شرح حديث ما ءامن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه

الحمدُ للهِ ثم الحمدُ لله، الحمدُ للهِ وسلامٌ على عبادِه الذينَ اصطَفى، الحمدُ للهِ الواحدِ الأحَدِ، الفردِ الصَّمدِ، الذِي لَمْ يَلِدْ ولَمْ يولدْ ولَمْ يكن له كُفُوًا أَحَد. أحمده وأستعينه وأستهديه وأشكره. له المنة وله الفضل وله الثناء الحسن. لَكَ الحَمْدُ رَبَّنَا علَى مَا أَنْعَمْتَ عَلَيْنَا، الحمدُ للهِ الذِي هَدَانا لِهَذَا ومَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانا الله.

الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ رسولِ اللهِ وعلى ءالِه وصحبِه ومَنْ وَالاهُ حَمْدًا يُوافِي نِعَمَه. الصلاةُ والسلامُ علَى مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا ونَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللهِ بإِذْنِه سِرَاجًا وَهَّاجًا وقمَرًا مُنِيرًا.

أما بعدُ أيُّها الأحبةُ المؤمنونَ فإنِّي أُوصِي نفسِي وإياكم بتقوَى اللهِ العَظيم. يقولُ اللهُ تبارك وتعالى في القرءانِ الكريمِ ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقنَٰكُم﴾[1]. ويقولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إنَّ روحَ القُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نفسٌ حتّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وأَجَلَها فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ ودَعُوا مَا حَرُمَ اﻫ [2] أو كما قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ. وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ما ءامنَ بِي مَنْ بَاتَ شبعانَ وجارُه جائِعٌ إلى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ اﻫ[3] إخوة الإيمانِ إِنَّ هذهِ الأيامَ العصيبةَ التِي تَمُرُّ على المسلمينَ يَتَمَيَّزُ فيهَا الصَّادقُ معَ اللهِ مِنْ غَيْرِ الصَّادقِ وذَوُو التَّضْحِيَاتِ والإِخلاصِ عنِ الذينَ يَسْتَغِلُّونَ الفُرَصَ بأَنانِيّاتِهِمْ ويتَمَيَّزُ الجشِعُ عنِ الذِي يُؤْثِرُ علَى نفسِه ولو كانَ بهِ خَصاصَةٌ ويتَمَيَّزُ ويَبْرُزُ فيهَا الذينَ يَهُمُّهُمْ ويشَغَلُ بالَهُمْ مَشاكِلُ المسلِمينَ ومَصالِحُهُمْ.

وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ جبريلَ نَفَثَ في رُوعِي أي في قلبِي أنهُ لن تموتَ نفسٌ حتى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وَأَجَلَها يَدُلُّ علَى أَنَّ أعمارَنا مَحْدُودَةٌ وءاجالَنا مَحْتُومَةٌ فَمَنْ لَمْ يَمُتْ بِالسَّيْفِ مَاتَ بِغَيْرِه، وأَنَّ أَرْزَاقَنا مَعْلُومَةٌ وأَنَّ غيرَنا لا يَنالُ شيئًا مِنْ رِزْقٍ كُتِبَ لَنَا وأنَّ أَنْفَاسَنا مَعْدُودَةٌ فَالإِصَابةُ لا تُعَجِّلُ في الأَجلِ ودوامُ الصحةِ والعافيةِ والشبابُ والقوةُ لا يُؤَخِّرُ الأَجَلَ بَلْ كُلٌّ يموتُ بِانْقِضَاءِ أَجلِهِ وكلٌّ يأكُلُ رزقَهُ الذِي كُتِبَ لهُ ولا أحدَ يَسْتَطِيعُ أن يُؤَخِّرَ عزرائيلَ وَلا أَنْ يُعَجِّلَهُ. لذلكَ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يعلِّمُنا القناعَةَ بقولِه خُذُوا ما حلَّ ودَعُوا مَا حَرُم. وعن كعبِ بْنِ عُجْرَة أنهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ قالَ يا كعبُ بنَ عُجْرَة إنهُ لا يدخُلُ الجنةَ لحمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلى به اهـ[4] فالإنسانُ بحاجةٍ إلى اللهِ وقتَ الضَّرّاءِ كمَا هُوَ بِحاجَةٍ إليهِ وقتَ السّرّاء. الإنسانُ بحاجةٍ إلى اللهِ وقتَ البَأْسَاءِ كمَا هُوَ بِحاجَةٍ إليهِ وَقْتَ السَّرّاءِ، لا أحدَ يَسْتَغْنِي عنِ اللهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فإذَا ما نَزَلَتْ بغَيْرِكَ مُصيبَةٌ أو حَلَّتْ بمدينَةِ غيرِك بَلِيَّةٌ فلا تَكُنْ جَشِعًا وإِنَّما كُنْ لطِيفًا حَلِيمًا مِعْطَاءً مُتَصَدِّقًا وَاسِعَ القَلْبِ. فقد قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ مَا ءَامَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ اﻫ أي لا يكونُ إيمانُه كامِلًا مَنْ يَبِيتُ شبعانَ وجارُه مِنْ أَهْلِ الضَّروراتِ، جارُه المؤمِنُ مِنْ أَهْلِ الضَّروراتِ وَهُوَ عالِمٌ بِحالِه فكيفَ بِمَنْ لا يَرْأَفُ بهِ بَلْ يثقلُ عليهِ. فعليكم أن ترأفُوا بإخوَتِكُمُ المسلمينَ إذَا مَا مَرَّتْ عليهم غيومٌ سَوْدَاءُ مُتَلَبِّدَةٌ بِفَتْحِ صُدورِكُم وبُيوتِكُم لهم وإِعانَتِهم بِكُلِّ مُمْكِنٍ وَمُسْتَطَاعٍ فَإِنَّ البَأْسَاءَ والضَّرّاءَ والكربَ والشِّدَّةَ تَتَنَقَّلُ كحَجَرِ الشِّطْرَنْجِ مِنْ مُرَبَّعٍ إلَى ءاخرَ فَلْيَتَعَلَّمْ كُلٌّ مِنَّا مِنْ حَوادِثِ الماضِي ودُروسِ الماضِي فالمؤمنونَ كالجَسدِ الواحِدِ كمَا قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فلا يَنْبَغِي أن تَسْتَغِلَّ ظروفَ إخوانِكَ المؤمنينَ ولا يَنْبَغِي أن تكونَ مِمَّنْ يُثَقِّلُ عليهم وقد أَثْقَلَتْهُمْ ظروفُ الحربِ القَاسِيَة. فادْعُوا إخوانَكم الذينَ تعرِفونَ فيهِمُ السَّعةَ فِي المالِ إلى الرأفةِ بأهلِ الفقرِ والحاجةِ والبأساءِ والضَّرّاءِ فإنَّ البلاءَ إذَا اشتَدَّ قَدْ يُصِيبُ الصّالِحَ والطَّالِحَ ولكنَّ الصالِحَ يُحْشَرُ علَى نِيَّتِهِ وقَدْ وَرَدَ فِي الأَثَرِ أَنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ اﻫ[5]. فَمَنِ ابْتُلِيَ مِنَّا بِمُصِيبَةٍ فَلْيَحْمَدِ اللهَ فَإِنَّ المؤمنَ أَمْرُهُ كُلُّه خيرٌ، إِنْ أَصابَهُ خَيرٌ فَشَكَرَ كانَ خَيْرًا لَهُ وإِنْ أصابَهُ شَرٌّ فصبرَ كانَ خيرًا له.

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم.

الخطبة الثانية

     الحمدُ للهِ ربِّ العالمين الرحمنِ الرحيمِ مالكِ يوم الدين والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ الأمينِ وعلى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ وأشهدُ أن لا إله إلّا اللهُ وحده لا شريكَ له وأشهدُ أَنَّ سَيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليهِ وَعَلَى كُلِّ رسولٍ أَرْسَلَهُ.

أما بعد فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ في السرِّ والعَلَنِ، يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى في القرءان العظيم ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيم ١ يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد ٢[6]

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦[7] اللهُمَّ صَلِّ على محمَّدٍ وعلَى ءالِ محمدٍ كما صلَّيتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى محمَّدٍ وعلَى ءالِ محمدٍ كمَا باركتَ على إبراهيمَ وعلَى ءالِ إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ. اللهمَّ يا ربَّنا إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا وتوَفَّنا وأنتَ راضٍ عنا يا ربَّ العالمين. اللهمَّ ارزْقنا علمًا نافعًا، اللهمَّ وانفَعْنا بِما علَّمْتَنَا وانْفَعْ بنَا يا ربّنا، اللهمّ علِّمنا ما جهِلنا وذكِّرنا ما نسينَا واجعلِ القرءانَ ربيعَ قلوبنا ونورًا لأبصارِنا وجوارِحِنا وتوَفَّنا على هَدْيِهِ وأَكْرِمْنَا بِحِفْظِهِ واحْفَظْنَا بِبَركَتِهِ وبركةِ نبيِّكَ محمدٍ عليهِ الصلاة والسلام وارزُقْنَا شفاعتَه يا أرحمَ الرّاحمين. واغفرِ اللهمّ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ إنّك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدَّعَوات.

عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذكُروا اللهَ العظيمَ يُذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا. وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1] سورة الأعراف ءاية 160

[2] رواه الحاكم وغيره.

[3] رواه الطبراني في المعجم الكبير.

[4] رواه الحاكم في المستدرك.

[5] رواه ابن حبان في صحيحه.

[6] سورة الحج ءاية 1-2.

[7] سورة الأحزاب/ءاية 56.