Category Archives: خطب الجمعة

عصمة الأنبياء

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ صفوةِ الأنبياءِ والمرسلينَ وعلى ءالِه وصَحابَتِه الطيبينَ الطاهِرينَ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ لهُ الأحدُ الصمدُ الذي لَمْ يَلِدْ ولم يُولدْ ولم يكن لَهُ كفُوًا أحد. وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه وصفيُّهُ وحبيبُه.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أُوصيكُمْ ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العَزيز الحكيم القائل في القرءانِ الكريم ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسلِمُونَ ١٠٢﴾[1] ولا يكونُ العبدُ مُتَّقِيًا للهِ إلا بِمَعْرِفَةِ اللهِ تعالى والإيمانِ بهِ ومَعْرِفَةِ رَسولِه صلى الله عليه وسلم والإيمانِ بهِ وَامْتِثَالِ أوامِرِه تعالَى كُلِّها واجْتِنَابِ مَناهِيه كُلِّها، وَلا سبيلَ إلَى مَعْرِفَةِ مَا أمَرَ اللهُ به ومَا نهى اللهُ عنهُ إلّا مِنْ طريقِ الأنبياءِ فهُمُ الْمُبَلِّغونَ عنِ اللهِ تبارك وتعالى خَلْقَه بِمَا يُحْيِيهِمْ ويُصْلِحُ أَمْرَ دِينِهم وَدُنْيَاهُم فَحَاجَةُ الخَلْقِ إلَى الأنبياءِ ضروريةٌ إذْ لا سَبِيلَ إلى مَعرفَةِ الطَّيِّبِ والخَبيثِ والصحيحِ والباطلِ ومَا يُنْجِي في الآخرةِ أو يُهْلِكُ إلّا علَى أَيدِي الأنبياءِ صلَواتُ اللهُ وسلامُه عليهِم، وَلَمّا كانَ هذا عملَ الأنبياءِ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ وتلكَ وظيفَتَهم كانُوا مِنَ الكَمالِ وَعُلُوِّ المنزِلَةِ وَسُمُوِّ الْمَقَامِ في أَعْلَى مَراتِبه لِيُقْبِلَ الناسُ عليهم ويتَلَقَّوْا منهُمْ أوامرَ اللهِ ويلتَزِمُوا مَا بَيَّنُوا لهم مِنَ الشَّرائِعِ والأَحكامِ والآدَابِ والأَخلاقِ، فَاصْطَفَى اللهُ الحكيمُ لِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ مِنَ البَشَرِ رِجالًا كُمَّلًا مِنْ أَوْسَطِ قومِهم نَسَبًا وأَحْسَنِهِمْ خِلْقَةً وَخُلُقًا فَحَفِظَهُمْ مِمّا يُنفِّرُ الناسَ عَنْ قَبولِ الدعوةِ منهم مِنْ عَاهَاتٍ جَسَدِيّةٍ أو أمراض منَفِّرَةٍ كبَرَصٍ وجُذَامٍ وخروجِ دودٍ مِنَ البَدن. وأمّا مَا يُرْوَى عن نبيِّ اللهِ أيوبَ أنَّ مرضَه كانَ بِحَيْثُ يخرجُ الدودُ مِنْ جَسدِه وأنهُ أَكَلَ جِسْمَهُ فَهُوَ غَيرُ صَحِيحٍ والناسُ يَنْفِرُونَ عَمَّنْ هذا حالُه واللهُ تبارك وتعالى لا يبتلِي نبيًّا مِنْ أَنبيائِه بِمَا يُنَفِّرُ الناسَ عنهُ وقد أَرْسَلَهُ لِيُبَلِّغَهُمْ دِينَه. وكذلكَ إخوةَ الإيمانِ حَفِظَ اللهُ تباركَ وتعالى أنبياءَه عنِ الرَّذالَةِ والسفاهةِ فليسَ بينَ الأنبياءِ مَنْ هُوَ رَذِيلٌ يَخْتَلِسُ النَّظَرَ إلى النساءِ الأجنبياتِ بِشَهْوَةٍ مثَلًا وَلا مَنْ هُوَ سَفِيهٌ يَشْتُمُ يَمِينًا وشِمَالا ومَا يَرْوِيهِ بَعضُ الناسِ عن نبيِّ اللهِ داودَ عليه السلامُ أنهُ نظرَ مَرَّةً فرأَى امرأَةَ قائِدِ جَيشِه تَغْتَسِلُ عارِيَةً فصارَ يَنْظُرُ إليهَا وَقَدْ أَعْجَبَتْهُ فَبَعَثَ زوجَها لِلقتالِ ليَأْخُذَ زوجتَه بَاطِلٌ غيرُ صحيحٍ كيفَ وهذَا مِمّا لا يَرْضَى أراذِلُ الناسِ أَنْ يُنْسَبَ إليهِم فكيفَ تصِحُّ نِسْبَتُهُ إلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنبياءِ اللهِ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ عزّ وجلّ لِيُعَلِّمَ الناسَ مَكَارِمَ الأَخْلَاق.

