علِىُّ بنُ أبِى طالِب رابعُ الخُلَفَاءِ الراشِدِين

 

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكُرُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليهِ ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنْفُسِنا ومِنْ سَيّئاتِ أعمالِنا مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِىَ لهُ وأشهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الواحدُ الأحدُ الذِى لم يلِدْ ولم يُولَدْ ولم يكُنْ له كفُوًا أحدٌ وأشهدُ أنّ سَيّدَنا محمّدًا عبدُه ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هادِيًا ومُبشرًا ونذيرًا. اللهم صلِّ وسلِّمْ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه الطيبينَ وأصحابِهِ الميامِينَ حُماةِ الحقِّ والدِّين.

أمَّا بعدُ عِبادَ اللهِ فإنّى أوصِيكُم ونفسِى بتقوَى اللهِ العلِىِّ العظِيمِ القائلِ فِى محكمِ التنزيلِ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١١٩﴾[1]. وقال تعالى أيضًا ﴿مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَال صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلا ٢٣﴾[2] وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم فعليكُمْ بِسُنَّتِى وسُنَّةِ الخُلفاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّواجِذِ[3] اهـ وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الخلافةُ بعدِى ثلاثونَ سنةً[4] اهـ ثُمَّ يكونُ مُلكًا عَضُوضًا أَىْ ظَالِـمًا وكانَتْ هذه السّنُونَ الثَّلاثُونَ هِىَ مُدَّةَ خِلَافَةِ أبِى بكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ وعلِىٍّ والحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ رضِىَ اللهُ عنهم وكانُوا جميعًا مِنْ أهلِ العِلْمِ الذِينَ هُم وَرَثَةُ الأنبِيَاءِ. وحديثُنَا اليومَ عنْ أميرِ المؤمنينَ سيدِنا عَلِىِّ بْنِ أبِى طالبٍ رَضِىَ اللهُ تعالى عنه.

هو أبو الحسنِ علِىُّ بنُ أبِى طالبِ بنِ عبدِ المطلبِ بنِ هاشِمِ بنِ عبدِ منافٍ ابنُ عَمِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم أمُّهُ فاطمةُ بنتُ أَسَدِ ابنِ هاشِمِ بنِ عبدِ مَنَافٍ وُلِدَ قبلَ البِعْثَةِ بعَشْرِ سِنينَ وتَرَبَّى فِى حِجْرِ النبِىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم وَفِى بَيْتِهِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أسلَمَ مِنَ الصِّبْيَانِ كَانَ يُلَقَّبُ حَيْدَرَةَ وَكَنَاهُ النبِىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم أبا تُراب. ولما هاجَرَ النبِىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم مِنْ مكةَ إلى المدينةِ أمرَه أنْ يَبِيْتَ فِى فِراشِهِ وأجَّلَهُ ثلاثَةَ أيامٍ لِيُؤَدِّىَ الأَمَانَاتِ التِى كانتْ عندَ النبِىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم إلى أَصْحَابِهَا ثُم يَلْحَقَ به إلى المدينةِ فهاجَرَ مِنْ مكةَ إلى المدينةِ المنورةِ ماشيًا. اصطفاهُ النبِىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم صِهرًا له وزوَّجَهُ بِنْتَهُ فاطمةَ الزهراءَ. كان رضِىَ اللهُ عنه وكرَّمَ وجهَهُ ءادَمَ اللونِ ثقيلَ العَيْنَيْنِ عظيمَهُمَا حَسَنَ الوجهِ رَبْعَةَ القَدِّ إلى القِصَرِ أقرب كثيرَ شعرِ الصَّدْرِ عظيمَ اللحيةِ أصلعَ الرأسِ كثيرَ التَّبَسُّمِ أَعْلَمَ الصَّحَابةِ فِى القَضَاءِ وَمِنْ أَشْجَعِهِم وَأَزْهَدِهِمْ فِى الدُّنيا لَمْ يَسْجُدْ لِصَنَمٍ قَطّ رَضِىَ اللهُ عنه.

