الأشاعرةُ والماتُريديةُ والتحذيرُ مِنْ كَذْبَةِ أَوَّلِ نَيْسَان

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِه اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ. وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ، وصلَّى اللهُ وسلَّم على سيِّدِنا محمَّدٍ الأَمينِ وعلَى ءالِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.

أما بعدُ عِبادَ اللهِ أُوصِي نفسِي وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظيمِ فَاتَّقُوهُ وأُوصِيكُمْ بِالثَّباتِ عَلَى نَهْجِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم والتِزامِ سبيلِ الْمُؤْمِنينَ يَقُولُ اللهُ تعالَى في القُرءانِ الكَريمِ {وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلهُدَىٰ وَيَتَّبِع غَيرَ سَبِيلِ ٱلمُؤمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصلِهِۦ جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرًا ١١٥}[1]. وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في ما رَواهُ التِّرمِذِىُّ وغيرُهُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ معَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثنَيْنِ أَبْعَدُ فَمَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ اﻫ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وَإِنَّ هذهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النّارِ ووَاحِدَةٌ فِي الجنَّةِ وَهِىَ الجمَاعَةُ اﻫ أَىِ السَّوادُ الأَعْظَمُ أَىْ جُمهورُ الأُمَّةِ كَمَا فِي رِوَايةِ كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا السَّوَادَ الأَعْظَمَ.

