معجزةُ الإسراء

أما بعدُ معشرَ المسلِمينَ، فَإِنِّي أُوصِي نَفْسِي وأوصيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظيمِ واعلَمُوا أنَّ اللهَ معَ الذينَ يَتَّقون. إخوةَ الإيمانِ تُطِلُّ علينَا مُنَاسَبَةٌ عَظِيمَةٌ أَلَا وَهِي ذِكرَى الإِسراءِ والمعراجِ. وَكلامُنا اليَوْمَ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالَى على مُعجِزَةِ الإِسراءِ. قالَ اللهُ تبارَك وتعالَى في القُرْءَانِ الكَرِيم ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١[1] إخوَةَ الإيمانِ لَقَدْ ثَبَتَ الإِسراءُ بِنَصِّ القُرْءَانِ والأحَادِيثِ الصَّحيحَةِ وإِجْمَاعِ المسلِمينَ فَيَجِبُ الإِيمانُ بهِ. وقَدْ كانَ إِسْرَاؤُه صلَّى الله عليه وسلم في اليَقَظَةِ بِالرُّوحِ والجَسدِ وما هذَا علَى اللهِ بِعَزِيزٍ فَإِنَّهُ تبارَكَ وتعالَى علَى كُلِّ شىءٍ قَدِيرٌ لِذَا قالَ عُلماءُ الإسلامِ إِنَّ مَنْ أَنْكَرَ مُعجِزَةَ الإِسراءِ فَقَدْ كَذَّبَ القُرْءَانَ وَمُكَذِّبُ القُرْءَانِ لا يَكُونُ مِنَ المسلِمين.

وَتبدَأُ رِحلةُ الإسراءِ حيثُ أتَى جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بِدابَّةٍ هِيَ البُرَاقُ كُلُّ خُطْوَةٍ لَهُ مُنْتَهى أَقْصَى بَصَرِهِ لِيَرْكَبَهُ رَسولُ اللهِ وقَدْ رَوَى البيهقيُّ عن شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ أنَّ النبيَّ قالَ فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنا يَقَعُ حافِرُها حيثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا حتَّى بَلَغْنَا أَرْضًا ذَاتَ نَخْلٍ فَأَنْزَلَنِي فقالَ صَلِّ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ رَكِبْنَا فقالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قلتُ اللهُ أعلَمُ قالَ صَلَّيْتَ بِيَثْرِبَ صَلَّيْتَ بِطَيْبَة اﻫ الحديثَ. وهكذا باتَ النّبيُّ يَنْتَقِلُ مِنْ أَرْضٍ إلى أرضٍ علَى البُراقِ ومعَهُ جِبريلُ عليهِ السلامُ فصلَّى بِطُورِ سَيْنَاءَ حيثُ كَلَّمَ اللهُ عزَّ وجلَّ موسَى عليهِ السَّلام، ثُمَّ بِبَيْتِ لَحْمٍ حيثُ وُلِدَ المسيحُ عيسَى ابنُ مريمَ عليهِ السَّلامُ ثم وَصَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. …

الحذر من أدعياء التصوف زورًا

لقد أمرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِبادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَوْلِ السَّدِيدِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ القَوْلِ الْمُوَافِقِ لِلْحَقِّ الذِي حَسَّنَهُ الشَّرْعُ وَأَقَرَّهُ، وَلَيْسَ القَوْلُ الحَسَنُ السَّدِيدُ هُوَ مَا يَعْتَبِرُهُ الناسُ الذينَ لَيْسَ لَهُمْ فَهْمٌ فِي الدِّينِ قَوْلًا حَسَنًا، لأنَّ أمثالَ هؤلاءِ قَدْ يَرَوْنَ القَوْلَ الفَاسِدَ حَسَنًا كَمَا قَدْ يَرَوْنَ القَوْلَ الحَسَنَ الْمُوَافِقَ لِشَرْعِ اللهِ فَاسِدًا، وَذلكَ أَنَّهُمْ أَضَاعُوا الْمِيزانَ الشرعيَّ فَقَاسُوا الْمَسائِلَ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ البَعِيدِ عَنْ ضَوَابِطِ النَّقْلِ، وَبِالتَّالِي فَالْعِبْرَةُ إذًا بِالنَّاسِ الذِينَ فَقِهُوا الدِّينَ وَعَرَفُوا كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وأَقْوَالَ العُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ وَعَمِلُوا بِالْأَحْكَام، لِأَنَّ القَاعِدَةَ الدِّينِيَّةَ التِي لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا مُؤْمِنَانِ وَلَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ أَنَّ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ فَهُوَ حَسَنٌ وَمَا قَبَّحَهُ الشَّرْعُ فَهُوَ قَبِيحٌ.

