أحكام الصيام

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى جميعِ إخوانِهِ النبيينَ والمرسلين. أما بعدُ عبادَ الله، فإني أوصيكم ونفسِي بتقوَى اللهِ العليِّ القديرِ القائِلِ في مُحكَمِ كتابِه ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ١٨٣﴾[1] إنَّ صيامَ شَهرِ رَمَضانَ المبارَكِ عبادَةٌ عَظيمةٌ وهو فَرْضٌ ثَابِتٌ بالقُرْءَانِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ ووُجوبُهُ معلومٌ منَ الدِّينِ بِالضَّرورَةِ أي يعرفُه العالمُ والجاهلُ علَى السَّواءِ فمَنْ أنكَرَ فَريضَتَهُ فَقدْ خَرَجَ عنِ الإسلامِ إلَّا أن يكونَ قريبَ عَهْدٍ بِالإِسلامِ أو نَشَأَ في بادِيَةٍ بعيدَةٍ عنِ العُلَمَاءِ فَلَمْ يَبْلُغْهُ حُكْمُ وُجُوبِه، أَمَّا مَنْ أفطَرَ في رمَضَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ وهو يَعتَقِدُ وُجوبَهُ فلا يَكفُرُ بل يكونُ عاصِيًا وَعَلَيْهِ قضاءُ الأَيامِ التِي أَفْطَرَ فِيهَا. ويُستَثْنَى من وجوبِ صيامِ رمضانَ أيها الأحبةُ مَنْ لا يُطيقُه لِكِبَرٍ أو مَرضٍ لا يُرْجَى منهُ الشِّفاءُ، وكذا الحائضُ والنفساءُ لا يجبُ عليهِما الصيامُ وجوبَ أداءٍ لكن يجبُ عليهِما قضاءُ ما فاتَهُما بسببِ الحيضِ أو النفاس.
أمَّا فَرَائِضُ الصيامِ فَهِيَ اثنتانِ النيةُ والإِمْساكُ عَنِ المفطِّراتِ. والنِّـيَّةُ مَحَلُّها القَلْبُ فلا يُشتَرطُ النُّطقُ بِهَا بِاللسانِ، وَيَجِبُ تَبْييتُها أي إيقاعُها لَيْلًا قبلَ الفَجْرِ مَعَ تَعْيِينِ النيةِ بأنَّها مِنْ رَمَضانَ فإذا تَيَقَّنْتَ مِنْ دُخولِ المغربِ فَنَوَيْتَ صيامَ اليومِ الثانِي صَحَّتْ هذهِ النيةُ ولا يَؤَثِّرُ أن تأكُلَ أَوْ تَشْرَبَ بعدَ هذه النيةِ وَقَبْلَ طُلوعِ الفَجْرِ. ويجبُ في مذهبِ الشافعيِّ أن ينويَ لِكُلِّ يومٍ فلا يَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ الشَّهْرِ عَنِ الشهرِ كُلِّه. ويَجِبُ الإِمْساكُ عَنِ الْمُفَطِّراتِ عَنِ الأَكلِ والشُّربِ وعن إِدْخَالِ كُلِّ ما لَه حَجْمٌ ولو كان ذلك أجزاءً صغيرةً كدخانِ السيجارةِ إلَى الرَّأْسِ أوِ البَطْنِ وَنَحْوِهِما مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ كالفَمِ وَالأَنْفِ وَالقُبُلِ وَالدُّبُرِ. فالحُقْنَةَ في الدُّبُرِ مُفَطِّرَةٌ وأمّا الحُقْنَةُ في الشِّريانِ أو العَضَلِ فليسَتْ مُفَطِّرةً لأنهما ليسا منفَذًا مفتوحًا. ثم إن الإمساكَ عن الْمُفَطِّرَاتِ وَقْتُهُ مِنَ الفَجْرِ إلَى المغرِبِ. ويَفْسُدُ الصيامُ بالجِماعِ عمدًا ذَاكِرًا للصومِ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وعَلَى مَنْ حصلَ منهُ ذلكَ الإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفَطِّراتِ بَاقِيَ النَّهارِ وقضاءُ هذا اليومِ فورًا بعدَ العيدِ وكفَّارةٌ وهي عِتْقُ رقبةٍ مؤمنةٍ فإِنْ عَجَزَ صامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فإِنْ عجزَ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. ومِمَّا يُفْسِدُ الصِّيامَ أيضًا إخوةَ الإيمانِ الرِّدَّةُ أي الكفرُ بعدَ الإِسلامِ سواءٌ كانَ هذا الكُفرُ بالقولِ كَسَبِّ اللهِ، أَمْ بالفِعْلِ كالدَّوسِ علَى الْمُصْحَفِ، أَمْ بالاعتِقَادِ كاعتِقادِ أنَّ اللهَ جِسمٌ يُشبِهُ المخلوقاتِ فهَذَا لا صِيامَ لَهُ لأنَّ العبادةَ لا تَصِحُّ مِنْ كافِرٍ فإن من استَخَفَّ باللهِ وَلَوْ مَازِحًا أَوْ غاضبًا فليسَ بِمُسْلِمٍ ومَنْ شَبـَّهَ اللهَ بِخَلْقِهِ فليس بمسلمٍ وَمَنْ حَصَلَ منهُ شَىءٌ من ذلك في رمضانَ فقد فَسدَ صومُه وعليهِ الرُّجُوعُ إلَى الإِسْلَامِ بِالنُّطْقِ بِالشَّهادتينِ أشهَدُ أَنْ لا إله إلا اللهُ وأشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسولُ الله وأن يقضيَ هذا اليومَ فَوْرًا بعدَ العِيد. اللهم أَعِنَّا عَلَى القِيامِ وَالصِّيامِ وَتَعَلُّمِ وَتَعليمِ عِلْمِ أهلِ السُّنةِ والجماعة. هذا وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم.

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِّي أوصيكم ونفسي بتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ. اللهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفِرِ اللهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسنَةٌ وفي الآخِرَةِ حسنةٌ وقِنا عذابَ النارِ اللهُمَّ اجعلْنا هُداةٌ مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّف. عبادَ الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة البقرة.