كان رضِىَ اللهُ عنه وأرضاه غزيرَ العِلْمِ زاهدًا وَرِعًا شُجاعًا. وَيَكْفِيهِ خُصُوصِيَّةً أنه مِنَ المغفورِ لهم حيثُ جاءَ فِى الحديثِ عنه رضِىَ اللهُ عنه قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا قُلْتَهُنَّ غَفَرَ اللهُ لَكَ وَإِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا لَكَ قالَ قُلْ لا إله إلَّا اللهُ العَلِىُّ العظيم لا إلهَ إلَّا اللهُ الحليمُ الكريمُ لا إله إلَّا اللهُ سبحانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ[5] اهـ

وأَخَذَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِيَدِهِ عندَ غديرِ خُم فقالَ اللَّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ[6] اهـ.

وكان كرّمَ اللهُ وجْهَهُ لا يجِدُ حَرًّا وَلَا بَرْدًا بَعْدَ أَنْ دَعَا لَهُ الرَّسُولُ صلَّى اللهُ عليه وسلم فِى خيبر قائلًا اللَّهُمَّ اكْفِهِ أَذَى الحَرِّ والبَرْدِ[7] اهـ فكان رضِىَ اللهُ عنه يخرجُ فِى البردِ فِى الملاءتينِ ويخرجُ فِى الحرّ فِى الحشوِ والثوبِ الغليظِ.

ولقد كان لسيدِنَا علِىّ رضِىَ اللهُ عنه وكرَّمَ وجهَهُ أقوالٌ ومواعظُ كثيرةٌ منها أنه قال إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اتّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الأَمَلِ فَأَمَّا اتّبَاعُ الْهَوَى فيصُدُّ عَنِ الْحقّ وَأمَّا طولُ الأمَلِ فيُنْسِى الآخِرَة[8]. وَقَالَ أَيْضًا ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَاب وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَل[9].

وبُويعَ لسيدنا علِىٍّ رضِىَ اللهُ عنه بالخلافةِ فِى ذِى الحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَاسْتَمَرَّتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ ابْتُلِىَ فيها بكثرةِ الأعداءِ فكانتِ الوَقَائِعُ الثَّلاثُ وَقْعَةُ الجَمَلِ مَعَ مَنْ نكَثُوا بَيْعَتَهُ وَوَقْعَةُ صِفِّين مَعَ معاويةَ وَوَقْعَةُ النَّهْرَوَانِ مَعَ الخوارجِ وكانَ يَسْتَعِدُّ لِلزَّحْفِ إلى الشامِ لاستِعَادَتِهَا تَحْتَ سُلْطَةِ الخِلافَةِ حِينَ كَمَنَ عَبْدُ الرحمنِ ابنُ مُلْجِم لسيدِنا علِىٍّ وهو خَارِجٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فوثَبَ عليه وضَرَبَهُ بسيفٍ مسمُومٍ فِى جَبْهَتِهِ فكانَتْ وفاةُ أميرِ المؤمنينَ علِىِّ بنِ أبِى طالبٍ رضِىَ اللهُ عنه وكرَّمَ اللهُ وجهَهُ فِى شهرِ رمضانَ سنةَ أربعينَ عنْ ثلاثٍ وستينَ سنة.

أخِى المسلم كُنْ محبًّا لمنْ أحبَّهُم اللهُ ورسولُه معظمًا لمن رفعَ اللهُ مِنْ شأنِهِم وأعلَى قدرَهُم وليَبْقَ حُبُّ الصحابةِ مُتَمَكِّنًا فِى قلبِكَ لا سيَّمَا الخلفاءِ الراشدينَ العامِلِينَ الوَرِعِينَ أبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وعثمانَ وعلِىٍّ رضِىَ اللهُ عنهُم وأرضاهم. اللهُمَّ امْلَأْ قُلُوبَنَا بِحُبِّكَ وَحُبِّ أَحْبَابِكَ وَاجْعَلْ وُلاةَ أمورِنَا مِنَ الصالحينَ العَامِلِينَ الوَرِعِينَ.

