Category Archives: تعاليم إسلامية

وِلادَةُ سَيِّدِنا عِيسَى المسيحِ عليهِ السَّلامُ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، أحمدُه سبحانَه لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلى جميعِ إخوانِه النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإَنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ الْقَائِلِ فِي مُحكَمِ كِتابِه ﴿إِذ قَالَتِ ٱلمَلَٰئِكَةُ يَٰمَريَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِّنهُ ٱسمُهُ ٱلمَسِيحُ عِيسَى ٱبنُ مَريَمَ وَجِيها فِي ٱلدُّنيَا وَٱلأخِرَةِ وَمِنَ ٱلمُقَرَّبِينَ ٤٥ ﴾[1] إخوةَ الإيمان، يَطيبُ لنَا اليَومَ أنْ نتَكَلَّمَ عَن نَبيٍّ عَظِيمٍ مِنْ أُولِي الْعزْمِ خَصَّه اللهُ بِميزَةٍ عَظِيمَةٍ بأنْ خَلَقَهُ اللهُ تَعالَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ وما ذاكَ بعزيزٍ علَى اللهِ فقدْ خَلَقَ أبانَا ءادَمَ عليهِ السَّلامُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَأُمٍّ، وأمُّ سيدنا عيسَى أيها الأحبةُ هِيَ السيدةُ مَرْيَمُ عليها السلامُ التي بَشَّرتْها الملائكةُ بِاصْطِفَاءِ اللهِ تعالَى لها منْ بينِ سائرِ النساءِ وبتَطهِيرِها منَ الأدْنَاسِ والرَّذائِلِ. والملائكةُ إخوةَ الإيمانِ ليسُوا ذُكورًا ولا إِناثًا بل هُم عبادٌ مُكرمُون خُلقُوا من نورٍ وقدْ يتشكَّلُون بهيئةِ الذكورِ منْ دُونِ أن يكون لهم ءالةُ الذُّكورِية، وعلى هذه الهيئةِ أَرْسَلَ اللهُ سيدَنا جِبْرِيلَ عليه السلامُ يومًا إِلَى السَّيدةِ مَريمَ مُتَشَكِّلًا بِشَكْلِ شَابٍّ أَبْيَض الوَجْهِ وبَشَّرَهَا بِأَنَّها سَتَحْمِلُ بولَدٍ اسمُه عيسى من غَيْرِ أَبٍ وأن الله سيَجْعَلُهُ دَلِيلًا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِه سُبْحَانَه وَتَعالَى. نفخَ جِبْريلُ عليهِ السلامُ في جَيْبِ دِرْعِ السَّيدَةِ مريمَ وَهِيَ الفَتْحَةُ التِي عِنْدَ العُنُقِ فَحَمَلَتْ بعيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، ثُمَّ ألجأَها وَجَعُ الوِلادَةِ إلى سَاقِ نَخْلةٍ يَابِسَةٍ وهناكَ خَوْفًا مِنْ أَذَى النَّاسِ تَمَنَّتِ الْمَوْتَ فَنادَاها جِبْريلُ عليهِ السلامُ مِنْ أسفلِ الجبلِ يُطَمْئِنُها وَيُخْبِرُها أنَّ اللهَ تبارك وتعالى جَعَلَ تَحْتَها نَهَرًا صَغِيرًا وَيَقولُ لَهَا أَنْ تَهُزَّ جِذْعَ النَّخْلَةِ لِيَتَساقَطَ عَلَيْها الرُّطَبُ الْجَنِيُّ الطريُّ وأن تأكُلَ وتشربَ ممَّا رزقَها اللهُ وأَنْ تَقَرَّ عَيْنُها. ثم بعدَ الوِلادَةِ المبارَكَةِ أَتَتِ السَّيِّدةُ مريمُ عليها السلام قومَها تَحْملُ مَوْلودَها عيسَى عليه الصلاة والسلامُ فَقَالَ لَها قومُها لَقَدْ فَعَلْتِ فِعْلةً مُنْكَرَةً عَظيمةً وَصَارُوا يُؤْذونَها وَهِيَ سَاكِتَةٌ لا تُجِيبُ لأنَّها أَخْبَرَتْهُم أَنَّها نَذَرَتْ للرَّحمَنِ صَوْمًا، وَلَمَّا ضَاقَ بِهَا الحَالُ أَشارَتْ إلَى عِيسَى عليهِ السلامُ أَنْ كَلِّمُوهُ، فأَنْطَقَ اللهُ تعالى سيّدَنا عيسَى عليهِ السَّلامُ وَكَانَ رَضِيعًا فقال ﴿إِنِّي عَبدُ ٱللَّهِ﴾ اعتِرَافًا منه بِعُبُودِيَّتِه للهِ الواحدِ القهارِ ﴿ءَاتَىٰنِيَ ٱلكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّا ٣٠ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَينَ مَا كُنتُ وَأَوصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمتُ حَيّا ٣١﴾. نشأَ عيسى عليهِ السلامُ نَشْأَةً حسنَةً وأَنْزَلَ اللهُ عليهِ الوَحْيَ فدعَا عِيسى قومَهُ كَسائِرِ الأنبياءِ والمرسلينَ إلَى الإِسلامِ إلَى عبادةِ اللهِ وحدَهُ وعدَمِ الإِشراكِ بهِ شيئًا وَبَشَّرَ بِسَيِّدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ولكنَّهم كَذَّبوهُ وحسدُوهُ ولَمْ يُؤمِنْ بهِ إلا القَليلُ وءاذَوْهُ وسَعَوْا إلى قَتْلِهِ لكنَّ اللهَ حَفِظَهُ وَرَفَعَهُ إلى السماءِ كَمَا جاءَ في القُرءانِ الكريمِ. هذا وأستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلكم.

