Category Archives: خطب الجمعة

التحذيرُ مِنْ مَسَبَّةِ الله

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُه ونَسْتَهْدِيهِ ونَسْتَغْفِرُهُ ونتوبُ إلَيه، ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومن يضلِلْ فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شَبيهَ ولا مِثْلَ وَلا نِدَّ لَهُ، ولا حَدَّ ولا جُثَّةَ وَلا أعضاءَ لَه، وأشهَدُ أن سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أَعيُنِنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسولُهُ من بعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هادِيًا ومبشرًا ونذيرًا اللهمّ صلِّ وسلِّمْ على سيدِنا محمّدٍ الدّاعِي إلَى الخيرِ والرَّشادِ، الذي سَنَّ للأُمّةِ طَريقَ الفَلاح، وبيَّنَ لَها سُبُلَ النّجاح، وعلَى ءالِه وصَفْوَةِ الأَصحَاب.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإِنّي أُوصيكُم ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ القائِلِ في مَعْرِضِ الامتِنَانِ علَى النّاس ﴿أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ عَيۡنَيۡنِ ٨ وَلِسَانا وَشَفَتَيۡنِ ٩[1] فَذَكَرَ نِعَمَهُ علَى الإِنسانِ بأن جعلَ له عَيْنَيْنِ يُبْصِرُ بِهِمَا المرئِيّاتِ وجَعَلَ لَهُ لِسانًا يُعَبِّرُ بهِ عمّا في ضميرِه وجعَلَ لَهُ شَفَتَيْنِ يَسْتُرُ بِهِمَا ثَغْرَهُ ويَسْتَعِينُ بِهما علَى النُّطقِ والأَكْلِ والشُّرْبِ والنَّفْخِ ﴿وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ ١٠﴾[2] أَيْ طَرِيقَيِ الخيرِ والشَرِّ الْمُؤَدِّيَيْنِ إلَى الجنَّةِ وَالنَّار. قيلَ إنَّ هذهِ الآياتِ نَزَلَتْ فِي الوَلِيدِ بنِ المغيرَةِ أحدِ صنادِيدِ قُرَيْشٍ الذِي لَمْ يَرْعَ حقَّ اللهِ تعالَى فيهَا فغَمِطَ نِعَمَهُ فَلَمْ يَشْكُرْهَا وكفَرَ بِالْمُنْعِمِ.

