Category Archives: خطب الجمعة

تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المكان

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ ولا مثيلَ ولا شبيهَ ولا مكان له، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كُلِّ رسولٍ أرسَلَه.

أما بعد عبادَ اللهِ، فإِنِّي أُوصِى نفسِى وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ القَائِلِ في محكم كتابه ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلهُدَىٰ وَيَتَّبِع غَيرَ سَبِيلِ ٱلمُؤمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصلِهِۦ جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرًا ١١٥﴾[1]

إخوةَ الإيمانِ دلت هذهِ الآيةُ الكريمةُ على أنَّ من أرادَ النجاةَ عليهِ أن يلتزِمَ سبيلَ المؤمنينَ أي مَا أَجْمعَ عليهِ علماءُ المسلمينَ وأنَّ مَنْ أَعْرَضَ عن ذلكَ فجزَاؤُه جهنَّمُ وبئسَ المصير.

ومِنْ أصولِ عقائدِ المؤمنينَ التي دَلَّتْ عليهَا الأَدِلَّةُ والبراهينُ القاطعةُ مِنَ القُرْءَانِ والحدِيثِ والعَقْلِ والإِجماعِ تَنْزِيهُ اللهِ سبحانه وتعالى عنِ التحيزِ في مكانٍ أوِ الانتشارِ في الأَماكِن، فربُّنا سبحانَه وتعالى هو خالِقُ المكان، كانَ قبلَ الأماكِنِ كلِّها مِنْ غيرِ احتياجٍ إليهَا ثم خَلقَ الأماكِنَ وبعدَ خَلْقِهَا ما زالَ كمَا كانَ موجودًا بِلا مكانٍ لأنهُ سبحانَهُ يُغَيِّرُ ولا يَتَغَيَّرُ كما اشتَهَرَ ذلك بينَ عَوامِّ المسلمينَ وخَواصِّهم إِذْ لو جازَ عليهِ التغيُّرُ لاحتاجَ إلَى مَنْ يُغَيِّرُه والمحتاجُ إلى غيرِه لا يكونُ إِلها.

ثم المكانُ إخوةَ الإيمانِ هو الفراغُ الذِي يشغلُه الجِسم، وإِنْ شئتَ قلتَ هُوَ ما يأخُذُه الحَجْمُ مِنَ الفَراغ، فَلَو كانَ اللهُ في مَكانٍ لكانَ جسمًا لهُ طُولٌ وعَرْضٌ وعُمْقٌ كمَا أنَّ الشمسَ لَها طولٌ وعرضٌ وعمقٌ وحجمٌ وشكلٌ ومن كانَ كذلكَ كانَ بِلا شَكٍّ مَخْلُوقًا مثلَ المخلوقينَ مُحتاجًا إلى مَنْ خَصَّهُ بذلكَ الطولِ وذلكَ العَرْضِ وذلكَ العُمْقِ، والاحتياجُ يُنافِي الألوهيةَ، فوجبَ عَقْلًا تنزيهُ اللهِ عَنِ المكانِ. هذا الدليلُ مِنَ العَقْلِ.

Continue reading تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المكان

معجزةُ الإسراءِ والمعراجِ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ونستهديه ونشكرُهُ ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنَـا، من يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِـلَّ لَهُ ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لـهُ وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلَّغ الرسالة وأَدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمّةَ فجزاهُ اللهُ عَنَّا خيرَ ما جَزَى نبيا من أنبيائه، وصلى الله وسلمَ على سيدِنا محمدٍ الأمينِ وعلى ءالِهِ وصحبِهِ الطيبينَ الطاهرينَ.

أما بعد فيا عباد الله أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العليّ العظيم. يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم ﴿سُبحَٰنَ ٱلَّذِي أَسرَىٰ بِعَبدِهِۦ لَيلا مِّنَ ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ إِلَى ٱلمَسجِدِ ٱلأَقصَا ٱلَّذِي بَٰرَكنَا حَولَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِن ءَايَٰتِنَا إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ١﴾[1].

