْىِ التَّشبيهِ أَى مَعَ تَنْزِيهِ اللهِ عَنْ مُشَابَهَةِ المخلوقِينَ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنَ القُرءَانِ الكَريمِ كَقَوْلِهِ تعالَى ﴿لَيسَ كَمِثلِهِۦ شَيء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ١١﴾[2] وقولِهِ تعالَى ﴿وَلَم يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُ ٤﴾[3] وقولِهِ تعالَى ﴿وَلِلَّهِ ٱلمَثَلُ ٱلأَعلَىٰ وَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ ٦٠﴾[4] وقولِهِ تعالَى ﴿فَلَا تَضرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعلَمُ وَأَنتُم لَا تَعلَمُونَ ٧٤﴾[5] أمَّا الآيةُ ﴿لَيسَ كَمِثلِهِۦ شَيء﴾ فَهِىَ أَصْرَحُ ءَايَةٍ وَرَدَتْ فِي التَّنْزِيهِ لأنهُ يُفهَمُ مِنْهَا التنْزيهُ الكُلِّىُّ وتَفْسيرُها أَنَّ اللهَ لا يُشبهُهُ شىءٌ بِأَىِّ وجهٍ مِنَ الوُجوهِ، فَفِى الآيةِ نَفْىُ مَا لا يليقُ باللهِ عَنِ اللهِ كالعَجزِ والجهلِ وَالحدِّ واللونِ وَالأَعضاءِ والشَّكلِ والصورةِ والهيئةِ والتَّركيبِ. وأَمَّا قولُهُ تعالَى ﴿وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ١١﴾ فَفِيهِ إِثْبَاتُ مَا يليقُ بِاللهِ، فَالسَّمْعُ صِفَةٌ لائِقَةٌ بِاللهِ وَالبَصَرُ كذلكَ وَإِنَّمَا قَدَّمَ اللهُ تعالَى في هذهِ الآيَةِ التَّنْزِيهَ حتَّى لا يُتَوَهَّمَ أَنَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ كَسَمْعِ وبَصَرِ غَيرِه فاللهُ تعالَى يَرَى مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلى شُعاعِ ضوءٍ أَوْ حَدَقَةٍ عينٍ وَيَسْمَعُ مِنْ غَيرِ حَاجَةٍ إلَى أُذُنٍ وَصِمَاخٍ أَوْ ءَالَةٍ أُخْرَى لأنَّ اللهَ ليسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ لَيسَ جِسْمًا وَلا يُشْبِهُ الأَجْسَامَ.

إِخوَةَ الإيمانِ نَفْىُ الجِسميةِ عَنِ اللهِ مِمَّا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ وَمِمَّا نَصَّ عليهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ فَالإِمامُ أحمدُ الذِى انْتَسَبَ إليهِ عدَدٌ مِنَ المشبِّهةِ زُورًا وَبُهْتَانًا نَقَلَ عنهُ صاحبُ الخِصَالِ تَكفِيرَ مَنْ قَالَ اللهُ جِسْمٌ لا كَالأَجْسَامِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا جَاءَ عَنْ بَاقِى الأَئِمَّةِ فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ الشافِعِىِّ تَكفِيرُ المجسِّمِ كمَا نَقَلَ عنهُ ذلكَ السيوطِىُّ في الأَشْبَاهِ والنَّظائِرِ بَلْ فِي الْمِنْهَاجِ القَويمِ لابْنِ حَجَرٍ الهيتَمِىِّ أَنَّ القَرَافِيَّ وغيرَهُ حَكَوْا عَنِ الشَّافِعِىِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنيفَةَ القَوْلَ بِكُفْرِ القَائِلينَ بِالجِهَةِ وَالتَّجْسِيمِ أَىْ بِكُفْرِ مَنْ يَنْسُبُ إلَى اللهِ سبحانَهُ وتعالَى الجِسْمِيَّةَ أَوِ الكَوْنَ في جِهَةٍ لأنَّ كُلَّ ذَلكَ مِنْ مَعَانِى البَشَرِ وَقَدْ ذَكَرَ الإمامُ أبو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِىُّ في عقيدَتِهِ التِى بيَّنَ أَنَّها بَيَانٌ لعَقيدةِ أهلِ السنّةِ والجماعةِ أنَّ مَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعانِى البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ اهـ وَالجِسْمِيَّةُ والتَّركِيبُ والصُّورةُ والهيئَةُ كُلُّ ذلكَ مِنْ مَعانِى البَشَرِ فَمَنْ نَسَبَ إلَى اللهِ شَيْئًا مِنْ ذَلكَ كافِرٌ قَطْعًا.

اللهمَّ ثبتنا على عَقِيدَةِ الأَنبياءِ وَالمرسلينَ والأولياءِ والصَّالِحينَ وسائِرِ العُلماءِ العَامِلِينَ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَنْصُرُ الدِّينَ وَيَرُدُّ علَى الْمُحَرِّفينَ الضَّالِّينَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحمينَ.

هذا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكم.

الخطبةُ الثانيةُ:   

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾[6]، اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى جميعِ إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهم لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، ربَّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهّاب، ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ، اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ، اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يَجْعَلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1] رواه أحمد في مسنده.

[2] سورة الشورى/11.

[3] سورة الإخلاص/4.

[4] سورة النحل/60.

[5] سورة النحل/74.

[6] سورة الأحزاب/56.