Category Archives: خطب الجمعة

الحث علَى التوبةِ وترك الأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللهِ والقُنوطِ مِنْ رَحْمةِ الله

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُه ونَسْتَهْدِيهِ ونَسْتَغْفِرُهُ ونتوبُ إلَيه، ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومن يضلِلْ فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شَبيهَ ولا مِثْلَ وَلا نِدَّ لَهُ، ولا حَدَّ ولا جُثَّةَ وَلا أعضاءَ لَه. غافِرُ الذَّنْبِ وقابِلُ التَّوبِ شديدُ العِقَابِ ذُو الطَّوْلِ لا إلهَ إلّا هوَ إليهِ المصير، وأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا وَحَبِيبَنا وعَظِيمَنا وقَائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّهُ وحبيبُه. اللهم صلِّ وسلِّمْ على سيدِنا محمّدٍ خيرِ الأنامِ وعلَى ءالِه الأَبْرارِ وصَفْوَةِ الأَصْحَابِ. أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتقوى اللِه العليِّ العَظِيم.

اعلَمُوا إخوَةَ الإيمانِ أنَّ للذّنبِ أثرًا يترُكُهُ في قَلْبِ الْمَرْءِ فهُوَ كمَا روَى أصحابُ السُّنَنِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا أَذْنَبَ كانتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قلبِه فإذَا تابَ ونَزَعَ واسْتَعْتَبَ صُقِلَ قَلْبُهُ وإِنْ زَادَ زادَتْ حتَّى يُغْلَقَ قلبُهُ فذَلكَ الرَّانُ الذِي قالَ اللهُ تعالَى ﴿كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ١٤﴾[1] اﻫ فالذُّنوبُ إذَا تَتَابَعَتْ علَى القُلوبِ فأَغْلَقَتْهَا أَتاهَا حينئَذٍ الْخَتْمُ مِنَ اللهِ والطَّبْعُ فَلا يكونُ للإِيمانِ إِليْهَا مَسْلَكٌ وَلا لِلْكُفْرِ مِنْهَا مَخْلَصٌ كَما قالَ محمَّدُ بنُ جريرٍ الطبريُّ رحمهُ اللهُ تعالَى، فَلا ينبغِي لِلْوَاحِدِ مِنَّا أَنْ يُهْمِلَ التَّوبَةَ وإنْ كانَ يُعاوِدُ الذَّنْبَ مرَّةً بعدَ أُخْرَى فإِنَّ فِي التَّوبَةِ مِنَ الذَّنْبِ صَقْلًا لِلْقَلْبِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْلُوَهُ الرَّانُ فَيُخْتَمَ علَى قَلْبِهِ. وَلا يَقولَنَّ الواحِدُ مِنَّا كيفَ أَتوبُ وَقَدْ تُبْتُ مِنْ ذُنوبٍ مِنْ قَبْلُ ثُمَّ عاوَدْتُها بعدَ النَّدَمِ فَقَد روَى التِّرمذِيُّ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ بَنِي ءَادَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ اﻫ[2] معنَاهُ غالِبُ بَنِي ءادَمَ يَقَعُونَ في الذَّنْبِ وَخَيْرُهُمُ الذِي يَتُوبُ بعدَ الحَوْبَةِ فَكُلَّمَا عَصَى تَابَ.

والتَّوبةُ إخوةَ الإيمانِ واجبَةٌ علَى الفَوْرِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ كَبِيرًا كانَ أَوْ صَغِيرًا فبادِرْ أخِي المسلم إلى التوبةِ مِنَ المعصيةِ بالإِقلاعِ عنهَا مَعَ النَّدَمِ علَى عَدَمِ رعايَتِكَ حَقَّ اللهِ الذِي خَلَقَكَ وأَنْعَمَ عليكَ بنِعَمٍ لا تُحصِيهَا ثم أنتَ تَسْتَعْمِلُ نِعَمَهُ فِي مَعْصِيَتِه .. سُبْحَانَكَ رَبَّنا ما أحْلَمَك.

