Category Archives: خطب الجمعة

كتمُ العيوبِ وسترُ العَوْرات

الحمدُ للهِ الذي شَرَّفَ قدرَ نبيِّنا محمدٍ الرسولِ الكريمِ فَخَصَّهُ بالصلاةِ عليهِ وأَمَرَنا بذلكَ في القرءانِ الحكيمِ وَمَنَّ علينا بِاتِّباعِ هذا النبيِّ الرحيمِ وحَبَّبَ إلينا اقتفاءَ ءاثارِه في الْحَدِيثِ والقديم. اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على سيدِنا محمدٍ وءالِه وصحبِه أُولِي الفَضْلِ العميمِ صَلاةً وسلامًا دائِمَيْنِ يُضِيءُ نُورُهُما ظَلامَ الليلِ البَهِيم.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإني أوصيكم ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ فإنَّ الكَيِّسُ الفَطِنُ مَنْ خَافَ رَبَّهُ ودَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بعدَ الموتِ فعليكَ أخِي المؤمنَ بملازمةِ الشرعِ ظَاهِرًا وبَاطِنًا، وبِحِفْظِ القَلْبِ مِنْ نِسْيانِ ذِكرِ اللهِ وبِخدمِة الفُقراءِ وأصحابِ الحاجاتِ وبادِرْ دَائِمًا بِالسُّرعةِ للعملِ الصالحِ مِنْ غيرِ كَسَلٍ ولا مَلَلٍ فإنَّ هِمَّةَ أبناءِ الدُّنْيا دنياهُمْ وهمةَ أبناءِ الآخرةِ ءاخِرَتُهم فَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الآخرةِ ولا تَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الدنيا.

قالَ اللهُ تباركَ وتعالَى في القُرءَانِ الكَريمِ ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ١٩﴾[1].

وقد جَاءَ بِالإِسنادِ الْمُتَّصِلِ الصَّحيحِ في كِتابِ الْمُسْتَدْرَكِ لِلحاكمِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَها كَانَ كَمَنِ اسْتَحْيَا مَوْءُودَةً مِنْ قَبْرِها اﻫ، في هذا الحديثِ الشَّريفِ أنَّ مَنْ رَأَى عَوْرَةً لِمُسْلمٍ فَسترَها أي لَمْ يَنْشُرْها بينَ الناسِ بلْ أَخْفَاهَا لهُ أَجْرٌ كَأَجْرِ مَنْ أَنْقَذَ مَوْلُودَةً دُفِنَتْ وهيَ حَيَّةٌ خَشْيَةَ العَارِ كما كانَ العَرَبُ يَفْعَلونَ في الجَاهِلِيَّةِ. قبلَ أن يُبْعَثَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم بِمُدَّةٍ كانَ هذا الشَّىْءُ مَعْرُوفًا عِنْدَ العَرَبِ. وكذلكَ بعضُ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ عندما كانُوا على الجاهِليةِ فعلَ ذلك، كان بينَهُم رجلٌ معروفٌ بالكَرَمِ والحِلْمِ حَدَثَتْ له حادِثةٌ ففَعَلَ هذَا ـــ أي وَأْدَ البَنَات ـــ وذلكَ أنَّ قَبِيلَةً مِنْ قبَائلِ العربِ أغارَتْ عليهم فَسَبَتْ لَهُ بِنْتًا أَسِيرَةً ثُمَّ حَصَلَ صُلْحٌ بينَ القَبِيلَتَيْنِ وكانَتْ هذه البنتُ قد تَعَلَّقَ قلبُها بِواحِدٍ مِنْ تِلْكَ القَبِيلَةِ التي أَسَرَتْها وَهُوَ مَالَ إلَيْهَا وتَعَلَّقَ قلبُهُ بِهَا فَخُيِّرَتْ بينَ الرُّجوعِ إلى أَبِيها والبَقَاءِ معَ هذا الرجلِ فَاخْتارَتْهُ على أَبِيها معَ أنَّ أبَاها كانَ وَجِيهًا في قومِه كريمًا سَخِيًّا وكانَ حَلِيمًا وَمَعْرُوفًا بِالذِّكْرِ الحَسَنِ عندَ الناسِ فَغَضِبَ منهَا وَحَلَفَ إِنْ جاءَتْهُ بَنَاتٌ بعدَ ذلكَ أَنْ يَدْفِنَهُنَّ وَهُنَّ حَيَّات. فكانَ كُلَّمَا وُلِدَتْ له واحدةٌ يَدْفِنُها إلى أَنِ اكْتَمَلَ عَدَدُ ثَمَانٍ ثُمَّ بعدَ أن أَسْلَمَ نَدِمَ على ما فَعلَ ندَمًا شَدِيدًا فجاءَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ إِنِّي وَأَدْتُ ثَمَانِيَ بَناتٍ لِي في الجاهليةِ فقالَ له عليهِ السلامُ أَعْتِقْ عَنْ كُلِّ واحدةٍ مِنْهَا رَقَبَةً فقالَ أنا صاحبُ إِبِلٍ قالَ أَهْدِ إِنْ شِئْتَ عَنْ كُلِّ واحِدَةٍ مِنِهنَّ بَدَنَة اﻫ فَتَصَدَّقَ بِنَحْوِ مائةٍ مِنَ الإِبل.

Continue reading كتمُ العيوبِ وسترُ العَوْرات

الجنةُ الإيمان بِها ونعيمها

إنَّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونتوبُ إليهِ، ونَعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا ، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيُّهُ وحبيبُه مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحمةً للعالَمينَ هادِيًا ومُبَشِّرًا ونذيرًا بلَّغَ الرِّسالةَ وأدَّى الأمانَةَ ونَصحَ الأُمَّةَ فجزَاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيائِه، وصلى اللهُ وسلَّم على سيدِنا محمدٍ الأمينِ وعلى ءالِهِ وصحبِه الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ.

