الحمدُ لله الذي أَكْمَلَ لنا الدِّينَ وَأَتَمَّ علَيْنَا النِّعْمَة، وجعلَ أُمَّتَنا وللهِ الحمدُ خيرَ أُمَّة، وبعثَ فينَا رَسولًا مِنّا يتلُو علينَا ءاياتِه ويُزَكِّينَا ويُعَلِّمُنا الكتابَ والحِكمة. أحمدُه على نِعَمِهِ الجَمَّة، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادةً تكونُ لِمَنِ اعْتَصَمَ بِها خيرَ عِصْمَةٍ وأشهَدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه أرسلَهُ للعالَمِينَ رَحْمَةً وفَرضَ عليهِ بيانَ ما أنزلَ إلينَا فأَوْضَحَ كُلَّ الأُمورِ المهمَّة فأدّى الأمانةَ ونصحَ الأمةَ صلى الله عليه وعلى ءاله وأصحابِه أولِي الفَضلِ والهِمّة.
عبادَ اللهِ أُوصِي نَفْسِي وإِياكُم بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ القَائِلِ في كِتَابِه الكَريمِ ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلبَنِينَ وَٱلقَنَٰطِيرِ ٱلمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلفِضَّةِ وَٱلخَيلِ ٱلمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنعَٰمِ وَٱلحَرثِ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسنُ ٱلمََابِ ١٤﴾[1] فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ وَلَا تُلْهِيَنَّكُمُ الدُّنْيَا وَشَهَواتُها وَمَتَاعُها وأَمْوَالُها عَمَّا عندَ اللهِ فإِنَّ اللهَ تبارَكَ وتعالى عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَئَاب. قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كمَا في صَحِيحِ مُسْلِمٍ إِنَّ هذَا المالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ ومَنْ أخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كانَ كالذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ اهـ شبَّهَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المالَ مِنْ حَيْثُ الرغبةُ فيهِ والْمَيْلُ إِلَيْهِ وَحِرْصُ النُّفوسِ عليهِ بِالفَاكِهَةِ الخَضْرَاءِ الْحُلْوَةِ الْمُسْتَلَذَّةِ التِي تَمِيلُ إليهَا النفسُ وَتَشْتَهِيهَا فالذِي يأخُذُ المالَ مِنْ طَرِيقٍ حَلالٍ ويَصْرِفُهُ في طريقِ خيرٍ فَيَصْرِفُهُ علَى زَوْجَتِهِ بِنِيَّةٍ حَسنَةٍ أو علَى أولادِه أو على أَبَوَيْهِ أو علَى أَقْرِبَائِه أو يصرفُهُ في وُجوهِ البِرِّ والخيرِ الأُخْرَى فهو نِعمةٌ عَظيمةٌ منَ اللهِ تعالى على عبدِهِ المؤمنِ فالمالُ الذِي يأخُذُهُ المؤمنُ مِنَ الْمَوْضِعِ الذِي أَحَلَّهُ اللهُ وَيَضَعُهُ فِيمَا يُحِبُّ اللهُ يكونُ عَوْنًا لهُ على ءاخِرَتِهِ لأنَّهُ يكونُ وسيلَةً لِكَسْبِ الأَجْرِ في الآخرةِ فَيَكُونُ نِعْمَ الْمَعُونَةُ علَى مَصالِحِ الآخرَةِ كمَا أنهُ مَعُونَةٌ علَى مَصالِحِ المعيشَة. وأمَّا مَنْ أَخَذَهُ بغيرِ حَقِّهِ فَاكْتَسَبَهُ بِطريقَةٍ مُحَرَّمَةٍ فإنهُ يُحْرَمُ بَرَكَتَهُ فيكونُ كالذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وإِنْ كانَ ذلكَ المالُ كثيرًا وعلَيْهِ وَبَالُ ذلكَ يومَ القِيامَة.
Continue reading نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِح