Category Archives: خطب الجمعة

ثبوتُ شَهْرِ رَمَضانَ المبارك

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونستغفرُه وَنَتُوبُ إليهِ ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ وَلا مِثْلَ وَلا نِدَّ لَهُ، وَلا حَدَّ وَلا جُثَّةَ ولا أعضاءَ لهُ، أَحَدٌ صمدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لهُ كُفُوًا أَحَد، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا. اللهم صَلِّ وسلِّمْ علَى سَيِّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِه وصَفْوَةِ صَحْبِه.

أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكم ونفسِي بتَقْوَى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في مُحْكَمِ كِتابهِ ﴿شَهرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِي أُنزِلَ فِيهِ ٱلقُرءَانُ هُدى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰت مِّنَ ٱلهُدَىٰ وَٱلفُرقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهرَ فَليَصُمهُ﴾[1] الآية. وقال تعالى ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱركَعُواْ وَٱسجُدُواْۤ وَٱعبُدُواْ رَبَّكُم وَٱفعَلُواْ ٱلخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ۩ ٧٧﴾[2]

أيّها الأحبّةُ لقدِ اقْتَرَبْنَا مِنْ سَيِّدِ الشهورِ مِنْ شَهْرِ رمضان شهرِ البرَكةِ والرِّضْوَان، شَهْرِ تَطْهِيرِ النُّفوسِ مِنَ الشَّوائِبِ والأَدْرَان، شهرِ الإكثارِ مِنَ الخيراتِ ونَيْلِ الدَّرجاتِ والتَّزَوُّدِ لِيَوْمِ الْمَعَادِ، شهر أوَّلُهُ رَحمةٌ وأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَءاخِرُه عِتْقٌ مِنَ النَّار.

إِخْوَتِى رَمَضَانُ شَهْرُ الإِطْعَامِ، شَهْرُ الإِنْفَاقِ، شَهْرُ الْمُوَاسَاةِ، شَهْرُ قِرَاءَةِ القُرْءَانِ، شَهْرُ العِبَادَةِ، شَهْرُ الاعتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ، وليسَ شَهْرَ التُّخْمَةِ وَلَا شَهْرَ الكَسَلِ وَلَا شَهْرَ التَّوَسُّعِ في الْمُسْتَلَذَّاتِ وَلَا شهرَ السَّهَرِ علَى مَا يُسَمَّى بِالفَضَائِيَّاتِ، بَلْ هُوَ شَهْرُ الزُّهْدِ، والزهدُ هوَ قَطْعُ النَّفْسِ عَنِ اتِّبَاعِ الْمُسْتَلَذَّاتِ وَالْمُسْتَحْسَنَاتِ.

فَصِيَامُ رَمَضانَ عبادَةٌ عَظِيمَةٌ يَكْفِي فِي بَيَانِ فَضْلِهَا الحَديثُ القُدْسِيُّ الذِي رَوَاهُ البُخاريُّ “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ ءَادَمَ فَهُوَ لَهُ إِلَّا الصَّومَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ”.

Continue reading ثبوتُ شَهْرِ رَمَضانَ المبارك

بيانُ بعضِ أَحْكَامِ الصِّيام

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومن يضلِلْ فلا هادِيَ لهُ، الحمدُ للهِ الذي فرَضَ علينا الصَّومَ في أيّامٍ مَعْدُودَاتٍ تَزْكِيَةً لِقُلوبِنا وَتَهْذِيبًا لِجَوارِحِنا وَجَعَلَ نَفْلَهُ مِنْ أَجَلِّ القُرُبَاتِ حيثُ قالَ إِلّا الصّومَ فإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ اﻫ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تَنَزَّهَ عنِ الشّبيهِ والْمِثْلِ فَلا حَدَّ وَلا نِدَّ لَهُ، وَلا جُثَّةَ وَلا أعضاءَ لَهُ، وأشهَدُ أنَّ سيِّدَنا وحبيبَنا وعظِيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أَعيُنِنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، مَنْ بعثَه اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومُبشِّرًا ونذيرًا. اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِه وأصحابِه الطّيِّبِينَ الطَّاهِرِين.

أما بعدُ عبادَ الله فإنّي أوصيكم بتَقْوى اللهِ العليِّ العظيمِ. والتَّقْوَى إخوةَ الإيمانِ تَكونُ بأَداءِ مَا أوجبَ اللهُ والانتِهاءِ عمَّا نَهى اللهُ عزَّ وجلّ.

