Category Archives: تعاليم إسلامية

أَحْكَامُ الحَجِّ

الحمدُ للهِ نحمدُه ونستغفرُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ المهتد وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضِدَّ ولا نِدّ له، وَلا شكلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ لهُ، ولا حَيِّزَ ولا جهةَ ولا مكانَ له، جَلَّ رَبِّي لا يُشبِهُ شيئًا ولا يشبهُهُ شىءٌ ولا يَحلُّ في شَىءٍ ولا يَنْحَلُّ منهُ شىء، ليسَ كمثلِه شىءٌ وَهُوَ السميعُ البصيرُ. وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعينِنَا محمّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزَاهُ اللهُ عنَّا خيرَ مَا جَزَى نبيًّا مِنْ أنبيائِهِ. اللهمَّ صَلِّ وسلِّمْ وأَكْرِمْ وأَنْعِمْ علَى سيدِنا محمّدٍ الْمُعَلِّمِ وعلَى ءَالِه وأصحابِه الطّاهرينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ. أما بعدُ عبادَ اللهِ اتّقُوا اللهَ واستَقِيمُوا علَى هُدَاهُ واذْكُروا قولَهُ تعالَى في مُحْكَمِ التنْزِيلِ ﴿ٱلۡحَجُّ أَشۡهُر مَّعۡلُومَٰت فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡر يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ١٩٧﴾[1]

أيّها الأحبّةُ المسلمونَ نحنُ اليومَ فِي أشهرِ الحجِّ المباركِ والمشتاقونَ لزيارةِ البيتِ الحرَامِ وزيارةِ قبرِ النبِيِّ محمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ قَدِ امْتَلأَتْ أَفْئِدَتُهُمْ شَوْقًا لِتِلْكَ الزِّيارَةِ الطيِّبةِ، فَفِي مِثْلِ هذهِ الأيّامِ تتأَجَّجُ مشاعِرُ المسلِمينَ ويَشْتَدُّ حَنِينُهُم إلَى البَيْتِ العَتيقِ الذِي جعلَهُ اللهُ مثَابَةً للنّاسِ وَأَمْنًا فَتَتَحَرَّكُ جُموعُهمُ الغفيرةُ مِنْ شَتَّى بِقاعِ الأرضِ مُتَّجِهَةً إلى المسجدِ الحرامِ لِيَشْهَدُوا عِبادَةَ الحجِّ العظيمةَ، لذلكَ أيُّها الرَّاغبُ في زيارَةِ البَيْتِ الحرامِ وفِي زيارةِ قبرِ النبيِّ محمَّدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ هَلُمَّ إلى مَجْلِسِ علمِ الدِّينِ لتتَعَلَّمَ كَيْفِيّةَ أداءِ الحجِّ وكيفيّةَ أداءِ العُمْرَةِ وءادابَ الزيارةِ الكَريمة.

فَمَنْ أرادَ رضَا اللهِ سبحانه وتعالى والتقرُّبَ إليهِ بأداءِ مناسِكِ الحجِّ والعُمرةِ ينبغي لَهُ أن يَتَكَلّفَ وَقْتًا قبلَ الشروعِ وقبلَ البَدءِ بِمَناسِكِ الحجِّ والعمرةِ لتَعَلُّمِ أَحكامِ الحجِّ والعمرةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُها كَما أنهُ يتكلفُ مِنْ مالِه وصِحَّتِهِ ووَقْتِهِ لهذهِ الرّحلةِ العَظيمَة.

Continue reading أَحْكَامُ الحَجِّ

أهوال يوم القيامة

إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوْبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ وَلَا مَثِيْلَ وَلَا ضِدَّ وَلَا نِدَّ وَلَا جِسْمَ وَلَا أَعْضَاءَ وَلَا هَيْئَةَ وَلَا صُوْرَةَ وَلَا مَكَانَ لَهُ، جَلَّ رَبّي هُوَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الفَرْدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيّدَنَا وَحَبِيْبَنَا وَعَظِيْمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيْبُهُ، اللَّهُمَّ صَلّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ وَأَنْعِمْ عَلَى سَيّدِنَا مُحَمَّدٍ المعَلّمِ، وَعَلَى ءالِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّاهِرِيْنَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدّيْنِ.

أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ فإنّي أوصيكم بتقوى الله، اتَّقُوا اللهَ وَاسْتَقِيْمُوا عَلَى هُدَاهُ فقد قال ربنا تبارك وتعالى ﴿وَٱتَّقُواْ يَوۡما تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡس مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١﴾[1] إنَّ ذلكَ اليَوْمَ هُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ الذِي تُوَفَّى فِيهِ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ في الدُّنْيا، فَاعْلَمُوا أَحِبَّتِي أَنَّهُ يَجِبُ الإيمانُ باليومِ الآخِرِ أي بِيَوْمِ القِيامَةِ فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فقدْ خَرَجَ مِنْ دَائِرَةِ الإسلامِ. واللهُ تعالَى أخبرَنا في كتابِه العَزِيزِ عَمَّا يَحْصُلُ مِنْ أَهْوَالٍ فِي هَذَا اليَوْمِ العَظِيمِ فَاسْتَمِعُوا مُتَدَبِّرِينَ مُتَنَبِّهِينَ وَتَذَكَّرُوا أنكم سَتَشْهَدُونَ هذَا اليَوْمَ فَاعْمَلُوا الخَيْرَ بِإِخْلاصٍ لِتُنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الخَطَرِ العَظِيمِ، لِتَكُونُوا سَالِمِينَ غَانِمِينَ ءَامِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ.

أَحِبَّتِى إِنَّ مَواقِفَ القِيامَةِ خَمْسُونَ مَوْقِفًا وَكُلُّ مَوْقِفٍ مِقْدَارُهُ أَلْفُ سَنَةٍ مِنْ سَنَوَاتِ الدُّنيا قالَ تعالى ﴿فِي يَوۡم كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَة ٤﴾[2] لكنَّها تكونُ علَى التَّقِيِّ أَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَمَنْ صَبَرَ فى الدُّنيا على أَداءِ الوَاجباتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ يُخَفَّفُ عَنْهُ فى ذلكَ اليَوْمِ.

فالبَعْثُ هُوَ خُروجُ الْمَوْتَى مِنَ القُبُورِ بَعْدَ إعادَةِ الجَسَدِ الذِي أَكَلَهُ الترابُ إِنْ كَانَ مِنَ الأَجْسَادِ التِي يَأْكُلُها التُّرابُ وَهِيَ أَجْسَادُ غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ لقولِه صلى الله عليه وسلم “إِنَّ اللهَ حَرَّمَ علَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ  الأَنْبِيَاء[3] وكذلكَ بَعْضُ الأَوْلِياءِ لا تَأْكُلُ الأَرْضُ أَجْسَادَهُمْ لِمَا تَوَاتَرَ مِنْ مُشَاهَدَةِ ذَلِكَ.

Continue reading أهوال يوم القيامة

التوكُّلُ والصَّبْرُ علَى المصائِب

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ له ولا مِثْلَ ولا نِدَّ لَهُ، وَلا حَدَّ ولا جُثَّةَ وَلا أعضاءَ لَه، أحدٌ أحدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يكن لَهُ كفوًا أَحَد، وَأشْهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصَفيُّهُ وحبيبُه، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً للعالمينَ هادِيًا وَمُبَشِّرًا ونذيرًا. اللهمَّ صَلِّ وسلِّمْ على سيِّدِنا محمّدٍ أشرفِ المرسلينَ وسيدِ الأَوّلينَ والآخِرينَ وعلَى ءالِه وأصحابِه الغُرِّ الميَامِين.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظيمِ القَائِلِ فِي مُحكَمِ كِتابِه ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ﴾[1] فَلْيَكُنِ اعْتِمَادُكَ أَخِي المسلمَ علَى اللهِ في الحِفْظِ والرِّزقِ لأنهُ خالقُ كُلِّ شَىءٍ مِنَ المنافِعِ وَالْمَضَارِّ وسائِرِ مَا يَدْخُلُ فِي الوُجودِ ولا يكونُ إِلا مَا شاءَ اللهُ واتَّقِ اللهَ حيثُمَا كُنْتَ وَلا يَكُنْ هَمُّكَ رِضَا الناسِ لِكَسْبِ جَاهٍ أَوْ مَالٍ أَوْ مَدْحٍ بَلِ اتَّقِ اللهَ وَلا تُبَالِ وَكُنْ كَمَا قَالَ القَائِلُ

إِنْ صَحَّ مِنْكَ الرِّضَا يَا مَنْ هُوَ الطَّلَبُ    فَلَسْتُ أُبَالِي بِكُلِّ النَّاسِ إِنْ غَضِبُوا

