Category Archives: خطب الجمعة

يَومُ عَرفَةَ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا هيئَةَ ولا صُورَةَ ولا أعضاءَ ولا جِسمَ ولا كيفِيَّةَ ولا جِهةَ ولا مكانَ له، أحمدُهُ سبحانَهُ أنْ جعَلَ في قُلوبِنا التنـزيهَ، أحمَدُهُ سبحانَهُ أنْ جَعَلَ في قُلوبِنا التوحِيدَ، وأسأَلُهُ سبحانَهُ أنْ يُثَبِّتَ قلوبَنا على عقيدَةِ التَّوحيدِ والتَّنـزيهِ.

وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنَا مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وَصَفِيُّهُ وحبيبُهُ، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالَمِينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغَ الرسالةَ وأَدَّى الأَمانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ، فجزاه اللهُ عنَّا خيرَ ما جزى نبيًّا مِنْ أنبيائِهِ. الصلاةُ والسلامُ على سيِّدِنا محمدٍ عَلَمِ الهدَى وبَدْرِ الدُّجَى، الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا سَيِّدَ الأنبياءِ وإمامَ الأتقياءِ ويا شمسَ الشُّموسِ ويا بَدْرَ البُدورِ ويا قَمَرَ الأَقمارِ يا مُحمَّدُ صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليكَ وعلى إخوانِك الأنبياءِ والمرسلينَ.

أيها الأحبةُ المسلمونَ أوصِي نفسِيَ وَإِيَّاكم بتقوَى اللهِ العَظِيمِ فَهَذِهِ الدُّنيا إلَى الزَّوالِ، كُنْ فِي الدُّنيا كأنَّكَ غريبٌ أَو عابرُ سَبِيلٍ، كُنْ فِي الدُّنيا كَرَاكِبٍ استَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ ثُمَّ راحَ وَترَكَهَا. يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى في القُرءانِ الكَريمِ ﴿ وَٱلفَجرِ ١ وَلَيَالٍ عَشر ٢[1].

إخوة الإيمان، إننا في أيامٍ عظيمةٍ وَمُبَارَكَةٍ أَيَّامِ خَيْرٍ وَفَضِيلَةٍ، وَلَيَالِ خَيرٍ وفضيلةٍ وبرَكةٍ هي لَيَالِي العَشْرِ الأولِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، التي عَنَاهَا اللهُ تعالَى بِقوْلِه ﴿وَلَيَالٍ عَشر ٢.

فمِن هَذِهِ الأَيَّامِ المبارَكَةِ يَومُ عَرفةَ، وأفضَلُ أيامِ الأسبوعِ عندَ اللهِ هُوَ يَوْمُ الجمُعَةِ وَبَعْدَهُ يَوْمُ الاثنَينِ. أما يَومُ عَرَفَةَ فَلَهُ مَزِيَّةٌ خاصَّةٌ خَصَّهُ اللهُ تبارك وتعالى بِها. وَمِنْ هذهِ الأيامِ يَومُ الحجِّ الأَكْبَرِ وَهُوَ يَوْمُ العِيدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ، يَوْمُ العِيدِ هُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأكبرِ سَواءٌ كانَ يومَ الجمعَةِ أَمْ لا. وَسُمِّيَ يومُ العِيدِ للحاجِّ يَوْمَ الحَجِّ الأكبرِ لأنَّ مُعْظَمَ أَعْمَالِ الحجِّ تَكُونُ فيهِ كَالطَّوافِ والحَلْقِ أَوِ التَّقصيرِ وَرَميِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ. وَتَبْدَأُ هذهِ الأيَّامُ الفَاضِلَةُ عَشرُ ذِي الحِجَّةِ مِنْ أَوَّلِ شهرِ ذِي الحِجَّةِ إلَى العَاشِرِ مِنْهُ وَهُوَ يومُ العِيدِ، وَقَدْ قَالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قَالَ مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ فيهَا أَحَبُّ إلَى اللّهِ مِنْ عَشرِ ذِي الحِجَّةِ اهـ فيُفْهَمُ أنَّ الأَعْمالَ الصَّالِحَةَ في هذهِ الأَيَّامِ تَزْكُو عِندَ اللهِ تعالَى أكثَرَ مِمَّا إذا عُمِلَتْ في غَيْرِها.

