بِرُّ الوالدين

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونتوبُ إليه، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مِثْلَ ولا نِدَّ لَهُ ولا أَعضاءَ له ومكانَ ولا جِهَةَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه. اللهم صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحابَتِه الطيبينَ الطَّاهرين. أما بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أُوصيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ القائلِ في مُحْكَمِ كِتَابِه ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِٱلوَٰلِدَينِ إِحسَٰنًا إِمَّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ ٱلكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَو كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلَا تَنهَرهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَولا كَرِيما ٢٣﴾[1]. لقد أمَرَ اللهُ تعالَى عبادَهُ في كِتابِه العَزيزِ أمرًا مَقْطُوعًا بهِ بأَنْ لا يَعبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وأَمَرَ بِالإِحسانِ لِلْوَالِدَينِ، ويكونُ الإِحسانُ إليهِما ببِرِّهِما وإِكرامِهِما،

ويُسَنُّ طاعتُهُما فِي كُلِّ شىءٍ إِلَّا فِي مَعصيةِ اللهِ تعالَى، فَقَدْ رَوَى الحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِىُّ والبَيْهَقِىُّ في شُعَبِهِ مرفوعًا “رِضَا اللهِ في رِضَا الوَالِدَينِ وسخَطُهُ في سَخَطِهِمَا” اﻫ وَعن بهز بنِ حكيمٍ عن أبيهِ عن جَدِّهِ رضىَ اللهُ عنهُمْ قالَ قُلتُ يا رسولَ اللهِ مَنْ أَبَرُّ ؟ قالَ “أُمَّكَ” قلتُ ثمَّ مَنْ ؟ قالَ “أُمَّكَ” قُلْتُ ثُمَّ مَنْ ؟ قالَ “أُمَّكَ” قُلْتُ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ “أَبَاكَ ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَب” اﻫ أَخرَجَهُ أبو دَاودَ والترمذِىُّ وحسَّنَهُ. وَإِنَّما خَصَّ الشرعُ الأُمَّ بهذَا لِعَنَائِها وَشَفَقَتِها مَع مَا تُقَاسِيهِ مِنْ حَمْلٍ وطَلْقٍ وَوِلادَةٍ ورَضاعَةٍ وسَهَرِ لَيْلٍ. أخى المسلم لقد نَهى اللهُ تعالَى عبادَهُ في هذِه الآيةِ بقولِه ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفّ﴾ عن قولِ “أُفٍّ” لِلْوَالِدَيْنِ لِمَا فيهِ منَ الإِيذاءِ لَهُمَا فَلَوْ طَلَبَا منهُ شَيئًا ليفعَلَهُ مثَلًا فقالَ لَهُمَا أفٍّ فقَدْ وقَعَ في كَبِيرَةٍ. وفي هذهِ الآيةِ العظيمةِ الآنِفَةِ الذِّكرِ نَهانَا اللهُ تعالَى عَنْ نَهْرِهِمَا فقالَ سبحانَهُ ﴿وَلَا تَنهَرهُمَا﴾ وأَمرَنا اللهُ تبارك وتعالى بأن نُحَسِّنَ لهما الكلامَ فقالَ ﴿وَقُل لَّهُمَا قَولا كَرِيما ٢٣﴾ أَىْ لَيِّنًا لَطِيفًا مِنْ أَحْسَنِ ما تَجِدُ وبَالَغَ سبحانَهُ بالتَّوصِيَةِ بِهما فقالَ ﴿وَٱخفِض لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحمَةِ﴾[2] أَىْ أَلِنْ لَهُما جَانِبَكَ مُتَذَلِّلًا لَهُمَا مِنْ فَرْطِ رَحْمَتِكَ إيَّاهُمَا وَلِكِبَرِهِمَا وَافْتِقَارِهِما اليَوْمَ إلَى مَنْ كانَ أفقَرَ خَلْقِ اللهِ إليهِمَا بالأَمْس. ومِنْ بِرِّ الوَالِدَيْنِ زيارتُهُما بعدَ موتِهما. وقَدْ أمَرَنا اللهُ تعالَى بأَنْ نَسأَلَ لَهُمُ الرَّحْمَةَ حيثُ قالَ ﴿وَقُل رَّبِّ ٱرحَمهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرا ٢٤﴾ أى مِثْلَ رَحْمَتِهِمَا إِيَّاىَ في صِغَرِي حَتَّى رَبَّيانِى. فَقَدْ أوصانَا رَبُّ العِزَّةِ أَنْ لا نَكْتَفِىَ برَحْمَتِنا نَحنُ لِوالِدِينَا الرَّحْمَةَ التِى لا بَقاءَ لها بَلْ أَنْ نَدْعُوَ اللهَ الرَّحيمَ الكَريمَ بأَنْ يَرْحَمَهُمَا الرَّحمةَ البَاقِيةَ وَأنْ يجعلَ اللهُ ذلكَ جَزَاءً لِرَحْمَتِهِمَا علينَا في صِغَرِنَا وتربيتِهِمَا لنَا. وَالدُّعاءُ مُخْتَصٌّ بالأَبَوَيْنِ الْمُؤْمِنَيْنِ لا اللذَيْنِ ماتَا علَى غيرِ الإيمانِ كمَا هُوَ ظَاهِر. فبعدَ مَا ذُكِرَ مِنْ فَضلِ بِرِّ الوالدَيْنِ أىُّ عاقِلٍ يعدِلُ عَنْ بِرِّهِمْ إلَى عُقوقِهم؟!! فإِنْ وَجَدتَ من نفسِكَ خَيْرًا وَحِرْصًا علَى أَنْ تَبَرّ وَالدَيْكَ وتطيعَهُما مرضاةً للهِ تعالَى فَاحْمَدِ اللهَ واثْبُتْ عليهِ وَازْدَدْ منهُ وَإِنْ وجدتَ غيرَ ذلكَ فاتَّقِ اللهَ وأَصْلِحْ مِنْ حالِكَ قبلَ فَواتِ الأَوَانِ وقبلَ أَنْ تَنْدَمَ عندَما لا يَنْفَعُ النَّدَمُ. هذا وأَستَغْفِرُ اللهَ

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِّي أوصيكم ونفسي بتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ. اللهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفِرِ اللهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسنَةٌ وفي الآخِرَةِ حسنةٌ وقِنا عذابَ النارِ اللهُمَّ اجعلْنا هُداةٌ مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ. عبادَ الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة الإسراء.

[2] سورة الإسراء ءاية 24.