الحمدُ للهِ الذي شَرَّفَ قدرَ نبيِّنا محمدٍ الرسولِ الكريمِ فَخَصَّهُ بالصلاةِ عليهِ وأَمَرَنا بذلكَ في القرءانِ الحكيمِ وَمَنَّ علينا بِاتِّباعِ هذا النبيِّ الرحيمِ وحَبَّبَ إلينا اقتفاءَ ءاثارِه في الْحَدِيثِ والقديم. اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على سيدِنا محمدٍ وءالِه وصحبِه أُولِي الفَضْلِ العميمِ صَلاةً وسلامًا دائِمَيْنِ يُضِيءُ نُورُهُما ظَلامَ الليلِ البَهِيم.
أما بعدُ عبادَ اللهِ فإني أوصيكم ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ فإنَّ الكَيِّسُ الفَطِنُ مَنْ خَافَ رَبَّهُ ودَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بعدَ الموتِ فعليكَ أخِي المؤمنَ بملازمةِ الشرعِ ظَاهِرًا وبَاطِنًا، وبِحِفْظِ القَلْبِ مِنْ نِسْيانِ ذِكرِ اللهِ وبِخدمِة الفُقراءِ وأصحابِ الحاجاتِ وبادِرْ دَائِمًا بِالسُّرعةِ للعملِ الصالحِ مِنْ غيرِ كَسَلٍ ولا مَلَلٍ فإنَّ هِمَّةَ أبناءِ الدُّنْيا دنياهُمْ وهمةَ أبناءِ الآخرةِ ءاخِرَتُهم فَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الآخرةِ ولا تَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الدنيا.
قالَ اللهُ تباركَ وتعالَى في القُرءَانِ الكَريمِ ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ١٩﴾[1].
وقد جَاءَ بِالإِسنادِ الْمُتَّصِلِ الصَّحيحِ في كِتابِ الْمُسْتَدْرَكِ لِلحاكمِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَها كَانَ كَمَنِ اسْتَحْيَا مَوْءُودَةً مِنْ قَبْرِها اﻫ، في هذا الحديثِ الشَّريفِ أنَّ مَنْ رَأَى عَوْرَةً لِمُسْلمٍ فَسترَها أي لَمْ يَنْشُرْها بينَ الناسِ بلْ أَخْفَاهَا لهُ أَجْرٌ كَأَجْرِ مَنْ أَنْقَذَ مَوْلُودَةً دُفِنَتْ وهيَ حَيَّةٌ خَشْيَةَ العَارِ كما كانَ العَرَبُ يَفْعَلونَ في الجَاهِلِيَّةِ. قبلَ أن يُبْعَثَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم بِمُدَّةٍ كانَ هذا الشَّىْءُ مَعْرُوفًا عِنْدَ العَرَبِ. وكذلكَ بعضُ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ عندما كانُوا على الجاهِليةِ فعلَ ذلك، كان بينَهُم رجلٌ معروفٌ بالكَرَمِ والحِلْمِ حَدَثَتْ له حادِثةٌ ففَعَلَ هذَا ـــ أي وَأْدَ البَنَات ـــ وذلكَ أنَّ قَبِيلَةً مِنْ قبَائلِ العربِ أغارَتْ عليهم فَسَبَتْ لَهُ بِنْتًا أَسِيرَةً ثُمَّ حَصَلَ صُلْحٌ بينَ القَبِيلَتَيْنِ وكانَتْ هذه البنتُ قد تَعَلَّقَ قلبُها بِواحِدٍ مِنْ تِلْكَ القَبِيلَةِ التي أَسَرَتْها وَهُوَ مَالَ إلَيْهَا وتَعَلَّقَ قلبُهُ بِهَا فَخُيِّرَتْ بينَ الرُّجوعِ إلى أَبِيها والبَقَاءِ معَ هذا الرجلِ فَاخْتارَتْهُ على أَبِيها معَ أنَّ أبَاها كانَ وَجِيهًا في قومِه كريمًا سَخِيًّا وكانَ حَلِيمًا وَمَعْرُوفًا بِالذِّكْرِ الحَسَنِ عندَ الناسِ فَغَضِبَ منهَا وَحَلَفَ إِنْ جاءَتْهُ بَنَاتٌ بعدَ ذلكَ أَنْ يَدْفِنَهُنَّ وَهُنَّ حَيَّات. فكانَ كُلَّمَا وُلِدَتْ له واحدةٌ يَدْفِنُها إلى أَنِ اكْتَمَلَ عَدَدُ ثَمَانٍ ثُمَّ بعدَ أن أَسْلَمَ نَدِمَ على ما فَعلَ ندَمًا شَدِيدًا فجاءَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ إِنِّي وَأَدْتُ ثَمَانِيَ بَناتٍ لِي في الجاهليةِ فقالَ له عليهِ السلامُ أَعْتِقْ عَنْ كُلِّ واحدةٍ مِنْهَا رَقَبَةً فقالَ أنا صاحبُ إِبِلٍ قالَ أَهْدِ إِنْ شِئْتَ عَنْ كُلِّ واحِدَةٍ مِنِهنَّ بَدَنَة اﻫ فَتَصَدَّقَ بِنَحْوِ مائةٍ مِنَ الإِبل.