أيها الأحبةُ تَمُرُّ علينَا في هذَا الشهرِ الكريمِ رَجَبٍ ذِكْرَى الإسراءِ والمِعْرَاجِ، وَهِىَ مناسبةٌ سَامِيَةٌ لِذِكْرَى رَاقِيَةٍ يُحْتَفَلُ بِهَا لِعَظِيمِ مَدْلُولِها وَجَلَالِ قَدْرِهَا، كيفَ لَا وَهِيَ مُعْجِزَةٌ كُبْرَى خُصَّ بِهَا مُحمدُ بنُ عبدِ اللهِ النبيُّ الأمِّيُّ العَرَبِيُّ الأَمِينُ، خَاتَمُ الأنبياءِ وَأَوْفَى الأَوْفِيَاءِ فَقَدْ كانَ إسراؤُهُ مِنْ مَكَّةَ المكرَّمَةِ لِلْأَقْصَى الشَّرِيفِ، ومعراجُهُ إلى السماواتِ العُلَا ورُجُوعُهُ فى جُزْءِ لَيْلَةٍ يُخبرُ أهلَ الأرضِ عَمَّا رأَى مِنَ العَجَائِبِ وَيَصِفُ لَهُمُ الأَقْصَى نَافِذَةً نَافِذَةً، دَلِيلًا قَاطِعًا وَبُرْهَانًا سَاطِعًا علَى صِدْقِ دَعْوَتِهِ وَحَقِّيَّةِ نُبُوَّتِهِ.

إِخْوَةَ الإِيمان، روَى النَّسَائِىُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا فَرَكِبْتُ وَمَعِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسِرْتُ فَقَالَ انْزِلْ فَصَلّ فَفَعَلْتُ فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرُ ثُمَّ قَالَ انْزِلْ فَصَلّ فَصَلَّيْتُ فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ قَالَ انْزِلْ فَصَلّ فَنَزَلْتُ فَصَلَّيْتُ فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجُمِعَ لِي الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ السَّلَام فَقَدَّمَنِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَمَمْتُهُمْ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا فِيهَا ءادَمُ عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا فِيهَا ابْنَا الْخَالَةِ عِيسَى وَيَحْيَى عَلَيْهِمَا السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا فِيهَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَإِذَا فِيهَا هَارُونُ عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَإِذَا فِيهَا إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ[2] السَّادِسَةِ فَإِذَا فِيهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَإِذَا فِيهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ فَأَتَيْنَا سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى اهـ

أيها الأحبةُ لَقَدْ أُسْرِيَ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلةَ الإِسْرَاءِ مِنْ مَكَّةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجُمِعَ لَهُ الأنبياءُ هُناكَ وَصَلَّى بِهِمْ ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إلَى السماواتِ حَتَّى بَلَغَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَهُنَاكَ رَأَى نبيُّنا صلى الله عليه وسلم سَيِّدَنا جِبْريلَ عليهِ السلامُ، فَدَنَا جبريلُ مِنْ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم لِشِدَّةِ شَوْقِهِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم حتَّى كانَ مَا بَيْنَهُمَا قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ أَوْ أَقَلَّ، كمَا قال تعالى في النبيِّ صلى الله عليه وسلم ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلهَوَىٰ ٣ إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحَىٰ ٤ عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلقُوَىٰ ٥ ذُو مِرَّة فَٱستَوَىٰ ٦ وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعلَىٰ ٧ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ٨ فَكَانَ قَابَ قَوسَينِ أَو أَدنَىٰ ٩﴾[3] عَلَّمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم شَدِيدُ القُوى ذُو المِرَّةِ جِبْرِيلُ، وهُوَ الذِي دَنَا مِنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكانَ حِينَ رَءَاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عندَ سدرةِ الْمُنْتَهَى علَى صُورَتِه الأَصْلِيَّةِ كمَا قالَ تعالَى ﴿وَلَقَد رَءَاهُ نَزلَةً أُخرَىٰ ١٣ عِندَ سِدرَةِ ٱلمُنتَهَىٰ ١٤ عِندَهَا جَنَّةُ ٱلمَأوَىٰ   ١٥﴾[4]. رَوَى البخاريُّ ومسلمٌ إِمَامَا أَهْلِ الحَدِيثِ عَنِ السيدَةِ الصِّدِّيقَةِ بِنْتِ الصِّدِّيقِ زوجةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عائشةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّها عِنْدَما ذُكِرَ لها قولُ اللهِ تعالى ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ٨ ﴾ قَالَتْ إِنَّما ذَاكَ جِبْرِيلُ اهـ أي وَلَيْسَ المقصُودُ بهذهِ الآيةِ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَنَا مِنْ رَبِّهِ تعالى بِالْمَسَافَةِ والجِهَةِ حتى صارَ أَقْرَبَ إليهِ مِنْ ذِرَاعَيْنِ لأنَّ اللهَ تعالَى لَيْسَ جِسْمًا ذَا كَمِّيَّةٍ، وليسَ لهُ مَكَانٌ ولا جِهَةٌ فَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ القُرْبُ الْمَسَافِيُّ والبُعْدُ المسَافِيُّ وهذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ. فالْزَمْ أَخِي عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَكُنْ مِنَ الفَائِزِينَ بِإِذْنِ رَبِّ العَالَمِينَ.

وقالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ كانَ ذَهَابُه صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إلى المسجِدِ الأَقْصَى وَعُرُوجُهُ إلى أَنْ عَادَ إلى مَكَّةَ في نَحْوِ ثُلُثِ لَيْلَةٍ، فَأَخْبَرَ الكُفَّارَ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ وَكَذَّبُوهُ وَاسْتَهْزَؤُوا بِهِ فَتَجَهَّزَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلى أبي بَكْرٍ فقالوا لَهُ هَلْ لَكَ في صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ثم رَجَعَ إلى مَكَّةَ في لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فقالَ أبو بَكْرٍ أوَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا نَعَمْ قالَ فأَشْهَدُ لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ قالُوا فَتُصَدِّقُهُ بأَنْ يَأْتِيَ الشَّامَ في ليلَةٍ وَاحِدَةٍ ثم يَرجِعَ إلَى مَكَّةَ قبلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قالَ نَعَمْ إِنِّي أُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ اهـ فَبِهَا سُمِّيَ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَجَمَعَ أبُو جَهْلٍ قَوْمَهُ فَحَدَّثَهُمُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِمَا رَأَى فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَيْفَ بِنَاؤُهُ وكَيْفَ هَيْئَتُهُ وكيفَ قُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ فَإِنْ يَكُنْ محمّدٌ صَادِقًا فَسَأُخْبِرُكُمْ وَإِنْ يَكُنْ كَاذِبًا فَسَأُخْبِرُكُمْ فَجَاءَهُ ذلكَ الْمُشْرِكُ فَقَالَ يَا محمدُ أنَا أعْلَمُ الناسِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَخْبِرْنِي كيفَ بِنَاؤُهُ وكيفَ هَيْئَتُهُ وكيفَ قُرْبُهُ مِنَ الجَبَلِ فَرُفِعَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ مَقْعَدِهِ فَنَظَرَ إليهِ كَنَظَرِ أَحَدِنَا إلَى بَيْتِهِ بِنَاؤُهُ كذَا وكذَا وَهَيْئَتُهُ كذَا وكذَا وقُرْبُهُ مِنَ الجبلِ كَذَا وَكَذَا فقَالَ الآخَرُ صَدَقْتَ وَفِى رِوَايَةٍ قالَ أمَّا النَّعْتُ أَيِ الوَصْفُ فَقَدْ وَاللهِ أَصَابَ. وفِي هذَا قالَ القَائِلُ

وَالْمَسْجِدُ الأَقْصَى عَلَيْهِ مِنَ التُّقى
حُلَلٌ ومِنْ نُورِ الهُدَى لَأْلَاءُ
وَالأَنْبِيَاءُ بِبَابِهِ قَدْ شَاقَهُمْ
نَحْوَ النَّبِيِّ مَحَبَّةٌ وَرِضَاءُ
يا صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ فَوْقَ الْمُنْتَهَى
لَكَ وَحْدَكَ الْمِعْرَاجُ وَالْإِسْرَاءُ
يا وَاصِفَ الأَقْصَى أَتَيْتَ بِوَصْفِهِ
وَكَأَنَّكَ الرَّسَّامُ والبَنَّاءُ

فَالإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ إِخْوَةَ الإيمَانِ مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ العَظِيمَةِ الدَّالَّةِ علَى نُبُوَّتِهِ صلى الله عليه وسلم قَطْعًا. اللهمَّ اجْمَعْنَا بِحَبِيبِكَ مُحَمَّــدٍ فِي الفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى وَدَاوِنَا يِا رَبَّنَا بِنَظْرَةٍ مِنْهُ وَارْزُقْنَا شَرْبَةً مِنْ حَوْضِهِ لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