Continue reading وِلادَةُ سَيِّدِنا عِيسَى المسيحِ عليهِ السَّلامُ

عظمةُ شُكْرِ اللهِ عَلَى نِعَمِهِ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، أحمدُه سبحانَه لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلى جميعِ إخوانِه النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِي وإياكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ الذي قالَ في سورةِ سبأ ﴿وَقَلِيل مِّن عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ ١٣﴾. وعنْ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رضيَ اللهُ عنهُما قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسُ كَإِبِلٍ مائةٍ لَا تَكادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً اهـ رواهُ مُسْلِمٌ. إنَّ الناظرَ في أَحْوَالِ النَّاسِ وَاخْتِلَافِ البِلادِ وَتَنَوُّعِ الأُمَمِ وَالشُّعوبِ يَرَى أَنَّ البَشَرَ لَيسُوا سواءً، فَلِلنَّاسِ أَهْوَاءٌ شَتَّى وَءَارَاءٌ مُتَبَايِنَةٌ وَمَذَاهِبُ مُتَفَرِّقَةٌ، ولكلِّ قومٍ عادَاتُهم وتَقَاليدُهُمْ، وقليلٌ مِنْهُمْ مَنْ يَشْكُرُ اللهَ الذِي تَفَضَّلَ عليهِمْ بالنِّعَمِ الكثيرةِ حَقَّ الشُّكْرِ بَلْ أَكْثَرُ الناسِ لَا يَعْرِفُونَ حقيقةَ الشُّكْرِ ومَا هُوَ الوَاجِبُ عليهِمْ مِنْ ذَلِكَ لِرَبِّهِمْ. فَحَرِيٌّ بِمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ لِلْحَقِّ وأَنارَ قَلبَه بالهُدى أن يكونَ شاكرًا لربِّ العالمين.

ولْيُعْلَمْ أَنَّ الشكرَ الذي هو فَرضُ على العبادِ معناهُ عدَمُ استِعْمالِ النعمِ التي مَنَّ اللهُ بها عليكَ كالجَوارِحِ أي أَعْضَاءِ الجِسمِ والمالِ في مَعْصِيَةِ اللهِ. وهذا يَقْتَضِي أَنْ تَتَعَلَّمَ معاصيَ الجوارِحِ لِتَعْرِفَ ما الذِي يَحرُمُ عليكَ اقْتِرَافُهُ لِتَجْتَنِبَهُ، وأَنْ تتعَلَّمَ ما تحتَاجُ إليهِ منْ أَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ لِيَصِحَّ لكَ الكَسْبُ مِنْ طَريقٍ حَلالٍ.

