الآية الكريمة {وأَمَّا مَنْ خَافَ مَقامَ رَبِّهِ}

الحمدُ للهِ ثُمَّ الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ وسَلامٌ على عِبادِه الذينَ اصطَفَى،  الحمدُ للهِ الواحدِ الأَحَدِ الفَرْدِ الصَّمَدِ الذِي لَمْ يَلِدْ ولم يُولدْ ولم يكن له كُفُوًا أَحَد. أحمدُه تعالَى وأستهديهِ وأَسْتَرْشِدُهُ وأَتوبُ إليهِ وأَسْتَغْفِرُه وأعوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالِنا. مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا. والصلاةُ والسلامُ الأَتَمّانِ الأَكْمَلانِ علَى سيدِنا محمدٍ سيدِ ولَدِ عدنانَ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومُبَشِّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى اللهِ بإذنِه سراجًا وَهَّاجًا وقَمَرًا مُنِيرا. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه أرسلَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ إِمامًا لِلْمُتَّقِين.

أمّا بعدُ أيُّها الأحبَّةُ المسلِمون، أُوصِي نفسِي وإيّاكُم بِتَقْوَى اللهِ العظيم. هذه الدنيا هي دارُ مَمَرٍّ ولَيسَتْ دارَ مُسْتَقَرٍّ. هذه الدنيا هي مزرعةُ الآخرةِ والقبرُ صُندوقُ العَمَل. فَهنِيئًا لِمَنْ بَرَّ واتَّقى وخُتِمَ لهُ بالعملِ الصَّالح.

يقولُ اللهُ تعالَى في القُرءانِ الكَريم {وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠}[1]

أيْ خافَ سُؤالَ الحسابِ واستعدَّ لِما بعدَ الموتِ خِلافًا لِأُولئكَ الذينَ يَخافونَ الفضيحةَ في الدنيا ولا يستعِدُّونَ لِما بعدَ الموتِ ولا يُعِدُّونَ لِيَوْمِ السُّؤالِ ليومِ الحسابِ بِتَجَنُّبِ الْمَنْهِيّاتِ وأَداءِ الواجباتِ التِي فَرضَها اللهُ تبارك وتعالى {وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠} الهوى المذمومُ هو ما تَمِيلُ إليهِ النفسُ الأَمّارَةُ بِالسُّوءِ مِمّا فيهِ مُخالَفةٌ لشرعِ اللهِ تبارك وتعالى، كَحُبِّ الاستعلاءِ على الرِّقابِ كأنْ يكونَ الإنسانُ أخًا أكبرَ لِأَشِقَّائِه فيأكلَ أموالَهم بدعوى رعايةِ مَصالِحهم بعدَ موتِ أَبِيهِم، يكونُ عندَهُ هَوَى الاستِعْلاءِ. ومِنْ هوى النفسِ الخَفِيِّ أيضا أنَّ بعضًا منَ الناسِ عندهم شهوةُ حبِّ الظُّهورِ والاستِعلاءِ ودَعْوَى الْمَشْيَخَةِ الصُّوفيّةِ وهُمْ فارِغونَ ليكونَ لهم على غيرِهم جَاهٌ، لِيَنْكَبَّ الناسُ على تقبيلِ أيدِيهم ولِيَأْتِيَهُمُ النّاسُ بِالهدايا والعطايا فَتَجِدُ الواحِدَ منهم يدّعِي الوِلايةَ والكرامةَ وهو بعدُ لَمْ يُؤَدِّ الواجباتِ ولمْ يجتنِب المحرمات، ومِنْ هؤلاءِ الأَدْعِياءِ مَنْ تجدُهم عندَ حلقاتٍ بِاسْمِ الذِّكرِ بدَلًا مِنْ أنْ يَقُولوا الله الله الله، تجدُهم يهتَمُّونَ بِالأَنْغامِ والتَّمايُلِ والتَّراقُصِ فَيُحَرِّفونَ اسمَ اللهِ تبارك وتعالى. شهوةُ حبِّ الظُّهورِ جعلَتْهُمْ ترتَبِطُ قلوبُهم بِحُبِّ النَّغَمِ بدَلًا مِنْ أن يلتَزِمُوا بِصِحَّةِ اللفظِ يحرفونَ لفظَ الجلالةِ فيقولونَ سبحانَ (اللا) والحمدُ (للا) ينقصونَ أحرفًا منَ اسمِ الله، ومنهم مَنْ يُلحِدُ في أسماءِ اللهِ كمَنْ يُسَمِّي اللهَ القُوَّةَ الخالِقةَ واللهُ تعالى وصفَ نفسَه في القُرءانِ بِقولِه {ذُو ٱلۡقُوَّةِ}[2] أيِ الموصوفُ بالقوَّةِ وهيَ القُدرةُ فلا يجوزُ أن يُقالَ عنِ اللهِ قُوَّةٌ ولا يجوزُ أن يُقالَ عنِ اللهِ مَحَبَّةٌ ولا يجوزُ أن يقالَ عنِ اللهِ عِلْمٌ أو قدرةٌ أو إرادةٌ بلِ اللهُ موصوفٌ بِالقدرةِ والإِرادةِ والسمعِ والبصرِ والكلامِ والعِلْمِ والحياةِ والبَقاءِ. فَلا يقالُ اللهُ قوةٌ ولا يقالُ اللهُ محبةٌ فأسماءُ اللهِ تَوْقِيفِيَّةٌ فلا يجوزُ أن يُسَمَّى اللهُ بِما لَمْ يَرِدْ بهِ الإِذْنُ شَرْعًا قالَ اللهُ تعالى {وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَٰٓئِهِۦۚ}[3]

