إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِه وصحبهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مَثيلَ لَهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ ولا ولا والدَ ولا ولدَ وَلا صاحِبَةَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، صلى اللهُ على سيدِنا محمدٍ وعلى كلِّ رَسُولٍ أرسَلَهُ.
أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإَنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ الْقَائِلِ فِي مُحكَمِ كِتابِه ﴿إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ وَجِيها فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ ٤٥﴾[1]
إخوةَ الإيمان، يَطيبُ لنَا اليَومَ أنْ نتَكَلَّمَ عَن نَبيٍّ عَظِيمٍ مِنْ أُولِي الْعزْمِ خَصَّه اللهُ بِميزَةٍ عَظِيمَةٍ بأنْ خَلَقَهُ اللهُ تَعالَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ وما ذاكَ بعزيزٍ علَى اللهِ فقدْ خَلَقَ أبانَا ءادَمَ عليهِ السَّلامُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَأُمٍّ، وأمُّ سيدنا عيسَى أيها الأحبةُ هِيَ السيدةُ مَرْيَمُ عليها السلامُ التي بَشَّرتْها الملائكةُ بِاصْطِفَاءِ اللهِ تعالَى لها منْ بينِ سائرِ النساءِ وبتَطهِيرِها منَ الأدْنَاسِ والرَّذائِلِ. والملائكةُ إخوةَ الإيمانِ ليسُوا ذُكورًا ولا إِناثًا بل هُم عبادٌ مُكرمُون خُلقُوا من نورٍ وقدْ يتشكَّلُون بهيئةِ الذكورِ منْ دُونِ أن يكون لهم ءالةُ الذُّكورِية، وعلى هذه الهيئةِ أَرْسَلَ اللهُ سيدَنا جِبْرِيلَ عليه السلامُ يومًا إِلَى السَّيدةِ مَريمَ مُتَشَكِّلًا بِشَكْلِ شَابٍّ أَبْيَض الوَجْهِ وبَشَّرَهَا بِأَنَّها سَتَحْمِلُ بولَدٍ اسمُه عيسى من غَيْرِ أَبٍ وأن الله سيَجْعَلُهُ دَلِيلًا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِه سُبْحَانَه وَتَعالَى.
﴿فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانا قَصِيّا ٢٢ فَأَجَآءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسۡيا مَّنسِيّا ٢٣ فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّا ٢٤ وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبا جَنِيّا ٢٥ فَكُلِي وَٱشۡرَبِي وَقَرِّي عَيۡناۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلۡبَشَرِ أَحَدا فَقُولِيٓ إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡما فَلَنۡ أُكَلِّمَ ٱلۡيَوۡمَ إِنسِيّا ٢٦﴾[2] نفخَ إخوةَ الإِيمانِ جِبْريلُ عليهِ السلامُ في جَيْبِ دِرْعِ السَّيدَةِ مريمَ وَهِيَ الفَتْحَةُ التِي عِنْدَ العُنُقِ فَحَمَلَتْ بعيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ تَنَحَّتْ بِحَمْلِها بَعِيدًا خَوْفَ أَنْ يُعيِّرَها النَّاسُ بِوِلادَتِها مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ، ثُمَّ ألجأَها وَجَعُ الوِلادَةِ إلى سَاقِ نَخْلةٍ يَابِسَةٍ وهناكَ خَوْفًا مِنْ أَذَى النَّاسِ تَمَنَّتِ الْمَوْتَ فَنادَاها جِبْريلُ عليهِ السلامُ مِنْ مَكانٍ مِنْ تَحْتِها مِنْ أسفلِ الجبلِ يُطَمْئِنُها وَيُخْبِرُها أنَّ اللهَ تبارك وتعالى جَعَلَ تَحْتَها نَهَرًا صَغِيرًا وَيَقولُ لَهَا أَنْ تَهُزَّ جِذْعَ النَّخْلَةِ لِيَتَساقَطَ عَلَيْها الرُّطَبُ الْجَنِيُّ الطريُّ وأن تأكُلَ وتشربَ ممَّا رزقَها اللهُ وأَنْ تَقَرَّ عَيْنُها وَأَنْ تَقُولَ لِمَنْ رَءَاها وَسَأَلَها عَنْ وَلَدِها إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحمـنِ أَنْ لا أُكَلِّمَ أحَدًا وكان هذا نذرًا صحيحا في الشرائعِ السَّابقة.
Continue reading وِلادَةُ سَيِّدِنا عِيسَى المسيحِ عليهِ السَّلامُ