عودة الحجاج

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستَهْدِيهِ ونَشكُرُه ونستغفرُه ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثيلَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ. وأشهَدُ أنَّ سيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفِيُّهُ وحبيبُه، مَنْ بَعثَهُ اللهُ رَحمةً لِلعالمينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنذِيرًا. اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمّدٍ صلاةً تقضِي بِها حاجاتِنا وتُفَرِّجُ بِها كُرُباتِنا وَتَكْفِينَا بِهَا شَرَّ أعدائِنَا وَسَلِّمْ عليهِ وعلَى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ تسليمًا كثيرًا.

أمّا بعدُ عبادَ الله، فإنِّي أُوصيكُمْ ونفسي بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ القائلِ في مُحكمِ كِتابِه ﴿وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ﴾[1]

إخوةَ الإيمانِ عادَ حجاجُ بيتِ اللهِ الحرَامِ، عَادُوا مِنْ رحلةِ العُمرِ التِي تشتاقُ نفوسُ المؤمنينَ إليهَا لرؤيةِ الكعبةِ الْمُشرَّفةِ والحجرِ الأسودِ وحِجْرِ إسماعيلَ ومَقامِ إبراهيمَ ومِيزابِ الرحمةِ وعرفاتٍ وجبلِ النورِ وجبلِ الرحمةِ وغارِ حِراءٍ وجبلِ أُحُدٍ ومَقامِ حَمْزَةَ وبِئْرِ تَفْلَةَ والبَقيعِ وزَمزمَ، عادُوا مِنْ حَيثُ تَرْتَوِي نفسُ الظَّمْآنِ ونَفْسُ العاشِقِ الوَلْهَانِ بِزيارةِ سيدِ المرسلينَ وحبيبِ رَبِّ العالمين، سيِّدِنا وقائِدِنا وقُرّةِ أعيُنِنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم.

ها قد رَجَعْتَ أيُّها الحاجُّ مِنْ رِحلةِ طاعةٍ رحلةِ امْتِثَالٍ لِأَمْرِ البَارِئِ عزَّ وجلّ، فنسألُ اللهُ تعالى أن يكونَ حَجُّكَ مَبْرُورًا وسَعْيُكَ مَشْكُورًا.

إخوة الإيمان، ينتظرُ أهلُ الحُجاجِ أقارِبَهم وأحبَابَهم بِشَوْقٍ لِلقائِهم بعدَ غِيابٍ والاجتماعِ بِهِمْ بعدَ فِراقٍ ولِيَسْمَعُوا منهُمْ مَا حَصَلَ معهم مِنَ الخيرَاتِ في رِحلتِهم، وهم يَنتظرونَ منهُمْ بعضَ الهدايا مِنْ سِواكٍ وماءِ زمزمَ وتمرِ المدينةِ المنورةِ على ساكنِها أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلام.

ولكن إخوةَ الإيمانِ لا تَغْفُلُوا أَنْ تسألوا حُجَّاجَكُمُ الاستغفارَ لكم أيضا فقد وردَ في الحديثِ الذِي رواهُ البيهقيُّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ اللهمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحاجُّ اﻫ

إخوةَ الإيمانِ إذا تعلَّمَ المسلِمُ مَا وردَ فِي السواكِ وماءِ زَمْزَمَ والتَّمرِ لا سيما عجوةِ المدينةِ واستعمالِ السبحةِ ولُبْسِ القَميصِ والقَلَنْسُوَةِ وغيرِها مِنْ أشياءَ وردَ فيها ما وَردَ يعرفُ قيمةَ هذهِ الأشياءِ التِي يأتِي بِها الحَاجّ. فَحافِظُوا إخوَةَ الإيمانِ على هذِهِ العَادَاتِ فإنَّ عاداتِ السَّاداتِ سادَاتُ العَادَات. فَلْيَكُنِ السِّواكُ رفيقَكَ على مَدارِ العَامِ ولَيسَ لِشَهْرٍ فقط مِنْ وُصولِ الحَاجِّ. وحافِظْ مَا اسْتَطَعْتَ علَى لِباسِ المسلِمينَ وإِظْهَارِه، لا تَخْجَلْ مِنْ حَمْلِ السِّواكِ، لا تَخْجَلْ مِنْ لُبْسِ القَلنسوُةِ والقَميصِ، عوِّدُوا أولادَكُم علَى هذِه الأمورِ الحسنةِ فَإِنَّ استعمالَ السواكِ ولُبْسَ القميصِ والقلنسوةِ ليس مُنحصِرًا في مَوْسِمِ رُجوعِ الحجاجِ فقط.

