Category Archives: خطب الجمعة

كيف يثبت رمضان

الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونستغفِرُهُ ونستَرْشِدُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مَثِيلَ لَهُ مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبالكَ فاللهُ بِخِلافِ ذلكَ وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ، وأشهدُ أَنَّ سیدَنا وحبيبَنا وقائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمدًا عَبْدُ اللهِ ورسولُه وصفيُّهُ وحبيبُه وخَلِيلُهُ أَرْسَلَهُ اللهُ بالهدَی وَدِينِ الحَقِّ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا ونذيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللهِ بإذنِهِ وسِراجًا مُنِيرًا فَجَزَاهُ اللهُ خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ.

اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحسانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، أما بعدُ عبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِي وإياكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ فاتقوا اللهَ ربَّكُمُ الذي قالَ في كتابِه الكريمِ في سورةِ الحَشْرِ ﴿وَمَا ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُم عَنهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ ٧﴾.

إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ عَلَيْنَا أَنْ بَعَثَ فِينَا نَبِيَّهُ الكَرِيمَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فَتَرَكَنَا علَى الْمَحَجَّةِ البَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ.

وقد أَوْضَحَ صلى الله عليه وسلمَ السَّبِيلَ، وَبَيَّنَ الأَحْكامَ، وَأَرْشَدَنَا إلَى مَا فِيهِ السَّلَامَةُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنِ الْتَزَمَ نَهْجَهُ وَشَرْعَهُ فَازَ، وَمَنْ خَالَفَهُ هَلَكَ، وكانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا جَاءَ بهِ رسولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم مُبَلِّغًا عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وجلَّ فَرْضِيةُ صِيامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فقد قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ في سورةِ البَقَرَةِ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ١٨٣﴾ وقالَ أيضًا ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهرَ فَليَصُمهُ﴾.

وجاء في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ بُنِيَ الإِسْلامُ علَى خَمْسٍ وَعَدَّ مِنْهَا وَصَوْمِ رَمَضَانَ اهـ مُتَّفَقٌ علَيْهِ.

وَلِمَعْرِفَةِ ابْتِدَاءِ وَانْتِهَاءِ الشهرِ الْمُبَارَكِ طَرِيقَةٌ وَأَحْكَامٌ، بَيَّنَهَا النبيُّ الأَكْرَمُ صلى الله عليه وسلم بِوَحْيٍ مِنَ اللهِ تعالَى، وَأَخَذَهَا عَنْهُ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ، ثُمَّ أخذَهَا عَنْهُمُ التَّابِعُونَ، ثم مَنْ بَعْدَهُمْ، وَمَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ مُنْذُ قُرونٍ طَوِيلَةٍ يَعْمَلُونَ بِهَا إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَهَذِهِ الطَّريقَةُ مَبْنِيَّةٌ علَى مُرَاقَبَةِ الْهِلَالِ بِالْعَيْنِ في الْمُدُنِ وَالْقُرَى وَالبُلْدَانِ، يَعْرِفُ ذلكَ كُلُّ مَنْ عَاشَ في بِلادِ الْمُسْلِمِينَ وَشَهِدَ عادَاتِهِمْ مِنَ الْخُرُوجِ لِمُرَاقَبَةِ الْهِلَالِ، وَتَجَمُّعِ الناسِ في الْمَواضِعِ التي تَتَّضِحُ فِيهَا الرُّؤْيَةُ، وَمِن ثمَّ إطلاقُ الْمَدَافِعِ، أَوْ إِيقَادُ النارِ على رُؤُوسِ الْجِبَالِ عِنْدَ ثُبُوتِ الرُّؤْيةِ إِيذَانًا بِثُبُوتِ الشَّهْرِ الشَّريفِ، أَوِ العِيدِ السَّعِيدِ.

Continue reading كيف يثبت رمضان

وجوب الزكاة

الحمدُ للهِ الذي جعلَ الزكاةَ مَطْهَرةً للنُّفوسِ وَتَزْكِيَةً لها وأَمَرَ عِبَادَهُ بِإِيتائِها رَحْمَةً بهم وأَثْنَى على مُؤْتِيها وَوَعَدَهُ بِالثَّوابِ العَظِيمِ وتَوَعَّدَ مَانِعَها بالعذابِ الشَّدِيدِ حيثُ يُحْمَى على ما كَنَزُوا مِنْ ذَهَبٍ وفِضَّةٍ ولم يُخْرِجُوا زكاتَهُ في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهِ جِبَاهُهُمْ وجُنُوبُهُمُ وظُهُورُهُمْ. وأشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ فليسَ ذاتٌ كذَاتِهِ ولا صفاتٌ كَصِفَاتِهِ ولا أَفْعَالٌ كَفِعْلِهِ سبحانَه ليسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه. اللهمَّ صَلِّ على محمّدٍ وَسَلِّمْ عليهِ وعلَى ءالِه سَلامًا كَثيرًا.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِّي أوصيكم ونفسي بتقوَى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في محكمِ كِتابِه {وَٱلَّذِينَ يَكنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي
سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرهُم بِعَذَابٍ أَلِيم ٣٤ يَومَ يُحمَىٰ عَلَيهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُم وَجُنُوبُهُم وَظُهُورُهُم هَٰذَا مَا كَنَزتُم لِأَنفُسِكُم فَذُوقُواْ مَا كُنتُم تَكنِزُونَ ٣٥}
[1]