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعَتِ الإنسُ والجنُّ لِيَضُرُّوكَ بشىءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَىءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عليكَ وَلَوِ اجْتَمَعَتِ الإنسُ والجنُّ لِيَنْفَعُوكَ بِشَىء لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَىءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لكَ فَفَوِّضْ أَمْرَكَ إلى اللهِ وَثِقْ بِاللهِ فمَا شاءَ اللهُ كانَ ومَا لَمْ يَشأْ لَمْ يَكُنْ، فتوَكَّلْ علَى اللهِ وَاصْبِرْ علَى ما ابتلاكَ اللهُ بهِ وَإِيَّاكَ والاعترَاضَ على اللهِ فإنهُ تعالَى ﴿لَا يُسۡ‍َٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡ‍َٔلُونَ ٢٣﴾[2] لأنهُ تبارك وتعالى هو خالقُ كلِّ شىءٍ ومالِكُ كلِّ شىءٍ ويفعَلُ في مِلْكِه ما يشاءُ فإذا أَصابَتْكَ مصيبةٌ أخِي المسلمَ فاقتدِ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في صبرِه فقد روى البخاريُّ في الصحيحِ عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه حيثُ دخَلَ معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ لِيَرَى ابنَهُ إبراهيمَ وَهُوَ يُحْتَضَرُ فأخَذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إبراهيمَ فقبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثمّ دَخَلْنَا عليهِ بعدَ ذلكَ وإبراهيمُ يجودُ بنَفْسِهِ فجَعَلَتْ عينَا رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَانِ فقالَ لَهُ عبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ وأنتَ يا رسولَ اللهِ فقالَ يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بأُخْرَى فقالَ صلى الله عليه وسلم  إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ والقَلْبَ يَحْزَنُ وَلا نَقُولُ إِلّا مَا يَرْضَى رَبُّنا وإنَّا بِفِرَاقِكَ يا إبراهيمُ لَمَحْزُونون اﻫ صلّى عليكَ اللهُ يا سيدِي يا رسولَ الله.

Continue reading التوكُّلُ والصَّبْرُ علَى المصائِب

تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المكان

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ ولا مثيلَ ولا شبيهَ ولا مكان له، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كُلِّ رسولٍ أرسَلَه.

أما بعد عبادَ اللهِ، فإِنِّي أُوصِى نفسِى وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ القَائِلِ في محكم كتابه {وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ١١٥}[1]

إخوةَ الإيمانِ دلت هذهِ الآيةُ الكريمةُ على أنَّ من أرادَ النجاةَ عليهِ أن يلتزِمَ سبيلَ المؤمنينَ أي مَا أَجْمعَ عليهِ علماءُ المسلمينَ وأنَّ مَنْ أَعْرَضَ عن ذلكَ فجزَاؤُه جهنَّمُ وبئسَ المصير.

ومِنْ أصولِ عقائدِ المؤمنينَ التي دَلَّتْ عليهَا الأَدِلَّةُ والبراهينُ القاطعةُ مِنَ القُرْءَانِ والحدِيثِ والعَقْلِ والإِجماعِ تَنْزِيهُ اللهِ سبحانه وتعالى عنِ التحيزِ في مكانٍ أوِ الانتشارِ في الأَماكِن، فربُّنا سبحانَه وتعالى هو خالِقُ المكان، كانَ قبلَ الأماكِنِ كلِّها مِنْ غيرِ احتياجٍ إليهَا ثم خَلقَ الأماكِنَ وبعدَ خَلْقِهَا ما زالَ كمَا كانَ موجودًا بِلا مكانٍ لأنهُ سبحانَهُ يُغَيِّرُ ولا يَتَغَيَّرُ كما اشتَهَرَ ذلك بينَ عَوامِّ المسلمينَ وخَواصِّهم إِذْ لو جازَ عليهِ التغيُّرُ لاحتاجَ إلَى مَنْ يُغَيِّرُه والمحتاجُ إلى غيرِه لا يكونُ إِلها.

ثم المكانُ إخوةَ الإيمانِ هو الفراغُ الذِي يشغلُه الجِسم، وإِنْ شئتَ قلتَ هُوَ ما يأخُذُه الحَجْمُ مِنَ الفَراغ، فَلَو كانَ اللهُ في مَكانٍ لكانَ جسمًا لهُ طُولٌ وعَرْضٌ وعُمْقٌ كمَا أنَّ الشمسَ لَها طولٌ وعرضٌ وعمقٌ وحجمٌ وشكلٌ ومن كانَ كذلكَ كانَ بِلا شَكٍّ مَخْلُوقًا مثلَ المخلوقينَ مُحتاجًا إلى مَنْ خَصَّهُ بذلكَ الطولِ وذلكَ العَرْضِ وذلكَ العُمْقِ، والاحتياجُ يُنافِي الألوهيةَ، فوجبَ عَقْلًا تنزيهُ اللهِ عَنِ المكانِ. هذا الدليلُ مِنَ العَقْلِ.

أمّا مِنَ القُرءانِ فيدلُّ علَى تنزيهِ اللهِ عنِ المكانِ ءاياتٌ منها قولُه تعالى {لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡء}[2] لأنهُ لو كانَ اللهُ لهُ مكانٌ لكانَ له أشباهٌ كثيرةٌ وأمثالٌ لا تُحْصَى وهذا ضِدُّ هذه الآيةِ ومُنَافٍ لها، فهذهِ الآيةُ المحكمَةُ كافيةٌ لِتَنْزِيهِ اللهِ عَنِ المكانِ والحيِّزِ والجهةِ بَلْ وَعَنْ سَائِرِ أوصافِ الْمَخْلُوقِين.