هذا وأستغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

 

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ خديجةَ وَحَفْصَةَ وعائِشَةَ الوَلِيَّةِ البَرَّةِ الطَّاهِرَةِ النَّقِيَّةِ الصَّالِحَةِ الْمُبَرَّأَةِ وَسَائِرِ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الرِّجْسِ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ الفَارُوقِ الذي يَجْرِي الحَقُّ علَى لِسانِه وَقَلْبِه وَمَنْ قالَ فيهِ الرسولُ مَا لَقِيَكَ الشيطانُ سَالِكًا فَجًّا إِلّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّك اهـ وعُثْمَانَ ذي النُّورَيْنِ وَعَلِىٍّ الكَرّارِ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ أَلَا فَاتَّقُوهُ وَخَافُوهُ.

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا    ٥٦﴾[5]، اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ اللهم اجز الشيخ عبد الله الهرريّ رحمات الله عليه عنّا خيرًا.

عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1] سورة الإسراء / 1.

 

[2] وفي رواية مسلم أنه عليه الصلاة والسلام التقى سيدنا إدريس في السماء الرابعة والتقى بسيدنا هارون في الخامسة.

[3] النجم / 3-9.

[4] النجم / 13-15.

[5] سورة الأحزاب/56.

المعجزةُ خاصَّةٌ بالأَنْبِيَاء

الحمدُ للهِ ثم الحمدُ لله، الحمدُ للهِ الذِي تفضلَ علينَا بالبِعْثَةِ النَّبَوِيّة، وَرَصَّعَ أُمَّتَنَا بالجوهَرةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وجعَلَها أُمَّةً سَمِيَّة، أرسلَ نبيَّه بالخيرِ والرَّحَماتِ دَاعِيًا إلى الحقِّ وَالْمَبَرّاتِ مُؤَيَّدًا بالمعجزاتِ البَاهِراتِ والآياتِ الظَّاهِرَات، وأُصَلِّي وأسلمُ على محمدٍ عبدِ اللهِ ورسولِه وصَفِيِّهُ وخليلِه خيرِ البَشَرِ فَخْرِ ربيعةَ وَمُضَر مَنِ انْشَقَّ لهُ القَمَرُ وشهِدَ برسالتِهِ الشَّجَرُ وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مثيلَ لهُ ﴿لَم يَلِد وَلَم يُولَد ٣ وَلَم يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُ ٤﴾ سبحانَهُ تَعْجِزُ الأفهامُ عَنْ إِدْرَاكِ ذَاتِه وَتَتَحَيَّرُ العُقولُ في عَظِيمِ ءَالائِهِ وءَاياتِه وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحياةَ قُلوبِنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه عليهِ صلاةُ ربي وسلامُه ما مَرَّ على الرَّوضِ النَّسِيمُ فَبَثَّ عِطْرَ الرياحينِ وعلى ءالِه وأصحابِه الطيبينَ الطّاهرين.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإنَّ ربَّنا جلَّ وعلا لَمْ يَخْلُقْنَا لَهْوًا وَلَا عَبَثًا وإنّما خَلقَنَا لِمَعْرِفَتِهِ وعِبادَتِه، وَبِرَحْمَةٍ منهُ أرسلَ إلينَا أَنْبِياءَهُ الكِرامَ مُرْشِدِينَ إلَى الطريقِ القَويمِ فقَطَعَ علَيْنَا الحُجَّةَ بِهِمْ قالَ عزَّ وجلَّ ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبعَثَ رَسُولا ١٥﴾[1] فَمَنْ ءامنَ بهم واتَّبعَهُم فازَ بالجنةِ وَظَفِرَ وَمَنْ تَوَلّى عنهم وعصَاهُمْ تَبَّ وَخَسِرَ وكانَتْ لهُ جهنَّمُ مُسْتَقَرًّا خَالِدًا فيهَا أبَدًا فَاتّقوا اللهَ عبادَ اللهِ وخَافُوهُ. قالَ ربُّنا تبارك وتعالى ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّة وَٰحِدَة فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ‍نَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾[2] بَعَثَ اللهُ أنبياءَهُ وكَلَّلَهُمْ بِالصِّفاتِ الحميدَةِ والعِصْمَةِ الْمَجِيدَةِ وجَعَلَ الإِيمانَ بِهِمْ رُكْنًا مِنْ أَرْكانِ الإيمانِ وأَوْجَبَ اتِّباعَهم فمَا يَسْمَعُ بالنبيِّ أحَدٌ ثم لا يؤمنُ بهِ إِلّا كانَتْ لَهُ نَارُ جهنّمَ مُوْئِلًا، وَبِحِكْمَتِه تعالَى خَصَّ الأنبياءَ بخوارِقَ يُعْرَفُونَ بِها وَصَدَّقَهُمْ بِمُعْجِزَاتٍ تُبَيِّنُ حَقِّيَّتَهُم فمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلّا وَلَهُ مُعْجِزَةٌ تَدُلُّ علَى صِدْقِ دَعْوَاه. والمعجزةُ هي أمرٌ خارقٌ للعادةِ يحصُلُ على يَدِ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ مُوافِقٌ لدَعْواهُ سالِمٌ مِنَ المعارَضَةِ بالمِثلِ فلَا يَسَعُ العَاقِلَ إِلّا تَصْدِيقُ مَنْ أتَى بِها وَالإيقانُ بِنُبُوَّتِهِ فهِيَ قائِمَةٌ مقامَ قولِه تعالَى صدقَ عبدِي في دَعْوَاهُ النُّبُوَّةَ وَفِيمَا يُبَلِّغُهُ عنِّي. فَكانَ مِمّا أُوتِيَ مُوسَى عليهِ السلامُ مِنَ الْمُعجزاتِ انقلابُ العَصَا ثُعْبَانًا حَقِيقِيًّا فَالْتَقَمَ مَا ألْقَى السَّحَرَةُ فأَيْقَنُوا بِحَقِّ دَعْوَاهُ وءامَنُوا باللهِ معَ مَا لَقُوا مِنْ أَذَى فِرْعَوْنَ وَجُنودِه، وفَلَقَ البَحْرَ بِعَصَاهُ حتى كانَ كُلُّ فِرْقٍ كالجبلِ العَظيمِ فَجاوَزَ بِبَنِي إِسرائيَل وأَغْرَقَ اللهُ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَه. وأمَّا عيسى عليه السلام فقد أُوتِيَ إِحياءَ الموتَى بإِذْنِ اللهِ بِدُعائِه وَشَفَى اللهُ الأَبْرَصَ علَى يَدَيْهِ وصارَ مَنْ وُلد أعمى بصيرًا مُعْجِزَةً لهُ عليهِ السلامُ وتَصْدِيقًا لِنُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِه. وأعظمُ الأنبياءِ مُعْجِزَاتٍ هُوَ سيدُنا محمدٌ خاتَمُهم وأفضَلُهُم حتى قالَ الإمامُ الشافعيُّ رضي الله عنه ما أَعْطَى اللهُ نبيًّا معجزةً إلَّا وأَعْطَى محمدًا مِثْلَهَا أَوْ أَعْظَمَ منهَا اهـ وَصَدَقَ مَنْ قالَ

Continue reading المعجزةُ خاصَّةٌ بالأَنْبِيَاء

الإيمانُ بِالقَدَر

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شُرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بَلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.

أما بعدُ فيَا عِبادَ اللهِ أُوصِيكُم ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظيمِ. روى الحافظُ أبو نُعيمٍ في تاريخِ أصبَهانَ عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قالَ جاءَ مُشْرِكُو قُريشٍ إلَى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخاصِمُونَهُ فِي القَدَرِ فَنَزَلَتْ هذهِ الآيَاتُ ﴿إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي ضَلَٰل وَسُعُر ٤٧ يَوۡمَ يُسۡحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ ٤٨ إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَر ٤٩﴾ [1].

