الصّلاة

الحمدُ للهِ الْمُبْدِئِ الْمُعيدِ الغنِيِّ الحمِيدِ ذِي العَفْوِ الوَاسِعِ والعِقابِ الشَّديد، من هَداهُ فهوَ السَّعِيدُ السَّدِيدُ وَمَنْ أَضَلَّهُ فَهُوَ الطَّريدُ البَعِيدُ ومن أَرشدَهُ إلى سبيلِ النجاةِ ووَفَّقهُ فهو الرَّشيدُ، يَعْلَمُ ما ظهَرَ وما بطَنَ وما خفِيَ وما عَلَنَ وهو أقرَبُ إلى كلِّ مُريدٍ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على سيِّدِنا محمدٍ البشيرِ النّذيرِ وعلى ءالِه وأصحابِه الطّيّبينَ الطّاهرِين. أما بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العلِيِّ العظيمِ القائِلِ في مُحكَمِ كِتابِه {إِنَّمَا يَعمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَن ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱليَومِ ٱلأخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَم يَخشَ إِلَّا ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلمُهتَدِينَ ١٨}[1] إخوةَ الإيمانِ يا شَبابَ الإسلامِ {حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلوُسطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ ٢٣٨}[2] فقد قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كتَبَهُنَّ اللهُ على العبادِ فمَنْ جاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كانَ لَهُ عندَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الجنَّةَ ومَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فليسَ لهُ عندَ اللهِ عهدٌ إِنْ شَاءَ عذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الجنَّةَ اهـ [3]

فالصلاةُ شأنُها عَظِيمٌ إخوةَ الإيمانِ فإِنّها أفضَلُ الأَعمالِ بعدَ الإيمانِ باللهِ ورسولِه فانظُرُوا وفَّقنِي اللهُ وإِيَّاكُمْ كَمْ قُرِنَ ذِكْرُ الصلاةِ بالإيمانِ باللهِ ورسولِه في القرءانِ {وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعبُدُواْ ٱللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ
حُنَفَاءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ ٥}
[4] {ٱلَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِٱلغَيبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقنَٰهُم يُنفِقُونَ ٣}[5] {قَد أَفلَحَ ٱلمُؤمِنُونَ ١ ٱلَّذِينَ هُم فِي صَلَاتِهِم خَٰشِعُونَ ٢}[6]

وَانْظُروا كَمْ قُرِنَ ذِكْرُ تَرْكِ الصَّلاةِ بِالكُفْرِ والعياذُ باللهِ قالَ تعالَى إِخْبَارًا عن أَهْلِ النارِ حين يسألونَ توبيخًا لَهُمْ {مَا سَلَكَكُم فِي سَقَرَ ٤٢ قَالُواْ لَم نَكُ مِنَ ٱلمُصَلِّينَ ٤٣ وَلَم نَكُ نُطعِمُ ٱلمِسكِينَ ٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلخَائِضِينَ ٤٥ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَومِ ٱلدِّينِ ٤٦}[7] وقال تعالى {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ ٣١ وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ٣٢}[8] فإذَا تركَ العبدُ الصلاةَ فإِنْ كانَ تَرَكَها مُنْكِرًا لِفَرْضِيَّتِها أَوْ مُسْتَخِفًّا بِها فقد كفرَ والعياذُ بِالله، قالَ تعالى {وَإِذَا نَادَيتُم إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوا وَلَعِبا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُم قَوم لَّا يَعقِلُونَ ٥٨}[9] وأمَّا إِنْ تَرَكَهَا كَسَلا فإنّهُ لا يكفُرُ ولكنهُ يفسُقُ ويقَعُ في الذّنْبِ العَظِيمِ.

وأقولُ لِكُلِّ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ إنَّكَ في الدُّنيا قَدْ تُؤَجِّلُ موعِدَ سَفَرٍ أَوْ عَمَلٍ أمَّا الموتُ فَلا تأجيلَ فيهِ ولا إِلْغَاء.