توبُوا إخوَةَ الإِيمانِ إلَى اللهِ واعزِمُوا فِي قلُوبِكُمْ أَنَّكُمْ لا تَرْجِعُونَ إلَى مَعْصِيَتِهِ مِنْ قَبْلِ الفَواتِ فَإِنَّ الموتَ يأتِي بَغْتَةً، فإن كانَتْ معصيتُكَ أخِي المسلم بِتَرْكِ فرضٍ فَاقْضِهِ فَإِنَّ قَبُولَ تَوْبَتِكَ مُتُوَقِّفٌ علَى ذلكَ، وإِنْ كانَتْ مَعْصِيَتُكَ في حَقٍّ مِنْ حُقوقِ عبادِ اللهِ فقَبولُ توبَتِكَ مُتَوَقِّفٌ علَى إيصالِ الحقِّ لِـمُستَحِقِّه والخَلاصِ مِنْ تَبِعَاتِ العِبَادِ فقَدْ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ مَنْ كانَ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ منها فإِنّهُ ليسَ ثَمَّ أي في الآخرةِ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ اﻫ[3] فمَنْ كانَ لأخِيهِ المسلِمِ عندَهُ مَظْلِمَةٌ فِي عِرْضٍ كأَنْ سَبَّهُ أَوْ فِي مَالٍ كأَنْ أكَلَ مَالَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلْيُبَرِّئْ ذِمَّتَهُ اليَوْمَ وَإِنْ لمْ يَفْعَلْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَالأَمْرُ يومَ القِيامَةِ شَدِيدٌ فإِنَّ أصحابَ الحُقوقِ المظلُومينَ يأخُذُونَ مِنْ حسنَاتِ الظّالمِ يومَ القِيامَةِ فإِنْ لم تَكْفِ حَسَنَاتُهُ لذلكَ أُخِذَ مِنْ سَيِّئاتِ المظلومِ فَحُمِلَتْ علَى الظالمِ ثُمَّ يُلْقَى فِي جَهَنَّمَ، فَتُبْ يَا أخِي قبلَ مَوتِكَ فإنَّ الموتَ يَكْشِفُ أَسْرَارَكَ والقِيامَةَ تَتْلُو أَخْبَارَكَ والعَذَابَ يَهْتِكُ أَسْتَارَك.

أخي المؤمن اسْتَعِدَّ لِيَوْمِ القِيامَةِ، اذْكُرْ ذلكَ اليَوْمَ ﴿يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡس لِّنَفۡس شَيۡ‍ٔاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذ لِّلَّهِ ١٩﴾[4] لكن لا تَقْنَطْ مِنْ رحمةِ اللهِ مهمَا كَثُرَتْ مَعاصِيكَ فقَدْ قالَ اللهُ تبارَكَ وتعالَى ﴿قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٥٣﴾[5] لا تَقُلْ أَنَا لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي وسَيَعُذِّبُنِي لا مَحالةَ لِكَثْرَةِ ذُنوبِي، حَرامٌ عليكَ أَنْ تَظُنَّ هذَا بِاللهِ، وَمَا يُدرِيكَ مَا يَفْعَلُهُ بِكَ رَبُّكَ وكيفَ تَجْزِمُ أَنَّ اللهَ سَيَعُذِّبُك، اللهُ شديدُ العِقابِ ولكنَّهُ أيضًا غَفُورٌ رَحِيم. وإيّاكَ أَنْ تَسْتَرْسِلَ فِي المعاصِي اتِّكالًا على رَحمةِ اللهِ مِنْ غَيرِ تَوْبَةٍ فَتَقُولَ اللهُ غَفُورٌ رَحيمٌ فَلَنْ يُعَذِّبَنِي فهذَا حَرَامٌ. عليكَ يا أخِي المؤمن أن تكونَ بينَ الخَوْفِ وَالرَّجاءِ تَخَافُ عِقَابَ اللهِ وتَرْجُو عَفْوَهُ وثَوابَه هكذا يَنْبَغِي أَنْ يَكونَ حالك.

