كيف يثبت رمضان

الحمدُ للهِ الذي لَا شَرِيكَ لَهُ ولا شبيهَ ولا مَثِيلَ لَهُ/ مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبالكَ فاللهُ بِخِلافِ ذلكَ /وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ،/ اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ/. أما بعدُ عبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِي وإياكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ القائلِ في سورة البقرة/ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ١٨٣﴾./ أيّها الأحبّةُ لقدِ اقْتَرَبْنَا مِنْ سَيِّدِ الشهورِ مِنْ شَهْرِ رمضان شهرِ البرَكةِ والرِّضْوَان،/ شَهْرِ تَطْهِيرِ النُّفوسِ مِنَ الشَّوائِبِ والأَدْرَان،/ شهرِ الإكثارِ مِنَ الخيراتِ ونَيْلِ الدَّرجاتِ والتَّزَوُّدِ لِيَوْمِ الْمَعَادِ/، شهر أوَّلُهُ رَحمةٌ وأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَءاخِرُه عِتْقٌ مِنَ النَّار./ وَلِمَعْرِفَةِ ابْتِدَاءِ وَانْتِهَاءِ الشهرِ الْمُبَارَكِ طَرِيقَةٌ وَأَحْكَامٌ/، بَيَّنَهَا النبيُّ الأَكْرَمُ صلى الله عليه وسلم بِوَحْيٍ مِنَ اللهِ تعالَى/، وَأَخَذَهَا عَنْهُ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ، وَمَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ مُنْذُ قُرونٍ طَوِيلَةٍ يَعْمَلُونَ بِهَا إلَى يَوْمِنَا هَذَا،/ وَهَذِهِ الطَّريقَةُ مَبْنِيَّةٌ علَى مُرَاقَبَةِ الْهِلَالِ بِالْعَيْنِ في الْمُدُنِ وَالْقُرَى وَالبُلْدَانِ،/ يَعْرِفُ ذلكَ كُلُّ مَنْ عَاشَ في بِلادِ الْمُسْلِمِينَ /وَشَهِدَ عادَاتِهِمْ مِنَ الْخُرُوجِ لِمُرَاقَبَةِ الْهِلَالِ/، وَتَجَمُّعِ الناسِ في الْمَواضِعِ التي تَتَّضِحُ فِيهَا الرُّؤْيَةُ/، وَمِنْ ثمَّ إطلاقُ الْمَدَافِعِ، أَوْ إِيقَادُ النارِ على رُؤُوسِ الْجِبَالِ عِنْدَ ثُبُوتِ الرُّؤْيةِ /إِيذَانًا بِثُبُوتِ الشَّهْرِ الشَّريفِ، أَوِ العِيدِ السَّعِيدِ. /

ثُمَّ إذَا بِنَا نُفَاجَأُ بِبِدْعَةٍ ظَهَرَتْ، /وطائفةٍ بَرَزَتْ تُريدُ منَّا تَرْكَ هذَا السَّبيلِ، وَطَرْحَ طريقةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،/ والاعتِمَادَ بدَلًا مِنْ ذَلِكَ علَى حِسَاباتِ الفَلَكِيِّينَ/ لِتَحْدِيدِ أَوَّلِ الصَّوْمِ، وَمَوْعِدِ الفِطْرِ،/ لَا عَلَى شهَادَةِ الثِّقَاتِ، وَإِخْبَارِ العُدُولِ الصَّالِحينَ/. ففي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ/ إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشهرُ هكذَا وَهَكَذَا /اهـ يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشِرِينَ، ومرَّةً ثلاثينَ/، وذلكَ أَنَّ الشَّهْرَ القمَرِيَّ لا يكونُ غيرَ ذلكَ، وقولُه نحنُ أُمّةٌ أُمّيةٌ معناهُ مَا كَلَّفَنا اللهُ العملَ بالحِسابِ لِمَعْرِفَةِ الشُّهورِ/، وَإِنَّما يَتِمُّ مَعْرِفَةُ أَوَائِلِ الشُّهورِ القَمَرِيَّةِ وَانْتِهَائِها بِظُهورِ الهِلالِ،/ أَوْ إِكْمَالِ عِدَّةِ الشَّهْرِ الذِي قَبْلَهُ ثَلاثينَ يومًا/، فَيُراقِبُ الناسُ الهلالَ بعدَ غُروبِ شمسِ التاسعِ والعشرينَ مِنْ شَعْبَانَ/، فَإِنْ رُئِيَ الهلالُ كانَ اليومُ التالي أَوَّلَ رمضانَ،/ وَإِنْ لَمْ يُرَ الهلالُ يكونُ اليومُ التالي الثلاثينَ مِنْ شَعبانَ/، والذِي بعدَهُ هو أولُ أيامِ رمضانَ/. وَقَدْ أَجْمَعَ فُقَهاءُ الْمُذَاهِبِ الأربعةِ على أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَثْبُتُ بِكَلامِ مُنَجِّمٍ وَلَا فَلَكِيٍّ وَلَا حَاسِبٍ/. ولذلكَ فَإِنَّنا نَنْصَحُ بِالْتِزَامِ مَا أَرْشَدَ إليهِ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم، /وَبَيَّنَهُ الأَئِمَّةُ وَتَرْكِ هَوَى أَقْوَامٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ وَيَتْبَعُونَ كُلَّ نَاعِقٍ./ هذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.

