عذاب القبر

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ. وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِه وصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ.

عِبادَ اللهِ أُوصِي نفسِي وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ.

إخوةَ الإيمانِ كَلامُنَا اليومَ عَن حياةِ البَرْزَخِ وَمَا فِيهَا، يِقُولُ رَبُّنا تباركَ وتعالَى ﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَة ضَنكا وَنَحشُرُهُۥ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ أَعمَىٰ ١٢٤﴾[1] أَيْ مَنْ أَعْرَضَ عنِ الإِيمانِ بِاللهِ تعالَى ﴿فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَة ضَنكا﴾ أَىْ ضَيِّقَةً في القَبْرِ كَمَا فَسَّرَهَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم. وروَى التِّرمِذِىُّ عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّار اﻫ وَفِي سُنَنِ النَّسائِىِّ عن عائِشةَ رضِيَ اللهُ عنها قالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَذَابِ القَبْرِ فَقَالَ نَعَمْ عَذَابُ القَبْرِ حَقٌّ اﻫ

فَمِمَّا يَجِبُ التَّصدِيقُ بِهِ إِخْوَةَ الإِيمانِ عَذَابُ القَبْرِ لِلْكَافِرِ وَلِبَعْضِ عُصَاةِ المسلِمِينَ، قالَ الإِمامُ أبُو حَنِيفَةَ رَضِىَ اللهُ عنهُ في الفِقْهِ الأَكْبَرِ وَضَغْطَةُ القَبْرِ وَعَذَابُهُ حَقٌّ كَائِنٌ لِلْكُفَّارِ وَلِبَعْضِ عُصَاةِ المسلِمِين اﻫ فلا يَجُوزُ إِنْكَارُ عَذَابِ القَبْرِ بَلْ إِنْكَارُهُ كُفْرٌ، قالَ الإِمامُ أبو منصورٍ البغْدَادِيُّ في كِتَابِ الفَرْقِ بَيْنَ الفِرَقِ وَقَطَعُوا أَيْ أَهْلُ السنّةِ والجماعَةِ بِأَنَّ الْمُنْكِرِينَ لِعَذَابِ القَبْرِ يُعَذَّبُونَ فِي القَبْرِ اﻫ أَىْ لِكُفْرِهِم.

وهذا العذابُ أَيُّها الأَحِبَّةُ يَكُونُ بِالرُّوحِ وَالْجَسَدِ لكنَّ اللهَ يَحْجُبُه عَنْ أبْصَارِ أَكْثَرِ النَّاسِ لِيَكُونَ إِيمانُ العَبْدِ إِيمانًا بِالغَيْبِ فَيَعْظُم ثَوابُه. وَيَدُلُّ علَى كَوْنِ العَذَابِ بِالرُّوحِ وَالْجَسَدِ مَا وَرَدَ عَنْ سيِّدِنا عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضِىَ اللهُ عنهُ أنهُ سَأَلَ الحبيبَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم نَعَمْ كَهَيْئَتِكُمُ اليَوْمَ قالَ فَبِفِيهِ الْحَجَر اﻫ أَيْ سَكَتَ وَانْقَطَعَ عَنِ الكَلامِ لِسَمَاعِهِ الْخَبَرَ الذِي لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ.

إِخْوَانِى رَوَى التِّرمِذِىُّ عن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ أكثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللذَّاتِ الموتِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى القَبْرِ يَوْمٌ إِلَّا تَكَلَّمَ فِيهِ فَيَقَولُ أَنَا بَيْتُ الغُرْبَةِ وَأَنَا بَيْتُ الوَحْدَةِ وأَنَا بَيْتُ التُّرابِ وأنا بَيْتُ الدُّودِ فَإِذَا دُفِنَ العَبْدُ المؤمِنُ أَىِ الكَامِل قَالَ لَهُ القَبْرُ مَرْحَبًا وَأَهْلا أَمَا إِنْ كُنْتَ لَأَحَبَّ مَنْ يَمْشِى عَلَى ظَهْرِى إِلَىَّ فإِذْ وُلِّيتُكَ اليَوْمَ وَصِرْتَ إِلَىَّ فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ قَالَ فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى الْجَنَّةِ وَإِذَا دُفِنَ العَبْدُ الفَاجِرُ قَالَ لا مَرْحَبًا وَلا أَهْلا أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِى عَلَى ظَهْرِى إِلَىَّ فَإِذْ وُلِّيتُكَ اليَوْمَ وَصِرْتَ إِليَّ فستَرى صنِيعيَ بكَ قالَ فَيَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَقِيَ عليهِ وَتَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ قال أَيِ الرَّاوِي قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم بِأَصَابِعِهِ فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ قَالَ وَيُقَيِّضُ اللهُ لَهُ سَبْعِينَ تِنِّينًا لَوْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ فِي الأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا مَا بَقِيَتِ الدُّنيا فَيَنْهَشْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ حَتَّى يُفْضَى بِهِ إلَى الحِسَابِ اﻫ

