لمن تعطى الزكـــــــاة

الحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ الزَّكاةَ طُهْرَةً لِلْمَالِ وَنَمَاءً وَسُمُوًّا لِلنَّفْسِ وَنَقَاءً. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ولا شَبِيهَ لهُ لا يَحْوِيهِ مَكانٌ ولا يَجْرِي عَلَيْهِ زَمَانٌ ولا يُحَسَّ وَلا يُمَسَّ ولَا يُجَسَّ تَنَزَّهَ عَنِ الشكلِ والكَيْفِ والهيئَةِ والصورةِ واللَّوْنِ والرُّوحِ وَالْجِسْمِ والطُّولِ وَالعَرْضِ وَالْحَرَكَةِ والسُّكونِ وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ. اللهمَّ صَلِّ علَى سيدِنا محمدٍ وعلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

عِبَادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ القائِلَ في كتابِه الكريمِ ﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلفُقَرَاءِ وَٱلمَسَٰكِينِ وَٱلعَٰمِلِينَ عَلَيهَا وَٱلمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَة مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم ٦٠﴾[1]. اعْلَمُوا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ إِيتَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ أَعْظَمِ أُمُورِ الإِسْلامِ وَلَها أَحْكَامٌ لَا بُدَّ مِنْ مُراعاتِها لِتُخْرَجَ صَحِيحَةً وتكونُ مقبولَةً عندَ اللهِ. فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ صَرْفُ مَالِ الزَّكاةِ لِغَيْرِ الأَصْنَافِ الثَّمانِيةِ الذِينَ ذَكَرَهُمُ اللهُ تعالَى في القُرآنِ الكَرِيمِ وَهُمُ الفُقَرَاءُ والمساكينُ والعَامِلُونَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلوبُهُمْ وفي الرِّقَابِ والغَارِمُونَ وفي سَبِيلِ اللهِ وَابنُ السَّبِيلِ، والفَقِيرُ هُوَ مَنْ لَا يَجِدُ نِصْفَ الكِفَايةَ كأَنِ احْتَاجَ لِعشرةٍ فَلَمْ يَجْدِ نِصْفَهَا وَلَيْسَتْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً علَى غَيْرِهِ أَمَّا مَنْ كانَ يَجِبُ على غَيْرِهِ الإِنْفَاقُ عليهِ كَأَبٍ أَوْ أُمٍّ مُكْتَفَيْنِ بِنَفَقَةِ وَلَدِهِمَا أَوْ زَوْجَةٍ مُكْتَفِيَةٍ بِنَفَقَةِ زَوْجِهَا فَلَا يَجُوزُ إِعطَاؤُهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ، فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إِعْطَاءُ الزَّكَاةِ لِامْرَأَةٍ لِمُجَرَّدِ أَنَّهَا أَرْمَلَةٌ أَوْ ذَاتُ عِيَالٍ وَهِيَ مُكْتَفِيَةٌ أوْ مُسِنٍّ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مُتَقَدِّمًا في العُمُرِ أَوْ لِيَتِيمِ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ يَتِيمًا فَكَمْ مِمَّنْ يُعْطَوْنَ مِنَ الزكاةِ وَهُمْ في الحقيقَةِ لَيْسُوا فُقَرَاءَ ولَا مساكينَ ولا يَدْخُلُونَ تَحْتَ صِنْفٍ مِنَ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الأُخْرَى فعَلَى مُرِيدِ السلامةِ أَنْ يَحْتَاطَ في دَفْعِ زَكَاتِهِ فَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَهَا بِنَفْسِهِ لِمُسْتَحِقِّهَا وَإِمَّا أَنْ يُوَكِّلَ بِدَفْعِهَا نَاسًا يَثِقُ بِدِينِهِمْ لِيَصْرِفُوها في مَصَارِفِها وَلَيْسَ كُلُّ إِنْسَانٍ يُوثَقُ بِدِينِهِ فَبَعْضُ الجِهَاتِ يَأْخُذُونَ مَالَ الزَّكاةِ فَيَضَعُونَهُ في البُنُوكِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، أوّلًا لأَنَّهُ يَتَغيَّرُ عَيْنُ الْمَالِ وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ عَيْنِ الْمَالِ وَثَانِيًا لِأَنَّهُ بِوَضْعِ الْمَالِ في البَنْكِ يَخْتَلِطُ مَالُ الزكاةِ بِأَمْوَالِ الرِّبا وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَيَتَأَخَّرُ إِخْرَاجُهَا بِلَا عُذْرٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ بَلْ هُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ. فَلْيَتَّقِ اللهَ الأغنياءُ مِنْ أَهْلِ الزكاةِ وَلْيَنْظُرُوا أَيْنَ يَصْرِفُونَ أَمْوالَ زَكَوَاتِهِمْ لِيَكُونَ إِخْرَاجُهَا مُوَافِقًا لِشَرْعِ اللهِ فَمَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ أَحْكَامَ الزكاةِ خَبَطَ فِيهَا خَبْطَ عَشْوَاءَ. وليسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعالَى ﴿وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ كُلَّ عَمَلٍ خَيْرِيٍّ وَإِلَّا لَتَدَاخَلَتِ الأَصْنَافُ فَصَرْفُ الزكاةِ لِلفقراءِ والمساكينِ والغارمينَ وفي الرقابِ كُلُّ هذَا أَعْمَالٌ خَيْرِيَّةٌ لَكنَّ الآيةَ عُطِفَتْ فِيهَا الأَصْنَافُ بِالوَاوِ وهذَا يُفِيدُ الْمُغَايَرَةَ أَيْ أَنَّ هَذَا الصِّنْفَ غَيْرُ هَذَا الصِّنْفِ وَهَذَا الصِّنْفُ غَيْرُ ذَاكَ الصِّنفِ وَهَكَذَا وَقَدْ رَوَى القَاضِي أبو بكرِ بنُ العَربيِّ في أَحْكَامِ القُرْءَانِ أَنَّ الإمامَ مَالِكًا نَقَلَ الإجماعَ علَى أَنَّ في سَبِيلِ اللهِ لَا يُرَادُ بِهِ كُلُّ عَمَلٍ خَيْرِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ مَصْرَفٌ خَاصٌّ بَيَّنَهُ الفُقَهَاءُ رَحِمَهُمُ اللهُ تعالَى اهـ اللهمَّ وَفِّقْنَا لما تُحِبُّهُ وترضاهُ. هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِّي أوصيكم ونفسي بتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ. اللهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفِرِ اللهُمَّ لنا ذنوبَنا اللهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسنَةٌ وفي الآخِرَةِ حسنةٌ وقِنا عذابَ النارِ اللهُمَّ اجعلْنا هُداةٌ مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّف. عبادَ الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة التوبة