Continue reading عصمة الأنبياء

الرّبَا الوَبَاءُ الخَطِيرُ

إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونستغْفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ ولا شكلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ ولا جِسْمَ ولا مكانَ لهُ، أنْزَلَ عَلَى حبيبِهِ محمّدٍ شريعةً سمحاءَ، فازَ ورَبِحَ مَنْ تَمَسّكَ بِها وخابَ وخَسِرَ مَنْ أعرضَ عنها.

وأشهدُ أنّ سيّدَنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيُّهُ وحبيبُهُ المبعوثُ رحمةً للعالمينَ الذي جدد دعوة الأنبياء إلى الإسلام فأنْقَذَ اللهُ تعالى بهِ خلقًا كثيرًا كانُوا يَعبُدُونَ الأوثانَ فصاروا يعبُدونَ اللهَ الواحِدَ الدّيّانَ.

الصّلاةُ والسّلامُ عليكَ سيّدي يا محمّدُ يا علم الهدى ما هبت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم.

أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فإنّي أوصيكُمْ ونَفْسِي بتقوَى اللهِ العليّ القديرِ وبالتمَسُّكِ بنهجِ سيّدِ المرسلينَ سيّدِنا محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ الذي أنْزَلَ اللهُ تعالى على قَلْبِهِ قرءانًا عربيًّا لا شك فيه قال تعالى ﴿ذَٰلِكَ ٱلكِتَٰبُ لَا رَيبَ فِيهِ هُدى لِّلمُتَّقِينَ ٢﴾[1] وقد جاءَ في هذا القرءانِ العظيمِ قوله تعالى ﴿ٱلَّذِينَ يَأكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيطَٰنُ مِنَ ٱلمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُم قَالُواْ إِنَّمَا ٱلبَيعُ مِثلُ ٱلرِّبَوٰاْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلبَيعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْ فَمَن جَاءَهُۥ مَوعِظَة مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمرُهُۥ إِلَى ٱللَّهِ وَمَن عَادَ فَأُوْلَٰئِكَ أَصحَٰبُ ٱلنَّارِ هُم فِيهَا خَٰلِدُونَ ٢٧٥﴾[2]إنّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى تَعَبّدَنا أيْ كَلّفَنَا بأشياءَ فلا بُدَّ مِنْ مُراعاةِ ما تَعَبّدَنا، فعلى العبدِ أنْ يُطيعَ خالقَهُ بأداءِ ما أَمَرَ بهِ واجتنابِ ما نَهى عنهُ لأنّ اللهَ تعالى أهلٌ لأنْ يُطاعَ، وسواءٌ في ذلكَ ما ظهرتِ الحكمةُ فيهِ وما لَمْ تَظهَرْ لنا الحكمةُ فيهِ وهذا ابتلاءٌ مِنَ اللهِ تباركَ وتعالى لعبادِهِ. ولْيُعْلَمْ أنّ الله لم يأمر بشىء ولم ينه عن شىء إلا لحكمة ومن ذلك تحريم الربا، فاللهُ تعالى حَرّمَ علينا الرِبا فِعْلَهُ وأكْلَهُ وأخْذَهُ وشَهادَتَهُ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حديثِ جابِرٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنّهُ قالَ لَعَنَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ ءاكلَ الرّبا ومُوْكِلَهُ وكاتِبَهُ وشاهِدَيْهِ وقالَ هُمْ سواءٌ اهـ وقد توعد الله تعالى وذم من يأكل الربا فقال ﴿ٱلَّذِينَ يَأكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيطَٰنُ مِنَ ٱلمَسِّ﴾[3] أي أنّهم إذا بعثوا من قبورهم يبعثون على هذه الهيئة أي هيئة المصروع لأنه تخبط في المعاملة في الدنيا فجوزي بما يناسب فعله في الآخرة فيقومون يوم القيامة مخبلين كحال من أصابه الجنون وتلك سيماهم التي يعرفون بها عند أهل الموقف.

