الحمدُ للهِ الْمُبْدِئِ الْمُعيدِ الغنِيِّ الحمِيدِ ذِي العَفْوِ الوَاسِعِ والعِقابِ الشَّديد، من هَداهُ فهوَ السعيدُ السّديدُ وَمَنْ أَضَلَّهُ فَهُوَ الطَّريدُ البَعيدُ ومن أَرشدَهُ إلى سبيلِ النجاةِ ووَفَّقهُ فهو الرَّشيد، يَعْلَمُ ما ظهَرَ وما بطَنَ وما خفِيَ وما عَلَنَ وهو أقرَبُ إلى كلِّ مُريدٍ مِنْ حَبْلِ الوَرِيد، قَسَمَ الخلقَ قِسْمَيْنِ وجَعَلَ لَهُمْ مَنْزِلَتَيْنِ فريقٌ في الجنةِ وفريقٌ في السَّعيرِ ورَغَّبَ في ثَوابِهِ ورَهَّبَ مِنْ عِقَابِه وَللهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ فمَنْ عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِه وَمَنْ أسَاءَ فعلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ للعَبِيدِ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على سيِّدِنا محمدٍ البشيرِ النّذيرِ وعلى ءالِه وأصحابِه الطّيّبينَ الطّاهرِين، أما بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العلِيِّ العظيمِ القائِلِ في مُحكَمِ كِتابِه ﴿لَا يَستَوِي أَصحَٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصحَٰبُ ٱلجَنَّةِ أَصحَٰبُ ٱلجَنَّةِ هُمُ ٱلفَائِزُونَ ٢٠﴾[1] إخوةَ الإِيمانِ إِنَّ الذَّكِيَّ الفَطِنَ مَنْ تَزَوَّدَ مِنْ دُنياهُ لآخِرَتِهِ ولَمْ يَبِعْ ءاخِرَتَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنيا، فالنَّاسُ يومَ القيامةِ قسمٌ إلى الجنَةِ وقسمٌ إلى النّارِ فهمَا دارَانِ مَا للنّاسِ غيرُهما فَانْظُرْ يا أخِي ماذَا تختارُ لنفسِكَ، فالجنَّةُ أُعِدَّتْ لِلْمُؤْمِنينَ والنّارُ أُعِدّتْ للكافرينَ ولا يَسْتَوِي أصحابُ النّارِ وأَصحابُ الجنّة، طعامُ أهلِ الجنّةِ كمَا قالَ تعالَى ﴿وَفَٰكِهَة مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ٢٠ وَلَحمِ طَير مِّمَّا يَشتَهُونَ ٢١﴾ وَكمَا قالَ عزّ وجلّ ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَة ٢٣ كُلُواْ وَٱشرَبُواْ هَنِيَا بِمَا أَسلَفتُم فِي ٱلأَيَّامِ ٱلخَالِيَةِ ٢٤﴾[2] أمّا طعامُ أهلِ النارِ فكمَا قالَ تعالى ﴿لَّيسَ لَهُم طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيع ٦ لَّا يُسمِنُ وَلَا يُغنِي مِن جُوع ٧﴾[3] والضّريعُ شجَرٌ كريهُ المنظَرِ كريهُ الرّائحةِ وثَمَرُهُ كريهُ الطّعمِ وكما قالَ تعالى ﴿إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ ٤٣ طَعَامُ ٱلأَثِيمِ ٤٤ كَٱلمُهلِ يَغلِي فِي ٱلبُطُونِ ٤٥ كَغَليِ ٱلحَمِيمِ ٤٦﴾[4] وكما قالَ تعالى ﴿وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِن غِسلِين ٣٦ لَّا يَأكُلُهُۥٓ إِلَّا ٱلخَٰطُِونَ ٣٧﴾[5]
إخوةَ الإيمانِ لا يَسْتَوِي أصحابُ النارِ وأصحابُ الجنةِ ولا يستوي شرابُ أهلِ الجنةِ وشرابُ أهلِ النارِ فأمّا أهلُ الجنّةِ فإنّهم يُسْقَوْنَ مِنَ الرّحيقِ وهِيَ عَيْنٌ في الجنّةِ مَشُوبَةٌ بالمسكِ بإِناءٍ مَخْتُومٍ عليهِ بالمسكِ ومَمْزُوجٌ ما فيهِ مِنْ تَسْنِيمٍ وهِيَ عَيْنٌ في الجنةِ رفيعَةُ القَدْرِ قال تعالى ﴿يُسقَونَ مِن رَّحِيق مَّختُومٍ ٢٥ خِتَٰمُهُۥ مِسك وَفِي ذَٰلِكَ فَليَتَنَافَسِ ٱلمُتَنَٰفِسُونَ ٢٦ وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسنِيمٍ ٢٧ عَينا يَشرَبُ بِهَا ٱلمُقَرَّبُونَ ٢٨﴾[6] وأمّا أهلُ النارِ فشرابُهمُ الماءُ المتناهِي في الحرارةِ قالَ تعالَى ﴿لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَردا وَلَا شَرَابًا ٢٤ إِلَّا حَمِيما وَغَسَّاقا ٢٥﴾[7] والحميمُ هو الشرابُ الْمُتَنَاهِي فِي الحرَارَةِ والغَسَّاقُ ما يَسيلُ مِنْ جُلودِ أَهْلِ النّارِ تَسقِيهِمْ إيّاهُ ملائكةُ العذابِ فتتَقَطَّعُ أمعاؤُهم قالَ تعالَى ﴿وَإِن يَستَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاء كَٱلمُهلِ يَشوِي ٱلوُجُوهَ بِئسَ ٱلشَّرَابُ وَسَاءَت مُرتَفَقًا ٢٩﴾[8] إخوةَ الإيمانِ وَلا يَسْتَوِي لباسُ أهلِ الجنةِ ولباسُ أهلِ النّارِ فأمّا أهلُ الجنةِ فثيابُهمُ الحريرُ والسُّنْدُسُ والإِسْتَبْرَقُ قالَ تعالى ﴿عَٰلِيَهُم﴾ أي فوقَهُم ﴿ثِيَابُ سُندُسٍ﴾ أَيِ الثِّيابُ الرَّقيقَةُ مِنَ الدِّيباجِ وَهُوَ الحريرُ ﴿خُضر وَإِستَبرَق﴾ وهُوَ مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيباج ﴿وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّة وَسَقَىٰهُم رَبُّهُم شَرَابا طَهُورًا ٢١﴾[9] وَأَمّا أهلُ النّارِ فثيابُهم مِنْ نَارٍ قالَ تعالى ﴿فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَت لَهُم ثِيَاب مِّن نَّار يُصَبُّ مِن فَوقِ رُءُوسِهِمُ ٱلحَمِيمُ ١٩﴾[10]
Continue reading الجنّةُ والنّار