ءادابُ المساجِد

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فهو المهتدِ ومَن يُضلِلْ فلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ له ولا ضِدَّ ولا ندَّ له، وأشهدُ أنّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلى الله على سيدِنا محمّدٍ وعلى كُلِّ رسولٍ أَرْسَلَهُ.

أما بعدُ عبادَ اللهَ، فإني أوصيكم ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِه {إِنَّمَا يَعمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَن ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱليَومِ ٱلأخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَم يَخشَ إِلَّا ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلمُهتَدِينَ ١٨}[1]

إخوةَ الإيمانِ كلامُنا اليومَ على خيرِ بِقاعِ الأرضِ، إنها المساجِدُ، فقد أخبرَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنَّ خيرَ بِقاعِ الأَرضِ المساجِدُ.

فهِيَ أَحَبُّ البِقاعِ إلى اللهِ تعالى لأنّها بُنِيَتْ لِعبادةِ الله، فَفِيها تُقامُ الصَّلَواتُ وتُتْلَى التِّلاواتُ وتَكونُ الاعتِكافاتُ وغيرُها مِنَ الطاعاتِ والحسنَاتِ.

أخِي المسلم، خيرُ بِقاعِ الأرضِ المساجِدُ فهَلْ أَنْتَ لها قَاصِدٌ وفي رِحابِها مُعْتَكِفٌ عابِد .. هَلْ تَعَلَّقَ قلبُكَ بِها أَمْ شُغِلْتَ عنها وعَنْ مَطْلَبِها.

أَبْشِرْ يَا مَنْ تَعلَّقَ قلبُكَ بِالمساجِدِ فإِنَّكَ إِنْ شاءَ اللهُ تكونُ في ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ القيامَةِ كما أخبرَ بذلك حبيبُنا وقائدُنا وقُرَّةُ أعيُنِنا محمّدٌ صلى الله عليه وسلم.

فَلَوْ يَعلمُ النَّاسُ إخوةَ الإيمانِ ما في المساجدِ مِنَ الخيراتِ والبركاتِ لَرَأَيْتُمُوهُمْ يَتَسابَقُونَ إِلَيْها فإنَّهُ لَيَحْزُنُنا ما ءالَ إليهِ حالُ كثيرٍ مِنَ النّاسِ فتَجِدُهم لا يدخُلونَ المسجدَ إِلا مرَّةً في الأُسبوعِ لِصَلاةِ الجمُعةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يَدْخُلُ المسجِدَ إِلا مَرّتَيْنِ في السَّنةِ في الفِطْرِ والأَضْحَى، فلا حولَ ولا قُوَّةَ إِلا بالله، واللهَ نَسْأَلُ أَنْ يُلْهِمَنا ما فيهِ خيرٌ لَنا.

إخوةَ الإيمانِ لقدْ عَظَّمَ اللهُ تعالى شَأْنَ المساجدِ وشَرَّفَها فَهِيَ مِنْ شَعائرِ اللهِ قالَ تعالى

{ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى ٱلقُلُوبِ ٣٢}[2]

فَعَظِّمْ شأنَ المساجدِ يا أخي المؤمن ..

اجْتَنِبْ تَلْوِيثَ المساجِدِ بِالقاذُوراتِ .. اجتنبْ تَدْنِيسَها بِالنَّجاساتِ فَإِنَّهُ حرامٌ حرام.

شارِكْ أخِي المؤمِنَ في تَنْظِيفِ المساجدِ وتَطْيِيبِها بالبخورِ الطّيِّبِ كُاللبانِ أَوِ العُودِ الذي كانَ يُبَخَّرُ بهِ مسجدُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ عهدِ عمرَ بنِ الخطابِ إلى يومِنا هذَا كُلَّ جُمُعَة. وانظُروا إخوةَ الإيمانِ إلى شَرَفِ تَنْظِيفِ المساجِدِ فهذَا أبو هريرةَ رضيَ الله عنه يقولُ إِنَّ امرأةً سوداءَ كانَتْ تَقُمُّ المسجدَ ففقَدَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فسألَ عنهَا فقالوا مَاتَتْ، قالَ أَفَلا كُنْتُمْ ءَاذَنْتُمُونِي، ــ قالَ فَكَأَنَّهُمْ صغَّروا أَمْرَها ــ فَقالَ دُلُّونِي علَى قَبْرِها، فَدَلُّوهُ فصلَّى عليهَا ثم قالَ إنَّ هذهِ القبورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً علَى أهلِها وَإِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُنَوِّرُها لَهُمْ بِصَلاتِي عليهِم اﻫ

وإذا دَخَلْتَ المسجدَ فَاذْكُرْ دُعاءَ دُخولِ المسجِدِ وهو بسمِ اللهِ اللهمَّ صَلِّ على محمَّدٍ اللهمّ اغفِرْ لِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، ثم صَلِّ رَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ المسجِدِ قبلَ أَنْ تَجْلِس، ثم اذكُرْ رَبَّكَ أَوِ اقْرَأِ القُرءَانَ أَوِ ادْعُ لِنَفْسِكَ وَلِغَيْرِكَ فَإِنَّ الدُّعاءَ مُسْتَجَابٌ بينَ الأَذَانِ والإِقَامَة.