وَمِنَ الناسِ مَنْ هو فَاقِدٌ لِلشُّكْرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ لَهُ مِنَ الشكرِ شىءٌ بالمرَّةِ كَالّذي يَتَكَبَّرُ عَنْ قَبولِ الهُدَى فَلا يُؤمنُ بِاللهِ وملائكتِه وكتبِه ورُسُلِه واليومِ الآخرِ، فيعتَقِدُ الكُفْرَ ويرفُضُ التوحيدَ ويأتِي الحرَامَ وَلَا يَرَى فيهِ بَأْسًا فَلا يُوافِقُ على تَحريمِ مَا حَرَّمَ اللهُ وَلَا يَدِينُ للهِ بِالحَقِّ، تَرَاهُ جَبَّارًا عَنِيدًا لا يَرُدُّهُ عَنْ غَيِّهِ دِينٌ وَلَا يَرْدَعُهُ عَنْ ظُلمِهِ شَرْعٌ، وهؤلاءِ مَا تَحقَّقَ لهم مِنْ شُكْرِ اللهِ تعالى شَىءٌ، لأَنَّهُمْ ضيَّعُوا أَصْلَ الوَاجِبَاتِ وأفضَلَها وَهُوَ الإِيمانُ الذِي جَعَلَهُ اللهُ شرطًا لِقَبولِ الأعمالِ الصالحةِ، وحيثُ أَهْمَلَ بعضُ الناسِ هذَا الأَصْلَ كانَ عَمَلُهُمْ بعدَ ذلكَ بِلَا طَائِلٍ وَيَصْدُقُ عليهِمْ قَوْلُ اللهِ تعالى في سورةِ الفُرْقَان ﴿وَقَدِمنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِن عَمَل فَجَعَلنَٰهُ هَبَاء مَّنثُورًا ٢٣﴾.

وفي حَديثِ مسلمٍ الذِي ذَكَرْتُهُ أوَّلَ الخُطْبَةِ الناسُ كَإِبِلٍ مائةٍ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً اهـ إشارَةٌ إلَى أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أَهْلُ نَقْصٍ، وأمَّا أَهْلُ الفَضْلِ الزَّاهِدُونَ في الدنيا الرَّاغِبُونَ في الآخرةِ القَائِمُونَ بِالشُّكرِ فعَدَدُهُمْ قَلِيلٌ جِدًّا فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّاحِلَةِ في الإبِلِ، أَيِ الوَاحِدَةِ منهَا الجَيِّدَةِ التي تصلُحُ لِلْحَمُولَةِ في السَّفَرِ ﴿وَلَٰكِنَّ أَكثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعلَمُونَ ٤٠﴾. هذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه.

اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله، إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

إِصْلَاحُ الْقُلُوْبِ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونتوبُ إليه، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مِثْلَ ولا نِدَّ لَهُ، ولا جُثَّةَ ولا أَعضاءَ له، أَحدٌ صمدٌ لم يلدْ وَلَمْ يُولدْ ولم يكن له كفُوًا أحد، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا عبدُه ورسولُه. اللهم صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحابَتِه الطيبينَ الطَّاهرين. أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ فَأُوْصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُم بِتَقْوَى اللهِ العَظِيْمِ القَائِلَ في سُورةِ الحَجِّ ﴿أَفَلَم يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرضِ فَتَكُونَ لَهُم قُلُوب يَعقِلُونَ بِهَا أَو ءَاذَان يَسمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعمَى ٱلأَبصَٰرُ وَلَٰكِن تَعمَى ٱلقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ ٤٦﴾. وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيْرٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ قال أَلَا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ القَلْبُ اهـ رواهُ البُخاريُّ ومُسْلِم.

