علمُ الدّينِ حياةُ الإسلامِ الحثُّ علَى التَّعَلُّم

الحمدُ للهِ الذِي علَّمَ الإنسانَ ما لَمْ يعلَمْ ورَفَعَ شأنَ العُلماءِ علَى مَنْ دُونَهم، جلَّ ربِّي لا يشبهُ شيئًا وَلا يشبهُهُ شىءٌ ولا يحلُّ في شىءٍ ولا يَنْحَلُّ منهُ شىء، جلَّ ربِّي وتنزَّهَ عنِ الأَيْنِ والكَيْفِ والشَّكْلِ والصُّورةِ والحدِّ والجهةِ والمكانِ، ليسَ كمثلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّميعُ البصير. وصَلَّى اللهُ على سيِّدِنا محمَّدٍ النبِيِّ الأمِّيِّ وعلَى ءَالِه وصحابَتِه الطيَّبِينَ الطَّاهِرِينَ.

أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ العليِّ القَدِير. إخوةَ الإيمانِ إنَّ اللهَ تباركَ وتعالَى مدحَ العلماءَ في كتابِه العَزيزِ فقَالَ ﴿يَرفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُم وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلعِلمَ دَرَجَٰت وَٱللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِير ١١﴾[1] ولم يجعَلِ اللهُ عزَّ وجلَّ العلماءَ كغيرِهم فأخبرَ أنهم لا يَسْتَوُونَ فقالَ عزَّ مِنْ قائِلٍ في سورة الزُّمَر ﴿قُل هَل يَستَوِي ٱلَّذِينَ يَعلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ﴾[2] لا وَاللهِ لا يَسْتَوُون .. كيفَ يستَوِي العالمُ والجاهِلُ والعلماءُ العَامِلُونَ هُمْ أَخْشَى للهِ مِنْ غيرِهم. كيفَ يَسْتَوِي العَالمُ والجاهِلُ ورَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ العُلَماءُ ورثَةُ الأَنْبِياءِ اﻫ وأيُّ شىْءٍ وَرِثَ العُلماءُ مِنَ الأنبياءِ إنّما ورِثُوا العِلمَ كمَا قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وإنَّ الأنبياءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينارًا وَلا دِرْهَمًا إنَّما ورَّثُوا العِلْمَ فمَنْ أخَذَ بِهِ أخذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ اﻫ وقَدْ قالَ عليهِ الصّلاةُ والسلامُ مَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ اﻫ[3]

اللهَ اللهَ إخوةَ الإيمان، أخبَرَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ علامةَ فلاحِ المرْءِ وإرادةِ اللهِ الخيرَ لِعَبْدِهِ أَنْ يُفَقِّهَهُ في الدِّينِ فَهَلْ مِنْ مُشَمِّرٍ لِلْخَيْرِ. الاشتِغَالُ بِطَلَبِ العِلْمِ إخوةَ الإيمانِ أَفْضَلُ مِنْ نَوافِلِ العِبادَاتِ البَدَنِيَّةِ لأنَّ نَفْعَ العِلْمِ يَعُمُّ صَاحِبَهُ والناسَ وَأمّا النَّوافِلُ البَدَنِيَّةُ فمَقْصُورَةٌ على صَاحِبِهَا، وَلِأَنَّ العِلْمَ مُصَحِّحٌ لِغَيْرِهِ مِنَ العِبادَاتِ فَهِيَ تَفْتَقِرُ إليهِ وتتَوَقَّفُ عليهِ وَلا يَتَوَقَّفُ العِلْمُ عليهَا فإنَّ العابدَ الجاهِلَ قد يقومُ بعبادَةٍ فاسِدَةٍ تكونُ وَبَالًا عليهِ، ولأنَّ العلمَ يَبْقَى أثرُه بعدَ مَوْتِ صَاحبِه، ولأنَّ في بقاءِ العلمِ إحياءً للشّريعَةِ وحفظًا لِمَعَالِمِ المِلَّةِ فعِلْمُ الدينِ حياةُ الإسلامِ ولذَا جاءَ في الحديثِ وَلَفَقِيهٌ واحِدٌ أَشَدُّ علَى الشّيطانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ اﻫ[4] فإنَّ الشيطانَ قَادِرٌ على أَنْ يُزَيِّنَ لِلْعَابِدِ الجاهِلِ عمَلًا بِاطِلًا فَيُوقِعَهُ فيهِ ويُضِلَّهُ وغيرَه بهِ وأمَّا العالمُ الذي هو حَقُّ العالِمِ فيغلِبُ الشيطانَ بِعِلْمِهِ فَيَحْفَظُ إسلامَهُ وإسلامَ غَيْرِه مِنَ الناسِ. فَاطْلُبُوا علمَ الدينِ إِخْوَةَ الإيمانِ وَشُدُّوا الهمَّةَ لِتَحْصِيلِهِ والتَّقَوِّي فيهِ فَفِي ذلكَ الفَضْلُ والدَّرَجَةُ الرَّفيعَةُ في الآخِرَةِ وَحِفْظُ أَنْفُسِكُمْ وأَهْلِيكُمْ وبِلادِكُمْ وإِسلامِكُمْ، وَفَّقَنِي اللهُ وإِيَّاكُمْ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى. أقولُ قولي هذَا وأستغفِرُ الله.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه. اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، اللهم مَتِّعْنا بِأَسْمَاعِنا وأَبْصارِنا وَقُوَّتِنا واجْعَلْهُ الوَارِثَ منّا مَا أَحْيَيْتَنا، اللهمَّ لا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا في دينِنا، ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون. وَأَقِمِ الصلاة.

[1] سورة المجادلة/11.

[2] سورة الزمر/9.

[3] رواه البخاري.

[4] رواه البيهقي في شعب الإيمان.