إخوةَ الإيمان، إنَّ يومَ عرفةَ هُوَ أفضلُ أيامِ العامِ فقد روى الترمذيُّ وغيرُه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال أفضلُ الدعاءِ يومُ عرفة وأفضلُ ما قلتُ أنا والنبيونَ من قبلي لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له لهُ الملكُ وله الحمدُ وهو عَلَى كلِّ شىءٍ قَدِير اهـ ويومُ عرفةَ يُسْتَحَبُّ لغيرِ الحاجّ صيامُه، قَالَ صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ اهـ[2]

إخوة الإيمان، في هذهِ الأيامِ المباركةِ نجدِّدُ الدعوةَ لاتِّباعِ الشَّرعِ الحنيفِ وكمْ هُوَ عَظِيمٌ قَوْلُكَ يا سيدي يا رَسولَ اللهِ يا أيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قدْ تَرَكْتُ فِيكُم مَا إنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نبيِّهِ إِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخُو المسلِمِ المسلِمُون إِخوَة اهـ الحديثَ.

Continue reading يَومُ عَرفَةَ

وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِر يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَـيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ الواحدُ الذِي لا شريكَ لَهُ في الأُلوهِيَّةِ، الأحدُ الذِي لا يقبَلُ الانقسَامَ ولا التجزُّؤَ لأنهُ ليسَ جِسمًا ولا يُوصَفُ بصفاتِ الجِسمِ، الفردُ الصَّمَدُ المستَغْنِي عن كُلِّ ما سِوَاهُ والمفتَقِرُ إليهِ كلُّ ما عداهُ لا يحتاجُ للسمواتِ ولا لِلأرضِ ولا لِشَىْءٍ من خَلْقِهِ، خَلَقَ العَرْشَ إظهارًا لقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِه. وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جَزَى نبيًا من أنبيائِه. صَلَى اللهُ وسلمَ على سيدِنا محمدٍ وعلَى جميعِ إخوانِه النبيينَ والمرسلينَ وءالِ كلٍّ وصحبِ كُلٍّ والصالِحين.

أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أوصِي نفسِي وأوصيكُم بتقوَى اللهِ العلِيِّ العظيمِ، القائِلِ في مُحكَمِ كتابِهِ ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيۡت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكا وَهُدى لِّلۡعَٰلَمِينَ ٩٦ فِيهِ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰت مَّقَامُ إِبۡرَٰهِيمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِناۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٩٧﴾[1].

إخوةَ الإيمانِ والإِسلامِ، إِنَّ الكَعْبةَ المشَرَّفَةَ هي أولُ بَيتٍ وَمَسْجِدٍ وُضِعَ في هذهِ الأرضِ، وءَادَمُ عليهِ السَّلامُ هُوَ أَوَّلُ من بَناهُ وقَدِ انْهَدَمَ بالطُّوفانِ الذي حَصلَ في زَمنِ نوحٍ عليهِ السلامُ والذِي عمَّ كُلَّ الأرضِ.

والكعبةُ وسطَ المعمورةِ وفوقَها إلى السَّماءِ السابِعَةِ البيتُ المعمُورُ وهو بيتٌ مُشَرَّفٌ هُوَ لأهلِ السماءِ الملائِكَةِ كالكعبةِ لأَهلِ الأرضِ كُلَّ يومٍ يَدْخُلُهُ سبعونَ ألفَ مَلَكٍ يُصلونَ فيهِ ثم يَخرُجونَ ولا يَعودُونَ أبدًا.

