اَلتَّحذِيرُ منَ الكِبْرِ والفَخْرِ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالميَن هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيّدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ.

اتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، ولا تَنْسَوا يَوْمًا يُقالُ فِيهِ لِمَنِ الْمُلْكُ اليَوْمَ، للهِ الواحِدِ القَهَّار، فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ القَائِلَ في مُحْكَمِ كِتَابِه ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلتَنظُر نَفس مَّا قَدَّمَت لِغَد وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُ بِمَا تَعمَلُونَ ١٨﴾ سورة الحشر.

تَقْوَى اللهِ إِخْوَةَ الإِيمانِ مَدَارُها على أَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ: أَدَاءِ الوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمات، اجتِنَابِ المعاصِي، وكَلامُنا اليَوْمَ بِإِذْنِ اللهِ عَنْ مَعْصِيَةٍ عَدَّها العُلَمَاءُ مِنْ مَعَاصِي القَلْبِ ألا وَهِيَ الكِبْرُ والعياذُ بِاللهِ، فالتَّكَبُّرُ عِبَادَ الله مِنْ مَعَاصِي القَلْبِ وَهُوَ نَوْعانِ الأولُ أي أَنْ يَعْرِفَ الحقَّ ولا يَرْجِعَ إليهِ والثانِي استِحْقَارُ الناسِ وسَبَبُهُ نَاشِئٌ مِنَ القَلْبِ، وَإِنْ كَانَتْ مَظَاهِرُهُ مِنْ أَعْمَالِ الجَوارِحِ وذلكَ لأنَّ القَلْبَ لَمَّا يَشْعُرُ بِالتَّكَبُّرِ تَظْهَرُ ءاثارُهُ عَلَى الجَوَارِحِ، فيَنْظُرُ الْمُتَكَبِّرُ بِعَيْنِ الاحْتِقَارِ إلَى الفَقِيرِ أَوْ يُعْرِضُ عَنْهُ تَرَفُّعًا، أَوْ يَرُدُّ الْحَقَّ على قائلِهِ مَعَ العِلْمِ بِأَنَّ الصَّوَابَ معَ القَائِلِ لِكَوْنِه أصغر منه سنا أو أقلَّ جاهًا أو يَتَكَبَّرُ فِي مِشْيَتِهِ فيَمْشِي المِشْيَةَ التي تعرفونها. كُلُّ هذَا مِنْ كَبائِرِ الذُّنوبِ وَقَدْ وَرَدَ في الحديث “إن الْمُتَكَبِّرِينَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَمْثَالِ الذَّرِّ (أي النَّمْلِ الأَحْمَرِ الصَّغِيرِ) يطؤُهمُ النَّاسُ بأَقْدَامِهِمْ”.

فعليكم إخوةَ الإيمانِ بالتواضع، فقد قال رسولُ الله صلى عليه وسلم “إنَّكُمْ لَتَغْفُلونَ عَنْ أَفْضَلِ العِبَادَةِ التَّوَاضُع” اهـ رواه البيهقي، ولذلك كان أكابِرُ الصحابة رضوان الله عليهم من أشد الناس تواضُعًا، سَيِّدُنا عُمَرُ رضي اللهُ عنهُ كانَ خَرَجَ مَرَّةً لِلجُمُعَةِ ولَبِسَ اللباسَ الذِي يَلْبَسُهُ المسلِمُ لِلجُمُعَةِ وَهُوَ في طَريقِهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ مِيزَابِ دَارِ العَبَّاسِ دَمُ فَرْخَيْنِ ذُبِحَا مَعَ ماءٍ، فَذَهَبَ وغَسَلَ ما نَزَلَ علَيْهِ ثُمَّ قَالَ يُزَالُ هَذَا الميزَابُ، فقالَ العَبَاسُ هَذَا الرَّسولُ وَضَعَهُ فَقَالَ عُمَرُ يُعَادُ كَمَا كَانَ، وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ تَطْلُعُ عَلَى ظَهْرِي، أَمِيرُ المؤمِنينَ عُمَرُ يَقُولُ للعَبَّاسِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَطْلُعُ عَلَى ظَهْرِي، وعَزَمَ عليهِ فَطَلعَ العبّاسُ عَلَى ظَهْرِهِ وَأَعَادَهُ.