الخطبةُ الثانيةُ

الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين./ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه/. وَبِما أَنَّنا علَى مَقْرُبَةٍ مِنْ بِدايةِ نيسانَ /فقد رَأَيْنَا أَنْ تَكُونَ كَلماتُ السِّلسلةِ الذهبيةِ عنِ التحذيرِ مِنَ الكَذِبِ وأَنْتُمْ بِدَوْرِكُمْ انْقُلُوا هذهِ الكلماتِ لِغَيْرِكُمْ وَهِيَ/: حِفْظُ اللِّسانِ أَمْرٌ بَالِغُ الأَهَمِيَّةِ فقَدْ قالَ الرسولُ ﷺ أكثرُ خَطايَا ابْنِ ءادَمَ مِنْ لِسَانِهِ/ اهـ رواهُ الطبرانيُّ في الْمُعْجَمِ الكَبيرِ وَغَيْرُه. وَمِنْ هذِه الخَطايَا الكَذِبُ الذي قَدْ يُوصِلُ صَاحِبَهُ إلى الخُروجِ منَ الإسلامِ والعِيَاذُ بِاللهِ تعالى فَضْلًا عَنْ كونِه مَعْصِيَةً بإِجْمَاعِ الْمُسْلِمينَ، وَكَمْ مِنَ الناسِ اليومَ لا يَلْتَفِتُونَ إلى هذَا وتَرى أَلْسِنَتَهُمْ تَلْهَجُ بِالأَكاذيبِ ليلًا وَنَهارًا، وَأَمَّا تَصْنِيفُ الأكاذِيبِ بأسماء بَيْضَاءَ وسَوْدَاءَ وصَفْرَاءَ وَكَذْبَةِ أوَّلِ نيسانَ وَغيرِ ذلكَ فهذَا كُلُّهُ ليسَ مِنَ الدِّينِ ولَا أَصْلَ لَهُ فَإِنَّ الكَذِبَ كَذِبٌ وإِنْ سَمَّاهُ بَعْضُ الناسِ بأسماءٍ مختلفةٍ. وَاعْلَمُوا أَنَّ الكَذِبَ سَوَاءٌ قالَهُ الإنسانُ مَازِحًا أَمْ جَادًّا فَهُوَ حَرَامٌ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ أنُّهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ عَنِ الكَذِبِ أَلَا إِنَّ الْكَذِبَ لا يَصْلُحُ في جِدٍّ وَلا هَزْلٍ اهـ وقال ﷺ وَيْلٌ لِلَّذي يُحَدّثُ النَّاسَ كَاذِبًا لِيُضْحِكَهُمْ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ اهـ رواهُ الطبرانيّ. اللهمَّ احْفَظْنَا مِنَ الكذِبِ وسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللهمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا وَمَا أَسْرَرْنا وَمَا أَعْلَنَّا وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بهِ مِنَّا أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وأَنْتَ علَى كُلِّ شَیْءٍ قَدِيرٌ اللهمَّ إنَّا نَعوذُ بكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ وَالِإحسانِ وإيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَی عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.