أحبَابِى لَقَدْ بَيَّنَ لنا الحبيبُ المصطَفَى صلى الله عليه وسلم أنَّ هذهِ الأُمَّةَ سَيَحْصُلُ فيهَا اخْتِلافٌ وَأَنَّهَا سَتَخْتَلِفُ إلَى فِرَقٍ وَأَنَّ كُلَّهَا فِي النَّارِ إِلَّا واحِدَةً وَبَيَّنَ لَنَا أَيْضًا كَيْفَ نُمَيِّزُ هذهِ الوَاحِدَةَ وذلكَ بِالعَلامَةِ الظَّاهِرَةِ وَهِىَ أَنَّها الجمَاعَةُ أَىِ السَّوادُ الأَعْظَمُ أَىْ جُمهورُ الأُمَّةِ أَىْ أَكْثَرُها وأَغْلَبُهَا والحمدُ للهِ علَى ذَلكَ. فَجُمْهُورُ الأُمّةِ المحمَّدِيَّةِ مِنْ زَمَنِهِ عليهِ السلامُ إلَى زَمانِنَا علَى الْهُدَى مِنْ حَيْثُ أَصْلُ الْمُعْتَقَدِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي بَعضِ الفُروعِ فَكُلُّهُمْ على تَوحيدِ اللهِ وتَنْزِيهِهِ عَنْ مُشابَهَةِ الْمَخْلوقِينَ وَتَنْزِيهِهِ عَنِ الْحَجْمِ والجِهَةِ والحَدِّ والْمَكانِ وكُلُّهُمْ علَى اعْتِقَادِ أَنَّ اللهَ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىءٍ مِنَ الأعيانِ والأَعْمَالِ وأنَّ أَعمالَ العِبادِ بِخَلْقِ اللهِ لا بِخلقِ العبادِ إنَّما بِكسبِهِمْ وكلُّهم على اعتقادِ أنهُ لا يدخُلُ شىءٌ في الوُجودِ إلا بِمشيئةِ اللهِ وعِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ وأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ شَىءٌ لَمْ يُرِدِ اللهُ حُصُولَهُ وأَنَّ الخيرَ وَالشَّرَّ كِلَيْهِمَا بِمشيئةِ اللهِ وتَقْديرِه وأنَّ اللهَ أَرْسلَ الأنبياءَ مُبَشِّرينَ ومُنْذِرينَ وَأَنَّ أولَهُمْ ءَادَمُ وءاخِرَهُمْ سيِّدُنا محمدٌ إمامُ المرسَلِينَ وَسَيِّدُ ولَدِ ءادمَ أجمعينَ وأنَّ الأنبياءَ اصطْفاهُمُ اللهُ وَخَصَّهُمْ بِالْحِفْظِ وَالْعِصْمَةِ مِنَ الكُفرِ وكبائِرِ الذُّنوبِ وصَغائِرِ الخِسَّةِ وسائِرِ الخسائِسِ والأمراضِ الْمُنَفِّرَةِ وكلُّهم مُسْلِمُونَ يُؤمنونَ بِالجنَّةِ والنارِ أَنَّهُمَا مَوْجُودتانِ وبَاقِيَتَانِ إلَى مَا لا نِهايَةِ لهُ وكلُّهم مُقِرُّونَ بِالبَعْثِ وَالحَشْرِ والحِسابِ والعِقَابِ وسائرِ ما ثَبَتَ وُرودُهُ في الشَّرْعِ وَلَمْ يَشُذَّ عنهُمْ إِلا شِرْذِمَةٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَليلَةٌ جِدًّا إِذَا مَا قُورِنَتْ بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ فَمِنْهُمُ الْمُجَسِّمَةُ الذينَ وَصَفُوا اللهَ بأَوصافِ الأجسامِ ونَسَبُوا للهِ الْحَجْمَ والمكانَ والأَعضاءَ والحرَكةَ والانْتِقَالَ والتَّغَيُّرَ والانفِعَالَ والصُّعودَ والنُّزولَ وغيرَ ذلكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَخْلُوقينَ فَخَرَجُوا عن دَائِرَةِ التَّوحيدِ وَوَقَعُوا فِي الكُفْرِ الشَّنِيعِ وَمِنْهُمُ الْمُرْجِئَةُ والقَدَرِيَّةُ الذينَ أخبَرَ عنهُمُ الرسولُ فقالَ صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِى لَيْسَ لَهُما فِي الإِسلامِ نَصيبٌ الْمُرْجِئَةُ والقَدَرِيَّةُ اﻫ[2]، والمرجئةُ فِرْقَةٌ ظهَرَتْ فِي الماضِى وانْقَرَضَتْ كانُوا يقولونَ كلامًا هو ضِدُّ الدينِ كانُوا يَقُولُونَ لا يَضُرُّ مَعَ الإِيمانِ ذَنْبٌ أَىْ بِزَعْمِهِمْ مهمَا فعَلَ المؤمِنُ مِنَ الذُّنوبِ لا مُؤَاخَذَةَ عليهِ في الآخرةِ فَكَذَّبُوا الدِّينَ وخَرَجُوا بذلكَ عَنْ دَائرةِ المسلِمين. أمَّا القَدَرِيَّةُ فقد رَوَى أبو دَاودَ في سُنَنِهِ عنِ الصّادِقِ الْمَصْدوقِ أنهُ قالَ فيهِم لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسٌ ومَجُوسُ هَذِهِ الأُمَّةِ الّذينَ يَقُولونَ لا قَدَرَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَلا تَشْهَدُوا جَنازَتَهُ وَمَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ فَلا تَعودُوهُمْ وَهُمْ شِيعَةُ الدَّجَّالِ ــ أي مُناصِرُوه ــ وَحَقٌّ علَى اللهِ أَنْ يُلْحِقَهُمْ بِالدَّجالِ اﻫ فَالقَدَرِيَّةُ هُمُ الذِينَ يَكْفُرُونَ بِالْقَدَرِ أَىْ يُنْكِرُونَ تَقْدِيرَ اللهِ لِبَعْضِ الأَشياءِ وقد قالَ العُلماءُ إنَّ مَنْ قَالَ عَنْ شىءٍ وَاحِدٍ إِنَّهُ يحصُلُ بِغَيْرِ مَشِيئَةِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ. وَمِنَ الفِرَقِ التِى شَذَّتْ عَنْ جَماعةِ المسلمينَ الخَوارِجُ الذينَ قَالُوا بِكُفْرِ مُرْتَكِبِ الكَبيرَةِ بل مِنْهُمْ مَنْ يُكَفِّرُ الحاكِمَ إِذَا حَكَمَ بِغَيْرِ الشَّرْعِ وإِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ ذلكَ وَلَوْ فِي مسئَلَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ يُكَفِّرونَ الرَّعِيَّةَ كذلكَ وَافَقُوهُمْ أَمْ لا إِلا مَنْ ثَارَ عَلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا بِنَاءً على ذلكَ دِماءَ المسلمينَ وأموالَهُمْ ونَتَجَ بسبَبِهم أَنْواعُ الفِتَنِ وَالدَّمارِ علَى مَرِّ العُصُور.