Continue reading الرّبَا الوَبَاءُ الخَطِيرُ

مِنْ أَمْرَاضِ القُلُوبِ الحسَد

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ له ولا مِثْلَ ولا نِدَّ لَهُ، وَلا حَدَّ ولا جُثَّةَ وَلا أعضاءَ لَه. الحمدُ للهِ الذِي وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَجَعَلَ الكَرامةَ والفَضْلَ بالتَّقْوَى وخذَل مَنْ شَاءَ مِنْ خلقِه بِمشيئتِه وعَدلِه. وَأشْهدُ أنَّ سيَّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصَفْوَةُ خلقِه، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً للعالمينَ هادِيًا وَمُبَشِّرًا ونذيرًا وجَعَلَهُ أَكْرَمَ خَلْقِهِ. اللهمَّ صَلِّ وسلِّمْ على سيِّدِنا محمّدٍ وعلى ءالِه وصَفْوَةِ صَحْبِه.

أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم القائل في محكم كتابه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 18﴾[1]

إخوةَ الإِيمانِ أَمرَنا اللهُ تباركَ وتعالى في هذِهِ الآيةِ بِالتَّقْوَى ومُحاسَبَةِ أَنْفُسِنا بأَنْ يَنْظُرَ كُلٌّ مِنَّا مَا قدَّمَ ليومِ القِيامَةِ فَإِنْ أحسَنَ فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَى فَضْلِهِ وَلْيَسْتَقِمْ وَمَنْ أَسَاءَ فَلْيَرْجِعْ وَلْيَسْتَغْفِرْ وَلْيُصْلِحْ قَلبَه فإنَّهُ لا ينفَعُ في الآخرةِ مالٌ ولا بَنُونَ إِلا مِنْ أَتَى اللهَ بقَلْبٍ سلِيم. وَسلامَةُ القَلْبِ إخوةَ الإيمانِ تكونُ بتَطْهِيرِه مِنَ الصِّفاتِ المذمومَةِ والأَمْراضِ الْمَشْؤُومَةِ التِي تُهْلِكُ صاحِبَها. وَإِنَّ مِنْ أَمْراضِ القلوبِ الحسدَ وَهُوَ كراهيةُ النِّعْمَةِ لِلْمُسْلِمِ وَاسْتِثْقَالُها لَهُ وَعَمَلٌ بِمُقْتَضَى ذلكَ. فَانْتَبِهْ يَا أَخِي الْمُسْلِم، إِنْ رأيتَ نعمةً على أَخِيكَ فَكَرِهْتَها لَهُ وَشَعَرْتَ في قَلْبِكَ اسْتِثْقَالَها لَهُ وَتَمنَّيْتَ زوالَها وَصَمَّمْتَ في قَلْبِكَ علَى العَمَلِ لِإِزالتِها أَوْ تَكَلَّمْتَ بِشَىءٍ أَوْ عَمِلْتَهُ لإزالتِها فَاعْلَمْ أَنَّكَ قَدْ وَقَعْتَ فِي المعصيَة.