اسمَعْ معِي يَا أَخِي المسلم هذا الحديثَ الذي رواهُ ابنُ ماجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ الله عنهُ قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَه يُمْلِي لِلظَّالمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَـمْ يُفْلِتْهُ اﻫ فَلا يَغْتَرَّنَّ الوَاحِدُ بِمَعْصِيَتِهِ وظُلْمِهِ مَعَ تَأَخُّرِ العُقوبَةِ عنهُ فإنَّ اللهَ إذَا عَاقَبَ الظَّالمَ هَلَكَ.

اللهَ اللهَ عِبادَ الله .. تُوبُوا إلَى اللهِ .. ارجِعُوا إلَى اللهِ .. وفِرُّوا إلَى اللهِ

يا اللهُ ارْحَمْنَا يا رَحِيمُ تُبْ عَلَيْنَا وَاسْتُرْ عُيوبَنا وسَامِحْنَا يَا اللهُ عَفْوَكَ يَا الله. هذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه.

قال الإمامُ أبو حنيفةَ رضي الله عنه أَنَّى يُشْبِهُ الخَالِقُ مَخْلُوقَهُ اهـ أيْ لا يُشْبِهُ اللهُ الخلقَ بِوَجْهِ مِنَ الوُجوهِ فَمَنْ شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ فَمَا عَرَفَهُ وَإِنَّهُ كَافِرٌ بهِ فلذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (فُلانٌ زَاحَ رَبِّى) لِأَنَّ هَذَا فِيهِ نِسْبَةُ الْحَرَكَةِ وَالْمَكَانِ لِلَّهِ وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (قَدَّ اللَّه) يَقْصِدُ الْمُمَاثَلَةَ وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (خَوَتْ رَبِّ) أَيْ جَنَّن، وَمَنْ صَدَرَ مِنْهُ ذلكَ فَلْيَعُدْ إلى الإسلامِ فورًا بالنُطقِ بالشَّهادَتَيْنِ.

اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا، اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، اللهم إنا نعوذُ بكَ مِنْ شَرِّ أَسْمَاعِنَا وَمِنْ شَرِّ أَبْصَارِنا وَمِنْ شَرِّ أَلْسِنَتِنَا وَمِنْ شَرَّ قُلوبِنا، اللهم اغفِرْ لنا خطيئاتِنا وجَهْلَنا وإِسرافَنا في أمرِنا ومَا أَنْتَ أعلَمُ بهِ منّا، اللهم اغفِرْ لنَا جِدَّنا وهَزْلَنا وَخَطَأَنَا وَعَمْدَنا، اللهم اغفرْ لنا ما قَدَّمْنا وما أخَّرْنا وما أَسْرَرْنا ومَا أعْلَنَّا ومَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، أنتَ المقَدِّمُ وأَنْتَ المؤَخِّرُ وأَنْتَ على كلِّ شىءٍ قَدير، اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة المطففين/14.

[2] رواه الحاكم في المستدرك.

[3] رواه البخاري.

[4] سورة الانفطار/19.

[5] سورة الزمر/53.

التّوكُّلُ على اللهِ والتّحذيرُ مِنَ الكَهَنَةِ والعَرّافِين

إنَّ الحمدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَستعينُهُ ونَستَهْدِيهِ ونستغفِرُهُ ونَشْكُرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا شبيهَ لهُ ولا صورةَ ولا أعضاءَ ولا جُثّةَ ولا جسمَ ولا مكانَ لهُ، خلقَ العالَمَ وهو غنيٌّ عنِ العالمينَ، خلقَ العرشَ إظهارًا لقدرتِهِ ولَمْ يَتّخِذْهُ مَكانًا لذاتِهِ، جَلّ ربِّي فهو الواحدُ القهّارُ. وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعينِنا محمّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه اللهم صلّ على سيدِنا محمدٍ صلاةً تقضي بها حاجَاتنا وتفرِّج بها كُرُباتِنا وسلِّمْ عليه وعلى ءالِهِ وأصحابِهِ تسليمًا كثيرًا.

