الهجرة النبوية المباركة عظات وتوجيهات

hidjrah-arabisch-2016قال الله تعالى: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُود لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ٤٠}[1]

إن الهجرة المباركة كانت بأمر من الله تعالى، فلقد أرسل الله خير خلقه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى البشرية وهي أحوج ما تكون إلى رسالته، بعد أن صار الكثير من الناس في ظلمات الشرك والجهل والكفر، يعبدون أشياء شتى، منهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الأحجار والشمس والقمر والملائكة والجن، ويأتون الفواحش والمحرمات، يئدون البنات، ويسيئون الجوار، ويقطعون الأرحام، ويكسبون الأموال لا يبالون بالحلال والحرام، الربا والبيع عندهم سواء، والغصب والميراث قرناء، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، بكل ما تضمنته هذه الشهادة من معنى، بإفراد الله وحده بالعبادة وعدم الإشراك بالله شيئًا، وبينَ لهم أن الله المعبود بحق لا يوصف بصفات البشر فهو الخالق وما سواه مخلوق وهو الموصوف بالصفات التى تليق به فهو الأول قبل كل شىء وهو الموجود قبل الكل بلا مكان ولا زمان ولا جهة ولا يحتاج إلى شىء بل الكل محتاج إليه، وإفراد الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتباع.

جاء نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى العفاف والطهر والخلق الكريم والاستقامة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المظالم والمحارم، فاستجاب له القلة المؤمنة المستضعفة في مكة، فأذاقهم المشركون أنواع العذاب، واشتد الكرب في مكة، وضيّق الخناق على المسلمين المستضعفين، وأراد المشركون أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورصدوه عند بابه ليضربوه ضربة رجل واحد، فخرج عليه الصلاة والسلام عليهم وهو يتلو صدر سورة “يس” وذرَّ على رؤوسهم التراب، وأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يروه، وأخذهم النعاس ولجأ هو وصاحبه أبو بكر الصديق إلى غار ثور ثلاثة أيام حتى هدأ الطلب، وفتشت قريش في كل وجه، وتتبعوا الأثر حتى وقفوا على الغار، فقال أبو بكر: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا، فقال: “يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما” أي ان الله تعالى مطلع علينا لاتخفى عليه خافية، ثم يمَّما نحو المدينة، فكانت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تمكينًا للإسلام والمسلمين، حيث أبطل الله مكر المشركين وكيدهم في تقديرهم القضاء على الإسلام بمكة، وظنهم القدرة على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن حادثة هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تمد المسلمين بالعبر والعظات والدروس والتوجيهات، وقد شاء الله تعالى أن تكون بأسباب مألوفة للبشر، يتزود فيها للسفر، ويركب الناقة، ويستأجر الدليل، ولو شاء الله لحمله على البراق، ولكن لتقتدي به أمته بالصبر وتحمل مشقات الدنيا والعمل الدؤوب للآخرة التى هي العقبى، فينصر المسلم دينه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن حال المسلمين في هذه الأيام حري بالاستفادة من معاني الهجرة النبوية المباركة، بفهم أمر الدين والفصل بين الدين الحق وأهله وبين المتاجرين المتطرفين المنفرين عن الدين بأساليب وفتاوى ليس لها في الدين من أصل بل تخالف الدين، في ذكرى الهجرة المباركة علينا أن نعلم أن الدين الإسلامي دين علم وعمل واعتدال وثقافة ومعرفة ودعوة للحق مؤيدة بالبراهين العقلية والنقلية المنورة للقلوب فلن يصلح حال المسلمين في هذا العصر إلا بالأمور التي صلح بها السلف الصالح من العلم والمعرفة الصحيحة لدين الله والتحذير من المضللين أصحاب الفتاوى السيئة التى جلبت الويلات للمسلمين، وبالخلق الكريم، والصدق مع الله، والتوكل عليه، والصبر على المكاره، وإحسان العبادة، على وفق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة، قال صلى الله عليه وسلم: “اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن”.

 نسأل الله تعالى أن تكون هذه السنة الهجرية بركة وخيرا يعم البلاد والعباد وكل عام وأنتم بخير.

 سورة التوبة.[1]