المعجزةُ خاصَّةٌ بالأَنْبِيَاء

الحمدُ للهِ ثم الحمدُ لله، الحمدُ للهِ الذِي تفضلَ علينَا بالبِعْثَةِ النَّبَوِيّة، وَرَصَّعَ أُمَّتَنَا بالجوهَرةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وجعَلَها أُمَّةً سَمِيَّة، أرسلَ نبيَّه بالخيرِ والرَّحَماتِ دَاعِيًا إلى الحقِّ وَالْمَبَرّاتِ مُؤَيَّدًا بالمعجزاتِ البَاهِراتِ والآياتِ الظَّاهِرَات، وأُصَلِّي وأسلمُ على محمدٍ عبدِ اللهِ ورسولِه وصَفِيِّهُ وخليلِه خيرِ البَشَرِ فَخْرِ ربيعةَ وَمُضَر مَنِ انْشَقَّ لهُ القَمَرُ وشهِدَ برسالتِهِ الشَّجَرُ وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مثيلَ لهُ ﴿لَم يَلِد وَلَم يُولَد ٣ وَلَم يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُ ٤﴾ سبحانَهُ تَعْجِزُ الأفهامُ عَنْ إِدْرَاكِ ذَاتِه وَتَتَحَيَّرُ العُقولُ في عَظِيمِ ءَالائِهِ وءَاياتِه وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحياةَ قُلوبِنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه عليهِ صلاةُ ربي وسلامُه ما مَرَّ على الرَّوضِ النَّسِيمُ فَبَثَّ عِطْرَ الرياحينِ وعلى ءالِه وأصحابِه الطيبينَ الطّاهرين.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإنَّ ربَّنا جلَّ وعلا لَمْ يَخْلُقْنَا لَهْوًا وَلَا عَبَثًا وإنّما خَلقَنَا لِمَعْرِفَتِهِ وعِبادَتِه، وَبِرَحْمَةٍ منهُ أرسلَ إلينَا أَنْبِياءَهُ الكِرامَ مُرْشِدِينَ إلَى الطريقِ القَويمِ فقَطَعَ علَيْنَا الحُجَّةَ بِهِمْ قالَ عزَّ وجلَّ ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبعَثَ رَسُولا ١٥﴾[1] فَمَنْ ءامنَ بهم واتَّبعَهُم فازَ بالجنةِ وَظَفِرَ وَمَنْ تَوَلّى عنهم وعصَاهُمْ تَبَّ وَخَسِرَ وكانَتْ لهُ جهنَّمُ مُسْتَقَرًّا خَالِدًا فيهَا أبَدًا فَاتّقوا اللهَ عبادَ اللهِ وخَافُوهُ. قالَ ربُّنا تبارك وتعالى ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّة وَٰحِدَة فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ‍نَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾[2] بَعَثَ اللهُ أنبياءَهُ وكَلَّلَهُمْ بِالصِّفاتِ الحميدَةِ والعِصْمَةِ الْمَجِيدَةِ وجَعَلَ الإِيمانَ بِهِمْ رُكْنًا مِنْ أَرْكانِ الإيمانِ وأَوْجَبَ اتِّباعَهم فمَا يَسْمَعُ بالنبيِّ أحَدٌ ثم لا يؤمنُ بهِ إِلّا كانَتْ لَهُ نَارُ جهنّمَ مُوْئِلًا، وَبِحِكْمَتِه تعالَى خَصَّ الأنبياءَ بخوارِقَ يُعْرَفُونَ بِها وَصَدَّقَهُمْ بِمُعْجِزَاتٍ تُبَيِّنُ حَقِّيَّتَهُم فمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلّا وَلَهُ مُعْجِزَةٌ تَدُلُّ علَى صِدْقِ دَعْوَاه. والمعجزةُ هي أمرٌ خارقٌ للعادةِ يحصُلُ على يَدِ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ مُوافِقٌ لدَعْواهُ سالِمٌ مِنَ المعارَضَةِ بالمِثلِ فلَا يَسَعُ العَاقِلَ إِلّا تَصْدِيقُ مَنْ أتَى بِها وَالإيقانُ بِنُبُوَّتِهِ فهِيَ قائِمَةٌ مقامَ قولِه تعالَى صدقَ عبدِي في دَعْوَاهُ النُّبُوَّةَ وَفِيمَا يُبَلِّغُهُ عنِّي. فَكانَ مِمّا أُوتِيَ مُوسَى عليهِ السلامُ مِنَ الْمُعجزاتِ انقلابُ العَصَا ثُعْبَانًا حَقِيقِيًّا فَالْتَقَمَ مَا ألْقَى السَّحَرَةُ فأَيْقَنُوا بِحَقِّ دَعْوَاهُ وءامَنُوا باللهِ معَ مَا لَقُوا مِنْ أَذَى فِرْعَوْنَ وَجُنودِه، وفَلَقَ البَحْرَ بِعَصَاهُ حتى كانَ كُلُّ فِرْقٍ كالجبلِ العَظيمِ فَجاوَزَ بِبَنِي إِسرائيَل وأَغْرَقَ اللهُ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَه. وأمَّا عيسى عليه السلام فقد أُوتِيَ إِحياءَ الموتَى بإِذْنِ اللهِ بِدُعائِه وَشَفَى اللهُ الأَبْرَصَ علَى يَدَيْهِ وصارَ مَنْ وُلد أعمى بصيرًا مُعْجِزَةً لهُ عليهِ السلامُ وتَصْدِيقًا لِنُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِه. وأعظمُ الأنبياءِ مُعْجِزَاتٍ هُوَ سيدُنا محمدٌ خاتَمُهم وأفضَلُهُم حتى قالَ الإمامُ الشافعيُّ رضي الله عنه ما أَعْطَى اللهُ نبيًّا معجزةً إلَّا وأَعْطَى محمدًا مِثْلَهَا أَوْ أَعْظَمَ منهَا اهـ وَصَدَقَ مَنْ قالَ

