الوضوءُ

إنَّ الحمدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ باللهِ من شُرورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ سُبْحَانَهُ لَا يَحْوِيهِ مَكَانٌ لَيْسَ حَجْمًا وَلَا شَكْلًا جَلَّ رَبِّي عَنْ صِفَاتِ الأَجْسَامِ وَعَنْ أَنْ يَكُونَ كَالْمَخْلوقَاتِ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ نَبِيُّ الهُدَى وَمِصْبَاحُ الدُّجَى اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِه وَأَصْحَابِه الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ.

أما بعدُ إخوةَ الإيمانِ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ القَائِلِ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢﴾[1] الآية.

إخوةَ الإِيمانِ إِنَّ الرسولَ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ رَسُولُ الهُدَى وَفِعْلُهُ فِعْلُ الاسْتِقَامَةِ، وفي النَّظَرِ في سِيرَتِهِ صلى الله عليه وسلم وأَفْعَالِهِ وعِبادَتِهِ الدُّرُوسُ العَظِيمَةُ القَيِّمَةُ وَالْعِبَرُ النَّافِعَةُ لِدِينِ الْمُسْلِمِ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ ﴿لَّقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ يَرجُواْ ٱللَّهَ وَٱليَومَ ٱلأخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرا ٢١﴾[2].

أَخِي الْمُؤْمِن، هَلْ سَأَلْتَ نَفْسَكَ إذَا مَا قُمْتَ لِلْوُضُوءِ، كَيْفَ كَانَ يَتَوَضَّأُ خَيْرُ الخَلْقِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وكَيْفَ كانَ الحَبِيبُ الْمُصْطَفَى يُؤَدِّي عِبَادَةَ الوُضُوءِ. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَالْمُدُّ مِلْءُ الكَفَّيْنِ الْمُعْتَدِلَتَيْنِ، فَلَمْ يَكُنْ نَبِيُّنَا عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ مُسْرِفًا إِنَّما كانَ يَسْتَعْمِلُ مِنَ الْمَاءِ مَا يَحْتَاجُهُ فَقَطْ لِوُضُوئِه صلى الله عليه وسلم بَلْ نَهَانَا عَنِ الإِسْرَافِ فِي الوُضُوءِ وَلَوْ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ كَمَا رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ.

أَمَّا عَنْ كَيْفِيَّةِ وُضُوءِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ حُمْرَانَ أنَّ عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ، والوَضوءُ بِفَتْحِ الوَاوِ هُوَ الْمَاءُ الّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ، فَغَسَل عُثمانُ كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، وَالاسْتِنْثَارُ هُوَ إِخْرَاجُ مَا فِي الأَنْفِ مِنْ مُخَاطٍ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وحدُّ الوجهِ أَحْبَابَنَا طُولًا مِنْ مَنَابِتِ شَعرِ الرَّأسِ غَالِبًا إلَى الذَّقَنِ وَهُوَ مُلْتَقَى اللَّحْيَيْنِ وَحَدُّهُ عَرْضًا مِنَ الأُذُنِ إلَى الأُذُنِ، وَالغَسْلُ لَا بُدَّ أَنْ يَعُمَّ الشَّعرَ والبَشَرَةَ في حَدِّ الوَجْهِ وَيَكْفِي لِصِحَّتِهِ غَسْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلكنَّ السُّنَّةَ التَّثْلِيثُ، ثُمَّ غَسَلَ عُثمانُ يَدَهُ اليُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ أَيْ مَعَ الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ اليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ لأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُقَدِّمَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يُسْرَاهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ لِأَنَّ مَسْحَ بَعْضِ الرَّأْسِ مِنْ أَرْكَانِ الوُضُوءِ وَلَوْ شَعرةً في حَدِّ الرَّأْسِ أَمَّا السُّنَّةُ فَهُوَ أَنْ يَمْسَحَ كُلَّ رَأْسِهِ كَمَا وَرَدَ عَنِ الرسولِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وَبَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ يُسَنُّ أَنْ يَمْسَحَ أُذُنَيْهِ كَمَا مَسَحَ الرَّسُولُ أُذُنَيْهِ بِمَاءٍ غَيْرِ الْمَاءِ الذِي مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ عثمان رِجْلَهُ اليُمْنَى إِلَى الكَعْبَيْنِ أَيْ مَعَ غَسْلِ الكَعْبَيْنِ وَهُمَا العَظْمَانِ النَّاتِئَانِ مِنْ جَانِبَيِ القَدَمَيْنِ، وَيَغْسِلُ بَيْنَ الأَصَابِعِ وَمَا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ شَعرٍ أَوْ قِطْعَةِ لَحْمٍ زَائِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ اليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ وإنَّما قَدَّمَ اليُمْنَى علَى اليُسْرَى لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم “إِذا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ”، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَسَلَ ثَلَاثًا لِأَجْلِ السُّنَّةِ وإِلَّا فَمَرَّةٌ وَاحِدَةٌ تَكْفِي، ثُمَّ قَالَ سَيِّدُنا عثمانُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِيْ هَذَا. فهكذا كانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَهَنِيئًا لِمَنِ اقْتَدَى بِرَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلم.