إخوةَ الإيمانِ، إنَّ اللسانَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مُوجِبَةٌ لِشُكْرِ الْمُنْعِمِ .. وشكرُ الْمُنْعِمِ علَى هذهِ النِّعمةِ يكونُ بتركِ اسْتِعْمَالِهَا فيمَا حَرَّمَ اللهُ .. ومِنَ الناسِ مَنْ لا يَشْكُرُ اللهَ على هذهِ النِّعْمَةِ فيُطلِقُونَ ألسِنَتَهُمْ بِما لا يجوزُ لهمُ النُّطقُ بهِ وكثيرٌ مَا هُم .. ومِنْ ذلكَ إخوَةَ الإيمانِ الكَذِبُ وشَتْمُ المسلِمِ بغيرِ حَقٍّ والغيبةُ والنَّمِيمَةُ وإِشْعَالُ الفِتْنَةِ بينَ المسلِمينَ وَأَذِيَّتُهُمْ بِالكَلامِ وغيرُ ذلكَ مِنْ مَعاصِي اللسانِ .. ومِنهم إخوةَ الإيمانِ مَنْ يَصِلُ إلَى أَكْبَرِ الظُّلمِ أَلا وَهُوَ الكُفْرُ والعِياذُ بِاللهِ .. فتَرَى الواحدَ منهم بدَلَ أَنْ يُعَظِّمَ نِعْمَةَ اللهِ عليهِ يَسْتَعْمِلُها في مَسَبَّةِ اللهِ .. في شَتْمِ اللهِ والعياذُ بِالله .. منهم مَنْ إذَا غَضِبَ سَبَّ اللهَ والعياذُ بِاللهِ .. ومنهم مَنْ يُسُبُّ اللهَ في حالِ الغَضَبِ وفِي حالِ الرِّضا ثم يزعُمُ أنّهُ مُسْلم .. هيهات .. مَنْ يسب اللهَ لا يكونُ مُسْلِمًا فإِنَّ المسلمَ هُوَ مَنْ ءامَنَ وصدَّقَ واعْتَقَدَ أَنْ لا أحَدَ يَسْتَحِقُّ العبادةَ أي نِهايةَ التَّذَلُّلِ والخشوعِ والخضُوعِ إِلا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ واجْتَنَبَ مَا يَنْقُضُ الإِسلام .. المسلمُ مَنْ عَقَدَ قلبَهُ علَى تَعظيمِ اللهِ الواحِدِ الأحَدِ التعظِيمَ الوَاجِبَ علَى الدّوامِ وأمَّا مَنْ سَبَّ اللهَ فهذَا لا يَكونُ مُعَظِّمًا لله .. مَنْ سبَّ اللهَ خرَجَ مِنَ الإسلامِ وصارَ مِنَ الكافِرينَ وَلا يُقْبَلُ قولُه بعدَ ذلكَ “أنَا كنتُ غَضْبَانَ وَلَمْ أُرِدْ أَنْ أَكْفُرَ” فَقَدْ بَيَّنَ علماءُ الإسلامِ أَنَّ كَوْنَ الشخصِ غاضِبًا لا يُنْجِيهِ مِنَ الوُقوعِ فِي الكُفرِ إِنْ تَعمَّدَ النُّطْقَ بِالكُفر، أي إِنْ لَمْ يَكُنْ حصولُ ذلكَ منهُ عَنْ سَبْقِ لِسان، فقَدْ نقَلَ الحافظُ النوَوِيُّ عن علماءِ الحنفِيَّةِ وأقرَّهُمْ علَى ذلكَ أنّهُ لَوْ غَضِبَ إنسانٌ علَى وَلَدِهِ أو غُلامِه فضَرَبَهُ ضَرْبًا شَديدًا فقالَ لهُ ءاخَرُ أَلَسْتَ مُسْلِمًا فقالَ لا مُتَعَمِّدًا كفرَ، ومعنَى كلامِ هؤلاءِ العُلماءِ أنَّ المسلمَ إذَا غَضِبَ غضبًا شديدًا علَى ولَدِه فَضرَبَه ضَرْبًا شديدًا بسببِ شدَّةِ غضبِهِ فقالَ لَهُ شَخْصٌ ءاخَرُ كيفَ تضرِبُهُ بهذِهِ القَسْوَةِ ألَسْتَ مُسْلِمًا لأنَّ مِنْ شأنِ المسلمِ أَنْ يكونَ رَحيمًا وَلا يَتَمَادَى في الضَّرْبِ الشَّديدِ للوَلدِ وإِنْ كانَ الشخصُ غاضِبًا فكانَ جَوابُ الضَّارِبِ (لا) أَيْ لَسْتُ مُسلِمًا مِنْ غيرِ سَبْقِ لِسانٍ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْقِدَ وَعْيَهُ فَيُجَنَّ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ ولا يكونُ غضبُه عُذْرًا لَهُ.

