الحمدُ للهِ الْمُنَزَّهِ بِذاتِه عن إِشارَةِ الأَوْهَام، الْمُقَدَّسِ بِصفاتِه عن إِدراكِ العُقولِ والأَفْهَام، المتَّصفِ بالأُلوهِيَّةِ قبلَ كُلِّ مَوْجُودٍ، البَاقِي بِالنُّعوتِ الأَبَدِيَّةِ بعدَ كُلِّ مَحمُود، القَدِيمِ الذِي تعالَى عَنْ مُماثَلَةِ الْحَدَثانِ، العَظيمِ الذِي تَنَزَّه عَنْ مُمَاسَّةِ المكان، الْمُتَعالِي عَنْ مُضاهَاةِ الأَجْسامِ ومُشابَهةِ الأَنام، القادِرِ الذِي لا يُشارُ إليهِ بِالتَّكْيِيفِ، القَاهِرِ الذِي لا يُسْئَلُ عَن ما يَفْعَلُ، العَليمِ الذِي نَزَّلَ القُرءانَ شِفَاءً لِلأَرْواحِ والأَبْدَانِ، والصَّلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمَّدٍ الذِي مَدَّتْ عليهِ الفَصَاحَةُ رواقَها وشَدَّتْ بِهِ البَلاغَةُ نِطاقَها المبعوثِ بِالآياتِ البَاهِرَاتِ والحُجَجِ النَّيِّرات، الْمُنَزَّل عليهِ القُرءانُ رَحْمَةً للنَّاسِ وعلَى ءالِه وصحابَتِهِ الطاهِرين.
أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ القَائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِه ﴿وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمرِهِۦۚ قَد جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيء قَدرا ٣﴾[1]
إخوةَ الإيمانِ روَى أحمدُ في مُسنَدِهِ والحاكِمُ في المستَدْرَكِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو عَلَيَّ هَذِهِ الآيَةَ ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجا ٢﴾[2] حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَخَذُوا بِهَا لَكَفَتْهُم قَالَ فَجَعَلَ يَتْلُو بِهَا وَيُرَدِّدُهَا اﻫ
والتَّقْوَى مَعْنَاهَا أَدَاءُ الواجِباتِ كُلِّها واجتِنابُ المحرَّماتِ كُلِّها وقَدْ جَاءَ عنِ ابنِ عباسٍ رضىَ اللهُ عنهُما أنهُ قالَ ومَن يَتَّقِ اللهَ يُنْجِهِ في الدُّنيا وَالآخرة[3] ﴿وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ﴾ أي من حيثُ لا يَدْرِي، فَالتَّقْوَى سَبَبٌ لِلْفَرَجِ مِنَ الكُرُباتِ فِي الدنيا والآخرَةِ وَسَبَبٌ للرِّزقِ ولِنَيلِ الدَّرجاتِ العُلَى أمَّا المعاصِى فَهِيَ سَبَبٌ لِلْحِرْمَانِ في الدنيا وفي الآخِرَةِ فقد روى الحاكمُ وابنُ حبانَ وغيرُهما عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ[4] اﻫ قالَ بعضُهم فَيُحْرَمُ مِنْ نِعَمٍ فِي الدنيا مِنْ نَحْوِ صحَّةٍ ومَالٍ أو تُمْحَقُ البركةُ مِنْ مَالِهِ أو يَسْتَوْلِي عليهِ أَعْدَاؤُه وَقَدْ يُذْنِبُ الذَّنبَ فَتَسْقُطُ مَنْزِلَتُهُ مِنَ القُلوبِ أَوْ يَنْسَى العِلْمَ حَتَّى قالَ بعضُهم إِنِّي لأَعْرِفُ عُقوبَةَ ذَنْبِي مِنْ تَغَيُّرِ الزَّمانِ وجَفَاءِ الإِخْوَانِ.
Continue reading بيان معنى قوله تعالى ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