الحمدُ للهِ ذي الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ الذِي أَعَزَّنَا بِالْإِسْلَامِ وَأَكْرَمَنَا بِالإِيمانِ وَنَوَّرَ قُلُوبَنا بِالْقُرْءَانِ والصَّلاةُ والسلامُ على سيِّدِ وَلَدِ عَدْنَانَ سَيِدِنا محمدٍ أَبِي القَاسِمِ الذِي عَلَا النُّجُومَ وَالْكَوَاكِبَ العِظَامَ وعلَى ءالِهِ وَأَصْحَابِهِ الكِرَامِ بُدُورِ التَّمَامِ، وَمَصَابِيحِ الظَّلَامِ وَشُمُوسِ دِينِ الإِسْلامِ الذينَ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ وَكَانُوا بَعْدَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ورَضِيَ عَنْهُمْ قُدْوَةً لِلْأَنَامِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا مَثِيلَ لَهُ وَلَا ضِدَّ وَلَا نِدَّ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا محمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ، اللهمَّ صَلِّ علَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وعلَى سَائِرِ إِخْوَانِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وءالِ كُلٍّ وَصَحْبِ كُلٍّ وَسَلِّمْ.
أمَّا بعدُ عِبَادَ اللهِ فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَأُحَذِّرُكُمْ مِنْ عِصْيَانِهِ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ مَنِ اسْتَبْدَلَ بِالطَّاعَةِ الْمَعْصِيَةَ وَءَاثَرَ الفَانِيَةَ علَى البَاقِيَةِ يَقُولُ اللهُ تباركَ وتعالَى في القُرْءَانِ العَظِيمِ ﴿وَٱلعَصرِ ١ إِنَّ ٱلإِنسَٰنَ لَفِي خُسرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَواْ بِٱلحَقِّ وَتَوَاصَواْ بِٱلصَّبرِ ٣﴾[1]
اعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ للهِ تباركَ وتعالى أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَقَدْ أَقْسَمَ في هذِهِ السُّورَةِ بِالعَصْرِ وَمَعْنَى العَصْرِ الدَّهْرُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاللهُ أَقْسَمَ أَنَّ كلَّ إِنْسَانٍ خَاسِرٌ وَاسْتَثْنَى الذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الخَاسِرينَ وَهَذَا وَصْفُ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحينَ الذينَ عَمِلُوا بِوَصَايَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأْتَمَرُوا بِأَوَامِرِهِ فتَعَلَّمُوا وَعَمِلُوا وَجَدُّوا وَاجْتَهَدُوا وَخُصُوصًا السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الصحابةِ الذينَ مَدَحَهُمُ اللهُ تباركَ وتعالَى فقالَ ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلمُهَٰجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحسَٰن رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنهُم وَرَضُواْ عَنهُ﴾[2] وَقَدْ أَعْلَمَنَا اللهُ تبَارَكَ وتعالَى أَنَّهُ رَاضٍ عَنْهُمْ لأَنَّهُمْ صَدقُوا وَءامَنُوا وَتَعَلَّمُوا وَعَمِلُوا وَنَصَحُوا وَانْتَصَحُوا، فَحَرِيٌ بِنَا أَيُّها الإِخْوَةُ الكِرَامُ أَنْ نَقْتَدِيَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَقْتَدِيَ بِصَحَابَتِهِ الكِرَامِ الّذِينَ كَانُوا يَنْصَحُ أَحَدُهُمُ الآخَرُ لِوَجْهِ اللهِ فَيَنْصَحُ الأَخُ أخَاهُ والصَّاحِبُ صَاحِبَهُ، وكانَ الوَاحِدُ مِنْهُمْ مِرْءَاةً لِأَخِيهِ المسلمِ يُحِبُّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ فَإِنْ رَأَى فيهِ عَيْبًا سَارَعَ إلَى تَقْدِيمِ النُّصْحِ لَهُ وَالْمَوْعِظَةِ ابْتَغَاءً لِمَرْضَاةِ اللهِ وكانَ الْمَنْصُوحُ مِنْهُمْ بِالْمُقَابِلِ لَا يَتَرَفَّعُ عَنْ قَبُولِ النَّصِيحَةِ لأَنَّهُمْ كانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ إِنِ اسْتَمَعُوا النَّصِيحَةَ وشَكَرُوا النَّاصِحَ وَعَمِلُوا بِهَا كانَ انْتِفَاعُهُمْ بِذَلِكَ عَظِيمًا وقَدْ قَالَ أَحَدُ السَّلَفِ إِنْ رَأَيتَ مَنْ يَدُلُّكَ علَى عُيُوبِكَ فَتَمَسَّكْ بِأَذْيَالِهِ اهـ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ رَحِمَ اللهُ امْرَءًا أَهْدَى إِلَيَّ عُيوبِي اهـ ولَقَدْ كانَ الصحابةُ الكِرَامُ إذَا الْتَقَى الوَاحِدُ مِنْهُمْ بِالْآخَرِ يَتَصَافَحَانِ معَ طَلَاقَةِ الوَجْهِ وَالابْتِسَامَةِ وَيَقْرَؤُونَ سورةَ العَصْرِ لِمَا حَوَتْهُ هذهِ السورَةُ مِنَ المعانِي العَظِيمَةِ الجَلِيلَةِ،كَانُوا يَتَواصَوْنَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَيُذَكِّرُونَ بَعْضَهُمْ بِطَاعَةِ اللهِ وَبِالالتِزَامِ بِأَوامِرِهِ وَبِالحَقِّ الذِي جَاءَ بهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم رَحْمَةً بِإِخْوَانِهِمْ وَقَدْ جَاءَ في وَصْفِهِمْ قَوْلُ اللهِ تباركَ وتعالَى فى سورةِ الفَتْح ﴿رُحَمَاءُ بَينَهُم﴾[3] وهَذَا مَا عَلَّمَهُمْ إياهُ سيدُ الْمُرْسَلِينَ مُحمَّدٌ عليهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ.
إخوةَ الإيمانِ لَقَدْ كَانَ لنا في رَسُولِ اللهِ وصَحَابَتِهِ الكِرَامِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فعَلَيْنَا بِالتَّنَاصُحِ وَالتَّوَاصِي بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ وَالعَمَلِ بِأَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ مَا حَرَّمَ وَقَبُولِ النَّصيحةِ فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قِيلَ لِمَنْ فَقالَ للهِ ولِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ اهـ