الحذر من الإفتاء بغير علم

الحمدُ للهِ الّذِي عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَقَيَّضَ لِهَذَا الدِّينِ رِجَالًا يُفْتُونَ بِعِلْمٍ فَإِذا لَمْ يَعْلَمُوا لَمْ يغفلوا لَا أَعْلَمُ، وأشهدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ وَلَا شَىْءَ مِثْلُهُ وَلا شَىءَ يُعْجِزُهُ، لا تَبْلُغُهُ الأَوْهَامُ وَلَا تُدْرِكُهُ الأَفْهَامُ وَلَا يُشْبِهُ الأَنَام. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ الـمُرْتَضَى. فَصَلَّى اللهُ على محمَّدٍ وعلَى ءالِهِ الطَّاهِرِينَ وصحابَتِهِ الـطَّيِّبِينَ وَسَلَّمَ.

أما بعدُ فَأُوصِي نَفْسِي وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. اعلَمُوا إِخْوَةَ الإِيمَانِ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتَعالَى سَائِلٌ عَبْدَه يَوْمَ القِيَامَةِ عَنْ عَنْ قَوْلِهِ في الدُّنْيَا هَذَا يَجُوزُ وهذَا لَا يَجُوزُ فقَدْ قالَ رَبُّنا تبارك وتعالى في القُرءانِ الكَريم ﴿وَلَا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِۦ عِلمٌ إِنَّ ٱلسَّمعَ وَٱلبَصَرَ وَٱلفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰئِكَ كَانَ عَنهُ مَس‍ُولا ٣٦﴾[1] أَيْ لَا تقُلْ قَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَالفَتْوَى بغيرِ عِلْمٍ مِنَ الكَبَائِرِ، رَوَى الحَافِظُ ابنُ عَسَاكرَ[2] أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ مَنْ أَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ لَعَنَتْهُ ملائكَةُ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اهـ فمَنْ تَسَوَّرَ مَرْتَبَةً لَيْسَ أَهْلًا لَهَا فَصَارَ يُفْتِي النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، صارَ يُفْتِي الناسَ على وَفْقِ هَواهُ فَهُوَ خَائِبٌ خَائِنٌ يَفْضَحُهُ اللهُ تباركَ وتعالى في الدُّنيا قَبْلَ الآخِرَةِ كَمَا قَالَ إِمَامُنَا الشافعيُّ رضيَ اللهُ عنهُ مَنْ سَامَ بِنَفْسِهِ فَوْقَ مَا يُسَاوِي رَدَّهُ اللهُ تعالَى إِلَى قِيمَتِه[3] اهـ

فَإِيَّاكُمْ وَالفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا تُغْفِلُوا لَا أَدْرِي فَإِنَّ لَا أَدْرِي نِصْفُ العِلْمِ وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ في انْتِشَارِ الجَهْلِ والْمَفَاهِيمِ الخَاطِئَةِ بَيْنَ النَّاسِ الفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ وَاسْتِفْتَاءَ النَّاسِ لِجَهَلَةِ القَوْمِ وَأَدْعِيَاءِ العِلْمِ فَفِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الثابتِ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ حَتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوا بِغَيْرِ عِلْمِ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا[4] اهـ فَلَمْ يَجْعَلْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديثِ عُذْرًا لِلْمُفْتِي وَلَا لِلْمُسْتَفْتِي فَأَمَّا الأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ أَفْتَى بِجَهْلٍ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ اسْتَفْتَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسْتَفْتَى وَقَدْ قالَ الحَافِظُ النَّوَوِيُّ رحمهُ اللهُ لا يَجُوزُ اسْتِفْتَاءُ غَيْرِ العَالِمِ الثِّقَةِ[5] اهـ اللهمَّ احْفَظْ عَلَيْنَا دِينَنا الذِي بِهِ عِصْمَةُ أَمْرَنَا وَاجْعَلْنَا مِنَ الوَقَّافِينَ عِنْدَ حُدِودِ الشَّرِيعَةِ وَأَحْسِنْ خَواتِيمَنَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أما بعدُ عبادَ اللهِ فإنّي أُوصيكِمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظيمِ أَلَا فَاتَّقُوه. اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجز الشيخ عبد الله الهرريّ رحمات الله عليه عنّا خيرًا. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

 

[1] سورة الإسراء/ءاية 36.

[2] معجم شيوخ ابن عساكر.

[3] المجموع شرح المهذب 1/13.

[4] رواه البخاري في صحيحه.

[5] ذكره في مقدمة المجموع.