وأما الدليلُ منَ الحديثِ على تنزيهِ اللهِ عنِ المكانِ فَمِنْهُ مَا رَوَاهُ البخاريُّ والبيهقيُّ وغيرُهما بِالإِسنادِ الصحيحِ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ كانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غيرُه اﻫ ومعناهُ أنَّ اللهَ لم يَزَلْ موجودًا في الأزلِ ليسَ معهُ غيرُه لا مَاءٌ ولا هواءٌ ولا أَرضٌ ولا سماءٌ ولا كرسيٌّ ولا عرشٌ ولا إنسٌ ولا جنٌّ ولا ملائكةٌ ولا زمانٌ ولا مكانٌ ولا جهاتٌ فهو تعالى موجودٌ قبلَ المكانِ بلا مكانٍ لأنَّ المكانَ هو غيرُ اللهِ بلا شكٍّ والحديثُ يدلُّ على أنَّ اللهَ كانَ ولم يكن شىءٌ غيرُه موجودًا إذ لم يكنِ المكانُ موجودًا وإنما هو مخلوقٌ خلقَه اللهُ فليسَ اللهُ بِحاجةٍ إليهِ ومِنْ هُنا روَوْا عن سيدِنا عليٍّ رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ قال كانَ اللهُ ولا مكان وهُوَ الآنَ علَى ما عليهِ كان[3] اﻫ أي موجودٌ بِلا مكانٍ وهذا مفهومٌ بوضوحٍ منَ الحديثِ السابقِ.

وقالَ الحافظُ البيهقيُّ في كتابِه الأسماءِ والصِّفاتِ استدلَّ بعضُ أصحابِنا في نفيِ المكانِ عَنِ اللهِ بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنتَ الظّاهِرُ فليسَ فَوْقَكَ شَىْءٌ وأنتَ البَاطِنُ فليسَ دُونَكَ شَىء اﻫ ثم قالَ البيهقيُّ وإذَا لم يكنْ فوقَهُ شىءٌ ولا دُونَهُ شَىْءٌ لم يكنْ في مَكان اهـ وهو أمرٌ شديدُ الوضوحِ ظاهرٌ كالشمس.

إخوة الإيمان، تنزيهُ اللهِ عن المكانِ يدلُّ عليهِ القرءانُ والسُّنَّةُ النَّبويةُ كما ذكَرْنا وكمَا تعرفونَ هو مِنْ أُصولِ عقائدِ المسلِمينَ بل هوَ مِمَّا أجمعَ عليهِ العلماءُ سلفُهم وخَلَفُهم وقد نقلَ الإجماعَ على ذلكَ كثيرٌ مِنَ العلماءِ كأبِي مَنْصورٍ البغدادِيِّ وإِمامِ الحرمينِ الجُوَيْنِيِّ والرازِي وغيرِهم ونَصُّ عبارةِ الإمامِ الفقيهِ الأصوليِّ الْمُؤَرِّخِ أبي منصورٍ البغدادِيِّ في كتابِهِ الفَرْقِ بينَ الفِرَقِ “وأجمعوا أي أَهلُ السنةِ أنهُ لا يَحويهِ مَكانٌ ولا يَجْرِي عليهِ زَمَان” اﻫ

أخي المسلم فهمُ هذهِ المسئلةِ جيدًا معَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدِلَّتِها تَمَكُّنًا تَامًّا مِنَ الأُمورِ المهمَّةِ فَاحْرِصْ علَى التمكُّنِ مِنْ فَهْمِهَا وَحِفْظِهَا وَبيانِها وَتَعْلِيمِها فَدِينُ اللهِ غَالٍ غَالٍ جِدًّا والشذوذُ في الاعتِقَادِ مُهْلِكٌ.

اللهمَّ ثَبِّتْنَا على العقيدةِ الحقَّةِ يا أرحمَ الراحمينَ وارْزُقْنَا هِمَّةً عاليةً لِنُصْرَةِ هذَا الدِّينِ بِجاهِ سَيِّدِ المرسلينَ إنكَ علَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِير. هذا وأستغفِرُ اللهَ لِي ولَكم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ أَلَا فَاتَّقُوهُ وَخَافُوهُ.

اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمّ اغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ، اللهمَّ يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلوبَنا علَى دِينِك، اللهم ثَبِّتْنَا علَى سبيلِ المؤمنين اللهم ثبِّتْنا على عقيدةِ نبيِّك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، اللهمَّ أحيِنا علَى الإسلام وتوَفَّنا علَى كامِلِ الإيمانِ، ربنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ، اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة النساء/115.

[2] سورة الشورى/11.

[3] رواه أبو منصور البغدادي في الفرق بين الفرق.