فَلْنَغْنَمْ لَيْلَةَ القَدْرِ كلام الله لا يشبه كلام المخلوقين

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بَلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهمَّ صَلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِه وصحبِه الطَّيبينَ الطَّاهِرِينَ.

أما بعد فيا عبادَ اللهِ أوصيكم ونفسيَ بتقوى اللهِ العليِّ القَائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِه  ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ ١﴾[1]. كلامنا اليومَ إخوة الإيمانِ عن ليلة اللَّيالي ليلة القدر العظيمَةِ.

يقول الله تعالى ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ ١﴾ أنزل القرءان جُمْلة واحدة من اللَّوح المحفوظ إلى بيت العزّة وهو بيت في السماء الدنيا في ليلة القدر وكانَتْ تلكَ السنةَ في ليلة الرابع والعشرين من رمضان. ثم صار جبريل عليه السلام يُنـزلُه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فشيئًا على حسَب ما يؤمر من الله عزّ وجلّ على حسب الأسباب والحوادث إلى أن تمّ نزوله في نحو عشرين سنة.

وَلْيُعْلَمْ إِخْوَةَ الإيمانِ أَنَّ اللهَ تعالى مُتَّصِفٌ بِصِفَةِ الكَلامِ فهُوَ مُتَكَلِّمٌ بكلامٍ لا يُشْبِهُ كلامَ المخلوقينَ فَاللهُ تعالى ذَاتٌ لا يُشْبِهُ ذَوَاتِ المخلوقينَ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتٍ لا تُشْبِهُ صِفَاتِ المخلوقينَ، فَكلامُهُ الذي هو صفةُ ذاتِه ليسَ حَرْفًا ولا صوتًا ولا لغةً عربيةً ولا غيرَها منَ اللُّغاتِ لا يَتَجَزَّأُ ولا يَنْقَسِمُ وَيُسَمَّى قُرْءَانًا وَهُوَ أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ كسَائِرِ صِفاتِه وأمَّا اللَّفظُ الْمُنَزَّلُ على سَيِّدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي يَقْرَؤُهُ المؤمنونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ويحفَظونَهُ في صُدورِهم ويكتُبُونَه في أَلْوَاحِهِمْ فهُوَ عبارَةٌ عن كلامِ اللهِ الذاتِيِّ الأزَلِيِّ الأبَدِيِّ ويُقالُ لَهُ كلامُ اللهِ بهذَا المعنَى لا بِمَعْنَى أَنَّ اللهَ مُتَكَلِّمٌ بِحَرْفٍ وصوتٍ وَلُغَةٍ لأنَّ الحرفَ والصوتَ واللُّغةَ أُمورٌ حَادِثَةٌ واللهُ أَزَلِيٌّ لا تَقُومُ بِذاتِهِ صِفَةٌ حادِثَةٌ وَيُسَمَّى كلامَ اللهِ تعالى لأنهُ ليسَ مِنْ تَأْلِيفِ مَلَكٍ وَلا بَشَرٍ.

﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ ٢﴾ أي وما أعلمك يا محمّد صلى الله عليه وسلم ما ليلة القدر، وهذا على سَبِيل التَّعْظِيم والتَّشْوِيق إلى خَبَرها تَعْظِيمًا لِشَأْنها.

وليلة القدر قد تكون في أي ليلة من ليالي رمضان ولكن الغالب أنها تكون في العشر الأواخر منه فقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام التمسوها في العشر الأواخر من رمضان اﻫ رواه مسلم. والحكمة من إخفائها ليتحقق اجتهاد العباد في ليالي رمضان كلها طمعًا منهم في إدراكها كما أخفى اللهُ ساعة الإجابة في الجمعة.

﴿لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡر مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡر ٣﴾ أي أنّ العبادة في ليلة القدر أفضل مِنَ العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهي ثمانون سنة وثلاثة أعوام وثلث عام.

