وِلادَةُ سَيِّدِنا عِيسَى المسيحِ عليهِ السَّلامُ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، أحمدُه سبحانَه لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلى جميعِ إخوانِه النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإَنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ الْقَائِلِ فِي مُحكَمِ كِتابِه ﴿إِذ قَالَتِ ٱلمَلَٰئِكَةُ يَٰمَريَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِّنهُ ٱسمُهُ ٱلمَسِيحُ عِيسَى ٱبنُ مَريَمَ وَجِيها فِي ٱلدُّنيَا وَٱلأخِرَةِ وَمِنَ ٱلمُقَرَّبِينَ ٤٥ ﴾[1] إخوةَ الإيمان، يَطيبُ لنَا اليَومَ أنْ نتَكَلَّمَ عَن نَبيٍّ عَظِيمٍ مِنْ أُولِي الْعزْمِ خَصَّه اللهُ بِميزَةٍ عَظِيمَةٍ بأنْ خَلَقَهُ اللهُ تَعالَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ وما ذاكَ بعزيزٍ علَى اللهِ فقدْ خَلَقَ أبانَا ءادَمَ عليهِ السَّلامُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَأُمٍّ، وأمُّ سيدنا عيسَى أيها الأحبةُ هِيَ السيدةُ مَرْيَمُ عليها السلامُ التي بَشَّرتْها الملائكةُ بِاصْطِفَاءِ اللهِ تعالَى لها منْ بينِ سائرِ النساءِ وبتَطهِيرِها منَ الأدْنَاسِ والرَّذائِلِ. والملائكةُ إخوةَ الإيمانِ ليسُوا ذُكورًا ولا إِناثًا بل هُم عبادٌ مُكرمُون خُلقُوا من نورٍ وقدْ يتشكَّلُون بهيئةِ الذكورِ منْ دُونِ أن يكون لهم ءالةُ الذُّكورِية، وعلى هذه الهيئةِ أَرْسَلَ اللهُ سيدَنا جِبْرِيلَ عليه السلامُ يومًا إِلَى السَّيدةِ مَريمَ مُتَشَكِّلًا بِشَكْلِ شَابٍّ أَبْيَض الوَجْهِ وبَشَّرَهَا بِأَنَّها سَتَحْمِلُ بولَدٍ اسمُه عيسى من غَيْرِ أَبٍ وأن الله سيَجْعَلُهُ دَلِيلًا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِه سُبْحَانَه وَتَعالَى. نفخَ جِبْريلُ عليهِ السلامُ في جَيْبِ دِرْعِ السَّيدَةِ مريمَ وَهِيَ الفَتْحَةُ التِي عِنْدَ العُنُقِ فَحَمَلَتْ بعيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، ثُمَّ ألجأَها وَجَعُ الوِلادَةِ إلى سَاقِ نَخْلةٍ يَابِسَةٍ وهناكَ خَوْفًا مِنْ أَذَى النَّاسِ تَمَنَّتِ الْمَوْتَ فَنادَاها جِبْريلُ عليهِ السلامُ مِنْ أسفلِ الجبلِ يُطَمْئِنُها وَيُخْبِرُها أنَّ اللهَ تبارك وتعالى جَعَلَ تَحْتَها نَهَرًا صَغِيرًا وَيَقولُ لَهَا أَنْ تَهُزَّ جِذْعَ النَّخْلَةِ لِيَتَساقَطَ عَلَيْها الرُّطَبُ الْجَنِيُّ الطريُّ وأن تأكُلَ وتشربَ ممَّا رزقَها اللهُ وأَنْ تَقَرَّ عَيْنُها. ثم بعدَ الوِلادَةِ المبارَكَةِ أَتَتِ السَّيِّدةُ مريمُ عليها السلام قومَها تَحْملُ مَوْلودَها عيسَى عليه الصلاة والسلامُ فَقَالَ لَها قومُها لَقَدْ فَعَلْتِ فِعْلةً مُنْكَرَةً عَظيمةً وَصَارُوا يُؤْذونَها وَهِيَ سَاكِتَةٌ لا تُجِيبُ لأنَّها أَخْبَرَتْهُم أَنَّها نَذَرَتْ للرَّحمَنِ صَوْمًا، وَلَمَّا ضَاقَ بِهَا الحَالُ أَشارَتْ إلَى عِيسَى عليهِ السلامُ أَنْ كَلِّمُوهُ، فأَنْطَقَ اللهُ تعالى سيّدَنا عيسَى عليهِ السَّلامُ وَكَانَ رَضِيعًا فقال ﴿إِنِّي عَبدُ ٱللَّهِ﴾ اعتِرَافًا منه بِعُبُودِيَّتِه للهِ الواحدِ القهارِ ﴿ءَاتَىٰنِيَ ٱلكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّا ٣٠ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَينَ مَا كُنتُ وَأَوصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمتُ حَيّا ٣١﴾. نشأَ عيسى عليهِ السلامُ نَشْأَةً حسنَةً وأَنْزَلَ اللهُ عليهِ الوَحْيَ فدعَا عِيسى قومَهُ كَسائِرِ الأنبياءِ والمرسلينَ إلَى الإِسلامِ إلَى عبادةِ اللهِ وحدَهُ وعدَمِ الإِشراكِ بهِ شيئًا وَبَشَّرَ بِسَيِّدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ولكنَّهم كَذَّبوهُ وحسدُوهُ ولَمْ يُؤمِنْ بهِ إلا القَليلُ وءاذَوْهُ وسَعَوْا إلى قَتْلِهِ لكنَّ اللهَ حَفِظَهُ وَرَفَعَهُ إلى السماءِ كَمَا جاءَ في القُرءانِ الكريمِ. هذا وأستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلكم.

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه. اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله، إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

سورة ءال عمران.[1]