Category Archives: خطب الجمعة

الصبر والتراحم

إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهدِيهِ ونشكرُهُ ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنا ومنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ ولا مثيلَ لهُ، ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ، كَوَّنَ الأَكْوَانَ وَدَبَّرَ الزَّمانَ فَهُوَ الموجودُ أَزَلًا وأبدًا بلا كيفٍ ولا مكانٍ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه وصفِيُّه ونبيُّهُ وحبيبُه وخلِيلُهُ أدَّى الأَمانَةَ وبَلَّغَ الرِّسالَةَ ونصحَ الأمةَ فَجَزَاهُ اللهُ عنَّا خيرَ مَا جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ عَنْ أُمَّتِهِ اللهمَّ فَصَلِّ وَسَلِّمْ وبَارِكْ وَأَنْعِمْ وأَكْرِمْ على هذا النبيِّ الكريمِ الحَلِيمِ العظيمِ محمدٍ وعلى ءالِه وأصحابِه الطيبينَ الطاهرينَ ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

أما بعدُ فيقولُ رَبُّنا سبحانَهُ وتعالى في سورةِ البَقَرةِ ﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡء مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡص مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٥ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَة قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ١٥٦ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰت مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَة وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ ١٥٧﴾.

عبادَ اللهِ أُوصِي نفسِي وأُوصيكم بِتَقْوَى اللهِ العليِّ العظيمِ والثَّباتِ على نهجِ رَسُولِه الكَريمِ وَخُلُقِ النَّبِيِّ الحَمِيدِ فَإِنَّ أحْسَنَ الكلامِ كَلامُ اللهِ وأحسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ أَيْ سِيرَةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَطُوبى لِمَنْ كانَ مِنْ عبادِ اللهِ الصَّابِرينَ علَى البَلاءِ في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ وفي سَائِرِ الأَحْوَالِ لِأَنَّ اللهَ تعالى تَجِبُ طَاعَتُه في كُلِّ حَالٍ في كُلِّ أَوَانٍ وَلَمْحَةٍ وَنَفَسٍ، كمَا أَنَّنِي أُذَكِّرُ نفسِي وأُذَكِّرُكُمْ بِحديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذي حَضَّنا فيهِ على التَّراحُمِ والتَّعاضُدِ وعلَى أَنْ يكونَ أحدُنا لِلْآخَرِ كَالبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ وكَالجَسَدِ الوَاحِدِ فقَالَ صلى الله عليه وسلم مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الجَسَدِ الواحِدِ إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعَى لهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى[1] اهـ وقالَ صلى الله عليه وسلم مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ[2] اهـ فَارْحَمُوا بَعْضَكُمْ إخوةَ الإيمانِ وتَرَاحَمُوا فيمَا بَيْنَكُمْ.

Continue reading الصبر والتراحم

الملائكة عباد الله المكرمون

الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ قيومِ السمواتِ والأرضين مُدَبّرِ الخلائقِ أَجمعين، باعِثِ الرُّسُلِ صلواتُه وسلامُه عليهِم إلَى المكلفِينَ لِهِدايَتِهِمْ وبيانِ شرائعِ الدّينِ بالدّلائلِ القَطْعِيَّهِ وَوَاضِحَاتِ البَراهِينِ، أَحْمَدُهُ علَى جَميعِ نِعَمِهِ وَأسألُهُ المزيدَ مِنْ فَضْلِهِ وكَرمِه وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ الواحدُ الأحَدُ الكَرِيمُ الغَفَّارُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه وحبيبُه وخليلُه أَفضَلُ المخلوقينَ الْمُكَرَّمُ بالقُرءانِ العَزيزِ المعجزَةِ المستمرةِ علَى تعاقُبِ السّنينَ، وبالسُّنَنِ الْمُسْتَنِيرَةِ للمُسْتَرْشِدِينَ الْمَخْصُوصِ بِجَوامِعِ الكَلِمِ وسماحَةِ الدّينِ وصلى اللهُ وسلمَ على سيدِنا محمدٍ وعلَى سائرِ إخوانِه منَ النَّبِيّينَ والمرسلينَ وءالِ كلٍ وسائِرِ الصَّالِحينَ.

أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنّي أوصِي نفسِي وإيّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِ العظيمِ القائلِ في كتابِه الكريمِ {ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَة مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء قَدِير ١}[1]

اعلموا عبادَ اللهِ أنهُ يجبُ الإيمانُ بوجودِ الملائكةِ وهم أجسامٌ نُورانِيّهٌ لَطِيفَةٌ ذَوُو أَرْوَاحٍ مُشَرَّفَهٍ فَهُمْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ عندَ الله ليسُوا ذُكورًا ولا إِناثًا لَا يأْكلونَ ولا يشربونَ ولا ينامونَ ولا يتعبونَ ولا يتوالدُونَ وَهُمْ عبادٌ مُكَلَّفُونَ لَا يَعْصُونَ اللهَ تعالَى ما أَمرَهُمْ ويفعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون.

وهُمْ عبادٌ مُكَلَّفُونَ مُوَكَّلُونَ بأَعمالٍ شَتَّى، فَمِنْهُمْ مَنْ هم موكلونَ بالمطرِ والنَّبات، ومنهم مُوَكَّلونَ بكتابةِ أَعمالِ بنِي ءادمَ، وبعضهم موكلونَ بِتَوَفّي الأرواحِ، وبعضُهم موكلونَ بحفظِ بني ءادمَ، يحفَظونَهم من تلاعُبِ الجن بِهم إِلّا أَنّهم لَا يَمْنَعُونَ وُقوعَ الْمُقَدَّرِ، فمَا شاءَ اللهُ تعالَى كانَ ومَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يكُنْ، وَمِنْهُمْ مُوَكَّلونَ بتبليغِ السلامِ إلى الرّسولِ الأَعظمِ صلى الله عليه وسلم من أُمَّتِه، وَمِنْهمْ موكلونَ بكتابةِ ما يَسْقُطُ مِنْ أوْرَاقِ الشَّجَر .

