العقيدة الطحاوية

الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونستغفِرُهُ ونستَرْشِدُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحسانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، أما بعدُ عبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِي وإياكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ القائلِ في سورةِ ءال عمران ﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعنَا مُنَادِيا يُنَادِي لِلإِيمَٰنِ أَن ءَامِنُواْ بِرَبِّكُم فَ‍َامَنَّا رَبَّنَا فَٱغفِر لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّر عَنَّا سَيِّ‍َاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبرَارِ ١٩٣﴾.

اعلمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ على عبادِهِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيُوَحِّدُوهُ ولَا بُدَّ لِصِحَّةِ الإِيمانِ مِنْ سَلامَةِ العَقِيدَةِ، ولِذَلِكَ وتَأْكِيدًا علَى الاعْتِنَاءِ بالعقيدةِ فَقَدْ صَنَّفَ العُلَمَاءُ قَديمًا وَحَدِيثًا تَصانِيفَ مُهِمَّةً في الاعْتِقَادِ، وَكَانَ مِنْ أَبْرَزِ مَا صُنِّفَ في هذَا الفَنِّ رِسَالَةٌ لِلإِمامِ السَّلَفِيِّ أبي جعفرٍ الطَّحَاوِيِّ الحنَفِيِّ عُرِفَتْ بِاسْمِ العَقِيدَة الطَّحَاوِيَّةِ والإِمامُ الطحاويُّ هوَ الإِمامُ أحمدُ بنُ سَلامَةَ الطحاويُّ المِصْرِيُّ الحَنَفِيُّ وُلِدَ سنةَ 229 هـ وتُوُفِّيَ سنةَ 321 هـ وَقَبْرُهُ في القَرَافَةِ مَشْهُورٌ يُزَارُ، فَهُوَ دَاخِلٌ في أَهْلِ القُرونِ الثَّلاثَةِ الأُولَى الذينَ شَمَلَهُمْ مَدْحُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ خَيْرُ القُرونِ قَرْنِي ثُمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ اهـ رواهُ الترمذيُّ عن عِمْرانَ بْنِ الحُصَيْنِ. وَقَدْ كانَ الطحاويُّ ثِقَةً نَبِيلًا إِمَامًا اسْتَفَاضَ بَيْنَ النَّاسِ فَضْلُهُ. ونحنُ نَذْكُرُ الآنَ بَعْضًا مِنْ كَلَامِ الإمامِ الطحاويِّ مما جَاءَ في هذِهِ العقيدةِ الْمُرْشِدَةِ، قالَ الطحاويُّ في تَنْزِيهِ اللهِ تعالَى وَتَعَالى (أي تَنَزَّهَ) عنِ الحُدودِ والغَاياتِ والأَرْكانِ والأَعْضَاءِ والأَدَوَاتِ، لَا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ اهـ وَمَعْنَى كَلامِهِ هَذَا أَنَّ اللهَ ليسَ لَهُ حَدٌّ وَالْحَدُّ معناهُ الكَمِّيَّةُ، فَنَفْيُ الحَدِّ عنهُ تعالى عِبَارَةٌ عَنْ نَفْيِ الجِسْمِ عَنْهُ، وَمعنى الغَايَاتِ النهاياتُ فَغَايَةُ الشىءِ نِهَايَتُهُ وفيهِ تَأْكِيدٌ لِنَفْيِ الكَمِّيَّةِ والِجسْمِيَّةِ عن رَبِّ العالمين، ومعنَى الأركانِ الجَوانِبُ الجَانِبُ الأَيْمَنُ والجَانِبُ الأَيْسَرُ وأمَّا الأَعْضَاءُ فَجَمْعُ عُضْوٍ وذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الأَجْسَامِ، وَمَعْنَى الأَدَوَاتِ الأَجْزَاءُ الصَّغِيرَةُ كَاللِّسانِ. وَأَفَادَ قوْلُهُ لَا تَحْوِيهِ الجِهَاتُ السِّتُّ كسائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ التَّنْزِيهَ الصَّرِيحَ عَنِ الْمَكَانِ وَالْجِسْمِيَّةِ، إِذِ الْمَكَانُ هُوَ الفَرَاغُ الذِي يَشْغَلُهُ الحَجْمُ، والحَجْمُ مَا يَأْخُذُ حَيِّزًا مِنَ الفَرَاغِ. وحيثُ أَثْبَتَ أنَّ اللهَ لَا تَحْويهِ الجِهَاتُ السِّتُّ وَهِيَ فوقٌ وتحتٌ ويَمينٌ وشِمالٌ وأمَامٌ وخَلْفٌ، دَلَّ عَلَى أَنَّ اللهَ لَا يَشْغَلُ حَيِّزًا مِنَ الفَرَاغِ، إِذًا فَاللهُ تعَالى ليسَ حَجْمًا وَلَا تَحْتَوِيهِ الأَنْحَاءُ كسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ أَيِ الْمَخْلُوقَاتِ. وحيثُ وَضَحَ هَذَا فَلْيُعْلَمْ أَنَّ مَا بَيَّنَّاهُ هُوَ عَيْنُ مَا كانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ، وَهُوَ الحَقُّ الْمُبِينُ، فَلْيُحْذَرْ مِنَ الاغْتِرَارِ بكلِّ ما خَالَفَهُ مِمَّا يُنْسَبُ إلَى السَّلَفِ والسَّلَفُ مِنْهُ بَرَاءٌ كَبَرَاءَةِ الذِّئْبِ مِنْ دَمِ يُوسُفَ علَيْهِ السَّلامُ. هذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أما بعدُ عبادَ اللهِ فإنّي أُوصيكِمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظيمِ أَلَا فَاتَّقُوه. اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجز الشيخ عبد الله الهرريّ رحمات الله عليه عنّا خيرًا. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. وَأَقِمِ الصلاةَ.