أَمَرَ اللهُ تعالى نبيَّه إبراهيمَ ببناءِ البيتِ الحرامِ، بِبِناءِ الكَعبَةِ وأرشَدَهُ إلى مكانِ البيتِ الحرامِ، فسَارَ عليهِ السلامُ إلى مَكَّةَ ووَجَدَ ابنَهُ إسماعيلَ وراءَ زَمْزَمَ فقالَ لَهُ يا إِسماعيلُ إنَّ اللهَ قد أمرَنِي أَنْ أبنِيَ بيتًا. قالَ له إسماعيلُ فَأَطِعْ رَبَّكَ. فقالَ لهُ إبراهيمُ قَدْ أمرَكَ أَنْ تُعينَنِي على بِنائِهِ. قالَ إِذَنْ أَفْعَلُ.

Continue reading وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِر يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق

قِصَّةُ ماءِ زَمزَم

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَـيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إِلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا مَثِيلَ لَهُ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ ولا كَيفِيَّةَ ولا شَكْلَ وَلا صُورَةَ ولا أَعْضَاءَ ولا جِسمَ ولا جُثَّةَ ولا مَكانَ لَهُ، تنَزَّهَ اللهُ عن صفاتِ خلقِهِ لا تَكْتَنِفُهُ السماواتُ ولا الأَرَضُونَ ولا تُحيطُ بِهِ الجهاتُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جَزَى نبيًا من أنبيائِه. اللهم صلِّ على مُحمَّدٍ صلاةً تَقْضِي بِهَا حَاجَاتِنا، اللهُمَّ صلِّ على محمدٍ صلاةً تُفَرِّجُ بِها كُرُباتِنا، اللهُمَّ صَلِّ على محمدٍ صلاةً تكفِينَا بِهَا شَرَّ أعدائِنا وَسَلِّمْ عليهِ وعَلَى ءالِه سَلامًا كثيرًا.

أما بعدُ عبادَ اللهِ، فإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِيَ بتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ القَائِلِ في مُحْكَمِ كِتَابِه: ﴿وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ١٢٧[1].

إخوةَ الإِيمانِ وَالإِسلام، اليومَ بإذنِ اللهِ ربِّ العالَمينَ نُحَدِّثُكمْ عن قِصَّةِ الماءِ الطَّاهِرِ المبَارَكِ ماءِ زمزَمَ. إبراهيمُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كانَ معَ زوجتِه سارةَ في فلسطينَ وكانَتْ سارَةُ عَقِيمًا لا تَلِدُ، وكانَ يُحْزِنُها أن تَرَى زَوْجَها ليسَ لهُ ولدٌ وكانَ قد بَلغَ مِنَ العُمُرِ سِتًّا وَثَمانينَ سنَةً وهِيَ قد جَاوَزَتِ السَّبعينَ، فوَهَبَتْ سارةُ هاجَرَ لزَوْجِهَا إبراهيمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فقَبِلَ إبراهيمُ ذلك. فلَمَّا دخلَ إبراهيمُ بِهاجَرَ وَلَدَتْ لَهُ غلامًا زكيًّا هُوَ سَيِّدُنا إسماعيلُ الذي كانَ مِنْ نَسْلِهِ رسولٌ عظيمٌ هو سَيِّدُنا محمدٌ سيِّدُ الأوَّلِينَ والآخِرينَ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ وعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ والمرسَلِينَ. فَرِحَ إبراهيمُ بولَدِهِ إسماعيلَ وَفَرِحَتْ سارَةُ لِفَرَحِ زَوْجِها إبراهيمَ عليهِ السلامُ وذَهَبَ إبراهيمُ مَعَ ابنِه إسماعيلَ وأُمِّهِ هاجَرَ إلى مكةَ وإسماعيلُ لا زالَ في الْمَهْدِ رَضِيعًا.

إخوةَ الإيمانِ، فَكِّرُوا في شدَّةِ التَّوَكُّلِ والتَّسليمِ عندَ سيدِنا إبراهيمَ الخليلِ عليهِ السلامُ، فلَقَدْ وَضَعَ هاجرَ معَ ابنِها إسماعيلَ في ذلكَ الْمَكَانِ القَفْرِ وليسَ بِمَكةَ يومئِذٍ أحدٌ ولا بُنيانٌ ولا عمرَانٌ ولا ماءٌ ولا كلأٌ، تركَهُما هناكَ وترَكَ لَهُمَا كِيسًا فيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فيهِ ماءٌ، ثم لَمَّا أرادَ العودَةَ إلى بِلادِ فلسطينَ وقَفَلَ راجِعًا لَحِقَتْهُ هاجَرُ أمُّ إسماعيلَ وهِيَ تقولُ لَهُ: “يا إبراهيمُ أين تَتْرُكُنا في هذا المكانِ الذِي ليسَ فيهِ سَميرٌ ولا أنيسٌ ؟”.