Continue reading التحذيرُ مِنْ مَسَبَّةِ الله

الدليل العقلي على وجود الله

إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستَهْدِيهِ ونَشكُرُه ونستغفرُه ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ، الحمدُ للهِ الذِي خلق العُقولَ فنوَّرَ بَصائِرَ قَوْمٍ وَهَدَاهُمْ إلَى الحقِّ بِفَضْلِهِ وَأَعْمَى قُلوبَ ءاخَرِينَ فَأَضَلَّهُمْ بعَدْلِهِ. اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ وأكرِمْ وأنعِمْ علَى سيِّدِنا محمّدٍ وعلى ءالِه وأصحابِه الطّاهِرِين.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكم ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظيمِ القائِلِ فِي كِتابِه الكَرِيم ﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتلِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ١٩٠ ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰما وَقُعُودا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ١٩١﴾[1] إخوةَ الإيمانِ إنَّ مَنْ نَظَرَ في مَخْلُوقَاتِ اللهِ نَظَرَ تدَبُّرٍ وَتَفَكُّرٍ أَدْرَكَ بِعَقْلِهِ وُجودَ اللهِ تباركَ وتعالَى ووحدانيَّتَهُ وثُبوتَ قُدْرَتِهِ وإرادَتِهِ. وَنَحْنُ إخوةَ الإيمانِ مأمورونَ بِهَذَا التَّفَكُّرِ فَقَدْ وَرَدَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ فِي هذهِ الآيةِ وَيْلٌ لِـمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا اﻫ[2] فإنَّ النَّظَرَ في مَخلوقاتِ اللهِ يَدُلُّ على وُجودِ الخالِقِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ. وقد قالَ عُلماءُ أَهْلِ السُّنَّةِ إنهُ يجبُ علَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَكُونَ في قَلْبِهِ الدَّليلُ الإِجماليُّ علَى وُجودِ اللهِ. فَالوَاحِدُ منّا إخوةَ الإيمانِ يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي وَقْتٍ مِنَ الأَوقاتِ ثُمَّ وُجِدَ وَخُلِقَ وَمَنْ كَانَ كذلكَ لا بُدَّ مُحتاجٌ إلَى مَنْ أَوْجَدَهُ بعدَ أَنْ لمْ يكنْ لأنَّ العَقْلَ السَّليمَ يَحْكُمُ بِأَنَّ وُجودَ الشَّىءِ بعدَ عدَمِهِ مُحْتَاجٌ إلَى مُوجِدٍ لَهُ وَهذَا الموجِدُ هُوَ اللهُ تَبارَكَ وتعالَى.

هذَا العالمُ مُتَغَيِّرٌ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ فَالهواءُ يَهُبُّ تارةً وَيَسْكُنُ تَارَة .. وَيسْخُنُ وَقْتًا ويَبْرُدُ فِي وَقْتٍ ءَاخَرَ .. وَتَنْبُتُ نَبْتَةٌ وَتَذْبُلُ أُخْرَى .. وَتُشْرِقُ الشمسُ منَ المشرِقِ وتَغْرُبُ فِي المغرِبِ .. وَتكونُ الشمسُ فِي وَسَطِ النهارِ بيضاءَ وفِي ءَاخِرِهِ صَفْرَاءَ فَكُلُّ هذهِ التغيُّراتِ تدُلُّ علَى أَنَّ هذهِ الأشياءَ حادِثَةٌ مَخْلُوقَةٌ لَهَا مُغَيِّرٌ غيَّرَها وَمُطَوِّرٌ طَوَّرَهَا، وَهَذِهِ الأَشياءُ أَجْزاءٌ مِنْ هذا العالَمِ فهذا العالَمُ مخلوقٌ حادثٌ مُحتاجٌ إلَى مَنْ خَلَقَهُ وَهُو اللهُ تعالَى.

فلَوْ قالَ مُلْحِدٌ لا يُؤْمِنُ بِوُجودِ اللهِ نَحْنُ لَا نَرَى اللهَ فكيفَ تُؤْمِنُونَ بوجودِه؟ يُقالُ لَهُ ـ وَانْتَبِهُوا إلَى الجَوابِ إخوةَ الإيمانِ ـ يُقالُ لَهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ تراهُ فإِنَّ ءاثارَ فعلِه كَثيرَةٌ فوُجودُ هذَا العالَمِ وَمَا فيهِ مِنَ المخلوقاتِ دَلِيلٌ على وُجودِ اللهِ فَالكتابُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ كَاتِبٍ والبِنَاءُ لا بدَّ لَهُ مِنْ بَنَّاءٍ وكذلكَ هذَا العالَمُ لا بدَّ لَهُ مِنْ خَالِقٍ خَلَقَهُ وأَوْجَدَهُ، وأمّا كونُكَ لا تَرَاهُ فليسَ دَلِيلا علَى عَدَمِ وُجودِهِ فَكَمْ مِنَ الأشياءِ الّتِي تُؤْمِنُ بِوُجودِها وَأنتَ لا تَراهَا وَمِنْ ذَلكَ عَقْلُكَ وَرُوحُكَ وأَلَمُكَ وَفَرَحُكَ.

