الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ أمَّا بعدُ فأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ قالَ اللهُ تعالى في القُرءانِ الكريمِ في سورةِ يونُس ﴿قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡر مِّمَّا يَجۡمَعُونَ ٥٨﴾.
روَى البَيْهَقيُّ عنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينَةَ ولِأَهْلِ المدينَةِ َيَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا بِالجاهِلِيَّةِ فقالَ قَدِمْتُ عليكُمْ ولَكُمْ يَومَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا في الجَاهِلِيَّةِ وقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللهُ خَيْرًا مِنْهُما يَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَ الفِطْرِ اهـ
لا شكَّ أنَّ العِيدَ هُوَ مَوْسِمُ فَرَحٍ وَسُرورٍ وَبَهْجَةٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ولا شكَّ أيضًا أَنَّ فرحَ المؤمنينَ وسُرورَهُمْ في الدنيا الْمَحْمُودَ العَاقِبَةِ إنما يكونُ إذَا فَازُوا بِإِكْمَالِ طَاعَةِ اللهِ تَعالى لِيَنَالُوا بذلِكَ الثَّوابَ على أَعْمَالِهِمْ تَمْلَأُ قُلوبَهُمُ الثِّقَةُ بِوَعْدِ اللهِ تعالى لِلْمُحْسِنِينَ بِتَوْفِيَتِهِمْ أُجُورَهُمْ في الآخِرَةِ.
وإِنَّ مِنْ عَظِيمِ فَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ بِهَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ أَبْدَلَهُمْ بِيَوْمَيِ اللَّهْوِ واللَّعِبِ الذَّيْنِ كانَا في الجاهليةِ يَوْمَيِ الذِّكْرِ والشُّكْرِ وَجَعَلَهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ، فَيَسْتَبْشِرُ فِيهِمَا المؤمنونَ وَيُظْهِرُونَ الْمَسَرَّةَ فيمَا بَيْنَهُمْ فَرِحِينَ بِما مَنَّ اللهُ تعالى بهِ علَيْهِمْ مِنْ خَيْراتٍ وَبَرَكَاتٍ، وَيُحَرِّكُ العيدُ الْمَجِيدُ في النُّفُوسِ الصَّادِقَةِ الهِمَّةَ والعَزْمَ على الاسْتِمْرَارِ في عَمَلِ الخَيْرِ والمعروفِ والطَّاعَةِ للهِ تعالى، إِذْ يَأْتِي العِيدَانِ بعْدَ أَدَاءِ عِبادَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ يَجِدُ لهُمَا المؤمِنُ حَلاوَةً في القَلْبِ وصَفَاءً في الرُّوحِ، حيثُ يَعْقُبُ شَهْرَ الصَّومِ والخَيْرِ رَمَضَانَ المباركَ عِيدُ الفِطْرِ السَّعِيدُ، ويأتي عيدُ الأَضْحَى في يَومِ الحجِّ الأكبَرِ يومِ النَّحْرِ الذِي تَكونُ فيهِ مُعْظَمُ أَعْمَالِ الحَجِّ بعدَما قَامَ الحُجَّاجُ بِالرُّكْنِ الأَعْظَمِ في الحَجِّ أَلَا وَهُوَ الوُقُوفُ بِعَرَفَةَ.
ويأتي العِيدُ مُفْعَمًا بِمَعَاني الْمَوَدَّةِ وَالتَّعَاطُفِ بينَ الْمُؤْمِنِينَ لِيُطَبِّقُوا بِصُورَةٍ جَلِيَّةٍ مَعْنَى قَوْلِه تعالى في سورةِ الحُجُراتِ {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَة}[1] الآيةَ. ولا شَكَّ أَنَّ رَوَابِطَ الأُخُوَّةِ في الدِّينِ أَقْوَى مِنْ رَوَابِطِ النَّسَبِ وَمَا تَجْمَعُهُ رابِطَةُ الإِيمانِ أَثْبَتُ مِمَّا تَجْمَعُهُ القَرابَةُ والْمُصَاهَرَةُ.
وكم تَبْرُزُ في العيدِ مَظَاهِرُ التَّآلُفِ والتَّعَاضُدِ والتَّآخِي والحُبِّ في اللهِ بينَ إِخْوَةٍ ءَابَاؤُهُمْ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَيَتَجَلَّى مَظْهَرُ الوَحْدَةِ بَيْنَهُمْ وَهُوَ مَظْهَرٌ عَظِيمٌ نَرْجُو تَرْسِيخَهُ أَكْثَرَ فَأَكْثَر.