﴿تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡر ٤﴾ أَيْ في ليلة القدر ينْزل جبريل عليه السلام مع جَمْع كبير من الملائكة فينْزلون بكل أمر قضاه الله في تلكَ السنة من أرزاق العباد وءاجالهم إلى قابلٍ أي إلى السنة القابلة لأنّ ليلة القدر هي الليلة التي يتم فيها تقسيم القضايا التي تحدث للعالم من تلك الليلة إلى مِثْلهَا في العام القابل. والملائكة إخوة الإيمان أجسام نورانية، لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتناكحون ليسوا ذكورًا ولا إناثًا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

﴿سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ ٥﴾ أي أنها خير وبركة إلى طلوع الفجر، فليلة القدر سلام وخير على أولياء الله وأهل طاعته المؤمنين ولا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو أذًى وتلك السلامة تدوم إلى مطلع الفجر.

ومن علامات رؤية ليلة القدر رؤية نور خلقه الله غير نور الشمس والقمر والكهرباء أو رؤية الأشجار ساجدة، أو سماع صوت الملائكة وَمُصَافَحَتهُمْ، أو رُؤْيَتهُمْ على أشكالهم الأصلية ذوي أَجْنِحَة مَثْنَى وَثُلَاث وَرُباع. فإن تشكّلوا بشكل بني ءادم فإنهم يكونون بصور الذكور من غير ءالة الذكورة لا بصور الإناث.

ومن حصل له رؤية شىء من علامات ليلة القدر يَقَظَة فَقَدْ حصل له رؤية ليلة القدر، ومن رءاها في المنام دلّ ذلك على خير لكنه أقلّ من رؤيتها يقظة، ومن لم يرها منامًا ولا يقظةً واجتهد في القيام والطاعة وصادف تلك اللَّيلة نال من عظيم بَرَكَاتها. وقد سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم أنها إذا رأت ليلة القدر بِمَ تدعو، قال لها قولي اللّهُمّ إنَّك عفوٌّ تحِب العفوَ فاعفُ عني[2] اﻫ

فهلمّوا إخوة الإيمان للاجتهاد بالطاعة في هذه الليالي العظيمة الْمُبَاركة الْمُتبقية من رمضان، من قيام وذكر وتلاوة، وأذكركم من كان عليه قضاء فليشتغل بالقضاء فدَين الله أَحَقّ بِالوَفَاء. هذَا وأَسْتَغْفِر الله لي ولكم.

الخُطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ وأَودُّ أن أُؤكِّدَ عليكم أيها الإخوةُ الصائمونَ أن صلاةَ عيدِ الفطرِ أعادَه اللهُ علينا وعليكم بالأمنِ والأمانِ في هذا المسجدِ (أو المصلى) الساعة …… من يومِ ……. أو ……….على حسبِ رؤيةِ هلالِ شوال. إِذِ الأَصْلُ أَنْ يُرَاقَبَ الهِلَالُ بَعْدَ غُروبِ شَمْسِ يَومِ التاسِعِ والعِشْرِينَ مِنْ رَمَضانَ فَإِنْ رُئِيَ الهِلَالُ كانَ اليومُ التَّالِي عِيدَ الفِطْرِ وَإِنْ لَمْ يُرَ الهِلالُ يكونُ اليومُ التَّالِي الثَّلاثِينَ مِنْ رَمضانَ وَاليَوْمُ الذِي بعدَه هُوَ العيد، عَلَى هَذَا فَاثْبُتُوا أَيُّها الأَحِبَّةُ وَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَى مَنْ يَقُولُ بِطَريقِ الحِسابِ العِيدُ في يَوْمِ كَذَا فَالرَّسولُ صلى الله عليه وسلم قالَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِه اهـ وَعَلَى هَذَا اتَّفَقَ المذَاهِبُ الأَرْبَعَةُ.

ونُذكرُكم بزكاةِ الفطرِ لهذه السنةِ فلو دفعَ الشخصُ 5 أويرو كان ذلك كافيًا أو يدفعُ صاعًا من غالبِ قوتِ البلد.

اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمَّ بِجاهِ نَبِيِّكَ محمَّدٍ ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ وأَدْخِلْنَا الجنَّةَ مَعَ الأَبْرَارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّار اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة القدر.

[2] رواه ابن ماجه وغيره.