أمّا بعدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُمْ ونفسي بتقوى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في مُحكَمِ كتابِهِ ﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١٣﴾[1]

إخوةَ الإيمانِ، مِنَ الواجباتِ القلبيّةِ التوَكّلُ على اللهِ وهو الاعتمادُ عليه تعالى، فيجبُ على العبدِ أنْ يكونَ اعتمادُهُ على اللهِ لأنهُ خالقُ كلِّ شىءٍ مِنَ المنافعِ والمضارِّ وسائرِ ما يدخلُ في الوجودِ، فلا ضارَّ ولا نافعَ على الحقيقةِ إلا اللهُ، فإذا اعتقدَ العبدُ ذلكَ وَوَطّنَ قلـبَهُ عليهِ كانَ اعتمادُهُ على اللهِ في أمورِ الرّزقِ والسلامةِ من المضارِّ.

Continue reading التّوكُّلُ على اللهِ والتّحذيرُ مِنَ الكَهَنَةِ والعَرّافِين

وِلادَةُ سَيِّدِنا عِيسَى المسيحِ عليهِ السَّلامُ

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِه وصحبهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مَثيلَ لَهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ ولا ولا والدَ ولا ولدَ وَلا صاحِبَةَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، صلى اللهُ على سيدِنا محمدٍ وعلى كلِّ رَسُولٍ أرسَلَهُ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإَنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ الْقَائِلِ فِي مُحكَمِ كِتابِه ﴿إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ وَجِيها فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ ٤٥﴾[1]

إخوةَ الإيمان، يَطيبُ لنَا اليَومَ أنْ نتَكَلَّمَ عَن نَبيٍّ عَظِيمٍ مِنْ أُولِي الْعزْمِ خَصَّه اللهُ بِميزَةٍ عَظِيمَةٍ بأنْ خَلَقَهُ اللهُ تَعالَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ وما ذاكَ بعزيزٍ علَى اللهِ فقدْ خَلَقَ أبانَا ءادَمَ عليهِ السَّلامُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَأُمٍّ، وأمُّ سيدنا عيسَى أيها الأحبةُ هِيَ السيدةُ مَرْيَمُ عليها السلامُ التي بَشَّرتْها الملائكةُ بِاصْطِفَاءِ اللهِ تعالَى لها منْ بينِ سائرِ النساءِ وبتَطهِيرِها منَ الأدْنَاسِ والرَّذائِلِ. والملائكةُ إخوةَ الإيمانِ ليسُوا ذُكورًا ولا إِناثًا بل هُم عبادٌ مُكرمُون خُلقُوا من نورٍ وقدْ يتشكَّلُون بهيئةِ الذكورِ منْ دُونِ أن يكون لهم ءالةُ الذُّكورِية، وعلى هذه الهيئةِ أَرْسَلَ اللهُ سيدَنا جِبْرِيلَ عليه السلامُ يومًا إِلَى السَّيدةِ مَريمَ مُتَشَكِّلًا بِشَكْلِ شَابٍّ أَبْيَض الوَجْهِ وبَشَّرَهَا بِأَنَّها سَتَحْمِلُ بولَدٍ اسمُه عيسى من غَيْرِ أَبٍ وأن الله سيَجْعَلُهُ دَلِيلًا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِه سُبْحَانَه وَتَعالَى.

