ءاداب الجمعة

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونَشكرُهُ ونَستغفرُهُ ونَتوبُ إليهِ ونَعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أعمالِنا مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضلَّ لهُ ومَنْ يُضللْ فلا هاديَ لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ الذي لم يلِدْ ولم يولَدْ ولم يكنْ لهُ كُفُوًا أحدٌ، تَنَزَّهَ رَبِّي عنِ الشبيهِ والمثيلِ والشكلِ والصورةِ والأعضاءِ والأدواتِ، مهمَا تصورْتَ ببالِكَ فاللهُ بخلافِ ذلكَ. وأشهدُ أنَّ سَيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعينِنا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحَبيبُهُ، بَلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأَمَانةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ مَا جزَى نبيًّا مِنْ أنبيائِهِ.

اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ على سيِّدِنا محمَّدٍ وعلى جَميعِ إِخوانِه النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِين.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فأُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ وتَرْكِ الغَفْلَةِ وأداءِ الوَاجِباتِ كما أمرَ اللهُ والابتعادِ عَمَّا حَرَّمَ، فَإِنَّكُمْ مَيِّتونَ ومبعُوثونَ ومُحَاسَبُونَ فاتَّقوا اللهَ واعمَلُوا عَمَلًا صَالِحًا.

يقولُ اللهُ تعالَى ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَومِ ٱلجُمُعَةِ فَٱسعَواْ إِلَىٰ ذِكرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلبَيعَ ذَٰلِكُم خَير لَّكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ ٩﴾[1].

وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ اهـ وقال أيضًا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ اهـ رواهُ مسلم.

فاعلم أَخِي المسلمُ أَنَّ صلاةَ الجمعةِ مِنَ الأُمورِ العَظِيمةِ وَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ على كلِّ مسلِمٍ مكلفٍ ذَكَرٍ غيرِ معذُورٍ مُقِيمٍ في بَلدِ الجُمُعةِ.

فالجمعةُ مِنْ فَضْلِها أنَّها تُكَفِّرُ المعاصيَ الصغيرةَ منَ الجمعةِ إلى الجمُعةِ وذلك لِلمسلمِ الذي يُؤَدِّيها وَفْقَ السُّنَنِ والأَرْكَان. فَمِنْ سُنَنِها الغُسْلُ في يومِها بِنِيَّةِ غُسلِ الجُمُعةِ، ويبدأُ وقتُ هذَا الغُسلِ مِنْ طلوعِ فجرِ يومِ الجمعةِ، وقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَـلِمٍ اهـ متفقٌ عليهِ. ومعنَى الواجِبِ هنا أي هو سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ثابِتٌ فِعْلُهُ فَمَنْ صَلَّى الجمعةَ دُونَ أن يغتَسِلَ غُسْلَها بِدُونِ عُذْرٍ فهذَا يُؤَثِّرُ علَى الثّوابِ.

ويُسَنُّ أن يَلْبَسَ الإنسانُ لِلجُمُعةِ أفضَلَ مَا عِندَهُ مِنْ ثيابٍ، وأحسنُ الثيابِ هيَ البَيْضَاءُ النَّظيفَةُ، ويُسنُّ أخذُ الظِّفرِ والتطيُّبُ فالعِطرُ الطَّيِّبُ يُنْعِشُ القلبَ وتَفْرَحُ بهِ الملائِكَةُ.

كما ينبَغِي الحضُورُ باكِرًا قبلَ أن يَبْدَأَ الإِمَامُ الخطبَةَ، وَكُلَّما كانَ الحضورُ باكِرًا كانَ الثوابُ أعظَمَ وأكبَرَ، فقد قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ (وليسَ الْمَقصُودُ أَنْ يَنوِيَ رَفْعَ الحدَثِ الأَكبَرِ أَوِ الجنابَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا) ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ اهـ

ثم إِذَا أتَيْتَ الْمَسْجِدَ أخِي المسلم فعليكَ بِصَلاةِ رَكْعَتَيْنِ تحية المسجِدِ فإنَّها سُنَّةٌ مؤَكَّدَةٌ، فقد قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ اهـ متفقٌ عليه.

ولما يَبْدَأُ الإمامُ بالخُطبَةِ فيَنْبَغِي الإنصاتُ وتركُ الكلامِ فَإِنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ أثناءَ الخطبَةِ فَقَدِ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا ولا ثوابَ لَهُ بصلاةِ الجمعَةِ إِنْ صَلاها، إنَّما يسقُطُ الفرضُ عنهُ فَقَطْ بأَدائِها، ولو أَنَّ مَنْ بِالقُرْبِ مِنْكَ تكلَّم فلا تَقُلْ لَهُ بالنُّطْقِ (أَنْصِتْ) بل عليكَ بِالإشارةِ، فقد قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْتَ اهـ فإذَا صارَ الإنسانُ يتَكَلَّمُ والإمامُ يخطُبُ فقد لَغَى وَحُرِمَ فَضِيلَةَ الجمعةِ فينبغِى الإنصاتُ أثناءَ الخُطْبَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ في يومِ الجمعةِ ساعةً إذَا دَعى الإنسانُ رَبَّهُ فيهَا اسْتَجَابَ اللهُ دعاءَهُ، وقد قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلمَ فِيهَا سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ اهـ، فعلَيْكُمْ بالإكثارِ مِنَ الدعاءِ في يومِ الجمعةِ، وكذلِكَ عليكُمْ بالإكثارِ منَ الصلاةِ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ الجمعةِ وخاصَّةً في عَصْرِهَا، فَقَدْ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ صَلَّى عَلَيَّ ثَمَانِينَ مَرَّةً عَصْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَ ثَمَانِينَ سَنَةٍ اهـ رواهُ السَّخاوِيُّ.

هذا وأَستَغفرُ اللهَ لِي ولكم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ، أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه.

واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾[2]، اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ رَبَّ السمواتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العظيمِ، رَبَّنا ورَبَّ كُلِّ شَىءٍ، فَالِقَ الحبِّ والنَّوَى، مُنْزِلَ التَّورَاةِ والإِنجيلِ والقُرْءَان، نَعوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ ءَاخِذٌ بناصِيَتِه، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شىءٌ، وأَنْتَ الآخرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَىْءٌ، وأَنْتَ الظاهرُ فلَيْسَ فوقَكَ شىءٌ، وأنتَ الباطنُ فليسَ دونكَ شىءٌ، اقضِ عنّا الدَّينَ، وأغنِنَا مِن الفقرِ، ربَّنا اغفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا واهدِنا وعَافِنا وارزُقْنَا، اللهم ءاتنا أَفْضَلَ مَا تُؤْتِي عِبادَكَ الصَّالِحين، اللهمَّ إنا نَعوذُ بِمعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، ونعوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، اللهمَّ إنا نَسْأَلُكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَءاجِلِهِ مَا عَلِمْنا مِنْهُ ومَا لَمْ نَعْلَمْ، ونَعوذُ بكَ منَ الشَّرِّ كُلِّهِ عاجِلِهِ وءاجِلِهِ ما علمنا منهُ ومَا لَمْ نعلمْ، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّـهُمَّ بجاهِ محمّدٍ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة الجمعة.

[2] سورة الأحزاب/56.