عاشوراء

إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهدِيهِ ونشكرُهُ ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنا ومنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ ولا مثيلَ لهُ، ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيّهُ وحبيبُهُ، بلّغَ الرِّسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصَحَ الأمّةَ فجزَاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزَى نبيًّا مِنْ أنبيائِه. اللهمَّ صلّ على سيّدِنا محمّدٍ خيرِ الكائناتِ وعلى سائرِ إخوانِه منَ النبيينَ الْمُؤَيَّدِينَ بِالمعجزاتِ البَاهرَاتِ وَسَلِمْ تَسْلِيمًا كَثيرًا. أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ العَلِيِ العَظيمِ القائلِ في مُحكمِ كتابِه الكَريم ﴿وَلَقَد أَرسَلنَا نُوحًا إِلَىٰ قَومِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِم أَلفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمسِينَ عَاما فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُم ظَٰلِمُونَ ١٤﴾[1] وقال تعالى ﴿فَأَوحَينَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضرِب بِّعَصَاكَ ٱلبَحرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرق كَٱلطَّودِ ٱلعَظِيمِ ٦٣ وَأَزلَفنَا ثَمَّ ٱلأخَرِينَ ٦٤ وَأَنجَينَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجمَعِينَ ٦٥ ثُمَّ أَغرَقنَا ٱلأخَرِينَ ٦٦﴾

أيها الأَحِبَّةُ، يومٌ واحِدٌ يفصِلُنا عن ذِكْرَى عَاشُورَاءَ العاشرِ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّم، ذِكْرَى اليَوْمِ الذِي نَجَّى اللهُ فيهِ سيّدَنا نُوحًا وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الطُّوفانِ وأَنْزَلَهُمْ من السفينةِ سَالِمِينَ وذِكْرَى اليَوْمِ الذِي نَجَّى اللهُ فيهِ سَيِدَنا مُوسَى وأَتْبَاعَهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ فِرْعَوْنَ. إخوةَ الإيمانِ سيدُنا نُوحٌ عليهِ السلامُ أرسلَهُ اللهُ إلى قومٍ كفارٍ فصارَ يدعُوهم ليلًا ونهارًا سِرًّا وجِهارًا بالتّرغيبِ تَارَةً والتَّرْهِيبِ تَارَةً أُخْرَى وظَلَّ هَكذَا أَلْفًا إِلا خَمسينَ سنةً لكنَّ أكثَرَهُمْ لَمْ يُؤْمِنْ بَلِ اسْتَمَرُّوا علَى الضّلالِ وَالطُّغْيَانِ وَنَصَبُوا لَهُ العَدَاوَةَ وءَاذَوْهُ بِالاسْتِهْزَاءِ وَالضَّرْبِ بَلْ كانُوا لا يَتْرُكونَهُ حتَّى يُغْشَى عليهِ مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ فَيَظُنُّونَ أنَّهُ مَاتَ ثمّ يُعافِيهِ اللهُ ولا يُثْنِيهِ ذلكَ أيها الأحبةُ عنِ الدعوةِ إلى اللهِ بل كان يعودُ إليهم ليدعوَهم إلى الإيمانِ مرّةً بعدَ أُخْرَى مِنْ غَيرِ كَلَلٍ وَمِنْ غَيرِ مَلَلٍ إلى أَنْ أَوْحَى اللهُ إليهِ أَنَّهُ لن يُؤمنَ بهِ مِنْ قومِه إلا مَنْ قد ءامنَ فدَعا سيّدُنا نوحٌ على القومِ الكَافِرينَ فقالَ ﴿رَبِّ لَا تَذَر عَلَى ٱلأَرضِ مِنَ ٱلكَٰفِرِينَ دَيَّارًا٢٦﴾[2] أي لا تَتْرُكْ يَا رَبّي أحدًا منَ الكفارِ حيًّا علَى وجهِ الأرضِ فسلَّطَ اللهُ عليهِمْ عِقابَه، سلطَ اللهُ عليهمُ الطُّوفانَ ولَمْ يُبْقِ منَ الكافرينَ أحدًا ونَجَّى اللهُ نَبِيَّهُ ومَنْ ءامَنَ بهِ مِنْ قَومِهِ بالسفينَةِ التِي صَنَعَهَا سيِدُنا نُوحٌ بأَمْرِ اللهِ وَحَفِظَهَا اللهُ بِحِفْظِهِ وعِنايَتِه.