وما دُمْتَ في المسجِدِ فَعَلَيْكَ بِآدَابِ المساجِدِ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلا تَفْرِيط.

فحذَارِ مِنْ إِفْرَاطِ بعضِ الناسِ بِتَحْرِيمِهِمُ الكلامَ في المسجِدِ بِحديثِ الدنيا الذِي ليسَ فيهِ مَعْصِيَةٌ فهذَا غيرُ صحيحٍ إِنْ لَمْ يكُنْ في ذَلِكَ تَشْوِيشٌ علَى مُصَلٍّ أَوْ قَارِئِ قُرءَانٍ فقَدْ ثَبَتَ فيما رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ في المسجِدِ معَ جَمْعٍ مِنْ أَصْحابِهِ بالليلِ فكانَ أَصْحَابُه يَتَذَاكَرونَ مَا حَصَلَ في الجاهِلِيَّةِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ وأَعْمَالِهِمْ فَيَضْحَكُونَ وَالرَّسولُ يَبْتَسِمُ.

وإِنَّما يَحْرُمُ التَّكَلُّمُ في المسجِدِ بما يحرُمُ التَّكَلُّمُ بهِ خَارِجَ المسجدِ مِنْ غِيبَةٍ وغَيْرِها فَاحْذَرُوا مِنْ كَلامٍ وَضَعَهُ بعضُ الكَذَّابينَ الْمُفْتَرِينَ علَى دِينِ اللهِ وَنَسَبُوهُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حيثُ يقولونَ إِنَّ النبيَّ قالَ الكلامُ في المسجِدِ يأكُلُ الحسنَاتِ كمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ فهذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ علَى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

نَعَمْ عليكم بِطُولِ الصَّمْتِ إِلا مِنْ خَيْرٍ فِي المسجِدِ وخارج المسجد.

راعِ إِخْوَانَكَ في المسجدِ فَلا تُشَوِّشْ علَى الْمُصَلِّينَ وَلا علَى قارِئِ القرءانِ ولا تُؤْذِهِمْ.

وَاحْرِصْ علَى تَجَنُّبِ إيذائِهِمْ بِالرَّوائِحِ الْمُنَفِّرَةِ لا سِيَّمَا يَوْمَ الجمعَة. فعليكَ أخِي المسلمَ بِغُسْلِ الْجُمُعَةِ فإِنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَالْبَسْ لِصَلاةِ الجُمُعَةِ مِنْ ثِيَابِكَ البَيَاضَ وَقَلِّمِ الظُّفْرَ وَتَطَيَّبْ، وَاجْتَنِبْ قَبْلَها أَكْلَ الثُّومِ والبَصَلِ.

وَبَكِّرْ يَوْمَهَا بِالذَّهابِ إلَى المسجِدِ فَالثَّوابُ يَزِيدُ بِالإِبْكَارِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. وَإِذَا دَخَلْتَ وَالإِمامُ يَخْطُبُ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ وَاجْلِسْ وَلا تُكَلِّمْ أَحَدًا فَإِنَّ الكَلامَ في أَثْنَاءِ الخُطْبَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وأَنْصِتْ إلَى الخطِيبِ وَاسْتَمِعْ لَهُ فَإِذَا أَنْهَى الخَطِيبُ وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَقُمْ إلَى صَلاتِكَ بِخُشُوعٍ وَحُضُورِ قَلْبٍ وَتَمَثَّلْ نَفْسَكَ أَنَّكَ في ءَاخِرِ صَلاةٍ تُصَلِّيها.

إخوةَ الإِيمانِ، إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ ءامَنَ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَاعْمُروا المساجِدَ وَلا تَهْجُروها وَحَافِظُوا علَيهَا وعلَى مُقْتَنَياتِها وسَاهِمُوا فِي تشجيعِ غيرِكُمْ علَى الإِقبالِ عليهَا.

ثم إذَا خَرَجْتَ مِنَ المسجدِ فَقُلْ دُعاءَ الخروجِ وهو بسمِ اللهِ اللهمَّ صلِّ على محمدٍ اللهمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك، فَلَعَلَّ اللهَ يَسْتَجِيبُ لَكَ وَيُنْعِمُ عَلَيْك.

أسألُ اللهَ تبارَكَ وتعالى أَنْ يُلْهِمَنَا الصَّوابَ وَيُوَفِّقَنَا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ.

هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولكم.

 

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه.

واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاة والسلام على نبيِّهِ الكريم فقال {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦}[3] اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ يقول الله تعالى {يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيم ١ يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد ٢}[4] اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهم لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَنَعُوذُ بِكَ أَنْ نَضِلَّ أَوْ نُضلَّ أَوْ نَزِلَّ أَوْ نُزَلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ، اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أَمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1] سورة التوبة.

[2] سورة الحج.

[3] سورة الأحزاب.

[4] سورة الحج.