Continue reading الدليل العقلي على وجود الله

كيف يثبت رمضان

الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونستغفِرُهُ ونستَرْشِدُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مَثِيلَ لَهُ مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبالكَ فاللهُ بِخِلافِ ذلكَ وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ، وأشهدُ أَنَّ سیدَنا وحبيبَنا وقائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمدًا عَبْدُ اللهِ ورسولُه وصفيُّهُ وحبيبُه وخَلِيلُهُ أَرْسَلَهُ اللهُ بالهدَی وَدِينِ الحَقِّ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا ونذيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللهِ بإذنِهِ وسِراجًا مُنِيرًا فَجَزَاهُ اللهُ خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ.

اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحسانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، أما بعدُ عبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِي وإياكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ فاتقوا اللهَ ربَّكُمُ الذي قالَ في كتابِه الكريمِ في سورةِ الحَشْرِ ﴿وَمَا ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُم عَنهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ ٧﴾.

إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ عَلَيْنَا أَنْ بَعَثَ فِينَا نَبِيَّهُ الكَرِيمَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فَتَرَكَنَا علَى الْمَحَجَّةِ البَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ.

وقد أَوْضَحَ صلى الله عليه وسلمَ السَّبِيلَ، وَبَيَّنَ الأَحْكامَ، وَأَرْشَدَنَا إلَى مَا فِيهِ السَّلَامَةُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنِ الْتَزَمَ نَهْجَهُ وَشَرْعَهُ فَازَ، وَمَنْ خَالَفَهُ هَلَكَ، وكانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا جَاءَ بهِ رسولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم مُبَلِّغًا عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وجلَّ فَرْضِيةُ صِيامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فقد قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ في سورةِ البَقَرَةِ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ١٨٣﴾ وقالَ أيضًا ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهرَ فَليَصُمهُ﴾.

وجاء في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ بُنِيَ الإِسْلامُ علَى خَمْسٍ وَعَدَّ مِنْهَا وَصَوْمِ رَمَضَانَ اهـ مُتَّفَقٌ علَيْهِ.

وَلِمَعْرِفَةِ ابْتِدَاءِ وَانْتِهَاءِ الشهرِ الْمُبَارَكِ طَرِيقَةٌ وَأَحْكَامٌ، بَيَّنَهَا النبيُّ الأَكْرَمُ صلى الله عليه وسلم بِوَحْيٍ مِنَ اللهِ تعالَى، وَأَخَذَهَا عَنْهُ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ، ثُمَّ أخذَهَا عَنْهُمُ التَّابِعُونَ، ثم مَنْ بَعْدَهُمْ، وَمَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ مُنْذُ قُرونٍ طَوِيلَةٍ يَعْمَلُونَ بِهَا إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَهَذِهِ الطَّريقَةُ مَبْنِيَّةٌ علَى مُرَاقَبَةِ الْهِلَالِ بِالْعَيْنِ في الْمُدُنِ وَالْقُرَى وَالبُلْدَانِ، يَعْرِفُ ذلكَ كُلُّ مَنْ عَاشَ في بِلادِ الْمُسْلِمِينَ وَشَهِدَ عادَاتِهِمْ مِنَ الْخُرُوجِ لِمُرَاقَبَةِ الْهِلَالِ، وَتَجَمُّعِ الناسِ في الْمَواضِعِ التي تَتَّضِحُ فِيهَا الرُّؤْيَةُ، وَمِن ثمَّ إطلاقُ الْمَدَافِعِ، أَوْ إِيقَادُ النارِ على رُؤُوسِ الْجِبَالِ عِنْدَ ثُبُوتِ الرُّؤْيةِ إِيذَانًا بِثُبُوتِ الشَّهْرِ الشَّريفِ، أَوِ العِيدِ السَّعِيدِ.

