Category Archives: خطب الجمعة

إِصْلَاحُ الْقُلُوْبِ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونتوبُ إليه، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مِثْلَ ولا نِدَّ لَهُ، ولا جُثَّةَ ولا أَعضاءَ له، أَحدٌ صمدٌ لم يلدْ وَلَمْ يُولدْ ولم يكن له كفُوًا أحد، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا عبدُه ورسولُه. اللهم صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحابَتِه الطيبينَ الطَّاهرين. أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ فَأُوْصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُم بِتَقْوَى اللهِ العَظِيْمِ القَائِلَ في سُورةِ الحَجِّ ﴿أَفَلَم يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرضِ فَتَكُونَ لَهُم قُلُوب يَعقِلُونَ بِهَا أَو ءَاذَان يَسمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعمَى ٱلأَبصَٰرُ وَلَٰكِن تَعمَى ٱلقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ ٤٦﴾. وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيْرٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ قال أَلَا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ القَلْبُ اهـ رواهُ البُخاريُّ ومُسْلِم.

اِعْلَمُوا أَيُّهَا الأَحِبَّةُ أَنَّ القَلْبَ أَمِيْرُ الجَوَارِحِ وأَشْرَفُ أَعْضَاءِ الْمَرْءِ البَاطِنَةِ وأَنَّ الجَوَارِحَ لا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ أَمْرِه، وذلكَ أنَّ الإنسانَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ بِأَيِّ عَمَلٍ مَا مِنْ أَعْمَالِ الخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ، يَحْصُلُ في قَلْبِهِ عَزْمٌ عَلى ذَلك العَمَلِ ثُمَّ يُعْطِي القَلْبُ الإِشَارَةَ لِلْجَوَارِحِ فَتَتَحَرَّكُ لِلْقِيَامِ بِالعَمَلِ فَيَكُونُ هذا الفِعْلُ بِوَاسِطَةِ الأَعْضَاءِ تَعْبِيْرًا عَمَّا انْعَقَدَ في القَلْبِ. وَحَيْثُ عُلِمَ هَذا فَحَرِيٌ بِالنَّاسِ العَمَلُ عَلى تَصْفِيَةِ القُلُوبِ وحِفْظِهَا مِنَ الأَدْرَانِ وَتَنْقِيَتِهَا مِنَ الأَمْرَاضِ القَتَّالَةِ حتى تَسْتَقِيْمَ فَتَتَحَرَّكَ نَحْوَ الخَيْرِ وَتُحْجِمَ عَنِ الشَّرِّ.

وَمِنْ أَمْرَاضِ القُلُوبِ الشَّكُّ في اللهِ أَيْ في وُجُودِهِ أَوْ وَحْدَانِيَّتِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ أَوْ حِكْمَتِهِ أَوْ عَدْلِهِ أَوْ عِلْمِهِ وَكُلُّ هَذا نَقْضٌ لِلْإِيمانِ وَخُرُوْجٌ مِنْه، وَمِنْهَا الرِّيَاءُ وَهُوَ العَمَلُ بِالطَّاعَةِ لِيَمْدَحَهُ النَّاسُ لا مُخْلِصًا لله، والحِقْدُ والحَسَدُ وَسُوْءُ الظَّنِّ بِالنَّاسِ وَغَيْرُ ذَلك مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَشَرْحُه، فَإِنْ لَمْ يَحْفَظِ الْمَرْءُ نَفْسَهُ مِنْ ذُنُوبِ القَلْبِ زَادَتْ عَلَيْهِ الخَطَايَا وَرُبَّمَا اسْوَدَّ قَلْبُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ حَتَّى لَا تَصِلَ إِلَيْهِ ءَاثَارُ الْمَوَاعِظِ وَلَا تَدْخُلَ مِنْ أَبْوَابِهِ الإِرْشَادَاتُ.

Continue reading إِصْلَاحُ الْقُلُوْبِ

العقيدة الطحاوية

الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونستغفِرُهُ ونستَرْشِدُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحسانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، أما بعدُ عبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِي وإياكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ القائلِ في سورةِ ءال عمران ﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعنَا مُنَادِيا يُنَادِي لِلإِيمَٰنِ أَن ءَامِنُواْ بِرَبِّكُم فَ‍َامَنَّا رَبَّنَا فَٱغفِر لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّر عَنَّا سَيِّ‍َاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبرَارِ ١٩٣﴾.

اعلمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ على عبادِهِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيُوَحِّدُوهُ ولَا بُدَّ لِصِحَّةِ الإِيمانِ مِنْ سَلامَةِ العَقِيدَةِ، ولِذَلِكَ وتَأْكِيدًا علَى الاعْتِنَاءِ بالعقيدةِ فَقَدْ صَنَّفَ العُلَمَاءُ قَديمًا وَحَدِيثًا تَصانِيفَ مُهِمَّةً في الاعْتِقَادِ، وَكَانَ مِنْ أَبْرَزِ مَا صُنِّفَ في هذَا الفَنِّ رِسَالَةٌ لِلإِمامِ السَّلَفِيِّ أبي جعفرٍ الطَّحَاوِيِّ الحنَفِيِّ عُرِفَتْ بِاسْمِ العَقِيدَة الطَّحَاوِيَّةِ والإِمامُ الطحاويُّ هوَ الإِمامُ أحمدُ بنُ سَلامَةَ الطحاويُّ المِصْرِيُّ الحَنَفِيُّ وُلِدَ سنةَ 229 هـ وتُوُفِّيَ سنةَ 321 هـ وَقَبْرُهُ في القَرَافَةِ مَشْهُورٌ يُزَارُ، فَهُوَ دَاخِلٌ في أَهْلِ القُرونِ الثَّلاثَةِ الأُولَى الذينَ شَمَلَهُمْ مَدْحُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ خَيْرُ القُرونِ قَرْنِي ثُمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ اهـ رواهُ الترمذيُّ عن عِمْرانَ بْنِ الحُصَيْنِ. وَقَدْ كانَ الطحاويُّ ثِقَةً نَبِيلًا إِمَامًا اسْتَفَاضَ بَيْنَ النَّاسِ فَضْلُهُ. ونحنُ نَذْكُرُ الآنَ بَعْضًا مِنْ كَلَامِ الإمامِ الطحاويِّ مما جَاءَ في هذِهِ العقيدةِ الْمُرْشِدَةِ، قالَ الطحاويُّ في تَنْزِيهِ اللهِ تعالَى وَتَعَالى (أي تَنَزَّهَ) عنِ الحُدودِ والغَاياتِ والأَرْكانِ والأَعْضَاءِ والأَدَوَاتِ، لَا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ اهـ وَمَعْنَى كَلامِهِ هَذَا أَنَّ اللهَ ليسَ لَهُ حَدٌّ وَالْحَدُّ معناهُ الكَمِّيَّةُ، فَنَفْيُ الحَدِّ عنهُ تعالى عِبَارَةٌ عَنْ نَفْيِ الجِسْمِ عَنْهُ، وَمعنى الغَايَاتِ النهاياتُ فَغَايَةُ الشىءِ نِهَايَتُهُ وفيهِ تَأْكِيدٌ لِنَفْيِ الكَمِّيَّةِ والِجسْمِيَّةِ عن رَبِّ العالمين، ومعنَى الأركانِ الجَوانِبُ الجَانِبُ الأَيْمَنُ والجَانِبُ الأَيْسَرُ وأمَّا الأَعْضَاءُ فَجَمْعُ عُضْوٍ وذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الأَجْسَامِ، وَمَعْنَى الأَدَوَاتِ الأَجْزَاءُ الصَّغِيرَةُ كَاللِّسانِ. وَأَفَادَ قوْلُهُ لَا تَحْوِيهِ الجِهَاتُ السِّتُّ كسائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ التَّنْزِيهَ الصَّرِيحَ عَنِ الْمَكَانِ وَالْجِسْمِيَّةِ، إِذِ الْمَكَانُ هُوَ الفَرَاغُ الذِي يَشْغَلُهُ الحَجْمُ، والحَجْمُ مَا يَأْخُذُ حَيِّزًا مِنَ الفَرَاغِ. وحيثُ أَثْبَتَ أنَّ اللهَ لَا تَحْويهِ الجِهَاتُ السِّتُّ وَهِيَ فوقٌ وتحتٌ ويَمينٌ وشِمالٌ وأمَامٌ وخَلْفٌ، دَلَّ عَلَى أَنَّ اللهَ لَا يَشْغَلُ حَيِّزًا مِنَ الفَرَاغِ، إِذًا فَاللهُ تعَالى ليسَ حَجْمًا وَلَا تَحْتَوِيهِ الأَنْحَاءُ كسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ أَيِ الْمَخْلُوقَاتِ. وحيثُ وَضَحَ هَذَا فَلْيُعْلَمْ أَنَّ مَا بَيَّنَّاهُ هُوَ عَيْنُ مَا كانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ، وَهُوَ الحَقُّ الْمُبِينُ، فَلْيُحْذَرْ مِنَ الاغْتِرَارِ بكلِّ ما خَالَفَهُ مِمَّا يُنْسَبُ إلَى السَّلَفِ والسَّلَفُ مِنْهُ بَرَاءٌ كَبَرَاءَةِ الذِّئْبِ مِنْ دَمِ يُوسُفَ علَيْهِ السَّلامُ. هذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.

