حكمُ الْمَيْتَةِ وَاللحمِ الْمَشْكُوكِ فِيه

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيّدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ.

عبادَ اللهِ أُوصيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ العَليِّ العظيمِ فاتَّقوهُ حَقَّ تُقاتِه واعلمُوا أَنَّ ربَّ العِزَّةِ يقولُ فِي القُرءانِ العَظيمِ ﴿حُرِّمَت عَلَيكُمُ ٱلمَيتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحمُ ٱلخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلمُنخَنِقَةُ وَٱلمَوقُوذَةُ وَٱلمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيتُم وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ﴾[1]

فَاعْلَمُوا إِخْوَةَ الإِيمانِ، رَحِمَكُمُ اللهُ تعالَى بِتَوْفِيقِه، أَنَّ مِنَ الكَبَائِرِ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَهُوَ كُلُّ شَىْءٍ يُسَمَّى علَيْهِ اسمُ غيرِ اللهِ عِندَ ذَبْحِهِ كَقَوْلِ المشرِكينَ بِاسمِ اللاتِ والعُزَّى عِنْدَ الذَّبْحِ، وكذَلكَ يَحْرُمُ أَكْلُ الْمُنْخَنِقَةِ وَهِيَ التِي مَاتَتْ خَنْقًا وَالْمَوْقُوذَةِ وَهِيَ الّتِى أَثْخَنُوهَا ضَرْبًا بِعَصا مثَلا حتَّى مَاتَتْ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَهِيَ التِى تَرَدَّتْ مِنْ جَبَلٍ أَوْ فِي بِئْرٍ فَمَاتَتْ وَكَذَا التِى وَقَعَتْ فِي البَحْرِ فَغَرِقَتْ، وَالنَّطيحَةِ وهِىَ التِى نَطَحَتْهَا أُخْرَى فَمَاتَتْ ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيتُم﴾ أَىْ إِلّا مَا أَدْرَكْتُمْ ذَكاتَهُ قَبْلَ أَنْ يَضْطَرِبَ اضْطِرَابَ الْمَذْبُوحِ. فَكُلُّ مَا زَالَتْ حَياتُه مِنَ البَهائِمِ بغَيْرِ ذكاةٍ شَرْعِيَّةٍ فهي مَيْتَة، وَالذَّكاةُ الشرعيّةُ يُشتَرَطُ أَنْ يَكونَ الذَّابِحُ فيها مُسْلِمًا أَوْ كِتابِيًّا وأَنْ يَذْبَحَ الذَّبيحَةَ الحلالَ الجائزَةَ الأكلِ كَالبَقَرِ والغَنَمِ ونَحْوِهَا بِآلَةٍ حَادَّةٍ غيرِ الظُّفْرِ وَالعَظْمِ، وَأَنْ يَقْطَعَ مَجْرَى النَّفَسِ وَمَجْرَى الطَّعامِ والشَّرابِ، أَمَّا لَوْ صُعِقَتْ بِالكَهْرُبَاءِ فَمَاتَتْ قَبلَ أَنْ تُذَكَّى لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا، وَكَذَا لَوْ ذُبِحَتْ بِواسِطَةِ الآلاتِ وَحْدَهَا أَى أُتومَاتِيكِيًّا مِنْ غَيرِ تَحريكٍ مِنْ قِبَلِ ذَابِحٍ لِذَبْحِ كلِّ بَهِيمَةٍ فَلا يَحِلُّ أكلُها بَلْ هِيَ مَيْتَةٌ.

أَيُّها الأَحِبَّةُ اللحمُ أَمْرُهُ مُشَدَّدٌ في شَرْعِ اللهِ فَلا يَجُوزُ أَكلُهُ إِلّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ ذُكِّيَ ذَكَاةً شَرْعِيَّة، فَإِنْ شُكَّ فِي ذلكَ فَهُوَ حَرَامٌ لا يَجوزُ الشُّروعُ في أَكْلِهِ كمَا نَصَّ علَى ذَلكَ الفُقَهاءُ بَلْ تَحريمُ اللحمِ الذِي لَمْ يُعْلَمْ طَريقُ حِلِّهِ بِأَنْ شُكَّ هَلْ هُوَ حَلالٌ أَوْ مَيْتَةٌ مُجْمَعٌ علَى حُرْمَتِهِ فِي كُلِّ المذاهِبِ وَعِنْدَ كُلِّ الْمُجْتَهِدِينَ كما نصَّ على ذلكَ الحافظُ السُّيوطيُّ وغيرُه. فلا تَدَعْ أخِى المسلمَ شهوَةَ الطعامِ تدفَعُكَ إلَى الأَكْلِ مِنْ طَعامٍ فيهِ لَحمٌ لا تدرِي مِنْ أينَ هو، وهَلْ ذُكِّيَ ذكاةً شرعيّةً أوْ لا ولو كان أرخصَ ثمنًا، فإِنْ كنتَ في بيتٍ دعاكَ أَهْلُه إلى طَعامٍ أو في مطعمٍ أو في الطائرةِ فإِيَّاكَ أن تأكُلَ اللحمَ المشكوكَ فيهِ، أَمَّا إذَا تَحَقَّقْتَ وَسَأَلْتَ فاطْمَأَنَّ قلبُكَ أنَّهُ ذُكِّيَ ذكاةً شرعيةً فيجوزُ لكَ أن تأكُلَ عندئدٍ أمَّا معَ الشكِّ فلا يجوزُ، ففِى صحيحِ مسلمٍ عنْ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ قالَ سأَلْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم عنِ الصَّيدِ قالَ إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذُكُرِ اسمَ اللهِ فإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إِلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ في مَاءٍ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي الماءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ اﻫ فَمِنْ أَجْلِ الشَّكِّ في سَبَبِ الحِلِّ حَرَّمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكْلَهُ فَمِنْ هذَا الحديثِ ونَحوِه أَخَذَ العُلماءُ حُرْمَةَ أَكْلِ اللحمِ المشكُوكِ في حِلِّهِ وَأَجْمَعُوا على ذلك.