تَدَارَكْ نَفْسَكَ قبلَ الفَواتِ فالعُمُرُ محدودٌ والنَّفَسُ معدودٌ والموتُ كالسّيفِ الْمُسَلَّطِ علَى رقابِنا وَهُوَ مَسْلُولٌ لا نَدْرِي متَى يَنْزِلُ عليها.

يا تاركَ الصّلاةِ أَلا تَسْتَحِي مِنَ اللهِ الذِي خلقَكَ فسوّاكَ فَعَدَلَكَ ….

أَلا تَسْجُدُ للّذِي جعَلَ لكَ عينَيْنِ ولِسانًا وشَفَتَيْنِ …

ألا تَخْشَى القويَّ المتينَ العزيزَ الجبّارَ القائِلَ

{فَوَيل لِّلمُصَلِّينَ ٤ ٱلَّذِينَ هُم عَن صَلَاتِهِم سَاهُونَ ٥}[10]

وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أنَّ الصلاةَ كانَتْ مَفْرُوضَةً على مَنْ سَبَقَنَا مِنَ الأُمَمِ كمَا فُرِضَتْ علينا ولَوْ لَمْ يكنِ المفروضُ عليهِمْ خَمْسًا في اليومِ والليلةِ.

إخوةَ الإيمانِ هذهِ الصَّلواتُ الخمسُ شأنُها عظيمٌ عندَ اللهِ فَلا تُضَيِّعُوها فعَنْ جابِرٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَثَلُ الصَّلوَاتِ الخَمْسِ كمَثَلِ نَهْرٍ جارٍ غَمْرٍ على بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ اﻫ رواهُ مسلمٌ، والغَمْرُ الكثيرُ.

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رَجُلا أصابَ مِنَ امْرأةٍ قُبْلَةً فأتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبَرَهُ فأنزلَ اللهُ تعالَى {وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفا مِّنَ ٱلَّيلِ إِنَّ ٱلحَسَنَٰتِ يُذهِبنَ ٱلسَّيَِّاتِ ذَٰلِكَ ذِكرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ ١١٤}[11] فقالَ الرَّجُلَ أَلِيَ هذَا قالَ لجميعِ أُمَّتِي كُلِّهم اﻫ مُتَّفَقٌ عليهِ.

فبعدَ سَماعِ هذا كُلِّهِ كيفَ يُقَصِّرُ أحدٌ في صلاتِهِ ويَحْرِمُ نَفْسَهُ هذهِ الفضيلةَ. كيفَ وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ في ما رواهُ ابنُ حبانَ عنهُ إنَّ تاركَ الصلاةِ يُحْشَرُ معَ فِرْعَوْنَ وقارُونَ وهامانَ وأُبَيِّ بنِ خلَف اﻫ

إخوةَ الإيمانِ حافِظُوا علَى الصلاةِ وذلكَ بأَدائِها علَى وجهِهَا وهذَا يَحْتَاجُ إلَى تَعَلُّمِ أحكامِها مِنْ شُروطٍ وأَركانٍ ومُبْطِلاتٍ فأَقْبِلُوا إلَى مَجَالِسِ العِلْمِ لِتَعْمَلُوا بِهِ فَتُفْلِحُوا.

هذا وأَستغفِرُ اللهَ لي ولكم.

الخُطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه.

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾[12]، اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ. اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمَّ ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ وأَدْخِلْنَا الجنَّةَ مَعَ الأَبْرَارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّار اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا.

عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أَمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة التوبة.

[2] سورة البقرة.

[3] رواه البيهقي.

[4] سورة البينة.

[5] سورة البقرة.

[6] سورة المؤمنون.

[7] سورة المدثر.

[8] سورة القيامة.

[9] سورة المائدة.

[10] سورة الماعون.

[11] سورة هود.

[12] سورة الأحزاب/56.