إِخوَةَ الإِيمان، إنَّ مِنْ أُصولِ عقائدِ المسلمينَ الْإِيمانَ بِقَدَرِ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أنَّ رسولَ اللهِ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الإيمانِ قالَ الإيمانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وملائكتِه وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ وتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ اﻫ وَمعنَى قولِه صلى الله عليه وسلم وتؤمنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ أَنَّ تُؤمنَ أنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ فِي الوُجودِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ هُوَ بِتَقْدِيرِ اللهِ الأزَلِيِّ فالطاعَةُ التِي تحصُلُ مِنَ المخلوقِينَ والمعصِيَةُ التي تَحْصُلُ منهُمْ كُلٌّ بِخَلْقِ اللهِ وإيجادِهِ إِيَّاهَا وبعلمِهِ ومشيئَتِهِ وليسَ مَعْنَى ذلكَ أَنَّ اللهَ يَرْضَى بِالشَّرِّ ولا أنَّهُ يَأْمُرُ بِالمعصيةِ إنَّمَا الخيرُ مِنْ أَعْمالِ العِبادِ بِتَقْدِيرِ اللهِ ومَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ والشَّرُّ مِنْ أَعْمالِ العِبادِ بِتَقْديرِ اللهِ لا بِمَحبَّتِهِ وَرِضَاهُ، قالَ الإمامُ أبو حنيفةَ رضىَ اللهُ عنهُ الذي هو مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ إِنَّ الوَاجِبَاتِ كلَّها التي يَفْعَلُها العَبْدُ هِيَ بِأَمْرِ اللهِ تعالَى ومَحَبَّتِهِ وبِرِضَائِهِ وعِلْمِهِ ومَشيئَتِهِ وقَضَائِهِ وتَقديرِه والمعاصِيَ كُلَّها بِعِلْمِهِ وقضائِهِ وتَقْدِيرِهِ ومشيئتِهِ لا بِمَحَبَّتِهِ وَلَا بِرِضَائِهِ وَلَا بِأَمْرِه اﻫ فَفَرْقٌ أيها الأحبَّةُ بينَ المشيئَةِ وبينَ الأَمْرِ فَاللهُ لَمْ يَأْمُرْ بالكُفْرِ والمعاصِى لكنْ كُفْرُ الكافرينَ ومعصيةُ العُصاةِ لا يُمكنُ أن يحصُلَ شىءٌ منها لَوْ لَمْ يَشَإِ اللهُ حُصُولَهُ وإِلّا لَوْ كانَ يَحْصُلُ ما لَمْ يشإِ اللهُ حُصولَهُ لكانَ عَاجِزًا والعَجْزُ علَى اللهِ مُحَالٌ واللهُ تعالى غالبٌ على أَمْرِه.

فالإيمانُ والطَّاعاتُ والكفرُ والمعاصِى كلُّ ذلكَ يحصلُ بمشيئةِ اللهِ وتقديرِه ولَوْ لَمْ يشَإِ اللهُ عِصيانَ العُصاةِ وكُفرَ الكافرينَ وإيمانَ المؤمنينَ وطاعةَ الطائِعينَ لَمَا خَلَقَ الجنَّةَ والنَّارَ. وليسَ لِقائِلٍ أن يقولَ إِنَّهُ إذَا كانَتِ المعصيةُ بِمشيئةِ اللهِ فكيفَ يُعَذِّبُهُ اللهُ فَاللهُ لا يُسئَلُ عمَّا يفعَلُ بَلْ إِذَا عَذَّبَ اللهُ تعالَى العاصِيَ فَبِعَدْلِهِ مِنْ غَيْرِ ظُلمٍ، وإِذَا أثَابَ الْمُطِيعَ فَبِفَضْلِهِ مِنْ غيرِ وُجوبٍ عليهِ، لأنَّ الظلمَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ لَهُ ءامِرٌ ونَاهٍ وَلا ءَامِرَ للهِ وَلا نَاهِيَ لَهُ، فَهُوَ يَتَصَرَّفُ في ملْكِهِ كمَا يشَاءُ لأنَّهُ خالِقُ الأشياءِ وَمَالِكُها، وَقد جاءَ في الحديثِ الصّحيحِ الذي رواهُ أبو داودَ وغيرُه عنِ ابنِ الدَّيْلَمِيِّ أن زيدَ بن ثابت حدَّثَهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ إنَّ اللهَ لو عَذَّبَ أهلَ أَرْضِهِ وسَماوَاتِه لعذَّبَهُمْ وهو غيرُ ظالِمٍ لَهُمْ ولَوْ رحِمَهُمْ كانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعمالِهِمْ، ولَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا في سَبِيلِ اللهِ مَا قَبِلَهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالقَدَرِ، وتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَلَوْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ اﻫ

Continue reading الإيمانُ بِالقَدَر