إخوةَ الإِيمان إنَّ اللهَ تعالَى فَرَضَ فرائضَ فَلا تُضَيِّعُوها وحَدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوها وَحَرَّمَ أَشياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها. ومِمّا فَرَضَ اللهُ تعالَى الزَّكاةُ وكانَ وُجُوبُها فِي السّنةِ الثانيةِ مِنَ الهِجْرَة.

أَخِي المسلِمَ هَلْ أَنْتَ مِمَّنْ تَجِبُ عليهِمُ الزَّكَاة؟

إِنْ كُنْتَ كذلكَ فَهَلْ تَعَلَّمْتَ فِيمَ تَجِبُ الزَّكاةُ وَكَمِ الوَاجِبُ إخراجُهُ في زكاةِ مَالِكَ وَلِمَنْ يَجِبُ إِعْطَاءُ الزّكاةِ وَمَتَى؟ إخوةَ الإيمانِ المكلَّفُ الذِي يَمْلِكُ شَيئًا مِمَّا تَجِبُ فيهِ الزَّكاةُ يجبُ عليهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّفاصِيلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِها لِيُؤَدِّيَ حَقَّها علَى الوَجْهِ الشَّرْعِيِّ الصَّحيحِ.

فيمَ تَجِبُ الزكاةُ إِخْوَةَ الإيمان؟ الزَّكاةُ تَجِبُ في الإِبلِ والبَقَرِ والغَنَم، فَإِنْ كُنْتَ تَمْلِكُ إِبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غنَمًا وَجَبَ عليكَ أَنْ تَسْأَلَ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كانَتِ الزَّكاةُ وَاجِبَةً عليكَ فيمَا تَمْلِكُ وكَمْ تُخْرِجُ عَنْهَا زَكَاة.

تجبُ الزكاةُ في التَّمْرِ والزَّبيبِ والزُّروعِ التِي يَتَّخِذُها النَّاسُ قُوتًا في أيّامِ الرَّخَاءِ لا الْمَجَاعَةِ كَالقمحِ والشّعيرِ والحِمَّصِ والفُولِ والذُّرةِ، فَإِنْ كُنْتَ صاحِبَ بُسْتَانٍ فيهِ نَخْلٌ أَوْ شَجَرُ عِنَبٍ وَجِبَ عليكَ أَنْ تَسْأَلَ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كَانَتِ الزَّكاةُ واجِبَةً عليكَ فِي ثَمَرِ بُسْتَانِكَ وَكَمْ تُخْرِجُ مِنْهَا زَكَاةً، وإِنْ كُنْتَ صَاحِبَ مَزْرَعَةٍ تُزْرَعُ فيهَا الزُّروعَ الْمُقْتَاتَةَ كالقَمْحِ والشَّعيرِ والفُولِ والحِمَّصِ والعَدَسِ ونحوِها وَجَبَ علَيْكَ أَنْ تَسْأَلَ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كانَتِ الزَّكاةُ وَاجِبَةً عليكَ فِي زَرْعِكَ وَكَمْ تُخْرِجُ مِنْهَا زَكَاةً.

وتجبُ الزَّكاةُ في الذَّهبِ والفِضَّةِ سَواءٌ حَصَّلَهُمَا الشَّخْصُ بِشِرَاءٍ أَمْ هِبَةٍ، فإِنْ كنتَ مَالِكًا لِشَىءٍ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْكَ سُؤَالُ أَهْلِ العِلْمِ إِنْ كَانتِ الزكاةُ واجبةً عليكَ في القَدْرِ الذِي مَلَكْتَهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وكَمْ تُخْرِجُ منهُ زَكَاةً.

وتجبُ الزَّكاةُ أيضًا في أَمْوَالِ التِّجارةِ التِي تُقَلَّبُ بِغَرَضِ الرِّبْحِ كَالثِّيابِ والدَّجاجِ والحَدِيدِ وغيرِهَا لِمَنْ يَتْجَرُ بِهَا، فَإِنْ كنتَ تَاجِرًا وَجَبَ عليكَ أَنْ تَسْأَلَ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كانَتِ الزكاةُ واجبةً عليكَ في مَالِ تجارَتِكَ وَكَمْ تُخْرِجُ منهُ زكاةً. فهذا باختصارٍ ما تَجِبُ فيهِ الزكاة.

