Category Archives: خطب الجمعة

بيان معنى قوله تعالى ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾

الحمدُ للهِ الْمُنَزَّهِ بِذاتِه عن إِشارَةِ الأَوْهَام، الْمُقَدَّسِ بِصفاتِه عن إِدراكِ العُقولِ والأَفْهَام، المتَّصفِ بالأُلوهِيَّةِ قبلَ كُلِّ مَوْجُودٍ، البَاقِي بِالنُّعوتِ الأَبَدِيَّةِ بعدَ كُلِّ مَحمُود، القَدِيمِ الذِي تعالَى عَنْ مُماثَلَةِ الْحَدَثانِ، العَظيمِ الذِي تَنَزَّه عَنْ مُمَاسَّةِ المكان، الْمُتَعالِي عَنْ مُضاهَاةِ الأَجْسامِ ومُشابَهةِ الأَنام، القادِرِ الذِي لا يُشارُ إليهِ بِالتَّكْيِيفِ، القَاهِرِ الذِي لا يُسْئَلُ عَن ما يَفْعَلُ، العَليمِ الذِي نَزَّلَ القُرءانَ شِفَاءً لِلأَرْواحِ والأَبْدَانِ، والصَّلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمَّدٍ الذِي مَدَّتْ عليهِ الفَصَاحَةُ رواقَها وشَدَّتْ بِهِ البَلاغَةُ نِطاقَها المبعوثِ بِالآياتِ البَاهِرَاتِ والحُجَجِ النَّيِّرات، الْمُنَزَّل عليهِ القُرءانُ رَحْمَةً للنَّاسِ وعلَى ءالِه وصحابَتِهِ الطاهِرين.

أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ القَائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِه ﴿وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمرِهِۦۚ قَد جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيء قَدرا ٣﴾[1]

إخوةَ الإيمانِ روَى أحمدُ في مُسنَدِهِ والحاكِمُ في المستَدْرَكِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو عَلَيَّ هَذِهِ الآيَةَ ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجا ٢﴾[2] حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَخَذُوا بِهَا لَكَفَتْهُم قَالَ فَجَعَلَ يَتْلُو بِهَا وَيُرَدِّدُهَا اﻫ

والتَّقْوَى مَعْنَاهَا أَدَاءُ الواجِباتِ كُلِّها واجتِنابُ المحرَّماتِ كُلِّها وقَدْ جَاءَ عنِ ابنِ عباسٍ رضىَ اللهُ عنهُما أنهُ قالَ ومَن يَتَّقِ اللهَ يُنْجِهِ في الدُّنيا وَالآخرة[3] ﴿وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ﴾ أي من حيثُ لا يَدْرِي، فَالتَّقْوَى سَبَبٌ لِلْفَرَجِ مِنَ الكُرُباتِ فِي الدنيا والآخرَةِ وَسَبَبٌ للرِّزقِ ولِنَيلِ الدَّرجاتِ العُلَى أمَّا المعاصِى فَهِيَ سَبَبٌ لِلْحِرْمَانِ في الدنيا وفي الآخِرَةِ فقد روى الحاكمُ وابنُ حبانَ وغيرُهما عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ[4] اﻫ قالَ بعضُهم فَيُحْرَمُ مِنْ نِعَمٍ فِي الدنيا مِنْ نَحْوِ صحَّةٍ ومَالٍ أو تُمْحَقُ البركةُ مِنْ مَالِهِ أو يَسْتَوْلِي عليهِ أَعْدَاؤُه وَقَدْ يُذْنِبُ الذَّنبَ فَتَسْقُطُ مَنْزِلَتُهُ مِنَ القُلوبِ أَوْ يَنْسَى العِلْمَ حَتَّى قالَ بعضُهم إِنِّي لأَعْرِفُ عُقوبَةَ ذَنْبِي مِنْ تَغَيُّرِ الزَّمانِ وجَفَاءِ الإِخْوَانِ.
Continue reading بيان معنى قوله تعالى ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾

الثبات على الطاعة والتوبة ومجالس العلم والفضائل بعد رمضان

الحمدُ للهِ ثم الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ بجميعِ مَحامِده كلِّها ما عَلِمْنا منها وما لم نعلمْ عددَ خلقِه كُلِّهِم ما علمنا منهُمْ ومَا لم نَعلَمْ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ الذي لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكن له كفُوًا أحَد، تقَدَّسَ ربِّي عنِ الأمثالِ والأكفاءِ وتنزَّه عن الزوالِ والفناءِ ليس كمثله شىءٌ ولا يشبهُهُ شىء، وأشهد أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُه ورسولُه. اللهم صل على سيدنا محمدٍ سيدِ البشرِ وفخرِ ربيعةَ ومضر وعلَى ءالِه وصحبِه ما أقبلَ ليلٌ وأَدْبَرَ وأضاءَ صُبْحٌ وأسفَرَ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإني أُوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في مُحكمِ كتابِه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٨﴾[1]

إخواني، لقد وَدَّعنا منذُ أيامٍ شهر رمضانَ الكريم، شهر الخيرِ والبركاتِ والتوبةِ والطاعاتِ فبعدَ وَداعِ شهرِ التوبةِ اثبُتوا على التوبةِ، بعدَ وداعِ شهرِ الطاعةِ اثبُتوا على الطاعةِ. Continue reading الثبات على الطاعة والتوبة ومجالس العلم والفضائل بعد رمضان

الحثُّ علَى صِلَةِ الأَرْحَامِ والتحذيرُ مِنْ قَطيعَتِهم

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيّدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ.