        فيا أيُّها الأحِبّةُ المسلمون، مَنْ لَمْ يتعلَّمْ ضرورياتِ علمِ الدينِ ضَحِكَ عليهِ الشيطانُ وأَعْوَانُه منَ النَّاس. العلمُ يَحْرُسُكَ وأمَّا المالُ فأَنْتَ تَحْرُسُهُ فَاحْرِصْ على أن تُحَصِّلَ ما يحرسُكَ قبلَ أن تُحصِّلَ ما أنتَ تحرُسُه.

وَقَدْ رُوِيَ عنِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم أنّهُ قالَ رُبَّ مُكْرِمٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَها مُهِين اﻫ[4] قَدْ يَصْطَدِمُ اثْنانِ علَى الطَّريقِ في زَحْمَةِ سَيْرٍ أو في اصْطِدَامِ سيارةٍ فيُخْرِجُ الواحدُ منهم يدَه فيَبْطِشُ بِها أو يُخرِجُ لسانَهُ فيسُبُّ الرَّبَّ لذلكَ الذِي صَدَمَهُ، يظنُّ نفسَه أنهُ إِنَّما أَكْرَمَ نفسَهُ بِهذا البَطْشِ أو لَمّا سبَّ له ربَّه وهُو لَها ُمهين. هذا أهلكَ نفسَه والعياذُ باللهِ تعالى لأنهُ لَمّا بَطشَ بِهذا ظُلمًا استحقَّ العذابَ الأليمَ ولما أَفْلَتَ لسانَهُ وسبَّ له ربَّه أهلكَ نفسَه بالكفرِ الذي حصلَ منهُ والعياذُ باللهِ تبارك وتعالى وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الإسلامِ بِالشَّهادَتَيْنِ اسْتَحَقَّ العذَابَ الْمُؤَبَّدَ في النَّارِ. اللهمَّ تَوَفَّنَا وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

أقولُ قوليَ هذا وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ لِي ولَكُم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه.

واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاة والسلام على نبيِّهِ الكريم فقال {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦}[5] اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهم لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا وكفِّرْ عنا سيئاتِنا وتوفَّنا مؤمنينَ بِرَحْمَتِكَ يا رب العالمين. اللهم ءاتِ نفوسَنا تقواها وزَكِّها أنتَ خيرُ من زكَّاها. اللهم حسِّنِ لنا العملَ وبلِّغْنا الأجلَ ونحنُ مؤمنينَ بِرَحْمَتِكَ يا ربَّ العالمين.

اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أَمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة النازعات/40

[2] سورة الذاريات/58.

[3] سورة الأعراف/180.

[4] واه البيهقي وغيره.

[5] سورة الأحزاب.