الحمدُ للهِ حَمدًا كثيرًا طَيِّبا مُباركًا فيهِ، الحمدُ للهِ الذِي بعثَ الأنبياءَ رحمةً للعالمينَ وتفضَّلَ على عِبادِه بإِظهارِ الْمُعْجِزَاتِ على أَيدِي أنبيائِه لِيُؤْمِنُوا بِهِمْ، فَمَنْ شاءَ اللهُ لهُ الهُدى اهتدَى ومَنْ شاءَ أَضلَّ، وصلّى اللهُ على سيدِنا محمَّدٍ سيّدِ الخلقِ وأشرَفِ الوَرَى مَنْ شَرَّفَهُ اللهُ بِالمعراجِ في السَّمواتِ وَما شاءَ اللهُ مِنَ العُلا، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ بِالحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَدَعَا إلَى الْهُدَى والخيرِ والرَّشَادِ ونَهى عنِ الشَّرِّ والفِتَنِ والفَسَادِ، بَلَّغَ الرِّسالةَ وأَدَّى الأمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ فجَزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ مَا جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبيائِه.
أما بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أُوصيكُمْ ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ الفعَّالِ لِمَا يُريدُ وهو على كُلِّ شَىءٍ قَدير. إخوَةَ الإيمانِ، بعدَ أَنْ صلَّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالأنبياءِ إِمامًا في بَيتِ المقدِسِ عُرِجَ بهِ إلَى السَّماءِ فَاسْتَفْتَحَ جبريلُ فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قالَ جِبريلُ قيلَ وَمَنْ مَعَكَ قالَ محمّدٌ قيلَ وَقَدْ بُعِثَ إليهِ (أيْ وَقَدْ بُعِثَ إليهِ لِيَعْرُجَ إلَى السَّماءِ، وَإِلّا فإِنَّ الملائكةَ تعلَمُ أَنهُ كانَ قَدْ بُعِثَ نَبِيًّا في ذلِكَ الوَقْتِ) فقالَ جبريلُ قَدْ بُعِثَ إليهِ. يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فَفُتِحَ لنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بي ودعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إلَى السّماءِ الثانيةِ فَاسْتَفْتَحَ جبريلُ فقيلَ مَنْ أَنْتَ قالَ جبريلُ قيلَ وَمَنْ مَعَكَ قالَ مُحمَّدٌ قيلَ وَقَدْ بُعِثَ إليهِ قالَ وقَدْ بُعِثَ إليهِ فَفُتِحَ لنا فإذَا أنَا بِابْنَيِ الخالَةِ عيسَى ابنِ مريمَ ويحيَى بنِ زَكَرِيَّاءَ فَرَحَّبا وَدَعَوَا لِي بِخَيْر اﻫ وهكذَا ظَلَّ نبيُّنا محمّدٌ صلى الله عليه وسلم يَنْتَقِلُ مِنْ سَماءٍ إلَى سَماءٍ فَالْتَقَى فِي السماءِ الثالثَةِ بسيِّدِنا يوسفَ عليه السلامُ وَقَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ أَمَّا فِي السَّماءِ الرَّابعَةِ فَقَدِ الْتَقَى بِإِدْرِيسَ وَكانَ كُلٌّ منهم يدعُو لهُ بالخيرِ ثمّ في الخامسةِ التقَى بهارونَ والتقَى بموسى في السادسةِ وفي السماءِ السابعةِ التقى بإبراهيمَ عليه السلام مُسْنِدًا ظَهْرَه إلى البيتِ الْمَعْمُورِ وإذَا هُوَ يَدْخُلُه كلَّ يومٍ سبعونَ أَلْفَ مَلَكٍ لا يعودونَ إِليه. وبعدَ ذلكَ ذَهَبَ سيدُنا جبريلُ بالنبيِّ محمّدٍ صلى الله عليه وسلم إلى سِدْرَةِ الْمُنْتَهى وإِذَا وَرَقُها كَآذَانِ الفِيَلَةِ وإذا ثَمَرُها كَالقِلال، قالَ عليهِ الصّلاةُ والسلامُ فأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عليَّ خَمْسينَ صلاةً في كُلِّ يَوْمٍ وليلَةٍ فَنَزَلْتُ إلى موسَى فقالَ مَا فرضَ ربُّكَ علَى أُمَّتِكَ قُلْتُ خَمْسينَ صَلاةً قالَ ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ - أي إلى المكانِ الذِي سَمِعَ فيهِ كلامَ اللهَ الذي ليسَ حرفًا ولا صوتًا ولا يُشْبِهُ كلامَ الخَلْقِ - فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلكَ فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بنِي إِسرائيلَ وخَبِرْتُهُم فَرَجَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المكانِ السَّابِقِ وسأَلَ اللهَ التَّخْفِيفَ وقالَ يَا ربِّ خَفِّفْ علَى أُمَّتِي، قالَ فَحَطَّ عنِّي خَمْسًا فَرَجَعْتُ إلى موسَى فقُلْتُ حَطَّ عنِّي خَمْسًا قالَ إنَّ أُمَّتَكَ لا يُطيقونَ ذلكَ فَاسْأَلْ رَبَّكَ التَّخْفِيفَ فَلَمْ يَزَلِ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُراجِعُ ربَّهُ حتَّى أَوْحَى إليهِ بِفَرْضِ خَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كلُّ صلاةٍ كأنَّها عَشْرٌ فذلِكَ خمسونَ صلاةً وأوحَى اللهُ إليهِ أنَّ مَنْ هَمَّ بِحسنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كُتِبَتْ لَهُ حسنةً فإِنْ عمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيئًا فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً واحِدَةً اﻫ فَالحمدُ للهِ علَى فَضْلِهِ.