﴿فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانا قَصِيّا ٢٢ فَأَجَآءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسۡيا مَّنسِيّا ٢٣ فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّا ٢٤ وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبا جَنِيّا ٢٥ فَكُلِي وَٱشۡرَبِي وَقَرِّي عَيۡناۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلۡبَشَرِ أَحَدا فَقُولِيٓ إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡما فَلَنۡ أُكَلِّمَ ٱلۡيَوۡمَ إِنسِيّا ٢٦﴾[2] نفخَ إخوةَ الإِيمانِ جِبْريلُ عليهِ السلامُ في جَيْبِ دِرْعِ السَّيدَةِ مريمَ وَهِيَ الفَتْحَةُ التِي عِنْدَ العُنُقِ فَحَمَلَتْ بعيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ تَنَحَّتْ بِحَمْلِها بَعِيدًا خَوْفَ أَنْ يُعيِّرَها النَّاسُ بِوِلادَتِها مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ، ثُمَّ ألجأَها وَجَعُ الوِلادَةِ إلى سَاقِ نَخْلةٍ يَابِسَةٍ وهناكَ خَوْفًا مِنْ أَذَى النَّاسِ تَمَنَّتِ الْمَوْتَ فَنادَاها جِبْريلُ عليهِ السلامُ مِنْ مَكانٍ مِنْ تَحْتِها مِنْ أسفلِ الجبلِ يُطَمْئِنُها وَيُخْبِرُها أنَّ اللهَ تبارك وتعالى جَعَلَ تَحْتَها نَهَرًا صَغِيرًا وَيَقولُ لَهَا أَنْ تَهُزَّ جِذْعَ النَّخْلَةِ لِيَتَساقَطَ عَلَيْها الرُّطَبُ الْجَنِيُّ الطريُّ وأن تأكُلَ وتشربَ ممَّا رزقَها اللهُ وأَنْ تَقَرَّ عَيْنُها وَأَنْ تَقُولَ لِمَنْ رَءَاها وَسَأَلَها عَنْ وَلَدِها إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحمـنِ أَنْ لا أُكَلِّمَ أحَدًا وكان هذا نذرًا صحيحا في الشرائعِ السَّابقة.

Continue reading وِلادَةُ سَيِّدِنا عِيسَى المسيحِ عليهِ السَّلامُ

علاماتُ الساعةِ الكبرى

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مِثْلَ ولا نِدَّ لَهُ، ولا جُثَّةَ ولا أَعضاءَ له، أَحدٌ صمدٌ لم يلدْ وَلَمْ يُولدْ ولم يكن له كفُوًا أحد، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا. اللهم صلِّ على سيدِنا محمدٍ القائلِ بُعِثْتُ أنا والساعةُ كَهَاتَيْنِ وقَرَنَ بينَ السَّبَّابةِ والوُسْطَى مُشِيرًا بذلكَ إلَى اقْتِرَابِ قيامِ الساعةِ، وعلَى ءالِه وصحابَتِه الطيبينَ الطَّاهرين.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ فإنَّ القيامَةَ قدِ اقْتَرَبَتْ قالَ ربُّنا تبارك وتعالى ﴿ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ ١﴾[1] والآخرةُ يَنْفَعُ فيهَا تقوَى الله.

واعْلَمُوا إخوةَ الإيمانِ أنَّ الساعةَ لا تقومُ حتى تحصُلَ حَوَادِثُ هِيَ عَلامَاتُ اقْتِرابِ الساعةِ وهيَ كمَا جاءَ عشَرةُ أشراطٍ ويقالُ لها أشراطُ الساعةِ الكبرى وهيَ خُروجُ الدَّجّالِ ونُزُولُ عيسى ابنِ مريمَ وخروجُ يَأْجوجَ ومَأْجُوجَ وطُلوعُ الشمسِ مِنْ مَغْرِبِها وخروجُ دَابّةِ الأرضِ والدُّخَانُ وثلاثَةُ خُسُوفٍ ونَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنٍ في بلادِ اليَمَن.

Continue reading علاماتُ الساعةِ الكبرى