وجوب الزكاة

الحمدُ للهِ الذي جعلَ الزكاةَ مَطْهَرةً للنُّفوسِ وَتَزْكِيَةً لها وأَمَرَ عِبَادَهُ بِإِيتائِها رَحْمَةً بهم وأَثْنَى على مُؤْتِيها وَوَعَدَهُ بِالثَّوابِ العَظِيمِ وتَوَعَّدَ مَانِعَها بالعذابِ الشَّدِيدِ حيثُ يُحْمَى على ما كَنَزُوا مِنْ ذَهَبٍ وفِضَّةٍ ولم يُخْرِجُوا زكاتَهُ في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهِ جِبَاهُهُمْ وجُنُوبُهُمُ وظُهُورُهُمْ. وأشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ فليسَ ذاتٌ كذَاتِهِ ولا صفاتٌ كَصِفَاتِهِ ولا أَفْعَالٌ كَفِعْلِهِ سبحانَه ليسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه. اللهمَّ صَلِّ على محمّدٍ وَسَلِّمْ عليهِ وعلَى ءالِه سَلامًا كَثيرًا.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِّي أوصيكم ونفسي بتقوَى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في محكمِ كِتابِه {وَٱلَّذِينَ يَكنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي
سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرهُم بِعَذَابٍ أَلِيم ٣٤ يَومَ يُحمَىٰ عَلَيهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُم وَجُنُوبُهُم وَظُهُورُهُم هَٰذَا مَا كَنَزتُم لِأَنفُسِكُم فَذُوقُواْ مَا كُنتُم تَكنِزُونَ ٣٥}
[1]

إخوةَ الإِيمان إنَّ اللهَ تعالَى فَرَضَ فرائضَ فَلا تُضَيِّعُوها وحَدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوها وَحَرَّمَ أَشياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها. ومِمّا فَرَضَ اللهُ تعالَى الزَّكاةُ وكانَ وُجُوبُها فِي السّنةِ الثانيةِ مِنَ الهِجْرَة.

أَخِي المسلِمَ هَلْ أَنْتَ مِمَّنْ تَجِبُ عليهِمُ الزَّكَاة؟

إِنْ كُنْتَ كذلكَ فَهَلْ تَعَلَّمْتَ فِيمَ تَجِبُ الزَّكاةُ وَكَمِ الوَاجِبُ إخراجُهُ في زكاةِ مَالِكَ وَلِمَنْ يَجِبُ إِعْطَاءُ الزّكاةِ وَمَتَى؟ إخوةَ الإيمانِ المكلَّفُ الذِي يَمْلِكُ شَيئًا مِمَّا تَجِبُ فيهِ الزَّكاةُ يجبُ عليهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّفاصِيلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِها لِيُؤَدِّيَ حَقَّها علَى الوَجْهِ الشَّرْعِيِّ الصَّحيحِ.

فيمَ تَجِبُ الزكاةُ إِخْوَةَ الإيمان؟ الزَّكاةُ تَجِبُ في الإِبلِ والبَقَرِ والغَنَم، فَإِنْ كُنْتَ تَمْلِكُ إِبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غنَمًا وَجَبَ عليكَ أَنْ تَسْأَلَ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كانَتِ الزَّكاةُ وَاجِبَةً عليكَ فيمَا تَمْلِكُ وكَمْ تُخْرِجُ عَنْهَا زَكَاة.

تجبُ الزكاةُ في التَّمْرِ والزَّبيبِ والزُّروعِ التِي يَتَّخِذُها النَّاسُ قُوتًا في أيّامِ الرَّخَاءِ لا الْمَجَاعَةِ كَالقمحِ والشّعيرِ والحِمَّصِ والفُولِ والذُّرةِ، فَإِنْ كُنْتَ صاحِبَ بُسْتَانٍ فيهِ نَخْلٌ أَوْ شَجَرُ عِنَبٍ وَجِبَ عليكَ أَنْ تَسْأَلَ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كَانَتِ الزَّكاةُ واجِبَةً عليكَ فِي ثَمَرِ بُسْتَانِكَ وَكَمْ تُخْرِجُ مِنْهَا زَكَاةً، وإِنْ كُنْتَ صَاحِبَ مَزْرَعَةٍ تُزْرَعُ فيهَا الزُّروعَ الْمُقْتَاتَةَ كالقَمْحِ والشَّعيرِ والفُولِ والحِمَّصِ والعَدَسِ ونحوِها وَجَبَ علَيْكَ أَنْ تَسْأَلَ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كانَتِ الزَّكاةُ وَاجِبَةً عليكَ فِي زَرْعِكَ وَكَمْ تُخْرِجُ مِنْهَا زَكَاةً.