وجعلَتْ تقولُ لَهُ ذلكَ مِرارًا، وَكَانَ يُريدُ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فيمَا أَمَرَهُ، عندَ ذلكَ قالَتْ لَهُ: ءَاللهُ أمرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فقَالَتْ بِلسانِ اليَقينِ وَبِالْمَنْطِقِ القَوِيمِ: “إذًا لَنْ يُضَيِّعَنَا” ثُمَّ رَجَعَتْ.

وإبراهيمُ الخَليلُ عليهِ السلامُ الذِي امْتَثَلَ لأَمْرِ رَبِّهِ لَمَّا ابتَعَدَ قَلِيلاً عَنْ وَلَدِهِ ثَمَرَةِ فُؤادِهِ وأُمِّهِ هاجَرَ التَفَتْ جِهَةَ البَيْتِ وَوَقَفَ يَدعُو اللهَ وَيقُولُ ﴿رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡ‍ِٔدَة مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ٣٧[2].

سَكَنَتْ هاجَرُ أمُّ إسماعيلَ معَ ولدِها إسماعيلَ حَيْثُ وَضَعَهُمَا إبراهِيمُ عليهِ السلامُ وصارَتْ تُرضِعُ ولدَها إسماعيلَ وتشرَبُ من ذلكَ الماءِ الذِي ترَكَهُ لَهُمَا إبراهيمُ حتَّى إِذَا نَفِدَ مَا في ذلكَ السِّقاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابنُهَا وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَتَلَوَّى مِنْ شِدَّةِ العَطَشِ وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إليهِ وَهُوَ يَتَلَوَّى وَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إليهِ في هذهِ الحالةِ وصارَتْ تُفَتِّشُ لَهُ عَنْ مَاءٍ فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ في الأرضِ يَلِيهَا فَصَعِدَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الوَادِيَ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفا حتى بَلَغَتِ الوادِيَ وصارَتْ تَسْعَى سَعْيَ الْمَجْهُودِ حَتَّى وَصَلَتْ إلى جَبَلِ المروَةِ فصَعِدَتْ عليهِ وَنَظَرَتْ فَلَمْ تَجِدْ أَحَدًا فأَخَذَتْ تَذْهَبُ وَتَجِيءُ بينَ الصَّفا والمروَةِ سبعَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا أشرَفَتْ علَى المروةِ سَمِعَتْ صوتًا فقالَتْ: “أَغِثْنَا إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غَوَاثٌ”.

فرأتْ مَلَكًا وهو جبريلُ عليهِ السلامُ يَضْرِبُ بِقَدَمِه الأَرْضَ حَتَّى ظهرَ الماءُ السَّلْسَبِيلُ العَذْبُ وَهُوَ مَاءُ زمزمَ فَجعَلَتْ أمُّ إسماعيلَ تحوطُ الماءَ وتَغْرِفُ منهُ بِسِقَائِها وَهُوَ يَفُورُ وَجَعَلَ جِبريلُ يَقولُ لَها: “لا تَخَافِي الضَّيْعَةَ فَإِنَّ للهِ هَهُنَا بَيْتًا يَبْنِيهِ هذا الغُلامُ وأبوهُ” أي إسماعِيلُ وإبراهيمُ عليهِما السلامُ. شَرِبَتْ هاجرُ من ماءِ زمزمَ وَارْتَوَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَها إسماعِيلَ شَاكِرَةً اللهَ تعالَى الكريمَ اللطِيفَ على عَظيمِ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَعِنَايَتِهِ. اللهمَّ ارْزُقْنَا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ وَزِيارَةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وارزُقْنَا شَرْبَةً من حوضِهِ لا نَظْمَأُ بعدَها أَبَدًا يَا أَرْحَمَ الرَّاحمِين. هذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

الخطبة الثانية:

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.

أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ وبالثباتِ على نهجِ رسولِه محمدٍ الصادقِ الوَعْدِ الأمينِ. واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦﴾[3]، اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ  على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا، اللهم اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة البقرة.

[2] سورة إبراهيم

[3]  سورة الأحزاب/56.

الحثُّ على أداءِ رواتبِ الفَرَائضِ ونوافِلِ الصَّلَوَات

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستَهْدِيهِ ونَشكُرُه ونستغفرُه ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضِدَّ ولا ندَّ لهُ. وأشهد أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنَا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه،  مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا وَمُبَشِّرًا ونَذِيرًا، صلّى اللهُ على سيدِنا محمّدٍ وعلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكم ونفسِي بتَقْوَى اللهِ العليِّ القديرِ فَاتَّقُوه.

قالَ اللهُ تعالَى ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ
وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩ ٧٧﴾[1]

أمرَنا اللهُ تباركَ وتعالَى بِعبادَتِهِ وطَاعَتِه وقَدْ سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن أفضلِ الأَعمالِ أي بَعْدَ الإِيمانِ فَقَالَ الصلاةُ لِوَقْتِهَا اﻫ[2] وهِيَ أوَّلُ مَا يُسْأَلُ العبدُ عنهُ مِنَ الفَرَائِضِ العَمَلِيَّةِ وذلكَ بعدَ سُؤَالِهِ عنِ الإيمانِ بِاللهِ وَرَسُولِه صلى الله عليه وسلم. وقَدْ فَرَضَ اللهُ علينا خمسَ صلَوَاتٍ فَمَنْ أدَّاها كمَا أمرَ اللهُ تعالى كانَتْ لَهُ نورًا وبُرْهَانًا يومَ القِيامَة.

فالصلاةُ إخوةَ الإِيمانِ والإسلامِ أحسنُ ما قصدَهُ المرءُ في كُلِّ مُهِمٍّ وأَوْلَى مَا قامَ بهِ عندَ كُلِّ خَطْبٍ مُدْلَهِمّ .. خُضوعٌ وخُشوعٌ وافْتِقَارٌ وَاضْطِرَار .. دُعاءٌ وَثَنَاءٌ وتَحْمِيدٌ وتَمْجِيدٌ وتَذَلُّلٌ للهِ العَلِيِّ الحمِيد، وقد جعلَها اللهُ قرَّةً لِلْعُيونِ وَمْفَزَعًا للمَحْزُونِ فكانَ رسولُ الهُدَى صلى الله عليه وسلم إذَا حَزَبَهُ أَيْ نَابَهُ وأَلَـمَّ بهِ أَمْرٌ شديدٌ وفي روايةٍ حَزَنَهُ أَمْرٌ يَفْزَعُ إلى الصلاةِ وكانَ يُنادِي أَرِحْنَا بِالصَّلاةِ يَا بِلال، فكانَتْ سُرورَهُ صلى الله عليه وسلم وهناءَةَ قَلْبِهِ وسعادَةَ فُؤادِهِ فقَدْ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عينِي فِي الصَّلَاة اﻫ[3]

وقَدْ رغَّبَ رسولُ اللهِ صلى الله عيه وسلم بِسُنَنٍ ونَوافِلَ زيادةً علَى ما فرَضَ اللهُ مِنَ الصَّلواتِ الخمسِ كَما روَى البخاريُّ مَثَلًا عَنِ ابنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهُما قالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عشرَ ركَعاتٍ ركعتينِ قبلَ الظهرِ وركعتينِ بعدَها وركعتينِ بعدَ المغربِ في بيتِه وركعتَيْنِ بعدَ العِشاءِ في بيتِه وركعتَينِ قبلَ الصُّبحِ اﻫ وفي روايةٍ وركعتينِ بعدَ الجُمُعَة، وفِي روايةٍ عندَ غيرِه أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ.

Continue reading الحثُّ على أداءِ رواتبِ الفَرَائضِ ونوافِلِ الصَّلَوَات