إخوةَ الإيمانِ، فِي القَرْنِ الثَّالِثِ الهجرِيِّ كَثُرَتِ الفِرَقُ الشاذَّةُ فَقَيَّضَ اللهُ تبارَكَ وتعالَى في أوَاخِرِ ذلكَ العَصْرِ إِمامَينِ أحدُهُما عَرَبِيٌّ والآخَرُ أَعْجَمِيٌّ، أمَّا العَرَبِيُّ فهو أبو الْحَسَنِ الأَشْعَرِيُّ وَكانَ بِالعِراقِ وَأَمَّا الأَعجَمِيُّ فَهُوَ أبو مَنْصُورٍ الماتُريدِيُّ وكانَ بِبِلادِ فَارِس فقامَا وتلاميذُهما من بعدِهِما بِالرَّدِّ علَى الفِرَقِ الشَّاذَّةِ وتَقريرِ العقيدَةِ الصّحيحةِ بالأَدِلَّةِ والبَراهينِ حتَّى انْحَسَرَ أهلُ الضَّلالِ وانْكَسَرُوا فَنُسِبَ إليهِمَا أَهْلُ السنَّةِ فصَار يُقالُ لأَهْلِ السُّنَّةِ أَشْعَرِيُّونَ ومَاتُريدِيُّونَ وشَاهِدُ الوُجودِ أَىِ الوَاقِعُ الْمُشَاهَدُ يَشهَدُ علَى ذَلِكَ فلَوْ نَظَرَ الْمُحَقِّقُ إلَى عُلماءِ الأُمةِ في مُخْتَلَفِ العُلومِ مِنْ زَمَنِ هذَيْنِ الإِمامَيْنِ إلَى زَمانِنا لَوَجَدَ أَنَّهُما إِمَّا أشاعرة أو ماتريدية والحمدُ للهِ على ذلك.

أحبَّتِى رَوَى الحاكِمُ في المستَدْرَكِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قولُهُ تعالَى {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِۦ فَسَوفَ يَأتِي ٱللَّهُ بِقَوم يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ} الآيةَ[3] قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هُمْ قومُكَ يا أَبا مُوسَى وأَوْمَأَ بيدِه إلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وقالَ الإِمامُ القُشَيْرِيُّ “أَتباعُ أبِي الحسَنِ الأَشْعَرِيِّ مِنْ قَومِه”. وَقَدْ مدَحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدًا الفاتِحَ رَحمهُ اللهُ الذِى كانَ مَاتريدِيَّ العقيدَةِ كمَا هُو مَعْلُومٌ وذلكَ في الحديثِ الذِي روَاهُ الإِمامُ أحمدُ والحاكِمُ بسنَدٍ صَحِيحٍ عنِ الصَّادِقِ المصدُوقِ حَبيبِ ربِّ العَالَمينَ، فَبِاللهِ عليكُمْ هل يَمْدَحُ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ خَالَفَهُ فِي العَقيدَةِ؟ هَلْ يَمْدَحُ النبيُّ مَنْ خالفَ نَهْجَهُ ومَا جَاءَ بِهِ مِنَ الحقِّ؟ لا وَاللهِ فَهذَانِ الخبَرانِ يَدُلّانِ على أَنَّ الأشاعرةَ والماتريديّةَ هُمَا علَى الحقِّ والصوابِ ويَكْفِى شَاهِدًا  على ذلكَ أَنَّ ملايينَ المسلمينَ في أَقْطَارِ الأَرْضِ علَى مذهَبِ هذينِ الإِمامينِ الجلِيلَيْنِ فَالشافعيَّةُ بِغَالِبِهِمْ والمالِكيَّةُ كُلُّهُمْ وَفُضَلاءُ الحنَابِلَةِ وبَعضُ الحنَفِيَّةِ أشاعرِة وأَغْلَبُ الحنَفِيَّةِ وبعضُ الشافعيَّةِ مَاتُريدِيّة وَكُلُّهم مُتَّفِقُونَ في الأُصولِ لا يَخْتَلِفُونَ وتُوافِقُ أصولُهُمْ أُصولَ الصَّحابَةِ والتابِعينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحسانٍ.

فنَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُثَبِّتَنا علَى عقيدَةِ هَذَيْنِ الإِمامينِ الجَليلَيْنِ أَبِى الحسَنِ الأَشْعَرِىِّ وأبِى منصورٍ الماتريدىِّ عقيدةِ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ وأَنْ يُميتَنا عليهَا بِجَاهِ الأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلينَ هذَا وأستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ خديجةَ وَحَفْصَةَ وعائِشَةَ الوَلِيَّةِ البَرَّةِ الطَّاهِرَةِ النَّقِيَّةِ الصَّالِحَةِ الْمُبَرَّأَةِ وَسَائِرِ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الرِّجْسِ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ الفَارُوقِ الذي يَجْرِي الحَقُّ علَى لِسانِه وَقَلْبِه وَمَنْ قالَ فيهِ الرسولُ مَا لَقِيَكَ الشيطانُ سَالِكًا فَجًّا إِلّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّك اهـ وعُثْمَانَ ذي النُّورَيْنِ وَعَلِىٍّ الكَرّارِ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه واعلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١١٩﴾[4].

إخوةَ الإيمانِ، إنَّ مِنْ عَظيمِ الصِّفاتِ التِي أَمَرَ اللهُ بِهَا وَحثَّ عليهَا رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصِّدْقَ، ومِنْ أَخْبَثِ الصِّفاتِ التي نَهَى عنهَا الكَذِبَ. والكَذِبُ حرامٌ سواءٌ قالَهُ الشخصُ مازِحًا أم جادًّا وسواءٌ أرادَ به أنْ يُضْحِكَ القَوْمَ أَمْ لا فَهَذَا حَرَامٌ قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ القَوْمَ ثم يَكْذِبُ لِيُضْحِكَهُم وَيْلٌ لَهُ وَوَيْلٌ لَهُ اهـ[5] أي أنَّ هذَا كبيرَةٌ يستَحِقُّ فاعِلُها العذَابَ الشديدَ في الآخرة.

فَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُحَذَّرَ مِنْهُ إِخْوَةَ الإِيمانِ مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ كَذْبَةَ أوّلِ نَيسَان، فَالكَذِبُ حَرَامٌ في أَوَّلِ نَيسان وفِي غَيرِه، وَيَحْصُلُ فِيهِ وَفِي كثيرٍ مِنَ الأَحيانِ تَرويعٌ لِلْمُسْلِمِ فَيَقُولُ لَهُ الكاذبُ مَثلًا إنَّ ابنَكَ ماتَ أو حَصَلَ مَعَ زَوجَتِكَ كذا وكذا فيُخِيفُهُ وَيُرَوِّعُهُ والعياذُ باللهِ تعالى وترويعُ المسلمِ حرامٌ ففي مُسْنَدِ أَحمدَ أَنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم قالَ لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا اﻫ قالَهُ لَمَّا رَوَّعَ بَعْضُهُمْ رَجُلًا مِنَ أَصْحَابِهِ مُزاحًا بأخذ نَبْلٍ منه وهو نائم.

اللهمَّ احْفَظْنَا مِنَ الكذِبِ وسائر المحرماتِ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين.

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦[6] اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، يقولُ اللهُ تعالى ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيم ١ يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد ٢[7]، اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمَّ بِجاهِ نَبِيِّكَ محمَّدٍ ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ وأَدْخِلْنَا الجنَّةَ مَعَ الأَبْرَارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّار اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1] سورة النساء/115.

[2] رواه الترمذي.

[3] سورة المائدة/54.

[4] سورة التوبة.

[5]رواهُ أحمدُ في مُسنَدِهِ.

[6] سورة الأحزاب.

[7] سورة الحج.