Continue reading العقيدة الطحاوية

الحذر من الإفتاء بغير علم

الحمدُ للهِ الّذِي عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَقَيَّضَ لِهَذَا الدِّينِ رِجَالًا يُفْتُونَ بِعِلْمٍ فَإِذا لَمْ يَعْلَمُوا لَمْ يغفلوا لَا أَعْلَمُ، وأشهدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ وَلَا شَىْءَ مِثْلُهُ وَلا شَىءَ يُعْجِزُهُ، لا تَبْلُغُهُ الأَوْهَامُ وَلَا تُدْرِكُهُ الأَفْهَامُ وَلَا يُشْبِهُ الأَنَام. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ الـمُرْتَضَى. فَصَلَّى اللهُ على محمَّدٍ وعلَى ءالِهِ الطَّاهِرِينَ وصحابَتِهِ الـطَّيِّبِينَ وَسَلَّمَ.

أما بعدُ فَأُوصِي نَفْسِي وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. اعلَمُوا إِخْوَةَ الإِيمَانِ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتَعالَى سَائِلٌ عَبْدَه يَوْمَ القِيَامَةِ عَنْ عَنْ قَوْلِهِ في الدُّنْيَا هَذَا يَجُوزُ وهذَا لَا يَجُوزُ فقَدْ قالَ رَبُّنا تبارك وتعالى في القُرءانِ الكَريم ﴿وَلَا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِۦ عِلمٌ إِنَّ ٱلسَّمعَ وَٱلبَصَرَ وَٱلفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰئِكَ كَانَ عَنهُ مَس‍ُولا ٣٦﴾[1] أَيْ لَا تقُلْ قَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَالفَتْوَى بغيرِ عِلْمٍ مِنَ الكَبَائِرِ، رَوَى الحَافِظُ ابنُ عَسَاكرَ[2] أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ مَنْ أَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ لَعَنَتْهُ ملائكَةُ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اهـ فمَنْ تَسَوَّرَ مَرْتَبَةً لَيْسَ أَهْلًا لَهَا فَصَارَ يُفْتِي النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، صارَ يُفْتِي الناسَ على وَفْقِ هَواهُ فَهُوَ خَائِبٌ خَائِنٌ يَفْضَحُهُ اللهُ تباركَ وتعالى في الدُّنيا قَبْلَ الآخِرَةِ كَمَا قَالَ إِمَامُنَا الشافعيُّ رضيَ اللهُ عنهُ مَنْ سَامَ بِنَفْسِهِ فَوْقَ مَا يُسَاوِي رَدَّهُ اللهُ تعالَى إِلَى قِيمَتِه[3] اهـ

Continue reading الحذر من الإفتاء بغير علم

الظُّلمُ ظُلمات

الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونستغفِرُهُ ونستَرْشِدُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مَثِيلَ لَهُ ولا جِهَةَ ولا مَكانَ ولا جِسْمَ وَلَا أَعْضَاءَ لَهُ، وأشهدُ أَنَّ سیدَنا محمدًا عَبْدُ اللهِ ورسولُه، اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحسانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، أما بعدُ عبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِي وإياكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ الذي قالَ في كتابِه الكريمِ في سورةِ غافر {يَومَ لَا يَنفَعُ ٱلظَّٰلِمِينَ مَعذِرَتُهُم وَلَهُمُ ٱللَّعنَةُ وَلَهُم سُوءُ ٱلدَّارِ ٥٢}.