Continue reading الملائكة عباد الله المكرمون

عاشوراء

إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهدِيهِ ونشكرُهُ ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنا ومنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ ولا مثيلَ لهُ، ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيّهُ وحبيبُهُ، بلّغَ الرِّسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصَحَ الأمّةَ فجزَاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزَى نبيًّا مِنْ أنبيائِه. اللهمَّ صلّ على سيّدِنا محمّدٍ خيرِ الكائناتِ وعلى سائرِ إخوانِه منَ النبيينَ الْمُؤَيَّدِينَ بِالمعجزاتِ البَاهرَاتِ وَسَلِمْ تَسْلِيمًا كَثيرًا. أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ العَلِيِ العَظيمِ القائلِ في مُحكمِ كتابِه الكَريم ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِينَ عَاما فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ ١٤﴾[1] وقال تعالى ﴿فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡق كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ ٦٣ وَأَزۡلَفۡنَا ثَمَّ ٱلۡأٓخَرِينَ ٦٤ وَأَنجَيۡنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ ٦٥ ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا ٱلۡأٓخَرِينَ ٦٦﴾

أيها الأَحِبَّةُ، نحنُ على مَقْرُبَةٍ مِنْ ذِكْرَى عَاشُورَاءَ العاشرِ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّم، ذِكْرَى اليَوْمِ الذِي نَجَّى اللهُ فيهِ سيّدَنا نُوحًا وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الطُّوفانِ وأَنْزَلَهُمْ من السفينةِ سَالِمِينَ وذِكْرَى اليَوْمِ الذِي نَجَّى اللهُ فيهِ سَيِدَنا مُوسَى وأَتْبَاعَهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ فِرْعَوْنَ.

إخوةَ الإيمانِ سيدُنا نُوحٌ عليهِ السلامُ أرسلَهُ اللهُ إلى قومٍ كفارٍ فصارَ يدعُوهم ليلًا ونهارًا سِرًّا وجِهارًا بالتّرغيبِ تَارَةً والتَّرْهِيبِ تَارَةً أُخْرَى وظَلَّ هَكذَا أَلْفًا إِلا خَمسينَ سنةً لكنَّ أكثَرَهُمْ لَمْ يُؤْمِنْ بَلِ اسْتَمَرُّوا علَى الضّلالِ وَالطُّغْيَانِ وَنَصَبُوا لَهُ العَدَاوَةَ وءَاذَوْهُ بِالاسْتِهْزَاءِ وَالضَّرْبِ بَلْ كانُوا لا يَتْرُكونَهُ حتَّى يُغْشَى عليهِ مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ فَيَظُنُّونَ أنَّهُ مَاتَ ثمّ يُعافِيهِ اللهُ ولا يُثْنِيهِ ذلكَ أيها الأحبةُ عنِ الدعوةِ إلى اللهِ بل كان يعودُ إليهم ليدعوَهم إلى الإيمانِ مرّةً بعدَ أُخْرَى مِنْ غَيرِ كَلَلٍ وَمِنْ غَيرِ مَلَلٍ إلى أَنْ أَوْحَى اللهُ إليهِ أَنَّهُ لن يُؤمنَ بهِ مِنْ قومِه إلّا مَنْ قد ءامنَ فدَعا سيّدُنا نوحٌ على القومِ الكَافِرينَ فقالَ ﴿رَبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا٢٦﴾[2] أي لا تَتْرُكْ يَا رَبّي أحدًا منَ الكفارِ حيًّا علَى وجهِ الأرضِ فسلَّطَ اللهُ عليهِمْ عِقابَه، سلطَ اللهُ عليهمُ الطُّوفانَ ولَمْ يُبْقِ منَ الكافرينَ أحدًا ونَجَّى اللهُ نَبِيَّهُ ومَنْ ءامَنَ بهِ مِنْ قَومِهِ بالسفينَةِ التِي صَنَعَهَا سيِدُنا نُوحٌ بأَمْرِ اللهِ وَحَفِظَهَا اللهُ بِحِفْظِهِ وعِنايَتِه.

Continue reading عاشوراء

الهجرة النبوية

الحمدُ للهِ وكفى، وسلامٌ على عبادِه الذينَ اصطَفَى، الحمدُ للهِ الواحدِ الأحدِ الفردِ الصمدِ الذي لم يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ولم يكن له كفُوا أَحَد، والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا وحبيبِنا وقائدِنا وقرّةِ أعينِنا محمدٍ من بعثَه اللهُ رحمةً للعالمينَ مُبَشِّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى اللهِ بإذنِه وسراجًا منيرًا، فهدَى اللهُ بهِ الأمّةَ وكشفَ به عنها الغُمّةَ فجزاهُ اللهُ عنّا خيرَ ما جزى نبيًّا من أنبيائِه. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ الْمَلِكُ الحقُّ المبينُ وأشهدُ أنّ سيدَنا محمّدًا رسولُ اللهِ الصادقُ الوَعْدِ الأمينُ صلواتُ ربي وسلامُه عليه وعلى ءالِه وصحابتِه الطيبين الطاهرينَ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإني أوصي نفسي وإياكم بتقوى اللهِ العظيمِ والسّيرِ على خُطَا رَسولِه الكَريمِ، قالَ اللهُ تبارك وتعالى في القرءانِ الكَريم ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُود لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٤٠﴾[1].

Continue reading الهجرة النبوية