وَلا نَنْسَى زَكَاةَ الفِطْرِ فإنّها تَجِبُ علَى مَنْ أَدْرَكَ ءَاخِرَ جُزْءٍ مِنْ رَمضانَ وَأَوَّلَ جُزْءِ مِنْ شَوَّالٍ وذلكَ بإِدْرَاكِ غُروبِ شَمْسِ ءاخِرِ يومٍ مِنْ رَمضانَ فتجبُ علَى كلِّ مُسْلِمٍ وعلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ إذَا كانُوا مُسْلِمِين.

إخوةَ الإيمانِ كثيرٌ مِنَ الناسِ لا يُخْرِجُونَ الزكاةَ أو يُخرجونَ دُونَ القَدْرِ الوَاجِبِ أَوْ يُخرجونَها لِمَنْ لا يَسْتَحِقُّها. فالمكلّفُ الذِي يَمْلِكُ شيئًا مِمَّا تَجِبُ فيهِ الزَّكاةُ يَجِبُ عليهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّفَاصِيلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِها. فَمَنْ فَاتَهُ شىءٌ مِنْ تَعَلُّمِ أُمورِ الزّكاةِ الوَاجِبَةِ أَوْ قَصَّرَ في إِيتاءِ الزّكاةِ الواجِبَةِ عليهِ فَلْيَتَدَارَكْ نَفْسَهُ قبلَ الفَوَاتِ فَإِنَّ مَنْعَ الزَّكاةِ مِنَ الكَبَائِرِ وكذَا تَأْخِيرُ دَفْعِهَا عَنْ وَقْتِهَا مِنْ غَيرِ عُذْرٍ كَمَا قالَ صلى الله عليه وسلم لعنَ اللهُ ءاكِلَ الرِّبا ومُوكِلَهُ ومَانِعَ الزَّكاة اﻫ رواهُ ابنُ حِبَّان.

فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ وَأَدُّوا مَا فَرَضَ اللهُ عليكُمْ قبلَ الفَوَاتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا يَنْفَعُ فِيهِ مَالٌ أَوْ بَنُونَ إِلّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَاللهَ أَسْأَلُ أَنْ يُوَفِّقَنا لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى إِنَّه علَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ وبِعبَادِهِ لَطِيفٌ خَبِير.

هذا وأَستغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، اللهمَّ وَفِّقْنا أن نعملَ صالحًا ترضاهُ وَأَوْزِعْنا أنْ نشكرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ علينا وعلى والِدِينا، اللهم اجعلْنا منَ الذينَ يُؤَدُّونَ زكاتَهُم على ما أَمَرْتَ. اللهمَّ ذاتَ بَيْنِنا وألِّفْ بينَ قلوبِنا. رَبَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورةُ التّوبَة.

النِّصْف مِنْ شَعْبَان (مغانم ومحاذير من دسائس)

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شُرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى جميعِ إخوانِه النبيينَ والْمُرْسَلِينَ.

أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ الْقَائِلِ فِي كِتَابِهِ الْكَريِمِ ﴿فَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرا يَرَهُۥ ٧ وَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّة شَرّا يَرَهُۥ ٨﴾[1].

إِخْوَةَ الإيِمَانِ، إنَّ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ التَّرْغِيبَ بِقَلِيلِ الْخَيْرِ وَكَثِيرِهِ وَالتَّحْذِيرَ مِنْ قَلِيلِ الشَّرِّ وَكَثِيرِهِ، فَحَرِيٌّ بِنَا وَنَحْنُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ أَنْ نُقْبِلَ عَلَى الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهُ قالَ في ليلةِ النصفِ من شعبان إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا اﻫ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وغيرُه.