أَمَّا بعدُ إخوةَ الإِيمانِ، أُوصِي نَفْسِي وإِيَّاكُمْ بتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ القائِلِ في مُحكمِ التَّنْزِيلِ ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّٰت تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَة فِي جَنَّٰتِ عَدۡنۚ وَرِضۡوَٰن مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ٧٢﴾[1].

نعم أيُّها الأحبَّةُ ذلكَ هُوَ الفَوْزُ العَظيمُ أَكرَمَنَا اللهُ بذَلِكَ.

إخوةَ الإيمانِ، كلامُنا اليومَ عنِ الجَنَّةِ ومَا أُعِدَّ فيهَا لِلْمُؤْمِنينَ، فالجنَّةُ دارُ السلامِ دارُ النَّعيمِ الْمُقيمِ الدَّائمِ، وَالإيمانُ بِها أَيِ التصدِيقُ بوُجودِها مِنْ أُصولِ عَقائِدِ المسلمينَ فيجِبُ الإيمانُ بِوُجودِها وأنَّها مَخْلُوقَةٌ الآنَ كمَا دَلَّتْ على ذلكَ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ الكَثِيرَةُ وهِيَ باقِيَةٌ بِإِبْقَاءِ اللهِ تعالَى لا تَفْنَى، وأَهْلُهَا خَالِدُونَ فيهَا أبَدًا كمَا أَخْبَرَ اللهُ عزَّ وَجَلَّ في القُرْءَانِ الْكَرِيمِ.

فالجنةُ باقِيَةٌ ونَعيمُها دَائِمٌ لا يَزُولُ، والنعيمُ فيهَا قِسْمَانِ نَعيمٌ لا يَنَالُهُ إلّا الأَتقياءُ ونَعيمٌ يَنالُهُ كُلُّ أهلِ الجنّة.

Continue reading الجنةُ الإيمان بِها ونعيمها

فَلْنَغْنَمْ لَيْلَةَ القَدْرِ كلام الله لا يشبه كلام المخلوقين

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بَلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهمَّ صَلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِه وصحبِه الطَّيبينَ الطَّاهِرِينَ.

أما بعد فيا عبادَ اللهِ أوصيكم ونفسيَ بتقوى اللهِ العليِّ القَائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِه  ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ ١﴾[1]. كلامنا اليومَ إخوة الإيمانِ عن ليلة اللَّيالي ليلة القدر العظيمَةِ.

يقول الله تعالى ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ ١﴾ أنزل القرءان جُمْلة واحدة من اللَّوح المحفوظ إلى بيت العزّة وهو بيت في السماء الدنيا في ليلة القدر وكانَتْ تلكَ السنةَ في ليلة الرابع والعشرين من رمضان. ثم صار جبريل عليه السلام يُنـزلُه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فشيئًا على حسَب ما يؤمر من الله عزّ وجلّ على حسب الأسباب والحوادث إلى أن تمّ نزوله في نحو عشرين سنة.

Continue reading فَلْنَغْنَمْ لَيْلَةَ القَدْرِ كلام الله لا يشبه كلام المخلوقين

فريضة الزكاة العظيمة

الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونستغفِرُهُ ونستَرْشِدُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مَثِيلَ لَهُ مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبالكَ فاللهُ بِخِلافِ ذلكَ وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ، وأشهدُ أَنَّ سیدَنا وحبيبَنا وقائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمدًا عَبْدُ اللهِ ورسولُه وصفيُّهُ وحبيبُه وخَلِيلُهُ. اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحسانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، أما بعدُ عبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِي وإياكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ فاتقوا اللهَ رَبَّكُمُ الذِي قَالَ في كِتابِهِ الكَرِيمِ في سورةِ البَيِّنَةِ ﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ ٥﴾.

وعنْ أَميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ الإسلامُ أَنْ تَشْهَدَ أن لا إله إلا اللهُ وأن محمدًا رسولُ وتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزكاةَ[1] اهـ الحديثَ.

لِيُعْلَمْ أَنَّ الزكاةَ فَريضَةٌ عظيمةٌ وعَمَلٌ جَلِيلٌ مَنْ أَدَّاها مِنَ المؤمنينَ بِنِيَّةٍ حَسَنَةٍ حَازَ الأَجْرَ مِن ربِّ العالمينَ فإنَّ العَبْدَ ومَا يَمْلِكُ مِلْكٌ للهِ، فَجَدِيرٌ بِهِ أَنْ يُطِيعَ اللهَ وأَنْ يَتَصَرَّفَ في مالِه بِما يُرضِي اللهَ فَيَقِفَ عندَ حدِّ الشرعِ فإنَّ اللهَ هُوَ الْمُعْطِي الْمَانِعُ، هذَا فَضْلًا عَنْ أَنَّ الاهتِمامَ بِأَمْرِ الزَّكاةِ سَبَبٌ لِحُصولِ البَرَكَةِ في المالِ، فقَدْ قالَ اللهُ تعالى في سورةِ سَبَإ ﴿وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡء فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ ٣٩﴾، وَمَنْ بَاركَ اللهُ لهُ كانَ علَى خَيرٍ عَظِيمٍ وَلَرُبَّما ضَيَّعَ امْرُؤٌ الزكاةَ فَابْتُلِيَ بِآفَةٍ تُذْهِبُ كُلَّ مَالِهِ بِشُؤْمِ تَرْكِ الزَّكاةِ، والْمُوَفَّقُ مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ لِلْخَيْرِ.

Continue reading فريضة الزكاة العظيمة