التَّوَاضُعُ أيُّها الإِخْوَةُ نَتِيجَتُهُ سَلامَةٌ مِنَ الفَخْرِ والبَغْيِ أَي الاعتِدَاءِ على النَّاسِ. التَّواضُعُ نَتيجَتُهُ سَلامَةٌ مِنَ الفَخْرِ واللهُ تعالى لا يُحِبُّ الفَخْرَ من عبدِهِ سَوَاءٌ كانَ في الثِّيَابِ أم فِي الأَثَاثِ أم فِي الْمَسْكَنِ أم في نحوِ ذلكَ، بل الذِي يَعْمَلُ لِلفَخْرِ فعليه ذَنْبٌ كَبِيرٌ، فهؤلاءِ الذِينَ يَلْبَسُونَ الثيابَ الفاخرةَ للفَخْرِ، أو يَبْنُونَ البِنَاءَ الجَمِيلَ لِلْفَخْرِ، أو يَرْكَبُونَ الْمَركوباتِ النَّفيسَةَ الجمِيلةَ لِلفَخْرِ، لَوْ عَجَّلَ اللهُ عُقُوبَتَهُم لَعَاقَبَهُمْ في الدُّنيا قَبلَ الآخِرَةِ لكنَّهُ يُؤَخِّرُ عَذَابَ أَكْثَرِ الخَلْقِ إلَى الآخِرَةِ، وَقَدْ يُظهِرُ اللهُ تبارَكَ وتعالَى على البعضِ عُقُوبةًَ في الدنيا لِيعتبرَ بِها من شَاءَ اللهُ لَهُ أَنْ يَعْتَبِرَ.

الرسولُ صلى الله عليه وسلم حَدَّثنا أَنَّ رَجُلاً مِمَّنْ كَانَ قَبْلَ هذهِ الأُمَّةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ كَانَ يَمْشِي مُتبَخْتِرًا يَنْظُرُ فِي جَانِبَيْهِ، أَعْجَبَهُ ثَوْبُهُ وشَعَرُهُ، تَهْيِئَةُ شَعَرِهِ وحُسْنُ شعرِه، بينما هو يَمْشِي مُتَبَخْتِرًا أَمَرَ اللهُ تباركَ وتعالَى الأَرْضَ فَبَلَعَتْهُ فهو يَتَجَلْجَلُ إلَى يَوْمِ القِيامةِ، والتَّجَلْجُلُ مَعْنَاهُ السُّؤُوخُ أو السَّوْخُ أَيِ النُّزُولُ في الأَرْضِ معَ التَّحرُّكِ والتَّضَعْضُع. الفَخْرُ مَعْنَاهُ أَنْ يَفْعَلَ الشخصُ مثلَ ذَلِكَ ليُعْجَبَ به الناسُ، يُريدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ اخْتِصَاصٌ عندَ النَّاسِ بالنَّظَرِ إليهِ والتَّفْخِيمِ فإذا لبسَ لِباسًا جَمِيلا للفخرِ كان عليهِ إثمٌ وإذا اقتنى أثاثًا جَمِيلا للفخر كان عليه إثم وإذا ركب سيارة جميلة للفخر كان عليه إثم وإذا بنى بِنَاءً لِلفَخْرِ كان عليه إثم أي مِن كبائِرِ الذنوبِ وعظائِمها أَمَّا إذا فعل مثل ذلك للتَّجَمُّلِ فَقَطْ وليس للفخر فيَلبَسُ الثَوبَ الأَنِيق للتَّجَمُّلِ ويفرح بنفسه لا لِلْفَخْرِ ويركب السيارة الفاخرة للتجمل لا للفخر فلا ذنب عليه.

أخي المؤمن، عِ مني ما أقول. أخي المؤمنَ، المتوكلَ على الله المقبلَ إلى الطاعة المدبرَ عن المعصية استمع إلى ما ألقي إليك

رَغِيـفُ خُبْـزٍ يَـابِسٌ                     تَأْكُلُــهُ فِـي زَاوِيـَهْ
وَكُـوزُ مَـاءٍ بَـاردٍ                    تَشرَبـُهُ   مِـنْ صَافِيَهْ
وغُـرْفَـةٌ   ضَيِّقَــةٌ                       نَفْسُـكَ فيهَـا خَالِيَهْ
ومَسـجِدٌ بَمَعْــزِلٍ                  عَنِ الورَى في نَاحِيَـهْ
تَـدْرُس فيـهِ دفتَـرًا                      مُسْتَنِــدًا   بِسَـارِيَهْ
مُعتَبِـرًا بِمَـنْ مَضَـى               مِنَ   القُرونِ الخَالِيَــهْ
خَيْـرٌ مِنَ السَّاعَاتِ فِي            فَـىْءِ القُصورِ العَالِيـَهْ
تَعْقُبُـهَـا عُقُوبَـــةٌ                      تُصْلَـى   بِنَارٍ حَامِيَـهْ

اللهمَّ اجعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ المتواضِعِينَ الزَّاهِدِينَ الصَّالِحِينَ العَابِدِينَ النَّاسِكِينَ، الوَالِهِينَ بِمَحَبَّتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.
هَذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.
الخُطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾

اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، يقولُ اللهُ تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيم ١ يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد ٢﴾، سورة الحج/1ـ2، اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمَّ بِجاهِ نَبِيِّكَ محمَّدٍ ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ وأَدْخِلْنَا الجنَّةَ مَعَ الأَبْرَارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّار اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا.

عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.