أيها الأحبةُ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ عظيمةٌ وهيَ ليلةٌ تُذَكِّرُنا بِاقْتِرَابِ خيرِ الشهورِ شهرِ رمضانَ الذِي أُنْزِلَ فيهِ القرءانُ وقد أَرْشَدَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى ما ينبغِي للمُؤْمِنِ أن يفعلَه في يومِ النصفِ من شعبانَ وماذا يفعَلُ في ليلتِه أيِ الليلةِ الْمُتَقَدِّمَةِ على يومِ النصفِ من شعبانَ بأن يقومَ ليلَهُ بالصلاةِ والدُّعاءِ والاستِغْفَارِ ويصومَ نَهارَه، وقد قالَ ربُّ العزّةِ في كتابِه الكريم ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنيَا﴾[2] أَيْ لاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ لآخِرَتِكَ مِنْ دُنْيَاكَ، فَمَنْ تَزَوَّدَ لآِخِرَتِهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا فَهُوَ الْمُتَزَوِّدُ وَمَنْ فَاتَهُ التَّزَوُّدُ لِلآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا فَقَدْ فَاتَهُ التَّزَوُّدُ. وقد جاءَ في أَخْبارِ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ أنَّ أهلَ مكةَ كانُوا إذَا أَتَتْ ليلةُ النصفِ من شعبانَ خرجَ عامَّةُ رجالِهم ونِسائِهم إلى المسجِدِ فصَلَّوْا وطافُو وأَحْيَوْا لَيْلَتَهم حتّى الصباح بِالقِرَاءةِ في المسجدِ الحرامِ حتّى يَخْتِمُوا القُرْءانَ كُلَّه ومِنْهُمْ مَنْ كانَ يُصَلِّي تلكَ الليلَةَ مائةَ ركعَةٍ يَقْرَأُ في كُلِّ ركعَةٍ بالحمدُ وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَد عشرَ مرَّاتٍ وأنهم كانوا يأخُذونَ مِنْ مَاءِ زمزمَ تلكَ الليلةَ فيَشْرَبُونَه ويَغْتَسِلُونَ بِه ويُخَبِّئونَهُ عندَهُم لِلْمَرْضَى يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ البَرَكَةَ في هذِهِ الليلَةِ.

Continue reading النِّصْف مِنْ شَعْبَان (مغانم ومحاذير من دسائس)

التحذيرُ من الكذبِ وكذبةِ أَوَّلِ نيسان

إنَّ الحمدَ للهِ نَحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهدِيهِ ونشكرُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ ولا مثيلَ ولا شبيهَ لهُ أَحَدٌ صمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وأشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورَسُولُه مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَادِيًا ومُبَشِّرًا وَنذيرًا، علَّمَ الأمةَ ما ينفعُها وحَذّرَ مِمّا يضرُّها في دينِها ودُنْيَاها فَبَيَّنَ أَنَّ الصِّدْقَ مَنْجَاةٌ وَالكَذِبَ مَهْلَكَةٌ فَأَمَرَ بِالصِّدْقِ وَعَظَّمَ أَهْلَهُ وَحَذَّرَ مِنَ الكَذِبِ وَذَمَّ أَهْلَهُ، فَصَلِّ اللهُمَّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِه وأصحابِه الطَّيبينَ الطاهرِينَ.

أمّا بعدُ عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِي نَفْسِي وإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ تعالى واعلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١١٩﴾[1]

إخوةَ الإيمانِ، إنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالَى قد أَمَرَنَا بِفِعْلِ الخيرِ ونَهَانَا عنِ الشَّرِّ. وكذا رسولُهُ الكريمُ فَقَدْ أَرْسلَهُ رَبُّنا مُعَلِّمًا الناسَ الخيرَ دَاعِيًا لَهُمْ إِلى مكارِمِ الأَخلاقِ ومَحاسنِها كمَا قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأَخْلاقِ اهـ[2]

وإِنَّهُ مِنْ عَظيمِ الصِّفاتِ التِي أَمَرَ اللهُ بِهَا وَحثَّ عليهَا رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصِّدْقُ، ومِنْ أَخْبَثِ الصِّفاتِ التي نَهَى عنهَا الكَذِبُ.

فَقَدْ روَى الإمامُ مسلِمٌ في صَحيحِهِ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عليكُم بالصِّدقِ فإنَّ الصِّدقَ يَهدِي إلى البِرِّ وإنَّ البِرَّ يَهدِي إلَى الجنّة، وما يَزَالُ العَبْدُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ صِدِّيقا، وإيَّاكُم والكَذِبَ فإنَّ الكذِبَ يَهدِي إلى الفُجُورِ[3] وإنَّ الفُجورَ يهدِي إلى النَّارِ وما يزالُ العبدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حتى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا اﻫ معنَى هذَا الحديثِ إخوةَ الإيمانِ أنَّ الصدقَ يهدِي إلى العملِ الصَّالحِ الخالِصِ مِنَ كلِّ مَذْمُومٍ ويُوصِلُ إلَى الجنَّةِ وأَنَّ الكذبَ يُوصِلُ إلى الفُجورِ وَهُوَ الميلُ عنِ الاستِقامَةِ والانبعاثُ فِي المعاصِي الْمُوصِلُ إلَى النَّارِ، ففِي هذَا الحديثِ الحثُّ على تَحَرِّي الصِّدْقِ وهُوَ قَصْدُهُ والاعتناءُ بهِ وعلَى التَّحذيرِ مِنَ الكَذِبِ والتَّساهُلِ فيهِ.

Continue reading التحذيرُ من الكذبِ وكذبةِ أَوَّلِ نيسان