وَمِمَّا ابْتُلِينَا بِهِ في هَذَا الزَّمانِ وَغَيْرِه مِنْ سَالِفِ الأَزْمَانِ نَاسٌ انْتَسَبُوا إلَى التَّصَوُّفِ
وَهُوَ مِنْهَمُ بَرَاءٌ فَخَالَفُوا الكِتابَ وَالسُّنةَ وَلَبَّسُوا علَى العَوَامِّ فَكَانُوا عَوْنًا لِلشَّيطانِ علَى الناسِ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَمَا ذاكَ إِلَّا بِسَبَبِ جَهْلِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ طَلَبِ مَا يَحْتَاجُونَهُ مِنْ عُلومِ الدِّينِ، عَنَيْتُ بذلكَ أَدْعِياءَ التَّصَوُّفِ الذِينَ انْتَسَبُوا إلَى هذَا النَّهْجِ الرَّاقِي الحَسَنِ علَى غَيْرِ مَا يُوَافِقُ أُصُولَ وَقَوَاعِدَ التَّصَوُّفِ، وَذَلِكَ لأَنَّ أصلَ التصوفِ مَبْنِيٌّ علَى مُوَافَقَةِ الكِتَابِ وَالسُّنةِ وإجماعِ الأُمَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِمَا خَالَفَ ذَلِكَ. …

من مواعظ سيدنا لقمان

إخوةَ الإيمانِ إِنَّ سيدَنا لقمانَ رَجُلٌ حَكِيمٌ، أي أعطاهُ اللهُ الحِكْمَةَ قيلَ كانَ نَبِيًّا وقيلَ كانَ رَجُلًا وليًّا صَالِحًا وهذَا هو القَولُ الرَّاجِحُ. فقَدْ وَعَظَ وَلدَهُ مُسْتَفْتِحًا نُصْحَهُ لَهُ بِالابْتِعَادِ عَنِ الشِّركِ مُحَذِّرًا منهُ وَاصِفًا لَهُ بأنَّهُ ظُلْمٌ عَظِيمٌ، وهذا دَأْبُ الأَنبياءِ والصَّالِحينَ، لأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّوْحِيدِ والإيمانِ والتَّحْذِيرَ مِنَ الكُفْرِ والشِّرْكِ هو أهمُّ ما يُؤْمَرُ بهِ العبدُ علَى الإِطلاقِ.

وبعدَ أن حذَّرَ لُقْمَانُ وَلدَهُ مِنَ الشِّركِ أخَذَ يُعَلّمُهُ قَائِلًا ﴿يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّة مِّنۡ خَرۡدَل فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير ١٦[2]. فأَفْهَمَهُ بِهَذَا أَنَّ اللهَ تعالَى علَى كُلّ شَىءٍ قَدِيرٌ وأنَّ اللهَ قَدْ أحاطَ بِكُلِ شَىْءٍ عِلْمًا، حتى لو كانَتْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ لا تُعْجِزُ اللهَ، فاللهُ تعالَى يأتِي بِهَا ولو كَانَتْ في أبعدِ مَجاهِلِ الكَوْنِ.

انظروا أيها الإخوةُ حَذَّرَ لُقْمَانُ ولَدَهُ مِنَ الشِّركِ ثم أعطاهُ دَرْسًا في التوحيدِ وهذَا يذَكِّرُنا بِحَدِيثِ جُندُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ “كُنَّا مَعَ النبِيِّ صلى اللّه عليه وسلم وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَة – والحَزَاوِرَةُ جَمْعُ الْحَزَوَّرِ وَهُوَ الغُلامُ إذَا اشْتَدَّ وَقَوِيَ – قالَ فَتَعَلَّمْنَا الإيمانَ قبلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ القُرْءَانَ ثم تعلَّمْنَا القُرءَانَ فَازْدَدْنَا بهِ إيمانًا”. …

التّوكُّلُ على اللهِ والتّحذيرُ مِنَ الكَهَنَةِ والعَرّافِين

إخوةَ الإيمانِ، مِنَ الواجباتِ القلبيّةِ التوَكّلُ على اللهِ وَهُوَ الاعْتِمَادُ عَلَيْهِ تَعَالى، فَيَجِبُ على العَبْدِ أنْ يكونَ اعتمادُهُ على اللهِ لأنهُ خالقُ كُلِّ شَىءٍ مِنَ المنافعِ والْمَضارِّ وسَائِرِ ما يَدْخُلُ في الوُجُودِ، فَلَا ضَارَّ ولا نَافِعَ على الحَقِيقَةِ إلَّا اللهُ، فإذا اعتقدَ العبدُ ذلكَ وَوَطّنَ قلـبَهُ عليهِ كانَ اعتمادُهُ على اللهِ في أمورِ الرِّزْقِ والسَّلامَةِ مِنَ الْمَضَارِّ.

فمَنْ توكّلَ على اللهِ تجنّبَ أنْ يَلْجَأَ إلى ما حَرَّمَ اللهُ مِنَ العَمَلِ بالسِّحْرِ وَإِتْيَانِ العَرَّافِينَ والْمُنَجِّمِينَ، فَقَدْ قَالَ حبيبُنا محمّدٌ صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليهِ مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ علَى مُحَمَّدٍ اﻫ رواهُ الحاكِمُ.

فَالْكَاهِنُ هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى الإِخْبَارَ عَمَّا يَقَعُ في الْمُسْتَقْبَلِ كالذين لهم أصحابٌ مِنَ الجِنِّ يأتونَهم بِالأَخْبَارِ فَيَعْتَمِدُونَ علَى أَخْبَارِهِمْ فَيُحَدِّثونَ الناسَ بأنهُ سَيَحْصُلُ كذا. …