إخوةَ الإيمانِ نَرَى في هذهِ الأيامِ كَثيرًا مِنَ الناسِ مُصابينَ بِهذَا المرضِ القَلْبِيِّ فَيَسْتَعْظِمُ أَحَدُهُمْ نِعْمَةَ أَخِيهِ وَيَكْرَهُهَا لَهُ وَيُرِيدُ زَوَالَها وَيَعْمَلُ علَى زوالِها وقَدْ يَحْمِلُهُ ذلكَ علَى البَغْيِ وَالكَذِبِ وَالاحتِيالِ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عليهِ لإزالةِ تلكَ النِّعْمَةِ عنهُ. هل تُحِبُّ يَا أَيُّها الحاسِدُ أَنْ يُفْعَلَ بِكَ هَذَا ؟ قَدْ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ فِي القُرْءَانِ أَنْ يَستَعِيذَ مِنْ شَرِّكَ فِي قَولِه تعالى ﴿قُل أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلفَلَقِ ١ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ٢ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ٣ وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ فِي ٱلعُقَدِ ٤ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ٥﴾[2]

Continue reading مِنْ أَمْرَاضِ القُلُوبِ الحسَد

مِنْ أَمْرَاضِ القُلوبِ الرِّيَاء

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ، وَلا حَدَّ ولا جُثَّةَ وَلا أعضاءَ لَه. الحمدُ للهِ الذِي خَلقَ الخَلْقَ علَى صُوَرٍ وَأَجْسَامٍ مُخْتَلِفَةٍ وفَضَّلَ بعضَهُمْ على بعضٍ فِي الخُلُقِ وَالعَقْلِ وَجَعَلَ حقيقةَ الفَضْلِ بِالتَّقْوَى فَلَمْ يَنْظُرْ إلَى أَجْسَامِهِمْ وَصُوَرِهِمْ وَإِنَّمَا إلَى قُلوبِهِمْ فَفَضَّلَهُمْ بِحَسَبِ التَّقْوَى. وأَشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا. اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِه وصحابتِه الطَّيِّبينَ الطَّاهِرِين.

أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنّي أوصِي نفسِي وإيّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِ العظيمِ القائلِ في كتابِه الكريمِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 18﴾[1].

إخوةَ الإيمانِ التّقوى كلمةٌ خفيفةٌ علَى اللسانِ ثَقيلةٌ في الميزانِ ومَحَلُّها القَلْبُ فَقَدْ أَشَارَ النبِيُّ صلّى اللهُ عليه وسلم إلى صَدْرِهِ ثَلاثًا وقالَ التَّقوى هَا هُنَا التَّقْوَى هَا هُنَا[2] اﻫ فَالقَلْبُ أَمِيرُ الجوارِحِ إذَا صَلَحَ صَلَحَتْ فصارَ الشخصُ تقيًّا وإذَا فسدَ فسَدَتْ فصارَ الشخصُ عاصيًا، فَاتَّقُوا اللهَ وتزَوَّدُوا لِيَوْمِ الْمَعَادِ﴿يَومَ لَا يَنفَعُ مَال وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَن أَتَى ٱللَّهَ بِقَلب
سَلِيم ٨٩﴾[3] فَعَلَيْكَ يا أخِي المؤمنَ بِاتِّباعِ شرعِ اللهِ تعالَى والاقتداءِ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم في الأخلاقِ والأَحْوَال .. داوِ قَلْبَكَ فإنَّ للقلوبِ أَمْرَاضًا لا يُداويهَا أَطِبَّاءُ الدُّنيا، فإنّهُ إِنْ يَصْلُحْ قَلْبُكَ يَصْلُحْ جسَدُكَ كلُّه وتَصْلُحْ ءاخِرَتُكَ وإنْ يَفْسُدْ قَلبُكَ يفسُدْ جَسَدُكَ كُلُّهُ وتَسُؤْ حَالُكَ في دِينِكَ فالقَلْبُ أَميرُ الجوارِحُ وبهِ تَأْتَمِر.