اِعْلَمُوا أَيُّهَا الأَحِبَّةُ أَنَّ القَلْبَ أَمِيْرُ الجَوَارِحِ وأَشْرَفُ أَعْضَاءِ الْمَرْءِ البَاطِنَةِ وأَنَّ الجَوَارِحَ لا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ أَمْرِه، وذلكَ أنَّ الإنسانَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ بِأَيِّ عَمَلٍ مَا مِنْ أَعْمَالِ الخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ، يَحْصُلُ في قَلْبِهِ عَزْمٌ عَلى ذَلك العَمَلِ ثُمَّ يُعْطِي القَلْبُ الإِشَارَةَ لِلْجَوَارِحِ فَتَتَحَرَّكُ لِلْقِيَامِ بِالعَمَلِ فَيَكُونُ هذا الفِعْلُ بِوَاسِطَةِ الأَعْضَاءِ تَعْبِيْرًا عَمَّا انْعَقَدَ في القَلْبِ. وَحَيْثُ عُلِمَ هَذا فَحَرِيٌ بِالنَّاسِ العَمَلُ عَلى تَصْفِيَةِ القُلُوبِ وحِفْظِهَا مِنَ الأَدْرَانِ وَتَنْقِيَتِهَا مِنَ الأَمْرَاضِ القَتَّالَةِ حتى تَسْتَقِيْمَ فَتَتَحَرَّكَ نَحْوَ الخَيْرِ وَتُحْجِمَ عَنِ الشَّرِّ.

وَمِنْ أَمْرَاضِ القُلُوبِ الشَّكُّ في اللهِ أَيْ في وُجُودِهِ أَوْ وَحْدَانِيَّتِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ أَوْ حِكْمَتِهِ أَوْ عَدْلِهِ أَوْ عِلْمِهِ وَكُلُّ هَذا نَقْضٌ لِلْإِيمانِ وَخُرُوْجٌ مِنْه، وَمِنْهَا الرِّيَاءُ وَهُوَ العَمَلُ بِالطَّاعَةِ لِيَمْدَحَهُ النَّاسُ لا مُخْلِصًا لله، والحِقْدُ والحَسَدُ وَسُوْءُ الظَّنِّ بِالنَّاسِ وَغَيْرُ ذَلك مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَشَرْحُه، فَإِنْ لَمْ يَحْفَظِ الْمَرْءُ نَفْسَهُ مِنْ ذُنُوبِ القَلْبِ زَادَتْ عَلَيْهِ الخَطَايَا وَرُبَّمَا اسْوَدَّ قَلْبُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ حَتَّى لَا تَصِلَ إِلَيْهِ ءَاثَارُ الْمَوَاعِظِ وَلَا تَدْخُلَ مِنْ أَبْوَابِهِ الإِرْشَادَاتُ.

Continue reading إِصْلَاحُ الْقُلُوْبِ

العقيدة الطحاوية

الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونستغفِرُهُ ونستَرْشِدُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحسانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، أما بعدُ عبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِي وإياكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ القائلِ في سورةِ ءال عمران ﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعنَا مُنَادِيا يُنَادِي لِلإِيمَٰنِ أَن ءَامِنُواْ بِرَبِّكُم فَ‍َامَنَّا رَبَّنَا فَٱغفِر لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّر عَنَّا سَيِّ‍َاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبرَارِ ١٩٣﴾.

اعلمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ على عبادِهِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيُوَحِّدُوهُ ولَا بُدَّ لِصِحَّةِ الإِيمانِ مِنْ سَلامَةِ العَقِيدَةِ، ولِذَلِكَ وتَأْكِيدًا علَى الاعْتِنَاءِ بالعقيدةِ فَقَدْ صَنَّفَ العُلَمَاءُ قَديمًا وَحَدِيثًا تَصانِيفَ مُهِمَّةً في الاعْتِقَادِ، وَكَانَ مِنْ أَبْرَزِ مَا صُنِّفَ في هذَا الفَنِّ رِسَالَةٌ لِلإِمامِ السَّلَفِيِّ أبي جعفرٍ الطَّحَاوِيِّ الحنَفِيِّ عُرِفَتْ بِاسْمِ العَقِيدَة الطَّحَاوِيَّةِ والإِمامُ الطحاويُّ هوَ الإِمامُ أحمدُ بنُ سَلامَةَ الطحاويُّ المِصْرِيُّ الحَنَفِيُّ وُلِدَ سنةَ 229 هـ وتُوُفِّيَ سنةَ 321 هـ وَقَبْرُهُ في القَرَافَةِ مَشْهُورٌ يُزَارُ، فَهُوَ دَاخِلٌ في أَهْلِ القُرونِ الثَّلاثَةِ الأُولَى الذينَ شَمَلَهُمْ مَدْحُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ خَيْرُ القُرونِ قَرْنِي ثُمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ اهـ رواهُ الترمذيُّ عن عِمْرانَ بْنِ الحُصَيْنِ. وَقَدْ كانَ الطحاويُّ ثِقَةً نَبِيلًا إِمَامًا اسْتَفَاضَ بَيْنَ النَّاسِ فَضْلُهُ. ونحنُ نَذْكُرُ الآنَ بَعْضًا مِنْ كَلَامِ الإمامِ الطحاويِّ مما جَاءَ في هذِهِ العقيدةِ الْمُرْشِدَةِ، قالَ الطحاويُّ في تَنْزِيهِ اللهِ تعالَى وَتَعَالى (أي تَنَزَّهَ) عنِ الحُدودِ والغَاياتِ والأَرْكانِ والأَعْضَاءِ والأَدَوَاتِ، لَا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ اهـ وَمَعْنَى كَلامِهِ هَذَا أَنَّ اللهَ ليسَ لَهُ حَدٌّ وَالْحَدُّ معناهُ الكَمِّيَّةُ، فَنَفْيُ الحَدِّ عنهُ تعالى عِبَارَةٌ عَنْ نَفْيِ الجِسْمِ عَنْهُ، وَمعنى الغَايَاتِ النهاياتُ فَغَايَةُ الشىءِ نِهَايَتُهُ وفيهِ تَأْكِيدٌ لِنَفْيِ الكَمِّيَّةِ والِجسْمِيَّةِ عن رَبِّ العالمين، ومعنَى الأركانِ الجَوانِبُ الجَانِبُ الأَيْمَنُ والجَانِبُ الأَيْسَرُ وأمَّا الأَعْضَاءُ فَجَمْعُ عُضْوٍ وذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الأَجْسَامِ، وَمَعْنَى الأَدَوَاتِ الأَجْزَاءُ الصَّغِيرَةُ كَاللِّسانِ. وَأَفَادَ قوْلُهُ لَا تَحْوِيهِ الجِهَاتُ السِّتُّ كسائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ التَّنْزِيهَ الصَّرِيحَ عَنِ الْمَكَانِ وَالْجِسْمِيَّةِ، إِذِ الْمَكَانُ هُوَ الفَرَاغُ الذِي يَشْغَلُهُ الحَجْمُ، والحَجْمُ مَا يَأْخُذُ حَيِّزًا مِنَ الفَرَاغِ. وحيثُ أَثْبَتَ أنَّ اللهَ لَا تَحْويهِ الجِهَاتُ السِّتُّ وَهِيَ فوقٌ وتحتٌ ويَمينٌ وشِمالٌ وأمَامٌ وخَلْفٌ، دَلَّ عَلَى أَنَّ اللهَ لَا يَشْغَلُ حَيِّزًا مِنَ الفَرَاغِ، إِذًا فَاللهُ تعَالى ليسَ حَجْمًا وَلَا تَحْتَوِيهِ الأَنْحَاءُ كسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ أَيِ الْمَخْلُوقَاتِ. وحيثُ وَضَحَ هَذَا فَلْيُعْلَمْ أَنَّ مَا بَيَّنَّاهُ هُوَ عَيْنُ مَا كانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ، وَهُوَ الحَقُّ الْمُبِينُ، فَلْيُحْذَرْ مِنَ الاغْتِرَارِ بكلِّ ما خَالَفَهُ مِمَّا يُنْسَبُ إلَى السَّلَفِ والسَّلَفُ مِنْهُ بَرَاءٌ كَبَرَاءَةِ الذِّئْبِ مِنْ دَمِ يُوسُفَ علَيْهِ السَّلامُ. هذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.

Continue reading العقيدة الطحاوية