Continue reading كيف يثبت رمضان

وجوب الزكاة

الحمدُ للهِ الذي جعلَ الزكاةَ مَطْهَرةً للنُّفوسِ وَتَزْكِيَةً لها وأَمَرَ عِبَادَهُ بِإِيتائِها رَحْمَةً بهم وأَثْنَى على مُؤْتِيها وَوَعَدَهُ بِالثَّوابِ العَظِيمِ وتَوَعَّدَ مَانِعَها بالعذابِ الشَّدِيدِ حيثُ يُحْمَى على ما كَنَزُوا مِنْ ذَهَبٍ وفِضَّةٍ ولم يُخْرِجُوا زكاتَهُ في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهِ جِبَاهُهُمْ وجُنُوبُهُمُ وظُهُورُهُمْ. وأشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ فليسَ ذاتٌ كذَاتِهِ ولا صفاتٌ كَصِفَاتِهِ ولا أَفْعَالٌ كَفِعْلِهِ سبحانَه ليسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه. اللهمَّ صَلِّ على محمّدٍ وَسَلِّمْ عليهِ وعلَى ءالِه سَلامًا كَثيرًا.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِّي أوصيكم ونفسي بتقوَى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في محكمِ كِتابِه {وَٱلَّذِينَ يَكنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي
سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرهُم بِعَذَابٍ أَلِيم ٣٤ يَومَ يُحمَىٰ عَلَيهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُم وَجُنُوبُهُم وَظُهُورُهُم هَٰذَا مَا كَنَزتُم لِأَنفُسِكُم فَذُوقُواْ مَا كُنتُم تَكنِزُونَ ٣٥}
[1]

إخوةَ الإِيمان إنَّ اللهَ تعالَى فَرَضَ فرائضَ فَلا تُضَيِّعُوها وحَدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوها وَحَرَّمَ أَشياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها. ومِمّا فَرَضَ اللهُ تعالَى الزَّكاةُ وكانَ وُجُوبُها فِي السّنةِ الثانيةِ مِنَ الهِجْرَة.

أَخِي المسلِمَ هَلْ أَنْتَ مِمَّنْ تَجِبُ عليهِمُ الزَّكَاة؟

إِنْ كُنْتَ كذلكَ فَهَلْ تَعَلَّمْتَ فِيمَ تَجِبُ الزَّكاةُ وَكَمِ الوَاجِبُ إخراجُهُ في زكاةِ مَالِكَ وَلِمَنْ يَجِبُ إِعْطَاءُ الزّكاةِ وَمَتَى؟ إخوةَ الإيمانِ المكلَّفُ الذِي يَمْلِكُ شَيئًا مِمَّا تَجِبُ فيهِ الزَّكاةُ يجبُ عليهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّفاصِيلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِها لِيُؤَدِّيَ حَقَّها علَى الوَجْهِ الشَّرْعِيِّ الصَّحيحِ.

فيمَ تَجِبُ الزكاةُ إِخْوَةَ الإيمان؟ الزَّكاةُ تَجِبُ في الإِبلِ والبَقَرِ والغَنَم، فَإِنْ كُنْتَ تَمْلِكُ إِبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غنَمًا وَجَبَ عليكَ أَنْ تَسْأَلَ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كانَتِ الزَّكاةُ وَاجِبَةً عليكَ فيمَا تَمْلِكُ وكَمْ تُخْرِجُ عَنْهَا زَكَاة.

تجبُ الزكاةُ في التَّمْرِ والزَّبيبِ والزُّروعِ التِي يَتَّخِذُها النَّاسُ قُوتًا في أيّامِ الرَّخَاءِ لا الْمَجَاعَةِ كَالقمحِ والشّعيرِ والحِمَّصِ والفُولِ والذُّرةِ، فَإِنْ كُنْتَ صاحِبَ بُسْتَانٍ فيهِ نَخْلٌ أَوْ شَجَرُ عِنَبٍ وَجِبَ عليكَ أَنْ تَسْأَلَ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كَانَتِ الزَّكاةُ واجِبَةً عليكَ فِي ثَمَرِ بُسْتَانِكَ وَكَمْ تُخْرِجُ مِنْهَا زَكَاةً، وإِنْ كُنْتَ صَاحِبَ مَزْرَعَةٍ تُزْرَعُ فيهَا الزُّروعَ الْمُقْتَاتَةَ كالقَمْحِ والشَّعيرِ والفُولِ والحِمَّصِ والعَدَسِ ونحوِها وَجَبَ علَيْكَ أَنْ تَسْأَلَ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كانَتِ الزَّكاةُ وَاجِبَةً عليكَ فِي زَرْعِكَ وَكَمْ تُخْرِجُ مِنْهَا زَكَاةً.