وسيدُنا مُوسَى إخوةَ الإيمانِ كانَ في زَمَنِ الملِكِ الظالِمِ الطاغيةِ فرعونَ وكانَ يَدَّعِي الألوهيةَ والعياذُ باللهِ تعالَى، فأمرَ اللهُ سيّدَنا مُوسَى عليهِ السلامُ أن يذهبَ إلى فِرعونَ لِيَدْعُوَهُ إلى الإسلامِ إلى تَوحيدِ اللهِ وتَنْزِيهِهِ عَنِ الشَّريكِ والشبيهِ، فذَهبَ إليهِ وأَراهُ المعجِزاتِ البَاهِرَاتِ القَاطِعَاتِ بأنهُ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَعَ ذلكَ كفَرَ بهِ فرعونُ وأبَى وَاسْتَكْبَرَ وءَاذَى قَوْمَهُ مِنَ المؤمنينَ فخرجَ موسى عليه السلام وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ بنِي إِسرائيلَ مِنْ مِصْرَ وكانَوا ستَّمائَةِ أَلْفٍ، ولَحِقَهُ فِرْعَوْنُ وخَرجَ معهُ ألفُ أَلْفٍ وَسِتُّمِائةِ أَلفٍ مِنَ الْمُقاتِلينَ يُريدُ إِبَادَةَ مُوسى ومَنْ مَعه لكنَّ اللهَ نَصَرَ رَسولَه، قال تعالى ﴿فَأَوحَينَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضرِب بِّعَصَاكَ ٱلبَحرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرق كَٱلطَّودِ ٱلعَظِيمِ ٦٣﴾[3] انفلَقَ البَحْرُ أيُّها الأحبَّةُ اثْنَيْ عَشَرَ فِرْقًا كُلُّ فِرْقٍ منهَا كَالجبلِ العَظيمِ وبَينَ كُلِ فِرْقَيْنِ طريقٌ يَابِسٌ فدخلَ مُوسى ومن معهُ البحرَ ولَحِقَ بهم فرعونُ وجُنودُه فأغرَقَهُمُ اللهُ أجمعينَ ونجَّى موسى ومن معه قالَ الله تعالَى ﴿وَجَٰوَزنَا بِبَنِي إِسرَٰءِيلَ ٱلبَحرَ فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ وَجُنُودُهُۥ بَغيا وَعَدوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدرَكَهُ ٱلغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَا إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِي ءَامَنَت بِهِۦ بَنُواْ إِسرَٰءِيلَ وَأَنَا مِنَ ٱلمُسلِمِينَ ٩٠ ءَالـَٰنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلمُفسِدِينَ ٩١﴾[4] أي عندما أدرَكَ فرعونَ الهلاكُ والغرقُ أعلنَ التوبَةَ لكنّ التوبةَ لا تنفَعُ في تِلْكَ الحالةِ لأنَّ مِنْ شُروطِ التوبةِ أن تكونَ قبلَ حالَةِ اليَأْسِ مِنَ الحياةِ كَإِدْرَاكِ الغَرَقِ لا مَحالَةَ وَهُوَ ما حصلَ معَ عَدُوِّ اللهِ فرعونَ قال الله تعالى ﴿وَلَيسَتِ ٱلتَّوبَةُ لِلَّذِينَ
يَعمَلُونَ ٱلسَّيِّ‍َاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلمَوتُ قَالَ إِنِّي تُبتُ ٱلـَٰنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُم كُفَّارٌ أُوْلَٰئِكَ أَعتَدنَا لَهُم عَذَابًا أَلِيما ١٨﴾[5].

أيُّها الأحبةُ الكِرامُ ضربَ لنا أنبياءُ اللهِ الْمَثَلَ في الدَّعوةِ إلَى اللهِ والصَّبْرِ على ذلكَ وعلَى مَنْهَجِهِمْ سَارَ الصحابةُ الكِرَامُ وأهلُ البَيْتِ العِظَامُ فبذَلُوا الأَنْفُسَ والْمُهَجَ دِفَاعًا عن دِينِ اللهِ تعالَى. فنسأَلُ اللهَ تعالَى أَنْ يُوَفِقَنَا لِلاعْتِبَارِ بِسِيَرِ هؤلاءِ الأَكَابِرِ والْمُضِيِ علَى مِنْهاجِهِمْ ومَا ذاكَ علَى اللهِ بِعَسِير. هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.

عبادَ اللهِ إنهُ مِمّا وَرَدَ عنِ النبِيِ صلى الله عليه وسلم سُنّيَّةُ صيامِ يومِ عاشوراءَ وَيُسَنُّ صيامُ تاسوعاءَ كذلكَ معَه وهُو التاسعُ مِنَ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِه صلى الله عليه وسلم لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ اﻫ أي معَ العَاشِرِ رَواهُ مسلمٌ، فإنْ لَمْ يَصُمْ معَهُ تاسوعاءَ سُنَّ أَنْ يَصُومَ معه الحادي عَشر، بل نصَّ الشافعيُّ علَى استِحْبَابِ صومِ الثلاثةِ فَلا تُفَوِتُوا هذَا الخَيْر.

اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهم لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، ربَّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهّاب، ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ، اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِينَ وَلا مُضِلِّينَ، اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون. وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1] سورة العنكبوت/ 14.

[2] سورة نوح/26.

[3] سورة الشعراء/63.

[4] سورة يونس/ 90- 91.

[5] سورة النساء.