أحبابَنا إنَّا مَا زِلْنا في شهرِ شعبانَ لكنَّ رمضانَ عمّا قَريبٍ ءاتٍ، والمسلمونَ في هذَا الشهرِ منهُمْ مَنْ هُوَ مَشْغُولٌ بِقَضَاءِ أَيَّامٍ فَاتَتْهُ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ قبلَ دُخُولِ رَمَضَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ مَشْغُولٌ بِالازدِيادِ مِنَ الطَّاعاتِ بِصَوْمِ النِّصْفِ الثانِي مِنْ شَعبانَ بعدَ أَنْ كَانَ صَامَ الخامسَ عشرَ مِنْ شَعْبَانَ ووَصَلَهُ بالنِّصْفِ الأَخِيرِ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ في وِرْدِهِ الذِي اعتادَهُ مِنْ صِيامِ يومِ اثنين وَخَمِيس. وفِي كُلِّ الأَحْوَالِ فإنَّ المكلَّفَ مأمورٌ بالإتيانِ بالعبادةِ علَى الوَجْهِ الذي يَصِحُ فَعَلَيْهِ تَعَلُّمُ مَا تَصِحُّ بهِ العبادةُ مِنْ أَركانٍ وشروطٍ لِيُؤَدِّيَها كمَا أمَرَ اللهُ وَيَجْتَنِبَ مُبْطِلاتِها.

فاسمعُوا معِي إخوةَ الإيمانِ جَيِّدًا بِقَلْبٍ حاضِرٍ بعضَ أَحْكَامِ الصِّيام.

أخِي المسلم إِنْ أَرَدْتَ صيامَ فَرْضٍ فَانْوِ ليلا أنكَ تصومُ غَدًا عن ذلكَ الفرضِ وذلكَ لِكُلِّ يومٍ وَالليلُ منَ المغربِ إلى الفَجْرِ وأمّا إِنْ كنتَ تَصُومُ نفْلا فلو نَوَيْتَ ليلا أو صباحًا قبلَ أَنْ تَتَنَاولَ شيئًا مِنَ الْمُفَطِّراتِ جازَ لكَ ذَلك. وعلَيْكَ أخِي المسلم لصحَّةِ صيامِكَ أَنْ تَتْرُكَ كُلَّ مُفَطِّرٍ فلا تُدْخِلْ جَوْفَكَ مِنْ بَطْنٍ وَدِمَاغٍ شيئًا لَهُ حَجْمٌ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَدُخانِ سيجارَة وأركيلة وعليكَ أن تَجْتَنِبَ الجماعَ وَالاسْتِمْنَاءَ والاستِقَاءةَ أي طلبَ القَىْءِ مِنْ طُلوعِ الفَجْرِ إلَى غُروبِ الشمسِ فإنَّ مَنْ فَعَلَ شيئًا مِنْ هَذِهِ المذكوراتِ عالِمًا بِالحُرمَةِ عَامِدًا ذَاكِرًا لِلصّومِ فقَدْ أَفْسَدَ صَوْمَ ذلكَ اليَوْم. وكذَا مَنْ أُغْمِيَ عليهِ كُلَّ اليَوْمِ مِنَ الفَجْرِ إلَى المغربِ أَوْ جُنَّ وَلَوْ لَحْظَةً فإنّهُ يَبْطُلُ صومُه.

واحذَرْ أخِي المسلم مِنَ الردّةِ أي قطعِ الإسلامِ في كلِّ أحوالِكَ وأمّا في الصّومِ فإنَّ الردَّةَ تُبْطِلُ الصَّوْمَ أيضا. والرِّدّةُ هي قَطْعُ الإسلامِ كَاعتقادِ مَا يُنافِي مَعْنَى الشّهادَتَيْنِ أَوْ كَقوْلٍ فيهِ ذلكَ أَوِ اسْتِخْفَافٍ أو استهزاءٍ باللهِ أو ءاياتِه أو كُتُبِهِ أَوْ رُسُلِهِ أَوْ أُمورِ الدين وَكَفِعْلِ مَا يَدُلُّ عل استِخْفَافٍ بِالدِّين.

واعلم أخي المسلم أنَّ مَنْ أفسدَ صيامَ يومٍ مِنْ رمضانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فعلَيْهِ قَضَاؤُهْ فورًا بعدَ العيدِ، وَمَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يومٍ منهُ ولا رُخْصَةَ لَهُ في فِطْرِهِ بِجماعٍ فعلَيْهِ الإثمُ والقَضَاءُ فورًا وَكَفَّارَةٌ وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتُتَابِعَيْنِ فإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينا.

Continue reading بيانُ بعضِ أَحْكَامِ الصِّيام

النِّصْف مِنْ شَعْبَان (مغانم ومحاذير من دسائس)

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شُرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بَلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيّدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ.

أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ الْقَائِلِ فِي كِتَابِهِ الْكَريِمِ ﴿فَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرا يَرَهُۥ ٧ وَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّة شَرّا يَرَهُۥ ٨﴾[1].