لِيُعْلَمْ أَنَّ الظُّلمَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُوبِقَاتِ وأَكبرِ الْمَفاسِدِ وأَفْحَشِ الآثَامِ التي انتشَرتْ في زمانِنا وَمُجْتَمَعِنا اليومَ والعياذُ بِاللهِ، فهوَ ذنبٌ مشين يُعَرِّضُ صَاحِبَه لِسَخَطِ اللهِ العَظِيمِ وعُقُوبَتِه ويَغْرِسُ لَهُ في نُفوسِ النَّاسِ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ وَيَحْمِلُهُمْ علَى الحَذَرِ مِنْهُ وَالابتِعادِ عنهُ كما يَحْذَرُ أَحَدُهُمُ الذِّئابَ والأفاعِيَ. وَرُبَّما تَعَدَّى ضَررُ الظُّلمِ إلى الناسِ كمَنْ يقتُلُ النفسَ التِي حرَّمَ اللهُ إلّا بالحقِّ أو يَأْكُلُ أَمْوَالَهُمْ بالبَاطِلِ كما هُوَ حَالُ كثيرٍ مِنَ الناسِ فتَرى مَنْ يَمْنَعُ اليَتِيمَ حَقَّهُ وَيَقْهَرُهُ لِضَعْفِهِ، أَوْ يَظْلِمُ النساءَ فَيَمْنَعُهُنَّ إِرْثَهُنَّ وَحَقَّهُنَّ. وَرُبَّما انْحَصَرَ ضَرَرُ الظُّلمِ في النَّفْسِ الظَّالِمَةِ وَاقْتَصَرَ شَرُّهُ علَى صَاحِبِهِ دُونَ غَيرِه كَمَنْ يَتْرُكُ الصلاةَ أو يترُكُ صَوْمَ رمضانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ أو يَرْتَكِبُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الذُّنوبِ التِي تُوبِقُ نَفْسَهُ وَتُوقِعُهُ في شِرَاكِ جُرْمِهِ، ورُبما وقعَ الشخصُ في أَكبرِ الكبائرِ وهو الكفرُ باللهِ وفارَقَ الإِيمانَ مِنْ حيثُ يَدْرِي أَوْ لَا يَدْرِي فإنَّ كثيرًا مِنَ الناسِ يَتَلَفَّظُونَ بكلماتٍ تُخرِجُ قائِلَهَا منَ الإيمانِ وَهُمْ غَافِلُونَ، وهذَا مِصْدَاقُ مَا جَاءَ في حَديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي رواهُ الترمذيُّ إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِها في النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا اهـ وفِي الحَدِيثِ دليلٌ علَى أنَّ العبدَ قَدْ يَخْرُجُ منَ الإيمانِ وهو لا يَدْرِي. وقَد قالَ ربُّنا تعالى في سورةِ لُقْمَانَ إِخْبَارًا عَنْ لقمانَ أنهُ قالَ في وَصِيَّتِهِ لِوَلَدِهِ {وَإِذ قَالَ لُقمَٰنُ لِٱبنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشرِك بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيم ١٣}. وأكبرُ الظلمِ على الإِطلاقِ الكفرُ باللهِ. واعلموا عبادَ الله أنَّ الظلمَ مُسْتَحِيلٌ علَى اللهِ ولَا يُتَصَوَّرُ في حَقِّهِ تعالَى فهو مالكُ الْمُلْكِ فَعَّالٌ لِمَا يُريدُ يَحْكُمُ في خَلْقِهِ بِما يَشَاءُ ولا يُسأَلُ عمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. وعن جابرٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ اتَّقُوا الظُّلمَ فإنَّ الظلمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيامَةِ اهـ رواهُ مسلمٌ. ومعنى قولِه صلى الله عليه وسلم اتقوا الظلمَ أيِ اجْتَنِبُوا الظلمَ، فالظَّالمُ يَنْتَظِرُ العُقوبَةَ والمظلومُ الصابِرُ يَنْتَظِرُ الْمَثُوبَةَ وشَتَّانَ بَيْنَهُمَا. ولرُبّما عَجَّلَ اللهُ العِقَابَ للظَّالِم في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ واسْتَجَابَ لِدَعْوَةِ الْمَظْلُومِينَ فعنِ ابنِ عباسٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعثَ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ إلَى اليَمَنِ فقالَ اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّها لَيْسَ بينَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ اهـ رواهُ البخاريُّ. والْمُرَادُ أنَّها مَقْبُولَةٌ لَا تُرَدُّ. هذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.

Continue reading الظُّلمُ ظُلمات