وَقَدْ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال”مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِرِينَ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِهَا شَاءَ” وفي الحَديثِ الآخَرِ “مَنْ تَوَضَّأَ كَمَا أُمِرَ وَصَلَّى كمَا أُمِرَ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” أَيْ مِنَ الصَّغَائِرِ فَهَنِيئًا لِمَنْ أَحْسَنَ الاقْتِدَاءَ بِخَيْرِ الخَلْقِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.

اللهمَّ اجْعَلْنَا مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنَا مِنَ الْمُتَطَهِّرينَ وَاجْعَلْنَا مِنْ خِيَارِ الْمُقْتَدِينَ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَحَبِيبِ رَبِّ العالَمِينَ بِرَحْمَتِكَ وَكَرَمِكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ يا الله.

هذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم

الخطبة الثانية

إنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونستعينُه، وصَلَّى اللهُ علَّى مُحَمَّدٍ وَءالِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ؛ أُوصيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ وَاعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ محمدًا صلى الله عليه وسلم قالَ “الطُهُورُ شَطْرُ الإِيمانِ[3]، والمسلِمُ الكَامِلُ يُؤَدِّي وُضُوءَهُ علَى مَا أَمَرَهُ اللهُ فَيَأْتِي بِالأَرْكَانِ والشُّروطِ وَيَجْتَنِبُ الْمُبْطِلَاتِ لِيَصِحَّ العَمَلُ، وَحَتَّى يَنَالَ الثَّوابَ كَامِلًا يَأْتِي بِسُنَنِ الوُضُوءِ، أمّا الشُّروطُ فَهِيَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ العَمَلِ لَكِنْ لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْهُ كَأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ طَاهِرًا مُطَهِّرًا وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَانِعٌ علَى أَعْضَاءِ الوُضُوءِ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الماءِ إلى العُضْو الْمَغْسُولِ كَالشَّحْمِ اللاصِقِ بِالجِلْدِ وَالْمَنَاكِيرِ الذِي تَضَعُه بَعْضُ النِّسَاءِ عَلَى أظْفَارِهِنَّ وأمَّا الأركانُ فَهِيَ ما كانَ جزءًا مِنَ العَمَلِ وَلَا يَصِحُّ العَمَلُ بِدُونِهِ وَأَرْكَانُ الوُضُوء سِتَّةٌ النِّيَّةُ أَيْ أَنْ يَقْصِدَ فِعْلَ الوُضُوء أَوْ نَحْوَ ذلكَ بِقَلْبِهِ وَغَسْلُ الوَجْهِ جَمِيعِهِ وَغَسْلُ اليَدَيْنِ معَ الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَعَ الكَعْبَيْنِ والترتيب، أَمَّا السُّنَنُ فَهِيَ مَا كَانَ زِيَادَةً علَى الأَرْكَانِ كَالتَّثْلِيثِ وَعَدَمِ الإِسْرَافِ وَمَسْحِ كُلِّ الرَّأْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُيَسِّرَ لَنَا أَنْ نُؤَدِّيَ العِبادَاتِ علَى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى حتَّى نَكُونَ مِنَ النَّاجِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم.

واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّهِ الكريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾[4] اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيم ١ يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد ٢﴾[5]، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ اللهم اجز الشيخ عبد الله الهرريّ رحمات الله عليه عنّا خيرًا. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يثبكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1] البقرة/ ءاية 222

[2] الأحزاب/ءاية 21

[3] رواه مسلم

[4] سورة الأحزاب/56.

[5] سورة الحج/1-2.