هنيئًا لِمَنْ عَلِمَ وعَمِلَ بِما عَلِم. فكثيرٌ مِنَ النَّاسِ لا يتعلَّمونَ، وكثيرٌ منَ الذينِ يتعَلَّمونَ لا يَعْمَلُون، وكثيرٌ مِنَ الذينَ يَعْمَلُونَ لا يُخْلِصون، فَرَاقِبْ نَفْسَكَ أَخِي المؤمنَ وحاسِبْهَا قبلَ أَنْ تُحاسَبَ.

ويا شبابَ الإسلام، يا شبابَ الإسلامِ إنَّ فيكُمْ مَنْ يَتَّبِعُ بعضَ العاداتِ التِي لا خَيْرَ فيهَا كَالوَشْمِ وَلُبْسِ الرِّجَالِ العِقْدَ في العُنُقِ وأمورٍ أُخْرَى فيها التشبُّهُ بغيرِ المؤمنينَ في هيئَةِ الشعرِ وغيرِها بل ويتنَافَسُ فيهَا بعضُ الشبابِ فيمَا بينَهُم ويتَسابَقونَ إلَيها، الحرِيُّ بكم يا شبابَ الإسلامِ أَنْ تَتَسابَقُوا إلَى الخيرَاتِ وإلَى اتِّباعِ عاداتِ العُلماءِ والسَّلَفِ الصَّالِحِ ومَا كانَ عليهِ المصطفى صلى الله عليه وسلم الذِي جَعَلَهُ اللهُ لَنا أُسْوَةً حَسَنَةً فقَدْ قالَ رَبُّنا تباركَ وتعالَى ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ٢١﴾[2]

أيها الحاجُّ أهلُكَ وأحبابُكَ يَنْتَظِرُونَ مِنْكَ خَيْرًا فَحذَارِ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بِما فيهِ سُمٌّ كبعضِ هذهِ الكتبِ الْمُلَوَّنَةِ والْمُزَيَّنَةِ التِي تُوَزَّعُ علَى الحُجَّاجِ بِلُغَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وهِيَ مَشْحُونَةٌ بِالسُّمومِ مِنْ فَسادٍ فِي العَقيدةِ وتَشبيهِ اللهِ بِخَلْقِهِ وتحريمِ التَّوَسُّلِ وزيارةِ قبرِ الحبيبِ المصطفَى صلى الله عليه وسلم حَذارِ حذارِ من هذهِ الكُتبِ الْمُزَخْرَفَةِ الْمُزَيَّنَةِ التِي تُوَزَّعُ مَجَّانًا فإنَّ فيهَا مَا إِنِ اعْتَقَدَهُ الشخصُ زَلَّ وَهَلَكَ.

والعَجَبُ مِمَّن يَغْتَرُّ بِشَكْلِ الكِتابِ ولَوْنِهِ وزِينَتِه دُونَ النَّظَرِ إلى مَضمُونِه ومَا يَحْوِيهِ مِنَ الفَسادِ الْمَدْسُوسِ وَلا يَتَحَقَّقُ مِنْ صِحَّةِ المكتوبِ فيهِ … يَنْشُرُ ويُوَزِّعُ كِتابًا أُعْطِيَهُ دونَ التَّأَكُّدِ مِمّا فيهِ … يتسَرَّعُ للقراءةِ في كُتُبٍ أَعْجَبَهُ حسنُ ألوانِها أعطاهُ إيَّاهَا مَنْ لا تَخْفَى أَحْوَالُهُم … أَيْنَ المِيزَانُ الشَّرعيُّ … لماذا لا تُتَّبَعُ طريقةُ السلفِ الصالحِ في العِلمِ وهَلْ كانُوا يَتَلَقَّوْنَ العِلْمَ بمُجرّدِ المطالعةِ في الكتبِ مِنْ غيرِ تَلَقٍّ ولا ضَبْطٍ علَى أَهلِ المعرفَة. إخوةَ الإيمانِ إنَّ هذَا العِلْمَ دينٌ فانْظُرُوا عَمَّنْ تأخُذونَ دِينَكُمْ.

تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا ومِنْكُمْ صالِحَ الأَعْمَالِ والحمدُ للهِ على سَلامَةِ حُجّاجِنا المسلمينَ وغفَرَ لَنا ولَهُمْ ءامينَ. أقولُ قَولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ الله.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه.

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦﴾[3]، اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهمَّ قِنَا عذابَك يومَ تَبْعَثُ عِبادَكَ رَبَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة المزمل/20.

[2] سورة الأحزاب/21

[3] سورة الأحزاب/56.