ومِنْ هذهِ الأمراضِ إِخْوَةَ الإيمانِ الرِّياءُ وهو أَنْ يَعْمَلَ الإِنسانُ الطاعةَ لِيَرَاهُ الناسُ فَيُثْنُوا علَيه. قالَ اللهُ تعالَى ﴿وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعبُدُواْ ٱللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ﴾[4]، أَخْلِصْ نِيَّتَكَ أَخِي المؤمنَ دائِمًا للهِ تعالى وَلا تُراءِ وَاسْمَعْ معِي حديثَ أبِي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ قالَ اللهُ تعالَى أنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ[5] اﻫ معنَى هذَا الحديثِ أنَّه لا يَليقُ بِاللهِ أَنْ يُشْرَكَ بِه. فَإِنْ عَمِلْتَ أخِي المسلمَ شيئًا طالبًا الأَجْرَ مِنَ اللهِ وَطَالِبًا مَحْمَدَةَ النَّاسِ لَمْ يَقْبَلْهُ اللهُ مِنْكَ، فَعَمَلُ الْمُرَائِي لا ثَوابَ فيهِ بَلْ هُوَ ءاثِمٌ بِمُرَاءاتِهِ، فَانْظُرْ نَفْسَكَ أَخِي المسلمَ وَرَاقِبْ قَلْبَكَ، إِنْ رَأَيْتَ نَفْسَكَ تَقْتَصِرُ علَى الْمَكْتُوباتِ فِي الخَلْوَةِ حتَّى إذَا كنتَ بينَ الناسِ اجْتَهَدْتَ في رواتِبِ المكتوباتِ فسَائِلْ نَفْسَكَ لِمَ تَفْعَلُ ذلك .. وَإِنْ كُنْتَ إذا صَلَّيْتَ في الخَلْوَةِ عَجِلْتَ فَاقْتَصَرْتَ علَى الأَرْكانِ وإذا كنتَ بينَ الناسِ أَطَلْتَ صلاتَكَ واسْتَحْضَرْتَ الخشوعَ وَحَسَّنْتَ صلاتَكَ فَسَائِلْ نَفْسَكَ لِمَ تَفْعَلُ ذلكَ وهَلْ أَنْتَ تَطْلُبُ جَاهًا ومَنْزِلَةً في قُلوبِ الخلقِ، وَهَلْ هَذَا أحبُّ إليكَ مِنْ مَنْزِلَتِكَ عندَ الخَالِق. الناسُ مَخْلوقاتٌ مثلُكَ لا يخلُقونَ نَفْعًا ولا ضرًّا وَلا يَنْفَعُونَكَ وَلا يَضُرُّونَكَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ تعالَى هُوَ الْمُسَخِّرُ لِلْقُلُوبِ بِالْمَنْعِ وَالإعطاءِ فَأَيُّ غَرَضٍ لكَ في إِيثَارِ ذَمِّ اللهِ تعالَى لأَجْلِ حَمْدِهِمْ لَكَ وَلا يَزِيدُكَ حَمْدُهُمْ لكَ رزقًا وَلا يُؤَخِّرُ أَجَلًا وَلا يَنْفَعُكَ يَوْمَ القيامَةِ فدَاوِ قَلْبَكَ منَ الرياءِ وَاجْعَلْ رضَا خالِقِ الخيرِ والشَّرِّ مُبْتَغَاكَ وأَخْلِصْ نِيَّتَكَ للهِ ولا تُبَالِ إِنْ ذَمَّكَ النَّاسُ أَوْ مَدَحُوكَ فَكُلُّ الخيرِ فِي رِضَا الله.

Continue reading مِنْ أَمْرَاضِ القُلوبِ الرِّيَاء