وتجبُ الزَّكاةُ في الذَّهبِ والفِضَّةِ سَواءٌ حَصَّلَهُمَا الشَّخْصُ بِشِرَاءٍ أَمْ هِبَةٍ، فإِنْ كنتَ مَالِكًا لِشَىءٍ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْكَ سُؤَالُ أَهْلِ العِلْمِ إِنْ كَانتِ الزكاةُ واجبةً عليكَ في القَدْرِ الذِي مَلَكْتَهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وكَمْ تُخْرِجُ منهُ زَكَاةً.

وتجبُ الزَّكاةُ أيضًا في أَمْوَالِ التِّجارةِ التِي تُقَلَّبُ بِغَرَضِ الرِّبْحِ كَالثِّيابِ والدَّجاجِ والحَدِيدِ وغيرِهَا لِمَنْ يَتْجَرُ بِهَا، فَإِنْ كنتَ تَاجِرًا وَجَبَ عليكَ أَنْ تَسْأَلَ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كانَتِ الزكاةُ واجبةً عليكَ في مَالِ تجارَتِكَ وَكَمْ تُخْرِجُ منهُ زكاةً. فهذا باختصارٍ ما تَجِبُ فيهِ الزكاة.

وَلا نَنْسَى زَكَاةَ الفِطْرِ فإنّها تَجِبُ علَى مَنْ أَدْرَكَ ءَاخِرَ جُزْءٍ مِنْ رَمضانَ وَأَوَّلَ جُزْءِ مِنْ شَوَّالٍ وذلكَ بإِدْرَاكِ غُروبِ شَمْسِ ءاخِرِ يومٍ مِنْ رَمضانَ فتجبُ علَى كلِّ مُسْلِمٍ وعلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ إذَا كانُوا مُسْلِمِين.

إخوةَ الإيمانِ كثيرٌ مِنَ الناسِ لا يُخْرِجُونَ الزكاةَ أو يُخرجونَ دُونَ القَدْرِ الوَاجِبِ أَوْ يُخرجونَها لِمَنْ لا يَسْتَحِقُّها. فالمكلّفُ الذِي يَمْلِكُ شيئًا مِمَّا تَجِبُ فيهِ الزَّكاةُ يَجِبُ عليهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّفَاصِيلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِها. فَمَنْ فَاتَهُ شىءٌ مِنْ تَعَلُّمِ أُمورِ الزّكاةِ الوَاجِبَةِ أَوْ قَصَّرَ في إِيتاءِ الزّكاةِ الواجِبَةِ عليهِ فَلْيَتَدَارَكْ نَفْسَهُ قبلَ الفَوَاتِ فَإِنَّ مَنْعَ الزَّكاةِ مِنَ الكَبَائِرِ وكذَا تَأْخِيرُ دَفْعِهَا عَنْ وَقْتِهَا مِنْ غَيرِ عُذْرٍ كَمَا قالَ صلى الله عليه وسلم لعنَ اللهُ ءاكِلَ الرِّبا ومُوكِلَهُ ومَانِعَ الزَّكاة اﻫ رواهُ ابنُ حِبَّان.

فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ وَأَدُّوا مَا فَرَضَ اللهُ عليكُمْ قبلَ الفَوَاتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا يَنْفَعُ فِيهِ مَالٌ أَوْ بَنُونَ إِلّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَاللهَ أَسْأَلُ أَنْ يُوَفِّقَنا لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى إِنَّه علَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ وبِعبَادِهِ لَطِيفٌ خَبِير.

هذا وأَستغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، اللهمَّ وَفِّقْنا أن نعملَ صالحًا ترضاهُ وَأَوْزِعْنا أنْ نشكرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ علينا وعلى والِدِينا، اللهم اجعلْنا منَ الذينَ يُؤَدُّونَ زكاتَهُم على ما أَمَرْتَ. اللهمَّ ذاتَ بَيْنِنا وألِّفْ بينَ قلوبِنا. رَبَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورةُ التّوبَة.