الحمدُ للهِ مُكَوِّنِ الأَكْوَانِ الموجودِ أزَلًا وأَبَدًا بِلا مَكَانٍ الْمُنَزَّهِ عَنِ الأَيْنِ وَالشَّكْلِ والصورةِ والهيئةِ والأعضاءِ والأركان. الحمدُ للهِ الذي تعبَّدَنا بأداءِ الصلواتِ الخَمْسِ وجعلَ لِمَنْ أَدَّاها علَى ما أمرَ ثَوابَ خَمْسينَ صلاةً فضلًا منهُ وكَرَمًا وَجَعَلَهُنَّ كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهُنَّ رَحْمَةً منهُ وَلُطْفًا وَأَفَاضَ فيهَا علَى قُلوبِ أوليائِه لَذَّةً وَسَكَنًا وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمّدًا رسولُ الله. اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِه وصحبِه وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِصِدْقٍ وَإِحْسَان.
أما بعدُ عبادَ الله، فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ وكَثْرَةِ ذِكْرِهِ، وَأَحُثُّكُمْ علَى طاعَتِهِ وشُكْرِهِ، فقَدْ قالَ رَبُّنَا في مُحْكَمِ كتابه ﴿وَأمُر أَهلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصطَبِر عَلَيهَا لَا نَسَلُكَ رِزقا نَّحنُ نَرزُقُكَ وَٱلعَٰقِبَةُ لِلتَّقوَىٰ ١٣٢﴾[1]
إخوةَ الإيمانِ سَنَتَنَاوَلُ في خُطْبَتِنا اليَوْمَ الحديثَ عَنِ الصَّلاةِ التِي جَعَلَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدَ أَعْظَمِ أُمورِ الإِسلامِ الخَمْسَةِ حَيْثُ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بُنِيَ الإسلامُ علَى خَمْسٍ اهـ[2] وَعَدَّ منها شهادةَ أن لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ ثم إِقَامَ الصّلاةِ فجَاءَتِ الصلاةُ في المرتَبَةِ الثانيةِ بعدَ الشهادَتَيْنِ.
وقال رسولُ اللهِ صلى الله عيه وسلم أيضًا رأسُ الأَمْرِ الإِسلامُ وعَمُودُهُ الصَّلاة اهـ[3] فهِيَ مِنْ أَظْهَرِ مَعالِمِهِ وأَعْظَمِ شعائرِه وأَنْفَعِ ذَخائِرِهِ وَهِيَ بعدَ الشهادتينِ ءَاكَدُ مَفْرُوضٍ وَأَعْظَمُ مَعْرُوضٍ وأَجَلُّ طَاعَةٍ وأَرْجَى بِضَاعَة، خُضوعٌ وخُشوعٌ، وافْتِقَارٌ وَاضْطِرَارٌ، وَدُعَاءٌ وَثَنَاءٌ، وَتَحْمِيدٌ وتَمْجِيدٌ، وَتَذَلُّلٌ للهِ العَلِيِّ الحَمِيد.
عِبَادةٌ تُشْرِقُ بالأملِ في لُجَّةِ الظُّلُماتِ وَتُنْقِذُ الْمُتَرَدِّيَ في دَرْبِ الْمَظْلماتِ وتأخُذُ بِيَدِ البَائِسِ مِنْ قَعْرِ بُؤْسِهِ واليائِسِ مِنْ دَرَكِ يَأْسِهِ إلى طَريقِ النَّجاةِ ولِهذا عُنِيَ الإسلامُ عِنايةً بالغَةً بالصلاةِ فَجاءَ في كتابِ اللهِ تعالى الأَمْرُ بِإِقامَتِها وَالْمُحافظَةِ عليها حيثُ قالَ تعالَى ﴿حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلوُسطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ ٢٣٨﴾[4]
فَمِنْ حَفِظَها وحافَظَ عليهَا بِتَعَلُّمِ أحكامِها وأَدَّاها على ما يُوافِقُ شرْعَ اللهِ فقد فازَ ونَجا وَمَنْ ضَيَّعَها فقد خَسِرَ وكانَ لِمَا سِواها أَضْيَعَ، فعَلَيْنَا إخوةَ الإيمانِ أَنْ نُحافِظَ عليهَا في حالِ الصحةِ والمرَضِ والضِّيقِ والسَّعَةِ وحالِ الأَمْنِ وَالخَوْفِ. فالصلاةُ سِرُّ النَّجاحِ وأَصْلُ الفلاحِ وأَوَّلُ مَا يُحاسَبُ عليهِ العبدُ يومَ القيامَةِ مِنْ عَمَلِهِ فَإِنْ صَلَحَتْ فقد أَفْلَحَ وأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ. والمحافظةُ عليها عُنْوَانُ الصِّدْقِ والإيمانِ، والتهاوُنُ بِها علامَةُ الخِزْيِ وَالخُسْرَان. خَمْسُ صَلَواتٍ مَنْ حَافَظَ عليهِنَّ فأحسنَ وُضوءَهُنَّ وصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وخُشُوعَهُنَّ كانَ لَهُ عندَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ وكانَتْ لَهُ نُورًا وبُرْهَانًا ونَجاةً يومَ القِيامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحافِظْ عليهِنَّ لمْ يَكُنْ لهُ عندَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الجنّةَ ولَمْ يكنْ لهُ يومَ القِيامَةِ نُورٌ وَلا بُرْهَانٌ وحَشَرَهُ اللهُ معَ أهلِ الخَيْبَةِ والخُسْرَان.
عبادَ اللهِ إِنَّ فريضةَ الصلاةِ مِنْ أَهَمِّ فَرائِضِ الدِّينِ التِي أَكَّدَ اللهُ أَمْرَها في جَمِيعِ الشَّرائِعِ وهيَ إِيقاظٌ مُتَكَرِّرٌ لِلْإِنسانِ مِنْ غَفْلَتِهِ عنْ طاعةِ اللهِ، وَتَحْرِيضٌ لهُ على كَثْرَةِ الأَوْبَةِ والإِنَابَةِ إلى اللهِ سبحانَه. وَهِيَ في الوقتِ نَفْسِهِ تَطْهِيرٌ لِلْقَلْبِ وَتَزْكِيَةٌ لِلنَّفْسِ وَتَنقِيَةٌ لِلرُّوحِ وَتَنْظِيفٌ لِلْجَوَارِحِ مِنْ لَوثَاتِ الشُّرُورِ وَالآثَام. ونَظَرًا لِأَهَمِّيَّةِ الصلاةِ وأَثَرِها البَالِغِ في عاجِلِ أَمْرِ المؤمِنِ وَءَاجِلِهِ تَوَعَّدَ اللهُ منْ يُؤَخِّرُها عن وقتِها لِغَيْرِ عُذْرٍ فقالَ عزَّ مِنْ قائِلٍ ﴿فَوَيل لِّلمُصَلِّينَ ٤ ٱلَّذِينَ هُم عَن صَلَاتِهِم سَاهُونَ ٥﴾[5]. إنَّ تركَ أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ الوَاجِبَةِ كَسَلًا ذَنْبٌ كَبِيرٌ يَسْتَحِقُّ مُقْتَرِفُهُ العِقَابَ الشَّديدَ عليهِ وقَدْ يُوصِلُهُ إلى الكُفْرِ لأَنَّ تَرْكَها يُؤَثِّرُ في القَلبِ فَيَضعُف أمامَ الشياطينِ والْمُيولِ الخَبِيثَةِ وَمَنْ ضعفَ قد يصلُ بهِ ضَعْفُه إلى الكفرِ والعِياذُ باللهِ وأمَّا مَنْ ثَابَرَ عليها وأدَّاها كمَا يَنْبَغِي فَيُؤَثِّرُ فيهِ ذلكَ تَحَسُّنًا في حالِه وبُعْدًا عَنِ الْمَساوِئِ فقد قالَ اللهُ تبارَك وتعالى ﴿وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنهَىٰ عَنِ ٱلفَحشَاءِ وَٱلمُنكَرِ ﴾[6].