إِخْوَةَ الإيِمَانِ، إِنَّ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ التَّرْغِيبَ بِقَلِيلِ الْخَيْرِ وَكَثِيرِهِ وَالتَّحْذِيرَ مِنْ قَلِيلِ الشَّرِّ وَكَثِيرِهِ، فَحَرِيٌّ بِنَا وَنَحْنُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ أَنْ نُقْبِلَ عَلَى الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهُ قالَ في ليلةِ النصفِ من شعبان إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا اﻫ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وغيرُه وفيهِ أنَّهُ قالَ فإنَّ اللهَ تعالى يقولُ أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ أَلَا مِنْ مُسْتَرْزِقٍ فَأَرْزُقَهُ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا حتّى يَطْلُعَ الفَجْرُ اﻫ

أيها الأحبةُ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ عظيمةٌ وهيَ ليلةٌ تُذَكِّرُنا بِاقْتِرَابِ خيرِ الشهورِ شهرِ رمضانَ الذِي أُنْزِلَ فيهِ القرءانُ وقد أَرْشَدَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى ما ينبغِي للمُؤْمِنِ أن يفعلَه في يومِ النصفِ من شعبانَ وماذا يفعَلُ في ليلتِه أيِ الليلةِ الْمُتَقَدِّمَةِ على يومِ النصفِ من شعبانَ بأن يقومَ ليلَهُ بالصلاةِ والدُّعاءِ والاستِغْفَارِ ويصومَ نَهارَه، وقد مدَحَ اللهُ الْمُسْتَغْفِرينَ فِي الأَسْحارِ قالَ تعالى ﴿ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلقَٰنِتِينَ وَٱلمُنفِقِينَ وَٱلمُستَغفِرِينَ بِٱلأَسحَارِ ١٧﴾[2] وَقالَ صَلَوَاتُ رَبِّي وسلامُه عليهِ فيمَا رواهُ مسلمٌ أَفْضَلُ الصلاةِ بعدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ الليل اﻫ فَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ نَهْتَمَّ بهذهِ الليلةِ ونَشْغَلَها بالطاعاتِ والخيراتِ ونسألَ اللهَ فيها أن يغفِرَ لنَا الزَّلّاتِ وقد قالَ ربُّ العزّةِ في كتابِه الكريم ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنيَا﴾[3] أَيْ لاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ لآخِرَتِكَ مِنْ دُنْيَاكَ، فَمَنْ تَزَوَّدَ لآِخِرَتِهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا فَهُوَ الْمُتَزَوِّدُ وَمَنْ فَاتَهُ التَّزَوُّدُ لِلآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا فَقَدْ فَاتَهُ التَّزَوُّدُ واللهُ تعالَى يقولُ ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰ﴾[4] وقد جاءَ في أَخْبارِ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ أنَّ أهلَ مكةَ كانُوا إذَا أَتَتْ ليلةُ النصفِ من شعبانَ خرجَ عامَّةُ رجالِهم ونِسائِهم إلى المسجِدِ فصَلَّوْا وطافُو وأَحْيَوْا لَيْلَتَهم حتّى الصباح بِالقِرَاءةِ في المسجدِ الحرامِ حتّى يَخْتِمُوا القُرْءانَ كُلَّه ومِنْهُمْ مَنْ كانَ يُصَلِّي تلكَ الليلَةَ مائةَ ركعَةٍ يَقْرَأُ في كُلِّ ركعَةٍ بالحمدُ وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَد عشرَ مرَّاتٍ وأنهم كانوا يأخُذونَ مِنْ مَاءِ زمزمَ تلكَ الليلةَ فيَشْرَبُونَه ويَغْتَسِلُونَ بِه ويُخَبِّئونَهُ عندَهُم لِلْمَرْضَى يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ البَرَكَةَ في هذِهِ الليلَةِ.

Continue reading النِّصْف مِنْ شَعْبَان (مغانم ومحاذير من دسائس)

بيان معنى قوله تعالى ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجا ٢﴾

الحمدُ للهِ الْمُنَزَّهِ بِذاتِه عن إِشارَةِ الأَوْهَام، الْمُقَدَّسِ بِصفاتِه عن إِدراكِ العُقولِ والأَفْهَام، المتَّصفِ بالأُلوهِيَّةِ قبلَ كُلِّ مَوْجُودٍ، البَاقِي بِالنُّعوتِ الأَبَدِيَّةِ بعدَ كُلِّ مَحمُود، القَدِيمِ الذِي تعالَى عَنْ مُماثَلَةِ الْحَدَثانِ، العَظيمِ الذِي تَنَزَّه عَنْ مُمَاسَّةِ المكان، الْمُتَعالِي عَنْ مُضاهَاةِ الأَجْسامِ ومُشابَهةِ الأَنام، القادِرِ الذِي لا يُشارُ إليهِ بِالتَّكْيِيفِ، القَاهِرِ الذِي لا يُسْئَلُ عَن ما يَفْعَلُ، العَليمِ الذِي نَزَّلَ القُرءانَ شِفَاءً لِلأَرْواحِ والأَبْدَانِ، والصَّلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمَّدٍ الذِي مَدَّتْ عليهِ الفَصَاحَةُ رِواقَها وشَدَّتْ بِهِ البَلاغَةُ نِطاقَها المبعوثِ بِالآياتِ البَاهِرَاتِ والحُجَجِ النَّيِّرات، الْمُنَزَّلِ عليهِ القُرءانُ رَحْمَةً للنَّاسِ وعلَى ءالِه وصحابَتِهِ الطاهِرين.

أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ القَائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِه ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجا ٢ وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمرِهِۦۚ قَد جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيء قَدرا ٣﴾[1]

إخوةَ الإيمانِ روَى أحمدُ في مُسنَدِهِ والحاكِمُ في المستَدْرَكِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو عَلَيَّ هَذِهِ الآيَةَ ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجا ٢﴾[2] حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَخَذُوا بِهَا لَكَفَتْهُم قَالَ فَجَعَلَ يَتْلُو بِهَا وَيُرَدِّدُهَا اﻫ

والتَّقْوَى مَعْنَاهَا أَدَاءُ الواجِباتِ كُلِّها واجتِنابُ المحرَّماتِ كُلِّها وقَدْ جَاءَ عنِ ابنِ عباسٍ رضىَ اللهُ عنهُما أنهُ قالَ ومَن يَتَّقِ اللهَ يُنْجِهِ في الدُّنيا وَالآخرة[3] ﴿وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ﴾ أي من حيثُ لا يَدْرِي، فَالتَّقْوَى سَبَبٌ لِلْفَرَجِ مِنَ الكُرُباتِ فِي الدنيا والآخرَةِ وَسَبَبٌ لِلرِّزقِ ولِنَيلِ الدَّرجاتِ العُلَى أمَّا المعاصِى فَهِيَ سَبَبٌ لِلْحِرْمَانِ في الدنيا وفي الآخِرَةِ فقد روى الحاكمُ وابنُ حبانَ وغيرُهما عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ[4] اﻫ قالَ بعضُهم فَيُحْرَمُ مِنْ نِعَمٍ فِي الدنيا مِنْ نَحْوِ صحَّةٍ ومَالٍ أو تُمْحَقُ البركةُ مِنْ مَالِهِ أو يَسْتَوْلِي عليهِ أَعْدَاؤُه وَقَدْ يُذْنِبُ الذَّنبَ فَتَسْقُطُ مَنْزِلَتُهُ مِنَ القُلوبِ أَوْ يَنْسَى العِلْمَ حَتَّى قالَ بعضُهم إِنِّي لأَعْرِفُ عُقوبَةَ ذَنْبِي مِنْ تَغَيُّرِ الزَّمانِ وجَفَاءِ الإِخْوَانِ.

فلا تَتْرُكْ أَخِي وَاجِبًا مَهْمَا كانَ وَلا تَأْتِ مَعْصِيَةً مَهْمَا كانَتْ صَغِيرَةً أو كبيرةً ولا تَخْشَ في ذلكَ تَغَيُّرَ الزَّمانِ بلْ تَوَكَّلْ علَى اللهِ فَإِنَّ الأمرَ كما قالَ تعالى ﴿وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسبُه﴾[5] أَيْ فَهُوَ كَافِيهِ، والتَّوَكُّلُ أيُّها الأَحِبَّةُ معناهُ الاعتِمَادُ بِالقَلْبِ علَى اللهِ وحدَهُ لأنَّهُ سبحانَهُ خالقُ كُلِّ شَىءٍ مِنَ المنَافعِ والمضَارِّ وسائِرِ مَا يَدخُلُ في الوجُودِ فلاَ ضَارَّ ولا نافعَ على الحقيقةِ إلا اللهُ فإذَا اعتَقدَ العبدُ ذلكَ ووَطَّنَ قلبَه علَيه وأَدامَ ذُكْرَهُ كانَ اعتمادُهُ على اللهِ في أمُورِ الرِّزْقِ والسّلامةِ منَ المضَارِّ واجتَنَبَ اللجوءَ إلَى المعصيةِ لا سيَّما عندَ الضيقِ روى الإمامُ أحمدُ وغيرُه عن أميرِ المؤمنينَ عُمَرَ بنِ الخطابِ رضىَ اللهُ عنه أنهُ قالَ سَمِعْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا أَىْ تَخْرُجُ في أوَّلِ النَّهارِ ولَيسَ في بُطونِها أَكْلٌ وَتَرُوحُ بِطَانًا أَيْ وَتَرْجِعُ إلى أَعْشَاشِها وَقَدِ امْتَلأَتْ بُطونُها.

Continue reading بيان معنى قوله تعالى ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجا ٢﴾