فمِنْ عذابِ القبرِ إخوةَ الإيمانِ ضَغْطَةُ القبرِ، يَقْتَرِبُ حائِطَا القَبْرِ مِنْ جَانِبَيْهِ حتَّى تَتَدَاخَلَ أَضْلاعُه، أَضْلاعُهُ الّتِى عَنْ جَانِبِهِ الأَيْمَنِ تتَدَاخَلُ مَعَ أضلاعِهِ التِى عَنْ الجَانِبِ الأَيْسَرِ. أَحِبَّتِى مَنْ ذَا الّذِى يَحْتَمِلُ أَلَمَ الْتِوَاءٍ فِي أَحَدِ أَصَابِعِهِ، مَنْ ذَا الَّذِى يَحْتَمِلُ أَلَمَ كَسْرٍ فِي اليَدِ، فَأَىُّ أَلَمٍ ذَاكَ حِينَ تَتَدَاخَلُ الأَضْلاعُ بعضُهَا بِبَعْضٍ. اللهمَّ أَجِرْنَا مِنْ عَذَابِ القَبْرِ وَضَغْطَتِهِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.

وَمِنْ عذابِ القَبْرِ أَيضًا الانزِعاجُ مِنْ ظُلْمَةِ القَبْرِ وَوَحْشَتِهِ وَمِنْهُ أيضًا ضَرْبُ مُنْكَرٍ وَنَكيرٍ لِلكافِرِ بِمطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لذَابَ يُضْرَبُ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ مِنَ الأَلَمِ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ أَىْ إِلّا الإِنْسَ وَالْجِنَّ.

ومِنْ عذابِ القبرِ أيضًا تَسليطُ الأفَاعِي وَالعَقَارِبِ وحَشَراتِ الأرضِ عليهِ فَتَنْهَشُ وتَأْكُلُ مِنْ جَسَدِه، فَفِى الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ يُقالُ لِلفاجِرِ ارْقُدْ مَنْهُوشًا، فَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا وَلَهَا فِي جَسَدِهِ نَصِيب اﻫ وَرَوَى الطَّبَرَانِىّ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ وَيُسَلَّطُ عليهِ عَقَارِبُ وثَعابِينُ، لَوْ نَفَخَ أَحَدُهُم فِي الدُّنيا مَا أَنْبَتَتْ شَيئًا تَنْهَشُه وتؤمرُ الأرضُ فتضم حتى تختلفَ أضلاعُه اﻫ

فَخَافُوا اللهَ عبادَ اللهِ وَاتَّقُوهُ وَاسْأَلُوا اللهَ بِخَوْفٍ وَتَضَرُّعٍ فِي جَوفِ الليلِ وَفِي سُجُودِكم وَعِنْدَ السَّحَرِ السَّلامَةَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ.

هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

الخُطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ خديجةَ وَحَفْصَةَ وعائِشَةَ الوَلِيَّةِ البَرَّةِ الطَّاهِرَةِ النَّقِيَّةِ الصَّالِحَةِ الْمُبَرَّأَةِ وَسَائِرِ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الرِّجْسِ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ الفَارُوقِ وعُثْمَانَ ذي النُّورَيْنِ وَعَلِىٍّ الكَرّارِ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ.

أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

واعْلَمُوا أيها الأحبّةُ أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾[2] اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمَّ بِجاهِ نَبِيِّكَ محمَّدٍ ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ وأَدْخِلْنَا الجنَّةَ مَعَ الأَبْرَارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّار اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا.

عبادَ اللهِ، إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة طه/124.

[2] سورة الأحزاب/56.