الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ صفوةِ الأنبياءِ والمرسلينَ وعلى ءالِه وصَحابَتِه الطيبينَ الطاهِرينَ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ لهُ الأحدُ الصمدُ الذي لَمْ يَلِدْ ولم يُولدْ ولم يكن لَهُ كفُوًا أحد. وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه وصفيُّهُ وحبيبُه.
أما بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أُوصيكُمْ ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العَزيز الحكيم القائل في القرءانِ الكريم ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسلِمُونَ ١٠٢﴾[1] ولا يكونُ العبدُ مُتَّقِيًا للهِ إلا بِمَعْرِفَةِ اللهِ تعالى والإيمانِ بهِ ومَعْرِفَةِ رَسولِه صلى الله عليه وسلم والإيمانِ بهِ وَامْتِثَالِ أوامِرِه تعالَى كُلِّها واجْتِنَابِ مَناهِيه كُلِّها، وَلا سبيلَ إلَى مَعْرِفَةِ مَا أمَرَ اللهُ به ومَا نهى اللهُ عنهُ إلّا مِنْ طريقِ الأنبياءِ فهُمُ الْمُبَلِّغونَ عنِ اللهِ تبارك وتعالى خَلْقَه بِمَا يُحْيِيهِمْ ويُصْلِحُ أَمْرَ دِينِهم وَدُنْيَاهُم فَحَاجَةُ الخَلْقِ إلَى الأنبياءِ ضروريةٌ إذْ لا سَبِيلَ إلى مَعرفَةِ الطَّيِّبِ والخَبيثِ والصحيحِ والباطلِ ومَا يُنْجِي في الآخرةِ أو يُهْلِكُ إلّا علَى أَيدِي الأنبياءِ صلَواتُ اللهُ وسلامُه عليهِم، وَلَمّا كانَ هذا عملَ الأنبياءِ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ وتلكَ وظيفَتَهم كانُوا مِنَ الكَمالِ وَعُلُوِّ المنزِلَةِ وَسُمُوِّ الْمَقَامِ في أَعْلَى مَراتِبه لِيُقْبِلَ الناسُ عليهم ويتَلَقَّوْا منهُمْ أوامرَ اللهِ ويلتَزِمُوا مَا بَيَّنُوا لهم مِنَ الشَّرائِعِ والأَحكامِ والآدَابِ والأَخلاقِ، فَاصْطَفَى اللهُ الحكيمُ لِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ مِنَ البَشَرِ رِجالًا كُمَّلًا مِنْ أَوْسَطِ قومِهم نَسَبًا وأَحْسَنِهِمْ خِلْقَةً وَخُلُقًا فَحَفِظَهُمْ مِمّا يُنفِّرُ الناسَ عَنْ قَبولِ الدعوةِ منهم مِنْ عَاهَاتٍ جَسَدِيّةٍ أو أمراض منَفِّرَةٍ كبَرَصٍ وجُذَامٍ وخروجِ دودٍ مِنَ البَدن. وأمّا مَا يُرْوَى عن نبيِّ اللهِ أيوبَ أنَّ مرضَه كانَ بِحَيْثُ يخرجُ الدودُ مِنْ جَسدِه وأنهُ أَكَلَ جِسْمَهُ فَهُوَ غَيرُ صَحِيحٍ والناسُ يَنْفِرُونَ عَمَّنْ هذا حالُه واللهُ تبارك وتعالى لا يبتلِي نبيًّا مِنْ أَنبيائِه بِمَا يُنَفِّرُ الناسَ عنهُ وقد أَرْسَلَهُ لِيُبَلِّغَهُمْ دِينَه. وكذلكَ إخوةَ الإيمانِ حَفِظَ اللهُ تباركَ وتعالى أنبياءَه عنِ الرَّذالَةِ والسفاهةِ فليسَ بينَ الأنبياءِ مَنْ هُوَ رَذِيلٌ يَخْتَلِسُ النَّظَرَ إلى النساءِ الأجنبياتِ بِشَهْوَةٍ مثَلًا وَلا مَنْ هُوَ سَفِيهٌ يَشْتُمُ يَمِينًا وشِمَالا ومَا يَرْوِيهِ بَعضُ الناسِ عن نبيِّ اللهِ داودَ عليه السلامُ أنهُ نظرَ مَرَّةً فرأَى امرأَةَ قائِدِ جَيشِه تَغْتَسِلُ عارِيَةً فصارَ يَنْظُرُ إليهَا وَقَدْ أَعْجَبَتْهُ فَبَعَثَ زوجَها لِلقتالِ ليَأْخُذَ زوجتَه بَاطِلٌ غيرُ صحيحٍ كيفَ وهذَا مِمّا لا يَرْضَى أراذِلُ الناسِ أَنْ يُنْسَبَ إليهِم فكيفَ تصِحُّ نِسْبَتُهُ إلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنبياءِ اللهِ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ عزّ وجلّ لِيُعَلِّمَ الناسَ مَكَارِمَ الأَخْلَاق.