وتجبُ الزَّكاةُ في الذَّهبِ والفِضَّةِ سَواءٌ حَصَّلَهُمَا الشَّخْصُ بِشِرَاءٍ أَمْ هِبَةٍ، فإِنْ كنتَ مَالِكًا لِشَىءٍ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْكَ سُؤَالُ أَهْلِ العِلْمِ إِنْ كَانتِ الزكاةُ واجبةً عليكَ في القَدْرِ الذِي مَلَكْتَهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وكَمْ تُخْرِجُ منهُ زَكَاةً.

وتجبُ الزَّكاةُ أيضًا في أَمْوَالِ التِّجارةِ التِي تُقَلَّبُ بِغَرَضِ الرِّبْحِ كَالثِّيابِ والدَّجاجِ والحَدِيدِ وغيرِهَا لِمَنْ يَتْجَرُ بِهَا، فَإِنْ كنتَ تَاجِرًا وَجَبَ عليكَ أَنْ تَسْأَلَ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كانَتِ الزكاةُ واجبةً عليكَ في مَالِ تجارَتِكَ وَكَمْ تُخْرِجُ منهُ زكاةً. فهذا باختصارٍ ما تَجِبُ فيهِ الزكاة.

وَلا نَنْسَى زَكَاةَ الفِطْرِ فإنّها تَجِبُ علَى مَنْ أَدْرَكَ ءَاخِرَ جُزْءٍ مِنْ رَمضانَ وَأَوَّلَ جُزْءِ مِنْ شَوَّالٍ وذلكَ بإِدْرَاكِ غُروبِ شَمْسِ ءاخِرِ يومٍ مِنْ رَمضانَ فتجبُ علَى كلِّ مُسْلِمٍ وعلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ إذَا كانُوا مُسْلِمِين.

إخوةَ الإيمانِ كثيرٌ مِنَ الناسِ لا يُخْرِجُونَ الزكاةَ أو يُخرجونَ دُونَ القَدْرِ الوَاجِبِ أَوْ يُخرجونَها لِمَنْ لا يَسْتَحِقُّها. فالمكلّفُ الذِي يَمْلِكُ شيئًا مِمَّا تَجِبُ فيهِ الزَّكاةُ يَجِبُ عليهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّفَاصِيلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِها. فَمَنْ فَاتَهُ شىءٌ مِنْ تَعَلُّمِ أُمورِ الزّكاةِ الوَاجِبَةِ أَوْ قَصَّرَ في إِيتاءِ الزّكاةِ الواجِبَةِ عليهِ فَلْيَتَدَارَكْ نَفْسَهُ قبلَ الفَوَاتِ فَإِنَّ مَنْعَ الزَّكاةِ مِنَ الكَبَائِرِ وكذَا تَأْخِيرُ دَفْعِهَا عَنْ وَقْتِهَا مِنْ غَيرِ عُذْرٍ كَمَا قالَ صلى الله عليه وسلم لعنَ اللهُ ءاكِلَ الرِّبا ومُوكِلَهُ ومَانِعَ الزَّكاة اﻫ رواهُ ابنُ حِبَّان.

فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ وَأَدُّوا مَا فَرَضَ اللهُ عليكُمْ قبلَ الفَوَاتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا يَنْفَعُ فِيهِ مَالٌ أَوْ بَنُونَ إِلّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَاللهَ أَسْأَلُ أَنْ يُوَفِّقَنا لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى إِنَّه علَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ وبِعبَادِهِ لَطِيفٌ خَبِير.

هذا وأَستغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، اللهمَّ وَفِّقْنا أن نعملَ صالحًا ترضاهُ وَأَوْزِعْنا أنْ نشكرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ علينا وعلى والِدِينا، اللهم اجعلْنا منَ الذينَ يُؤَدُّونَ زكاتَهُم على ما أَمَرْتَ. اللهمَّ ذاتَ بَيْنِنا وألِّفْ بينَ قلوبِنا. رَبَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورةُ التّوبَة.