 

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ خديجةَ وَحَفْصَةَ وعائِشَةَ الوَلِيَّةِ البَرَّةِ الطَّاهِرَةِ النَّقِيَّةِ الصَّالِحَةِ الْمُبَرَّأَةِ وَسَائِرِ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الرِّجْسِ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ الفَارُوقِ الذي يَجْرِي الحَقُّ علَى لِسانِه وَقَلْبِه وَمَنْ قالَ فيهِ الرسولُ مَا لَقِيَكَ الشيطانُ سَالِكًا فَجًّا إِلّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّك اهـ وعُثْمَانَ ذي النُّورَيْنِ وَعَلِىٍّ الكَرّارِ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

واعلَمُوا أنَّ اللَّهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نَبِيّهِ الكريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦﴾[10] اللَّهُمَّ صَلّ على محمَّدٍ وعلى ءالِ محمَّدٍ كمَا صلَّيْتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ وبارِكْ على محمَّدٍ وعلى ءالِ محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ اللَّهُمَّ ءاتِنَا فِى الدنيا حسنةً وفِى الآخرةِ حسنةً وقِنَا عذابَ النارِ اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ الهُدَى والتُّقَى والعَفَافَ والغِنَى اللهُمَّ مُصَرّفَ القُلُوبِ صَرّفْ قُلُوبَنَا على طَاعَتِكَ اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلاءِ ودَرْكِ الشَّقَاءِ وشَمَاتَةِ الأعدَاءِ اللهُمَّ أصلِحْ لنا دينَنَا الذِى هو عِصْمَةُ أمرِنَا وأَصْلِحْ لنا دُنيانَا التِى فيها مَعَاشُنَا وأصلِحْ لنا ءاخِرَتَنَا التِى فيها مَعَادُنَا واجْعَلِ الحيَاةَ زيادَةً لنا فِى كلّ خيرٍ واجعلِ الموتَ راحةً لنا مِنْ كلّ شرّ اللهُمَّ ءاتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وزَكِّهَا أنتَ خيرُ مَنْ زَكَّاهَا أنتَ ولِيُّها ومَوْلَاها اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زوالِ نعمَتِكَ وتحوُّلِ عَافِيَتِكَ وفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وجميعِ سَخَطِكَ اللهُمَّ اغفِرْ لنا ما قَدَّمْنَا وما أخَّرْنَا وما أسرَرْنَا وما أعْلَنَّا وما أنتَ أعلَمُ به منَّا أنتَ المقدّمُ وأنتَ المؤخّرُ وأنتَ علَى كلّ شَىءٍ قديرٌ اللهُمَّ إنَّا نعوذُ بك مِنْ عِلمٍ لا ينفَعُ ومِنْ قلبٍ لا يخشَعُ ومِنْ نفسٍ لا تشبَعُ ومِنْ دَعوةٍ لا يُستجَابُ لها اللهُمَّ اكفِنَا بحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وأغْنِنَا بفضْلِكَ عَمَّنْ سِواك. عِبَادَ اللهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ اذكُرُوا اللهَ العظيمَ يذكركُم واشكُرُوه يزدكُم، واستغفِرُوهُ يغفِرْ لكُم واتَّقُوه يجعَلْ لكُم مِنْ أمرِكُم مخرَجًا وأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1]  سورة التوبة/ءاية 119.

[2]  سورة الأحزاب/ءاية 23.

[3]  رواه أبو داودَ فى سُنَنِهِ وغَيْرُه.

[4]  رواه ابن حبان فِى صحيحه.

[5]  رواه الترمذِىُّ فِى سننه.

[6]  رواه أحمد فِى مسنده.

[7]  رواه النسائِىُّ فِى السنن الكبرى.

[8]  ذكره البيهقِىُّ فِى الزهد الكبير.

[9]  رواه البخارِىُّ فِى صحيحه.

[10]  سورة الأحزاب/ءاية 56.