وأما حديثُ البخاريِّ عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّ قومًا قالُوا للنبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّ قومًا يأتُونَنا بِاللّحمِ لا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللهِ عليهِ أَمْ لا، فقالَ سَمُّوا اللهَ عليهِ وَكُلُوا اﻫ فالحديثُ ورَدَ في ذبيحةِ أُناسٍ مُسْلِمينَ قريبِي عَهدٍ بِكُفْرٍ – يعنِى أَسْلَمُوا مِنْ جَديدٍ – وذَلكَ لقولِ عائِشَةَ في الروايةِ الأخرى يَا رسولَ اللهِ إنَّ هنَا أَقوامًا حديثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ يأتونَنَا بلُحْمَان لا نَدْرِي يذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عليهَا أَمْ لا، قالَ اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللهَ وَكُلُوا اﻫ معناهُ أَنَّ هذهِ اللُّحُومَ حلالٌ لأنَّها مُذَكَّاةٌ بِأَيْدِي مُسلِمينَ ولَوْ كانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَيْ أَسْلَمُوا مِنْ قريبٍ وَلا يَضُرُّكُمْ أَنَّكُمْ لَمْ تَعْلَمُوا هَلْ سَمَّى أُولئِكَ عندَ ذَبْحِهَا أم لا، وسمُّوا أنتُمْ عندَ أكلِها أَيْ نَدْبًا لا وُجوبًا لأنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةٌ عندَ الذَّبْحِ.

فَخُلاصَةُ الأَمْرِ أَحبابَنَا الكِرام أنهُ ينبغِي التَّيَقُّنُ قبلَ أَكْلِ اللحمِ مِنْ أَنَّهُ مُذَكّى ذَكاةً شرعيةً، فلَيْسَ كلُّ لَحمٍ في السوقِ أَوْ فِي الْمُعَلَّباتِ حَلالًا، فَإِذَا تَيَقَّنْتَ أَنَّهُ ليسَ حَلالًا أَوْ شَكَكْتَ فيهِ فَلا تَأْكُلْ فَلا خَيْرَ في لَذَّةٍ مِنْ بعدِهَا النَّارُ.

اللهمَّ ارزُقْنَا حُسْنَ الاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَاكْفِنَا بِحَلالِكَ عَنْ حَرامِكَ وَبِطَاعَتِكَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ وَاجْعَلْنَا مِنْ خِيارِ عِبَادِك.

هذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ خديجةَ وَحَفْصَةَ وعائِشَةَ الوَلِيَّةِ البَرَّةِ الطَّاهِرَةِ النَّقِيَّةِ الصَّالِحَةِ الْمُبَرَّأَةِ وَسَائِرِ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الرِّجْسِ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ الفَارُوقِ الذي يَجْرِي الحَقُّ علَى لِسانِه وَقَلْبِه وَمَنْ قالَ فيهِ الرسولُ مَا لَقِيَكَ الشيطانُ سَالِكًا فَجًّا إِلّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّك اهـ وعُثْمَانَ ذي النُّورَيْنِ وَعَلِىٍّ الكَرّارِ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه. واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾[2] اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، يقولُ اللهُ تعالى ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيم ١ يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد ٢﴾[3]، اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمَّ بِجاهِ نَبِيِّكَ محمَّدٍ ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ وأَدْخِلْنَا الجنَّةَ مَعَ الأَبْرَارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّار اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا.

عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة المائدة/3

[2] سورة الأحزاب.

[3] سورة الحج.