إِنْ كانَ مُوسَى سَقَى الأَسباطَ مِنْ حَجَرٍ        إنَّ في الكَفِّ مَعْنًى لَيْسَ في الحجَرِ

إن كانَ عيسَـى بَرَى الأَعْمَى بِدَعْوَتِه             فَكَمْ  بِرَاحَتِـه قَدْ رَدّ مِنْ بَصَــرِ

فهو عليهِ الصلاةُ والسلامُ صاحبُ الْمُعْجِزَاتِ العُظْمَى وَالْمَرْتَبَةِ العُلْيَا الذي أُنْزِلَ عليهِ القرءانُ الكريمُ أعظَمُ مُعْجِزَةٍ كتابٌ مُبِينٌ ليسَ فيهِ شَائِبَةٌ وَلَا تَدْخُلُه أَدْنَى عَائِبَةٍ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءَاياتُه، أَفْصَحُ الكَلامِ وأَعْلَى البَلاغَة، تَحَدَّى العَرَبَ وَهُمْ أَهْلُ الفَصَاحَةِ والبَلاغَةِ بِأَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فَأَيْقَنُوا بِعَجْزِهِم.

فالمعجزةُ إخوةَ الإيمانِ خَاصَّةٌ بالأنبياءِ وليسَ لِغَيْرِهِمْ، أمّا مَا كانَ خَارِقًا للعادةِ مِمّا يَظْهَرُ على أيْدِي بعضِ الأولياءِ كمَا حَصَلَ معَ السيدةِ مَرْيَمَ حِينَ هَزَّتِ الجِذْعَ اليَبِيسَ فَحَمَلَ للحالِ وَتَساقَطَ عليهَا الرُّطَبُ فإنَّ هذَا يُسَمَّى كَرَامَةً يُكْرِمُ اللهُ بها هذا الوليَّ تُبَيِّنُ صدقَ اتِّباعِه للنبيِّ وصِدْقَ النبيِّ الذي يَتَّبِعُهُ فإنَّ الوليَّ لا يَدَّعِي النُّبُوَّة.

نَسْأَلُ اللهَ تباركَ وتعالَى أَنْ يُثَبِّتَنا علَى الحَقِّ واتِّباعِ الأنبياءِ في ما يَدِينُونَ بِهِ لِرَبِّ العالمينَ وأَنْ يَحْشُرَنا يَوْمَ القيامَةِ معَ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ علَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصديقينَ والشهداءِ والصالحينَ وحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقًا.

أقولُ قولي هذا وأستَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ خديجةَ وَحَفْصَةَ وعائِشَةَ الوَلِيَّةِ البَرَّةِ الطَّاهِرَةِ النَّقِيَّةِ الصَّالِحَةِ الْمُبَرَّأَةِ وَسَائِرِ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الرِّجْسِ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ الفَارُوقِ الذي يَجْرِي الحَقُّ علَى لِسانِه وَقَلْبِه وَمَنْ قالَ فيهِ الرسولُ مَا لَقِيَكَ الشيطانُ سَالِكًا فَجًّا إِلّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّك اهـ وعُثْمَانَ ذي النُّورَيْنِ وَعَلِىٍّ الكَرّارِ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ أَلَا فَاتَّقُوهُ وَخَافُوهُ.

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾[3]، اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، اللهمَّ اقسمْ لنا مِنْ خشيَتِكَ ما تَحولُ به بينَنا وبينَ مَعاصِيك، اللهمّ أَلْهِمْ نُفوسَنا تَقواها وزَكِّها أنتَ خيرُ مَنْ زَكّاهَا، ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ، اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ، اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يَجْعَلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاة.

 

 

[1] سورة الإسراء/15.

[2] سورة البقرة/213.

[3] سورة الأحزاب/56.