عبادَ اللهِ أُوصِى نفسِى وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِىِّ القَدِيرِ القَائِلِ في مُحْكَمِ كتابِهِ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفس وَٰحِدَة وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِۦ وَٱلأَرحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبا ١﴾[1]

﴿ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ﴾ أَىْ أطِيعُوا رَبَّكُمْ بِامْتِثَالِ أَوامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَواهِيهِ فَالرَّابِحُ مَنْ صَانَ نَفْسَهُ وَحَمَاهَا وَقَهَرَها وَمَنَعَها مِنَ الحرَامِ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ حَفِظَهَا، وأمَّا مَنْ أَطْلَقَ لِنَفْسِهِ العِنَانَ ولِجَوارِحِهِ الاستِرْسالَ في المعاصِي فَقَدْ أَذَلَّ نَفْسَهُ واستَحَقَّ عَذَابَ اللهِ. أَقْبِلُوا إلَى الخَيراتِ أَيُّها الأَحبَّةُ وإِيَّاكُمْ وَالوُقوعَ في المعاصِى والآثامِ، فإِنَّ العَبْدَ سَيَرَى يومَ القيامةِ ما عَمِلَ في الدنيا مثبتًا في كتابِه، ﴿إِنَّ ٱلسَّمعَ وَٱلبَصَرَ وَٱلفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰئِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤلا ٣٦﴾[2] حتَّى النظرة التى نظرَها إلى ما حَرَّمَ اللهُ يَجِدُها مكتوبَةً. فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ وخَافُوا هَوْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ الذِي ءَامَنْتُمْ بِأَنَّهُ ءَاتٍ لا رَيْبَ فيهِ واسْتَعِدُّوا لِمَا بَعْدَ الموتِ، وَمَنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِالْحَرَامِ فَلْيُحَاسِبْهَا وَلْيَقُلْ لَهَا يا نَفْسُ أُريدُ لكِ الجنَّةَ، يَا نفسُ أريدُ لَكِ السَّعادةَ الأبديَّةَ، يا نفسُ لا تَأخُذِينِي إلَى النَّارِ. بِالْمُحَاسَبَةِ يَسْتَعِينُ الإِنْسَانُ علَى ضبطِ جوَارِحِهِ مِنَ الوُقوعِ فِي الحَرامِ وإِلزامِهَا بِالطَّاعَاتِ، فَيَسعَدُ فِي الدَّارَيْنِ الدنيا والآخِرَةِ.

عبادَ اللهِ ﴿ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفس وَٰحِدَة﴾ وَهِىَ نَفْسُ ءَادَم عليهِ السَّلام ﴿وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا﴾ أَىْ حَوّاءَ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعِ ءادَمَ الأَقْصَرِ الأَيْسَرِ ﴿وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَاء﴾ أَىْ وَأَظْهَرَ منهُمَا أَىْ مِنْ ءادَمَ وحواءَ رِجالا كثيرًا وَنِسَاءً وَنَشَرَهُمْ في أَقْطَارِ العَالَمِ علَى اخْتِلافِ أَصْنَافِهِم وصِفَاتِهِمْ وأَلْوَانِهِم وَلُغَاتِهِمْ قالَ تَعالَى ﴿وَمِن ءَايَٰتِهِۦ خَلقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَٱختِلَٰفُ أَلسِنَتِكُم وَأَلوَٰنِكُم إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَٰت لِّلعَٰلِمِينَ ٢٢﴾[3] فَسُبْحَانَهُ القَادِرِ علَى مَا يَشَاءُ، القَادِرِ على كلِّ شَىءٍ، القَادِرِ علَى عِقابِ الكُفَّارِ والفُجّارِ، الْمُسْتَحِقِّ لِغَايَةِ التَّذَلُّلِ والانكِسارِ.
Continue reading الحثُّ علَى صِلَةِ الأَرْحَامِ والتحذيرُ مِنْ قَطيعَتِهم

فَلْنَغْنَمْ لَيْلَةَ القَدْرِ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بَلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيّدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ.

أما بعد فيا عبادَ اللهِ أوصيكم ونفسيَ بتقوى اللهِ العليِّ القائل في محكم كتابه ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ ١ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ ٢ لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡر مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡر ٣ تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡر ٤ سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ ٥﴾[1].

ويقولُ الحبيبُ المصطفى صلى الله عليه وسلم َأُنزِلَتِ التوراةُ لِستٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ وأُنْزِلَ الإنجيلُ لثلاثَ عشْرةَ خلَتْ من رمضانَ وأُنزلَ الزبورُ لثمانِ عشْرةَ خَلَتْ من رمضانَ وأُنزلَ القرءانُ لأربعٍ وعشرينَ خلَت من رمضانَ[2] اﻫ فكم هو عظيمٌ شهرُ رمضانَ، وكم هي عظيمةٌ ليالِي رمضانَ. وكلامُنا اليومَ عن ليلةِ الليالي ليلةِ القدرِ العظيمة.

Continue reading فَلْنَغْنَمْ لَيْلَةَ القَدْرِ